البيان السعودي الصادر بوقت قصير بعيد اندلاع الأزمة اللبنانية- الإسرائيلية بسبب قتل حزب الله عدداً من الجنود الإسرائيليين واختطاف اثنين منهم ،بغض النظر عمن دعمه أو خالفه، يعد سابقة عملية لكيفية التعامل مع الأزمات بأسلوب المكاشفة الآنية بعيداً عن عبارات الدبلوماسية والمجاملة وتطييب الخواطر التي تسببت في السابق في تميع المواقف وبعث رسائل خاطئة لمن استفرد بالقرار ونفذه. وقد أصبح ذلك البيان منذ صدروه وحتى الآن محط تحليلات وتأويلات الأوساط السياسية العربية والأجنبية، إلى جانب تصدره وسائل الإعلام المختلفة.
وهذا مؤشر واضح على أهميته وما يعبر عنه من مواقف صريح تجاه الأزمة. وحسب وجهة نظري يأتي البيان متسقاً مع الدور المحوري الذي تقوم المملكة على المستوى العربي-الإسلامي من خلال المساهمة الملموسة في حل قضايا المنطقة وعالمياً من خلال ما تضخه من إمدادات بترولية لأسواق العالم. لذا، من حق المملكة التعبير عن موقفها بكل وضوح وشفافية تبعاً لتلك الأدوار التي تلعبها.
لقد أسهمت المملكة من خلال إقناع الأطرف اللبنانية المتنازعة على توقيع اتفاق الطائف العودة ببلد مثل لبنان إلى دائرة التعايش الطائفي والسلم والنمو الاقتصادي وتنفس المدنية بكافة إشكالها وصورها. ولم يتم ذلك من قبيل المصادفة ومن دون بذل الجهود المضنية والتكاليف التي ضمنت لهذا الاتفاق النجاح في ظل الإخفاقات العربية المتواصلة. لذا، المملكة محقة في أن تعبر عن أسفها بشدة وتشجب بشدة وتعترض بشدة لأنها ترى بلوعة وتشعر بألم بان المكتسبات المدنية والتنموية التي تمخض عنها الاتفاق تقصف وتدمر من قبل الجيش الإسرائيلي بسبب مغامرات غير محسوبة طائشة وعنترية.
لقد وقفت الكثير من الشعوب العربية مصفقة لجهود "حزب الله" عندما أسهم في انسحاب الجيش الإسرائيلي من جزء من الأراضي اللبنانية المحتلة من قبل إسرائيل في الجنوب مسجلاً بذلك نصراً معنوياً كبيراً في نفوس الشعوب العربية المنكسرة بسبب ما تتلقاه من نكبات متتالية من حرب خليجية أولى وثانية واحتلال العراق من قبل الجيش الأمريكي، إلى جانب التعنت الإسرائيلي وممارساته اللانسانية ضد الشعب الفلسطيني. أما في الأزمة الناشبة حالياً بين حزب الله والجيش الإسرائيلي فسيسجل التاريخ العربي المرير أن حزب الله بطريقة مباشرة وغير مباشرة تسبب في إعادة لبنان إلى نقطة الصفر في الوقت الذي كانت له الفرصة مواتية له لبسط نفوذه المدني من خلال الانخراط الكامل في العملية السياسية والتخلي التدريجي عن التصعيد العسكري. ولكن الذي يجب ان يقال أيضا بكل وضوح أن الارتماء في حضن معاول الهدم والتفرقة وبسط النفوذ المذهبي والعقائدي لن ينتج عنه إلا تلك الكوارث التي ستقود المنطقة كافة إلى حافة الهاوية. وفي هذا السياق يجب عدم فهم ما قيل في السابق على أنه تبرير للعربدة الإسرائيلية وأفعالها المشينة ولكنها وقفة صادقة مع النفس خالية من العواطف. فعلى سبيل المثال، ما يطلق عليها دول النمور الاسيوية والتي من بينها دول إسلامية وتحتضن شعوبا إسلامية كبيرة تسجل في الوقت الحالي معدلات نمو اقتصادية عالية بسبب استقرارها السياسي وعدم دخولها في الحروب والمنازعات مما ساعدها على تجاوز المحن والصعاب بأقل الخسائر. وكمثال على ذلك، الأزمة المالية التي هوت باقتصاد ماليزيا في التسعينات إلى الحضيض، ولكنه عاد و تعافى بسرعة ليس بشن الحروب ودعم المنظمات الإرهابية أو إلقاء اللوم على القوى الخارجية، وإنما باتخاذ خطوات عملية عاجلة بدأت بإعادة هيكلة السوق المالي في ذلك البلد.
وحسناً فعلت بعض دول الخليج التي رفضت في الحال تكوين جيش عربي بتكاليف تزيد على مليار دولار ونصف والموافقة في الحال على تحمل مصاريف إعادة بناء لبنان. نعم دول الخليج تنعم بمداخيل بترولية عالية في الوقت الحالي ولكن تلك المداخيل يجب ألا تستخدم في تسديد فواتير مغامرات غير محسوبة. تلك المداخيل يقال بصريح العبارة انها ستستغل في بناء وتنمية الإنسان الخليجي واقتصادياته ليلحق بأقصى سرعة بركب ما يستجد في اقتصاديات العالم. وهذا في نهاية المطاف لن تنحصر فائدته على الإنسان الخليجي وحده وإنما سيتعداه إلى أخوانه العرب والمسلمين والبشرية جمعاء. لقد شرق وغرب السائح الخليجي أبان الحرب الأهلية اللبنانية ولكنه بمجرد أنه اشتم روح المدنية والسلم في بيروت ومقاهيها وفنادقها عاد إليها مسرعاً سائحاً ومستثمراً ومالكاً للعقارات. وهذه رسالة مباشرة إلى أخواننا في لبنان والعرب عموماً أنه يسعدنا صرف أموالنا في بلداننا العربية متى ما سنحت الفرصة لذلك بخلاف ما يصدره الغير لهم من صواريخ وأسلحة ودمار وشعارات فارغة!
هنا كانــ مروريــــ
معــ كلــ الودـــ
التوقيع |
دنيــــا ومــن يـــــدري كلــــ شــــئ يصـــير فيهــــا |