موضوعنا اليوم سيكون ( عن وادي ليه ) وهو موضوع طويل وسوف اختصره قد الإمكان .
وادي ليه
من أكبر أودية الطائف بل أكبرها على الإطلاق، ويقع أوله في الشرق الجنوبي من الطائف على بعد ثمانية أميال منه والنسبة منه لووي كما سيأتي، ووصفه الأستاذ الزركلي في كتابه " ما رأيت وما سمعت " فقال: واد أكبر من وادي لقيم، كثير المواضع، وفير الري في أول طريق السيل إلى جهة الشرق الجنوبي كما وصفه الأمير شكيب أرسلان في كتابه " الإرتسامات اللطاف " بقوله: وأما وادي ليه فقد زرته وبت فيه ليلة وهو واد ضيق مستطيل يمتد مسافة أربع ساعات مبدؤه من بلاد السفاينة من ثقيف، وهو ينحدر نحو الشرق الجنوبي – ولعله أراد الشرق الشمالي – وعليه من الجانبين البساتين والجنان والزرع وكلها تسقى بالسواني لأن مياه الوادي تشح كثيرا في الصيف وقد ينقطع بعضها عن بعض فلا يبقى منها إلا غدران تردها المواشي أشهرها الذي يقال له غدير البنات. وبيوت سكان الوادي مرتفعة عن النهر احتياطا عن السيل لأنه كثيرا ما تغطي المياه على الجانبين، والبيوت مبنية بالحجر تظن بعضها أبراجا منيعة . وللوادي تربة هي الحد الأقصى في الخصب فتجد من نماء الشجر ما يحار له العقل، وجميع ما في هذه الجنان أشجار مثمرة منها الكرم والسفرجل والرمان والفرسك والحماط والكمثرى وغيرها وكلها – عدا الحماط والتين – في الطبقة العليا بين الفواكه أما الرمان فهو كحب الياقوت ليس له نظير منظرا وطعما وقد أشتهر وادي ليه به .
وقال ياقوت في كتابه " معجم البلدان ": ( ليه بتشديد الياء وكسر اللام لها معنيان: اللية هي قرابة الرجل وخاصته والليه هي العود الذي يستجمر به وهو الألو، وليه من نواحي الطائف مر به الرسول e حين انصرافه من حنين يريد الطائف، وأمر وهو بليه بهدم حصن مالك بن عوف قائد غطفان ) .
ووهم ياقوت في هذا إذ مالك بن عوف النصري من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وهو قائد هوازن لا غطفان . وفي ليه يقول خفاف بن ندبة :
ألا طرقت أسماء من غير مطرق
وأني قد حلت بنجران نلتقي
سرت كل واد دون رهوة دافع
وجلدان أو كرم بلية محدق
تجاوزت الأعراض حتى توسدت
وسادي لدى باب بجلدانة مغلق
وقال مالك بن خالد الخناعي الهذلي نسبة إلى خناعة بن سعد بن هذيل يرد على مالك بن عوف النصري في يوم البوباة ( البهيتاء ) يوم غزاها مالك بن عوف قوله:
إني زعيم أن تقاد جيادنا
نقاب الرجيع في السريح المسير
فقال مالك بن خالد الهذلي:
أمالك بن عوف إنما الغزو بيننا
ثلاث ليال غير مغزاة أشهر
متى تنزعوا من بطن لية تصبحوا
بقرن ولم يضمر لكم بطن محمر
فلا تتهددنا بقحمك إننا
متى تأتنا ننزلك عنه ويعقر
فبعض الوعيد إنها قد تكشف
لأشياعها عن فرج صرما مذكر
ألم تر أنا أهل سوداء جونة
وأهل حجاب ذي حجاز وموقر
به قاتلت آباؤنا قبل ما ترى
ملوك بني عاد وأقوال حمير
يقول يا مالك بن عوف بيننا وبينكم ثلاث ليال وليس بالكثير، وقوله تنزعوا أي تخرجوا منه ولم يضمر لكم بطن محمر أي لم تتعب دوابكم لقرب السير والمحمر الذي ليس بعتيق الخيل، والقحم هو الكبير من الإبل والناس والمسن يريد فرسه، صرماء ومصرمه هي التي لا أخلاف لها ( مذكر ) تلد الذكور وهي مكروهة من الإبل، سوداء جونة يريد حرة والحجاب ما غلظ من الحرة وارتفع، موقر إذا نزلت من الجبل إلى السهل فذلك موقر، الأقوال هم الملوك .
وقال الراجز:
لما رأت حليلتي عينيه
ولمتى كأنها حليه
تقول هذا قرة عليه
ياليته بالبحر أو بليه
ومات عني زوجتي المخشيه
ومات عني زوجتي المخشيه
الحلي هو ما أبيض من يبس النصي شبه به الشيب، والنصي هو نبت سبط من أفضل المراعي مادام رطبا فإذا أبيض فهو الطريفة فإذا ضخم ويبس فهو الحلي. والقرة هنا هي الحمل الثقيل .
وقال غيلان بن سلمة بن متعب حينما غزت خثعم ثقيفا بالطائف وأرجعهم منهزمين من بعد معركة حامية قتل منهم عددا وفيرا وأسر كثيرا ثم منّ عليهم فأطلقهم :
ألا يا أخت خثعم خبرينا
بأي بلاء قومك تفخرينا
جلبنا الخيل من أكناف وج
ولية نحوكم بالدارعينا
وقال البكري: لية بكسر أوله وتشديد ثانيه وهي أرض من الطائف على أميال يسيرة وهي على ليلة من قرن، ثم قال: وهي دار بني نصر فيها كان حصن مالك بن عوف النصري واستشهد بقول مالك بن خالد المتقدم وقال: ثم سار رسول الله e بعد حنين إلى الطائف، سلك على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على بحرة الرغاء من لية فابتنى في بحرة الرغاء مسجدا وصلى فيه، وأمر النبي e وهو في لية بحصن مالك بن عوف النصري فهدم ثم سلك في طريق يقال لها ( الضيقة ) فلما توجه فيها سأل عن أسمها ؟ فقيل له ( الضيقة ) فقال: بل هي اليسرى ثم خرج منها على نخب فأتى الطائف. قال أبو الفتح: لية فعلة من لويت ولو نسبت إليها لقلت: لووي على حقيقة النسب كما تقول في الري رووي لولا تغييره – يريد أن النسب إلى الري على القياس: رووي لكنهم غيروه فقالوا: رازي، وهذا في النسب إلى البلد الذي بفارس - . قال الزبير : وفد أبو جهم بن حذيفة على معاوية وكانت بينه وبين ثقيف لحاء فقال: يا أبا جهم مالك ولثقيف يشكونك إلي ؟ قال: ما أعجب أمرك ! والله لا أصالحهم حتى يقولوا: قريش وثقيف وليه ووج، لا يحبنا منهم إلا أحمق، ولا يحبهم منا إلا أحمق. ويظهر لي من هذه القصة أن ثقيفا كانوا شديدي الإعجاب والفخر بمزارعهم على وادي وج كما كانوا ينظرون إلى جيرانهم من قريش نظرة ضيقة لا تحمل الود والتقدير في ذلك الوقت، أو هي تصرفات البعض منهم
آخر تعديل الأزوري العتيبي يوم 30-Sep-2007 في 01:42 PM.