منتصر حمادة- الرباط
بداية وجب التنبيه الى ان «التوقف» المحتشم مع شخص الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، لا علاقة له البتة بالاحتفال المرتقب بذكرى المولد النبوي، ونحن نعتبر ان تحرير بضع مقالات وخواطر وتداعيات حول الرسول الاعظم في ذكرى مولده الكريم، يعتبر بشكل أو بآخر تحقيرا لشخصه، كما لو ان الأمر يتعلق بتحرير مقالات وخواطر وتداعيات حول اليوم العالمي للبيئة او حول عيد وطني في هذا البلد او ذاك! أمر مقرف حقا ان نصل الى هذا المستوى من عدم احترام احد الأصول الهوياتية للأمة الإسلامية برمتها.
ثمة نقطة اخرى لا تقل إشكالا عن الملاحظة السابقة، وتتعلق باختلاف المذاهب الإسلامية بخصوص الموقف الشرعي من الاحتفال بالعيد النبوي الشريف والمثير هنا ان نجد أثرياء وبرجوازيين عرب ومسلمين يصرفون الملايين من أجل الاحتفال باعياد ميلاد الأبناء، مقابل الترويج لأطروحات فقهية تصب في سحب البساط عن شرعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي.
مبعث تحرير هذه الكلمات مرتبط بتساؤل مستفز ومحرج للغاية تطرقنا اليه في دردشة مع احد الكتاب المغاربة حول خلفيات الاحتجاجات التي عمت العديد من دول الوطن العربي والعالم الإسلامي تجاه الرسوم الكاريكاتورية سيئة الذكر.
وأصل الحكاية ان الرجل يتساءل عن مدى شرعية احتجاج العرب والمسلمين ضد هذه الرسوم، مع التأكيد على ان الاستفسار عن شرعية الاحتجاج في هذا المقام لا يتأسس على ارضية فقهية اصولية وانما اخلاقية ومبدئية لا اقل ولا اكثر.
ولا تنقص الأمثلة التي تزكي طرح كذا استفسار، ونقتبس منها نموذجين اثنين: (يحكي احد طلبة البيولوجيا الاحيائية (هنا في العاصمة المغربية الرباط) وهم في قاعة الدرس يؤرخون لحشرة مجهرية بتفصيل ممل وهم في غمرتهم هذه اذ فاجئهم استاذ المادة بقوله: من منكم يحدثنا عن محمد بن عبدالله؟ فاذا هي شاخصة ابصارهم، بتعبير الكاتب، واذا بصمت رهيب يخيم على القاعة واذا هم جثث تحسب الطير على رؤوسها واذا بطالبة جامعية تخرق هذا الصمت بسؤال: أعبدالله بن محمد أم محمد بن عبدالله؟ فكرر الأستاذ على مسامع الطلبة اسم محمد بن عبد الله متعمدا كلمة رسول، فقالت الطالبة ألا يكون مغنيا خليجيا؟).
نأتي للمثال الثاني والمحرج هو الآخر، ويتعلق بحكاية شخص كان طالبا في احد مستويات التعليم الثانوي (في المغرب دائما) يتذكر بأن تلميذا ذيل موضوعه الإنشائي بقوله قال الشاعر «وتعاونوا على البر والتقوى/ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان « ثم يضيف ان الاستاذ وهو يقوم بعملية التنقيط جعل صاحب هذه المطبة على رأس قائمة التنقيط.
انتهى الاستشهاد الغني عن اي تعليق او تأويل او تفكيك.
منذ أشهر قليلة، كان كاتب هذه الكلمات ضيفا على حفل عقيقة لأحد الجامعين بحضور مجموعة من الفعاليات السياسية والإسلامية الحركية، وما استفزني بحق، كثرة البروتوكولات التي صاحبت الحدث، مع ان المداخلات التي ميزت الحفل لم تخرج عن الطابع الوعظي بسبب كثرة الحضور الإسلامي.
وفجأة من خلال تأمل بعض حيثيات وتفاصيل الحفل، بزغ سؤال واحد لم اجد له اجابة صارمة: «أين هو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم في كل هذه البهرجة؟
سؤال واضح وصريح، ولا يحتاج هو الآخر لتفسير ابن كثير او تفسير القرطبي. جزء كبير من ازمات مسلمي اليوم يرتبط اساسا بعدم تمثل روح خير الخلق صلى الله عليه وسلم.
كاتب هذه الكلمات ليس داعية، ولا يفكر اصلا في ان يصبح كذلك حتى يتفادى السقوط - على الأقل - في مأزق التناقض بين القول والفعل، والاقتراب بالتالي من مرتبة المنافق، بتعبير آخر، ليس هذا كلام داعية من دعاة التبليغ او تنظيم القاعدة، وانما مجرد خواطر عابرة حول شخص غير عابر، أرسل اساسا رحمة للعالمين.
المأمول ألا نختزل الاحتفال بذكرى المولد النبوي في البدع سالفة الذكر.
والله اعلم