صدر مؤخرا في بيروت كتاب بعنوان أميركا في طور الرايخ الرابع للدكتور جورج حجار أستاذ القانون والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية..
جاء الكتاب في ثلاثة فصول .الفصل الأول تحت عنوان: إرهاصات لنازية جديدة، وفيه يشير المؤلف إلى الأهداف الحيوية الأميركية والتي تعد حداً فاصلاً لا يمكن تجاوزه وهي: منع أي هجوم بأسلحة دمار شامل على أميركا، ومنع بروز أية قوة معادية مهيمنة في أوروبا، ومنع قيام أي قوة معادية على الحدود الأميركية أو مسيطرة على البحار، ومنع انهيار نظام التجارة الدولي والأسواق المالية وإمدادات الطاقة، وضمان البقاء لحلفاء أميركا.
ثم يتساءل الكاتب: هل أميركا جمهورية ـ إمبراطورية؟ أو رايخ رابع؟
كما يشير الكتاب إلى أن الرئيس الأميركي بوش يتصرف بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 مثل المستشار الألماني بسمارك والذي حكم الرايخ الثاني بسياسة الحديد والنار، تلك السياسة التي فرضت على جميع القوى المحيطة بألمانيا أن تكون في حاجة ما إليها، كما أن ألمانيا منعت تلك القوى من تشكيل أي ائتلاف مضاد لها.
ويرى المؤلف أن أميركا دخلت طور الرايخ الرابع، أي مرحلة الإمبراطورية النازية المتمثلة في عبادة القوة وممارستها، والمتميزة بالعرقية الصارمة والتفوق العرقي، والمندفعة نحو التوسعية الكونية في ظل حماية اقتصاد يتجاوز ناتجه القومي الإجمالي عشرة تريليونات دولار، تنفق منه 400 مليار دولار سنوياً ـ أي أكثر من 40% مما ينفقه العالم أجمع على السلاح والجيوش والبالغ حوالي 840 مليار دولار ـ على قواتها المنتشرة في العالم والمكونة من خمس قيادات قارية ومنها القيادة المركزية التي تضم 25 دولة [ منها دول عربية وبعض دول الجوار] .
وإذا كانت أميركا قد تأسست على قاعدتي الإبادة والاستعباد، وعلى التوسعية الدائمة، إلا أنها تمكنت من إنجاز البناء القاري لها في أميركا الشمالية وحققت أهدافها القومية في حقبة الجمهورية القارية وانتقلت أثناء تلك المرحلة من جمهورية تجارية وزراعية إلى جمهورية صناعية وديمقراطية رأسمالية في القرن التاسع عشر واعتبرت القرن العشرين هو قرنها بامتياز.
ولتحقيق هذا الهدف، تزاوج التوسع مع جنون العظمة والحق الإلهي في نشر الرسالة الحضارية [كشعار تم رفعه مع بداية الاستيطان في الأرض الجديدة] فاندفعت نحو الحروب الخارجية بداية من البحر الكاريبي والإطاحة بالإمبراطورية الإسبانية والاستيلاء على مستعمراتها من كوبا إلى الفلبين عام 1898، مروراً بحروب أوروبا ومستعمراتها في القرن العشرين وصولاً إلى كل أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي.
وفي الفصل الثاني وتحت عنوان: النازية الجديدة والإمبراطورية الأميركية، يتحدث المؤلف عن فكرة تغلف الطيف السياسي الأميركي، ألا وهي التزاوج بين القيادة الصناعية والعسكرية والسياسية، وبدون مناوئ عرقية أو إثنية وهو ما يطلق عليه المؤلف سيادة «الأبيض ـ البروتستانتي ـ الأنجلوساكسوني».
وفي حديثه عن إستراتيجية الأمن الإمبراطوري الأميركي، يشير المؤلف إلى مبدأ بوش في الحرب الاستباقية والذي يرتكز على نقاط رئيسة عدة وهي: توجيه تلك الضربة إلى أي جهة [دولة ـ جماعة] تحاول اقتناء أسلحة دمار شامل، وفرض الهيمنة الأميركية التي لا تقبل أو تسمح بالتحدي لها من جانب أي مصدر، وضمان عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومنع قيام أي تحالف يشكل قوة موازية أو مضادة أو متفوقة على أميركا، وحق التفرد بالدفاع عن الذات ـ وإن اقتضى الأمر ـ خارج إطار الأمم المتحدة، وتشجيع المجتمعات على الانفتاح والحرية الاقتصادية، وإتباع سياسة الدبلوماسية الشعبية من خلال نظام المعونات الخارجية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويتحدث المؤلف عن مؤامرة تزييف الوعي والتي راح بوش يروج لها، وخصص لتقديم مبررات الحرب على العراق خطاباً شاملاً ألقاه في مدينة «سينسيناتي» في 7/10/2002
ويمكن للعراق أن يزود أي جماعة إرهابية بأسلحة بيولوجية وكيماوية ويعقد تحالفاً يسمح له بمهاجمة الولايات المتحدة بدون أن يترك بصمات عراقية». وقد تراوحت تلك الأكاذيب من تخصيب اليورانيوم إلى تهريبه [من النيجر] مروراً بالمعامل الكيماوية المتنقلة ومعدات الإطلاق وتلك التسجيلات «التليفونية» الساذجة والتي كان ـ وللأسف ـ مجلس الأمن الدولي مسرحاً لسماعها.
وكان خير دليل على زيف تلك الادعاءات استقالة «ديفيد كاي» رئيس فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية في 23/1/2004 والذي نشر تقريره حول خلو العراق من تلك النوعية من الأسلحة في جريدة «نيويورك تايمز» في عددها الصادر يوم 27/1/2004.
ويتناول الكاتب الإمبراطورية الأميركية كظاهرة تاريخية بداية من أول مستوطنة أقاموها في عام 1607 [مستوطنة جيمس تاون] ، مروراً بالحرب الأهلية الأميركية [1861 ـ 1865] ، إلى تدخلها العالمي في النزاعات الدولية بداية من الحروب العالمية الأولى والثانية وحرب فيتنام، حتى تفردها بالقرار الدولي بعد سقوط جدار برلين في التاسع من نوفمبر 1989، وقيامها بإسقاط نظام طالبان في أفغانستان ثم احتلال العراق.
وفي القرون الأربعة التي مرت على الوجود الأميركي تأصلت لدى الأميركيين سمات عدة أفرزت صفات رئيسة متأصلة في الوجدان الإمبراطوري الأميركي ألا وهي: التفوق العنصري، وعبادة التكنولوجيا والقوة، والعقيدة المطلقة، والحمية الوطنية الشوفينية، والحق في الحكم والتحكم بالعالم.وفي الفصل الثالث وتحت عنوان: أميركا وهوس الحرب،يتحدث المؤلف عن سطوة الهيمنة الأميركية ومآلها مشيراً إلى وجود مدرستين في تفسير هذا الأمر، أولهما مدرسة الواقعية ـ المثالية والتي تقول بتفرد واستثنائية أميركا كإمبراطورية غير قابلة للتقهقر أو الزوال.وثانيهما المدرسة الجيوسياسية والتي تقول بحتمية الصعود والهبوط وتحاول منع انحدار أميركا بتقديم برنامج للتحول من عالم أحادية القطبية الآيل إلى الأفول إلى عالم التعددية القطبية الزاحف إلى العلا على قاعدة الأقلمة الآخذة في الاتساع والتعمق.
وأخيراً يرى الكاتب أن نهاية العصر الأميركي الأحادي قادمة بدون شك، ولكن المسألة أولاً وأخيراً هي: هل تستطيع أميركا التحول من إمبراطورية في طور الرايخ الرابع إلى قوة ديمقراطية جمهورية عملاقة، أو أنها ستستمر في خططها التوسعية وحروبها الاستباقية وفي فرض مشروعها لأمركة العالم وحرمان الشعوب المضطهدة من حقوق المواطنة والعيش الكريم كحد أدنى؟
ثم يضيف المؤلف أنه مقتنع وبكل موضوعية، أن جنون العظمة قد جعل من أميركا قوة ساحقة ـ ماحقة مآلها الهزيمة في الخارج والانقلاب عليها من الداخل لكي تعود إلى قلعتها أولاً كقوة قارية وإلى تجزئتها على قاعدتي الإثنية والعنصرية أي قاعدتي الانطلاق في القرن السابع عشر.و لكن يبقى السؤال متى...؟