لقد كفلت الشريعة الإسلامية للزوجة حقوقاً يجب على الرجل أن يؤديها إليها، وأن يمنحها لها، واعتبرته ظالماً إن قصر في إعطائها هذه الحقوق، وضمنت له الحياة الآمنة إن أداها كما أمر الله سبحانه.
وأول هذه الحقوق وأهمها:
حسن المعاشرة:
فالرجل بحكم القرآن الكريم قوام على زوجته، ورب لأهل بيته، فعليه أن يحسن القوامة، وأن يسوس رعيته بلين في غير ضعف، وبحزم في غير عنف، وأن يتأدب في كل هذا بأدب دينه القويم، وبمنهج قرآنه المستقيم فقد قال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(20).
النفقة الكافية:
ومن الحقوق الواجبة على الزوج لزوجته أن ينفق عليها ويكسوها. فقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة، وإجماع الأمة على وجوب النفقة للزوجة، فقد قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(21).
لقد ورد في السنة من الأحاديث ما يوجب النفقة على الرجل.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَـسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْـهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَـهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ(22)
تعليمها أمور دينها:
ومن الحقوق الواجبة على الزوج أن يعلمها أمور دينها، وقد كان المطلوب أن يكون التعلم من أيام طفولتها عند أبيها، ومع ذلك فقد أوجب الإسلام على الزوج أن يستكمل هذه المهمة أو يقوم بها.
قال الإمام الغزالي في الإحياء: على الرجل أن يعلم زوجته أحكام الصلاة وما يقضى منها في الحيض وما لا يقضى. فإنه أُمِرَ بأن يقيها النار بقوله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً}(23)، فعليه أن يلقنها اعتقاد أهل السنة، ويزيل عن قلبها كل بدعة إن استمعت إليها، ويخوفها في الله إن تساهلت في أمر الدين، ويعلمها من أحكام الحيض والاستحاضة وما تحتاج إليه.
وإذا كان الزوج جاهلاً وجب عليه أن يسأل أهل الذكر ثم يعود بالإجابة الشافية إلى أهله معلماً ومرشداً.
ولذا يقول الحق سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}(24).
قال ابن كثير في تفسير الآية: أي استنقذهم من عذاب الله بإقـام الصـلاة واصـبر أنت على فعلها(25).
العدل بين الزوجات:
فإذا كان الرجل متزوجاً بأكثر من امرأة فمن الحق والواجب أن يعدل بينهن في حقوقهن، وذلك بالتسوية بينهن في القسم إذا قسم في المبيت، والنفقة والكسوة، والسكنى.
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}(26).
2. وقدوة الزوج المسلم في ذلك، رسوله صلوات الله وسلامه عليه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ )(27) قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي الْقَلْبَ.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا )(28)
حقوق أخرى:
وهناك حقوق أخرى كفلتها شريعة الإسلام للمرأة، ويجب على الزوج القيام بها حق القيام ومن هذه الحقوق أن يناديها بأحب الأسماء إليها، وأن يكرمها في أهلها بالثناء عليهم أمامها، وبمبادلتهم الزيارات، وبدعوتهم في المناسبات، وأن يحلم عليها إذا غضبت، ويستمع إلى حديثها إذا تكلمت، ويحترم رأيها، ويأخذ بمشورتها، وأن ينبسط لها في البيت، فيمزح معها، وعن عمر قال: "ينبغي للرجل أن يكون في بيته كالصبي فإذا كان في القوم وُجِدَ رجلاً!!".
من حقوق الزوجة على زوجها تحمل أخطائها والرأفة بها:
قال الله تبارك وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}(29).
عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته بعرفات: (اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، اتخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله )(30).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ )(31).
وهذه الوصية من الله تعالى بالزوجة ومن رسوله، تعني تحمل الأخطاء الواقعة منها، والغض عن هفواتها، بل واحتمال الأذى منها، وأن يتغافل عن كثير مما يصدر منها: "مما لا يخالف شرع الله تعالى" ترحماً بها وشفقة عليها، وأن يقدم لها النصح مع التصبر ما استطاع إليه سبيلاً،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ)(32)
____________________________________________
(20)سورة النساء , الآية (19)
(21)سورة النساء , الآية (34)
(22)أخرجه أبوداود كِتَاب النِّكَاحِ / بَاب فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا ( 325 ) حديث رقم ( 2143 )
(23)سورة التحريم , الآية (6)
(24)سورة طه , الآية (131)
(25)تفسير ابن كثير 5/39
(26)سورة النساء , الآية (3)
(27)أخرجه أبودواد كِتَاب النِّكَاحِ بَاب فِي الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ ( 323 ) حديث رقم ( 2133)
(28)أخرجه مسلم كِتَاب الْإِمَارَةِ / بَاب فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَالنَّهْيِ عَنْ إِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ (6 / 451) حديث رقم (1827)
(29)سورة النساء , الآية (19)
(30)أخرجه االبيهقي في شعب الإيمان ، في الخامس والثلاثون من شعب الإيمان وهو باب في الأمانات وما يجب من أدائها إلى أهلها (11/248) حديث رقم (5032) هذا لفظه وأخرجه غيره بألفاظ متقاربة
(31) أخرجه البخاري كِتَاب أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ / باب خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ (6/412) حديث رقم (3331) ، ومسلم كِتَاب الرِّضَاعِ / بَاب الْوَصِيَّةِ بِالنِّسَاءِ (5/313) حديث رقم (1468) واللفظ للبخاري
(32) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (19/ 398 ) حديث رقم (964)