3/تابع
حقوق الزوج على زوجته:
من عظمة الإسلام، أنه لم يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون. فعدالته الفذة الفريدة أبت أن يكون على الزوج كل هذه الحقوق، ثم يتركه بعد ذلك بلا حقوق. ولكنه قرر في أحكامه العادلة!!.
أنه كما جعل للزوجة حقوقاً على زوجها، وطالبه بالقيام بها، فقد جعل له حقوقاً عليها.
وأنه كما اعتنى بها وحافظ عليها فقد اعتنى به هو أيضاً وصدق الله العظيم الذي قضى أن {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}(33)، وبتوفيق الله تعالى. وهنا نجمل أهم الحقوق التي فرضها الإسلام على المرأة تجاه زوجها، وشريك حياتها، فنقول:
الطاعة في المعروف:
فللزوج على زوجته حق الطاعة في كل أمر ونهي شريطة ألا يكون في هذا الأمر أو النهي معصية الخالق تبارك اسمه، وأما إذا أمرها بأمر فيه مخالفة لما أمر الله به، فلا يجوز لها أن تطيعه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والدليل على أن طاعة المرأة لزوجها واجبة قوله تبارك اسمه: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}(34).
قال العلامة ابن كثير تعليقاً على هذه الآية: "إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها، ولا هجرانها، وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}(35) تهديدٌ للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغي عليهن".
الاستجابة له عند ندائه لها:
فعلى المرأة أن تستجيب لزوجها إذا دعاها إلى فراشه، ولا يجوز لها أن تمتنع عن طلبه، فإن فعلت وامتنعت كانت آثمة عاصية، واستحقت لعنة الملائكة والعياذ بالله كما بين ذلك رسول الله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)(36)
ألا تخرج إلا بإذنه:
ومن الطاعة كذلك: ألا تخرج المرأة من المسكن الذي أسكنه إياها إلا بإذنه، وخروجها من مسكنها لابد أن يكون على الهيئة المطلوبة في شرع الله تعالى، فعليها أن تستر من جسمها ما لا يحل للأجنبي أن يراه، وللزوج أن يمنعها من الخروج حتى ولو كان خروجها إلى المسجد، إن خشي الفتنة، وما في معناها.
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن امرأة أتته فقالت :ما حق الزوج على امرأته ؟ .. _ ومنه _ قوله :ولا تخرج من بيته إلا بإذنه فان فعلت لعنتها الملائكة ملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى تتوب أو تراجع) (37).
رعاية المال والعيال:
ومن حق الزوج على زوجته أن تتقي الله في ماله وعياله، وأن تنظر إليه نظرة الحكمة والتبصر، فلا تكلفه ما لا يستطيع ولا تتصرف في شيء من ماله أثناء غيبته إلا بإذن منه، أو فيما جرت به العادة والعرف، كإكرام زائر، أو إطعام جائع، وعليها أن تقوم على تدبير بيته وخدمته بالمعروف، وأن تكون محافظة على شعوره وماله وعرضه في غيبته {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}(38).
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ: ( .. أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ)(39).
لا تصوم إلا بأمره في النفل:
ثم إن على المرأة كذلك ألا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(40)
علاج قرآني للعصيان والنشوز:
هذه هي أهم حقوق الزوج على زوجته، يجب عليها أن تؤديها إليه كاملة غير منقوصة، فإذا حدث خروج منها عن طاعة الزوج كأن منعته من التمتع بها، أو خرجت بغير إذنه إلى مكان لا يجوز لها أن تذهب إليه، أو تركت حقوق الله بأن كانت لا تتطهر، أو لا تصلي أو لا تصوم، أو أغلقت بابها دونه، فقد أعطى الشرع الحكيم للزوج حق تأديبها، وبين له ثلاث وسائل في قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}(41).
فهذه وسائل ثلاث بينتها الآية الكريمة وهي: الوعظ، والهجر، والضرب.
أما الموعظة: فهي أن يخوفها مثلاً من عدم رضاء الله عليها، مبيناً حقه عليها، وما أوجبه الله من الطاعة عليها للزوج إلى غير ذلك من المواعظ الحكيمة والنصائح النافعة، فإذا لم تجد وسيلة الوعظ واستمرت على ما هي عليه ينتقل إلى الوسيلة الثانية، وهي الهجر في المضجع، وهي نوع وأسلوب من أساليب التأديب، لمن تحب زوجها ويشق عليها هجره إياها.
واعلم أيها الزوج أن الهجر هو عبارة عن عدم التفاتك إلى امرأتك، وعدم استمتاعك بها، وعدم تقبيلها ونحو ذلك. وليس معناه ترك الفراش والحجرة فهذا فهم خاطئ بعيد كل البعد عن مراد الآية القرآنية. إذا الهجر في المضجع معناه أن ينام الزوج مع زوجته في الفراش ولكن يوليها ظهره ولا يلتفت إليها، ولا يتصل بها اتصالاً جنسياً، لعل ذلك يكون مؤثراً عليها في رجوعها عن نشوزها ولزومها طاعة زوجها وبره والإحسان إليه.
وأما الهجر بالكلام فلا يجوز له أن يهجرها فوق ثلاثة أيام للنهي عنه.
فإذا لم تصلح هذه الوسيلة فله أن يضربها ضرباً غير مبرح أي غير شاق ولا مؤذٍ، فلا يكسر لها عظماً. فالضرب المبرح لا يجوز حتى ولو علم أنها لن ترجع عما هي عليه إلا بهذا النوع من الضرب، والأولى الأخذ بما هو أقل من هذا. فضرب الزوجة في الشريعة الإسلامية ليس بعزيمة بل هو رخصة، ولا يحل استعمال هذه الرخصة إلا مع زوجة لم تصلح الموعظة ولم يفلح معها الهجر بل إنه لا يحل استعمال الضرب مع المرأة إذا عرف أنه لا ينفع في تهذيبها وزجرها عما عليه من العصيان.
وأكرر القول بأن الضرب المرخص فيه ليس ضرب وحشية ولا قسوة، ولا يكون بالسوط والعصا، بل يكون بيد لينة أو بالسواك ونحوهما على شرط ألا يترك أثراً على مواضع الجمال كالوجه وغيره.
هذا هو الضرب المرخص فيه شرعاً، وتركه أولى وأفضل، وهو علاج هين يغتفر في حال الغيظ والغضب، فهو وسيلة لإظهار الغضب أكثر منه وسيلة للعقاب. هذه هي حقيقة الضرب في شريعة الإسلام، وتلك الحقيقة التي لم يفهمها بعض المسلمين فهماً صحيحاً، فأساؤوا استعمالها إساءة لا تقرها إنسانيتهم ولا دينهم، وكم سمعنا من أناس يضربون زوجاتهم بالعصي والأحذية في غير رحمة ورأفة، ولو أنصفوا لآمنوا بأن التشريع الإسلامي لن يعيبه أن يتجاوز حدوده الظالمون!؟.
وبهذا نكون قد أجملنا حقوق كل من الزوجين على الآخر، وأوضحنا علاج القرآن الكريم لمشكلة النشوز عندما ترفض الزوجة طاعة زوجها.
تنظيم العلاقات الأبوية الأسرية:
هذا التنظيم يأتي في الأهمية الثانية بعد تنظيم العلاقات بين الزوجين، ذلك أنه إذا كان التنظيم الأول يعتبر تنظيم أساس البيت، فإن هذا التنظيم يعتبر تنظيم بناء البيت.
ولهذا كما يجب الاعتناء بالأول يجب الاعتناء بالثاني، ولربما كانت صلة هذا الأخير بالمجتمع وبحياة المجتمع أكثر من صلة الأول به؛ لأن هنا أولاداً ينمون ويكبرون ويخرجون إلى الحياة العامة، الحياة الاجتماعية، فإذا لم يلقوا العناية التامة ولم يأخذوا نصيبهم من التربية المتكاملة فهذا بلا شك سوف يؤثر في حياتهم الخاصة وحياة المجتمع عامة. والعلاقة بين الآباء والأبناء هي عبارة عن تبادل الواجبات، فلكل واجبات نحو الآخر، فهناك واجبات الآباء نحو الأبناء، وهناك واجبات الأبناء نحو الآباء، ولنبدأ الآن بالطرف الأول لأهميته الكبرى.
______________________________________________
(33)سورة النساء , الآية (25)
(34)سورة النساء , الآية (34)
(35)سورة النساء , الآية (34)
(36)ومسلم كِتَاب النِّكَاحِ / باب تَحْرِيمِ امْتِنَاعِهَا مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا (5/260) حديث رقم (1436)
(37)أخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب القسم والنشوز /باب ما جاء في بيان حقه عليها ()
(38)سورة النساء , الآية (34)
(39)أخرجه الترمذي كِتَاب الرَّضَاعِ / بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا (276) حديث رقم (1163) ، وابن ماجة كِتَاب النِّكَاحِ/ بَاب حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ (322) حديث رقم (1851)
(40)أخرجه البخاري كِتَاب النِّكَاحِ/ بَاب صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا (10/336) حديث رقم (5192)، ومسلم كتاب الزكاة/ بَاب مَا أَنْفَقَ الْعَبْدُ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ (4/124) حديث رقم (1026) واللفظ للبخاري
(41)سورة النساء , الآية (34)
يتبع/4