اقتباس:
التدرج في تطبيق الشريعة
ولهذا كان لابد لمعالجة هذه الأوضاع البائسة، ورتق هذه الفتوق الواسعة، من الأناة والروية، وتهيئة الأجواء، وتمهيد الأرض، وإصلاح المجتمع، وتصحيح عقيدته وأخلاقه، وأخذ الناس بالتدريج شيئاً فشيئاً، حتى يسهل عليهم الانقياد لشريعة الله، والتسليم لحكمه وأمره، وحتى لا تكون فتنة ومجال للطعن في دين الله، والتمرد عليه وعلى القائمين بتنفيذه.
وهو تدرج في التنفيذ، وليس تدرجاً في التشريع، لأن التشريع قد تم واكتمل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الله - تعالى -: **...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا...} (المائدة: من الآية 3)، فالشريعة قد اكتملت ولا شك، لكن التطبيق الشامل لها في عصرنا الحاضر يحتاج إلى تهيئة وإعداد لتحويل المجتمع إلى الالتزام الشرعي الصحيح، بعد عصر الاغتراب والتغريب.
|
وهنا يُطرح تساؤل للحق في هذا الأمر :
لماذا الأنظمة العلمانية التي حكمت في البلاد العربية قد طبّقت العلمانية كاملة بلا تدرّج ولا مشاورة ولا التفات لأحد ولا لرأيه كائنًا من كان ، وطبقتها على شعوب عربية مسلمة رافضة لها كل الرفض ، و كانت تحكم بالشريعة الإسلامية جيلاً بعد جيل طيلة أكثر من ثلاث مئة وألف سنة ، ومع هذا فقد خنعت لها ، بل حين ثارت هذه الشعوب على هذه الأنظمة العلمانية لم تثر عليها ؛ لأنها تحكم بالعلمانية ولا تحكم بالشريعة الإسلامية ، بل لأجل أمور دنيوية ، والدليل أنها انتخبت بعد ثورتها أنظمة لا تريد صراحة أن تحكم بالشريعة ، وبعد أن وصلت إلى الحكم حكمت بنفس العلمانية التي كانت تحكم بها الأنظمة العلمانية السابقة ، ومع هذا فلم تثر عليها هذه الشعوب العربية إلى الان !
فكيف ـ كما يزعم الفوزان وأمثاله ـ العلمانية وهي شريعة الخلق تصلح أن تطبّق كاملة كتلة واحدة في يوم واحد على الشعوب الإسلامية وفي البلاد العربية ، وأما شريعة الله الخالق ـ جلّ وعلا ـ فلا تصلح إلا بالتدريج ؟
بل الحق أن دعوى هذا التدريج ما هو إلا اعتذار لمسح العار ، ولتخفيف تأنيب الضمير !
وإن اعتذروا أمام جهلة الخلق بهذا العذر ؛ فليبحثوا عن عذر ينجيهم أمام الخالق العالم سبحانه في يوم العرض ..!
وسبحان القائل ، وهو الحقّ وقوله الحقّ : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ *
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) .
آخر تعديل أبو عبد الملك الرويس يوم 02-Jun-2013 في 07:37 PM.