|
.:" الأسطوره ":.
بندر بن سرور

إعداد / خالد النفيعي (قلم شاع ـر)
توقفنا في الجزء الثاني من هذا الطرح عند نقطة تثير القلق والتساؤلات في آنٍ واحد , ألا وهي سرقة الوجدانيات كما يحلو لمحبين الشعر أن يسمونه , وهو في الحقيقة ليس وجدانيةٌ فقط بل أكثر من ذلك , هي متنفس الروح , هي المشاعر , هي الأحاسيس وهي المعاناة أيظاً , وعندما تكون المعاناة أشدُ وطأةً على الشاعر تجد القصيدة قد تمخضت وهي أشد تعبيراً تدخل القلوب بلا إستئذان , محركةً مشاعر من لا مشاعر له , فكيف بمن له أحساس ومشاعر ( وجدانية ) مرهفه ..!
قبل أن نتطرق لقضية العصر الحالي وهي سرقة القصائد , دعونا نقف قليلاً عند وجدانية بندر بن سرور , فكما أسلفنا قبل قليل عند ما تكون المعاناة أشدُ وطأةً على الشاعر تجد القصيدة قد تمخضت وهي أشد تعبيراً
يقول بندر :
سر ياقلم مالي على الصبر طاقه = صبري تعدى الحد ماعاد ينطاق
أكتب لمثلي قصته واشتياقه = في خطك الواضح على بيض الأوراق
لاحظوا معي أيها جزالة التعبير .. ودقة الوصف .. ولاحظوا معي أيظاً براعة الوصف .. عند قوله : (مالي على الصبر طاقه ) ليردف المعنى في البيت الثاني الشطر الأول في قوله ( أكتب لمثلي قصته واشتياقه ) , هنا يكتمل المعنى والوصف , ولكن .!! لا يأتي الكمال إلا بالمُكَمل , إذاً دعونا نتأمل هذين البيتين :
يقول بندر :
قصة حزين صافي الحر ذاقه = انا بذكره ماصله خاطري ضاق
باقو به الأصحاب والوقت باقه = وصار الضحيه بين باير وبواق
غزلية , هجائيه , مدح , إلا أن القالب الأساسي عاطفية بحته , رغم تنوع المعاني إلا أن المعنى الأساسي للقصيدة باقٍ لم يتغير , وهو يعطينا مثالاً رائعاً في فن التعبير , ليس التعبير في الشعر فحسب بل التعبير اللفضي للكلام سواءٌ بالقول أو حتى بالإنشاء والطرح , إحتفاظ كامل بالمعنى الشامل منذ البدء في التعبير حتى الإنتهاء منه ولو تنوعت بالوصف أثناء التعبير وخرجت عن المعنى المُشار إليه إلا أنك تعود في نهايته لتسلسل الإبداع
وليتوّج بقالبه وموضوعه الأساسي . هذا هو المدرسة الشعريّة المندثرة , قلّ ماتجد في زماننا مثل هؤلاء العمالقة .
نعود إلى قضية السرقة , وأسمحوا لي قليلاً أن أعرج إلى تنويه صغير , وهو أن في مامضى لم يكن هناك سرقة قصائد فلم يُعرف شيئاً عن هذه السرقات إلا في زماننا الحاظر , ففي الماضي كانت القصائد هي هويات أصحابها وهي تلعبُ دوراً مهماً في حياة المجتمع بأسره كالصحافة في وقتنا الحاظر , بل أنها أعظم من الصحافة , فكانت اسرع وسيلة وأضمن وصولاً رغم قلة المواصلات آنذاك إلا أنها تصل وتُحفظ ويتناقلها الناس في المجالس , إبتداءً من النصيحة حتى الذم والهجاء , والمدح والرثاء , لدرجة أن القبائل آنذاك تتفاخر بالقصائد فيها , وكلنا نعلم قصة بنوا أنف الناقة حين مدحهم الشاعر ولما أنتهى الوصف عند قولهِ ( وهل يستوي الأنف والذَنبُ ) تفاخروا بنسبِهم , وأيظاً عندما مدح الفرزدق رجلاً فقيراً معدما ولديه 3 بناتٍ لم يتزوجن , وبعد مدح الفرزدق له أغتنى الرجل وذاع صيته حتى إن بناته تزوجن من ملوك عصرِهن آنذاك وليس هذا ببعيد عن شاعرنا بندر بن سرور اليس هو القائل :
وأنصحك نفسك لاتسقط شرفها = ترى بعض بيض المجالس مجيفه
فلقد كانت المراسلات كما أسلفنا هي بالقصائد , وكانت القصائد أيظاً هي عنوان وهوية الشاعر
يقول بندر :
واصلـك ياعمـي جـواب مـزرف = مع واحـدن نبـدي عليـه السريـره
وحتى نعطي السؤال السابق حقه كاملاً , نعود لنقول أن القصائد المسروقة هي واضحةٌ وضوح الشمس وهي وللأسف الشديد من هذا الجيل في هذا الزمن - الأغبر - وهي لأغراض علمها عند الله سبحانه , إما أن تكون بنيّة إنتقام أو تشويه أو تصوير وغيره الكثير من الأسباب اللتي وللأسف لاتجد لها مبرراً واحداً يدل على أن هذه السرقة تخدم الشاعر سواءٌ شاعرنا هذا أو شاعرٌ آخر , ولو إطلعنا جيّداً ونظرنا إلى الوراء قليلاً فسنجد أحمد شوقي وقد سرقت له عدة قصائد والبعض الآخر أظاف أبيات حول قصيدته المشهورة ( قم للمعلم ) ولاقت صدىً واسع الإنتشار حتى أن أهل بيته أقتنعوا أنها من أبيات أحمد شوقي , خاصةً كلمة ( مالاقيتٌ يوماً ) , فالأغراض كثيرة ولعل أقرب من يتخذ السرقة من الشاعر سواءٌ حياً أو ميتاً هو من النقّاد , وشاعرنا كما أسلفنا له من النقّاد الكثيرون حتى أنهم وصفوه ( أخر الصعاليك ) كما سبق شرحه في الجزء الأول و لكم في الجزء الثاني عن قصيدة جنزير وهوا خير برهان فالقصيدة الأولى طُويت والأخرى برزت وضهرت إلا أن الإختلاف واضح وجلي , ولاتنطلي هذه الحيل إلا على ساذج لا يفقه في القوافي لا ألفٌ ولا باء , ومن الأخطاء الشائعة لدى الكثيرين ماعُرف عن بندر بن سرور أنه مات ولم يدرك نظام البطاقة الشخصية ولم يلحق عليها , والصحيح أن بندر بن سرور أدرك نظام البطاقات الشخصيه
يقول بندر بن سرور في هذا الصدد :
والله لاجى له من ورى نجد بعنـوه = لاجي بنفسي وأجيب الختم والصورة
وفي الماضي كان هناك نظام ( التابعيه ) وهي البطاقة الشخصية في وقتنا الحاظر , ومن الأخطاء أيظاً في المعلومات عند الكثير قولهم أن بندر بن سرور لم يدرك الهاتف ,
ويقول بندر بن سرور في هذا الصدد :
يسوى حياة اللـي سـواة التلفـون = من شبتـه بيـن العجايـز بريـدي
ولنا وقفة هنا قليلاً وهي كلمة ( شبته ) اي إشغال الخط بين النساء بكثرة الكلام والقيل والقال
كالرسائل في البريد مابين صادر و وارد , ولانهمش البريد فقد تم ذكره في البيت لإدراك الشاعر
نظام البريد في وقته .
وحتى لانهمش دور شاعرنا لدى النساء فهو رحمه الله تعالى أعطانا درساً لاننساه في فن التعليم وحسن الإختيار في جيلنا هذا وهي قصيدةٌ خصّها للبنات , ومناسبة القصيدة أن الشاعر بندر بن سرور حظر في ليلةٍ من الليالي الباردة عند أمه لزيارتها وصادف ليلته مطر غزير فلما أنتهى من صلاة العشاء دخل للبيت وجلست عند امه يتسامر معها ومع بقية اهلك , فسمعوا صوت صراخ في البيت المجاور ومن عادة البدو وأهل القرى ان البيوت المجاورة غالباً يكون ساكنيها من الأرحام يكون بيت العم او بيت الخال او ابن العم , المهم أنها جرت العادة أن تكون القرية شاملةً الأقارب , نعود الى قصتنا , فبعدما سمع بندر بن سرور الصراخ والنقاش الحاد وكان بين زوج وزوجته غضبت الأخيرة من زوجها فطرقت الباب على بندر بن سرور ودخلت عند أمه , فذهب بندر إلى زوجها لمعرفته بهِ ولقرابته , حتى يهدئ الوضع ويعرف ماحصل بينهما من مشكله , فوصل الأمر أن يحكم بندر بن سرور بينهما وأنهم على أستعداد لتنفيذه , رجع بندر الى مجلسه وأتى الزوج وأتت الزوجه وأتت ام بندر فجتمعوا في المجلس , فما كان من بندر إلا أنه سأل المرأة عن زوجها .. هل هو يصلي أم لا .؟ فكانت الإجابة من الزوجة لا ..فأتت القصيدة وهي تصلح للبنات في زماننا هذا , وقبل أن نتطرق إلى القصيدة نشير إلى ان بندر لا يعلم عن صلاة هذا الرجل لقلة تواجده وكثرة السفر والحل والترحال , ويجدر بالإشارة هنا أن الزوجة تطلقت من زوجها , وأنتهى بهم المطاف إلى حيث لانعلم عنه .
يقول بندر في قصيدة ( يابنت خلي واحد ) :
واقلبى اللي تله الــود تـلـي = تل الرشا من فـوق ملحـا جلالـه
في غربها تسعين فـري ومشلـي = وتجفل اليا سمعت ضريس المحاله
من واحـدٍ طـرق عليـه يهلـي = جدد جروح القلب مع ما جرى لـه
برمش العيون اللي هدبهن مظلـي = ضافٍ على بيض المحاجر ضلاله
يابنت عيفي واحــــدٍ ما يصلي = تارك عمود الديـن مالـك ومالـه
عيفيه لو يفرش لك البيـت زلـي = من لا يخـاف الله حـرامٍ حلالـه
خلـي ملعـن والديـنـه يـولـي = تلقين فـي نجـد المسمـى بدالـه
وعليـك باللـي للجماعـه يهلـي = اللي كمـا النبـوة منـارة دلالـه
بالرجـل ثنتيـنٍ حداهـن يدلـي = من كبهن ماهـوب ويـا الرجالـه
وان كان مابه دين مع زيـن دلـي = جعله مـن الدنيـا تقطـع حبالـه
تارك عمود الدين مالك وماله , رحم الله الشاعر رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته , نتأمل قوله ( طرق عليّه ) اي المرأة عندما طرقت الباب بعد ان اغضبها زوجها , لنلاحظ أيظاً قوله ( جدد جروح القلب مع ماجرى له ) , فعندما رأى المرأة هاضت قريحته وهي بمحض الصدفة كما أسلفنا ليدخل الشعر الغزل , إلا أن بندر لم يعطي المجال للغزل فقط أكتفى بوصف العيون في البيت الرابع , ليتطرق بعدها إلى نصيحته ونصيحة كل فتاةٍ على مشارف الزواج الا تتزوج الا من رجل تقي ونجعل الشطر هذا حكمةً لنا ( من لا يخـاف الله حـرامٍ حلالـه ) .
يتبع |
|