1/كانت ليلةالبارح ليلة عواصف التوقعات والحدوس.. درت في دوامات الترقب حتى بدأ الصبح ينشر خيوطه.. وصرت أعيد كل عشر دقائق حساب ما تبقى من الوقت
2/الساعة الواحدة ليلاً أفزعتني رسالة جوال بجانب فراشي .. فتحتها وإذا بالمرسل (نايف الأحمد) شقيق الشيخ يوسف، ونص الرسالة: (وش تتوقع يابوعمر؟)
3/أواه يا نايف، ليتك لم تثر أعاصير التوقعات،فيكفي ما أنا فيه منها .. لكنه الشقيق المكلوم باح بالسؤال وهو يعرف أن المسؤول ليس بأعلم من السائل
الحب والأمل مثل الكره والتشاؤم كلها تحول بينك وبين إصدار حكم صحيح على واقعك وما يحيط بك والتجرد منها عند اتخاذ القرار مفتاح البصيرة
4/مرة أقول:سيحكم بالبراءة، ثم أقول: لا،سيحكم بالاكتفاء بما سبق..بل كما حكم على الدويش.. بل سنتين،ثم أقول:هذا كثير جدا،وأعود لسيناريو البراءة
5/دخلنا المحكمة التاسعة صباحا، وجلسنا في قاعات الانتظار، ثم انتقلنا لقاعة المحاكمة وفيها الشيخ يوسف قد وضعوه فيها، تعانقنا وتحدثنا قليلا
6/لما أخذنا نتحادث في انتظار قدوم القاضي،لاحظ الشيخ يوسف أن وفد الإعلاميين قد جلسوا بمكان آخر،فقام وسلم عليهم بحرارة ودعاهم لمشاركتنا جلستنا
7/قال الشيخ يوسف للإعلاميين:ودنا والله معنا قهوةنقهويكم لكن الشكوى لله،لكن شاركونا يا إخوان جلستنا الله يحييكم، شكروه وفضلوا الجلوس بمقاعدهم
8/بعدساعتين قدم القاضي وفريقه،وطلبوا جلوس المدعى عليهم الخمسة(د.يوسف، المهنا، الغصين، السيد، زيدان) في المقاعد الأمامية، ونحن الوكلاء خلفهم
9/أخذ القاضي مكانه في صدر قاعة المحاكمة، ونشر أوراقا طويلة ليتلوها، وأعصابنا تمشي على أظافرها، والترقب سيد المكان، وأكثرنا يعدل جلسته مرارا
10/قال ناظر القضية أننا درسنا دعوى المدعي العام، وجواب المدعى عليهم، وستسمعون الحكم وحيثياته الآن، ثم بدأ يتلو من الورقة الطويلة التي أمامه
11/بدأ ناظر القضية بالتسبيب قبل الحكم، فقرأ علينا اقتباسات طويلة لابن سعدي وابن باز وابن عثيمين والفوزان عن قضية (التشهير بعيوب الولاة)
12/ثم تحدث عن قضيةالتأليب والفتنة،وأن المدعى عليه أستاذ جامعي يفترض أن لا يثير فتنة،وأن توقيت المقاطع خطير،ثم تحدث عن نظام جرائم المعلوماتية
13/ثم تحدث ناظر القضية أنه اطلع على محتوى المقاطع ورأى أنها تثير الفوضى ضد ولاة الأمور، وتحدث عن الإقرارات، واختصاص المحكمة بنظر هذه القضايا
14/ثم تحدث عن المآل ونقل نصوص الشاطبي والعز عن مراعاة مآل الأفعال، ثم قال بعد ذلك كله: ولذلك حكمت بما يلي
15/فحكم بثبوت إدانةالشيخ يوسف بإنتاج مامن شأنه المساس بالنظام العام،وحكم بتعزيره بالسجن خمس سنوات،يليها حكم بالمنع من السفرخمس سنوات، وغرامة
16/هبت قاعة الحكم بأصوات مختلطة ببعضها: (حسبنا الله ونعم الوكيل) إلا صوت واحد يتمتم أمامي (الحمدلله، الحمدلله) رفعت رأسي وإذا به الشيخ يوسف
17/واصل القاضي تلاوته دون انقطاع: (المهنا والغصين): سنتين سجن وسنتين منع من السفر وغرامة،(السيد وزيدان) سنتين سجن وغرامة وإبعاد عن البلاد
18/انتهى القاضي من تلاوة تسبيبه وأحكامه،ثم التفت إلى المدعى عليهم الخمسة،وسألهم واحداً واحداً:هل تقتنع بالحكم أم تعترض؟ فكلهم أجاب بالاعتراض
19/ثم التفت القاضي إلى المدعي العام: هل أنت مقتنع بالحكم؟ فقال المدعي العام: (لا)، فقفز صوت أحد الحضور من الخلف بلهجة عامية (وش تبي بعد؟!)
20/ثم رصد ناظر القضية اعتراض الأطراف على الحكم، وأكد أنه حكم ابتدائي، وأن للمدعى عليهم االاعتراض بطرق الطعن المعروفة، وخرج من القاعة
21/حين خرج ناظر القضية من القاعة كان أول من قام الشيخ يوسف، والتفت إلينا نحن الوكلاء والزوار يتفلج فمه تبسماً وهو يردد: الحمد لله، الحمد لله
22/وتحلق المدعى عليهم الخمسة يسلمون على بعض، والشيخ يوسف يقترب من كل واحد منهم ويقول:لا تضيق صدوركم، لا تضيق صدوركم، العاقبة خير إن شاء الله
23/ثم اقترب الشيخ وسف مني وقال: (هل علمت من الذي صاغ الحكم؟) فتبسمت، وتبسم، وسأطوي هذه الصفحة للوقت المناسب
24/من الأمور التي استغربتها في الحكم: الحكم بمصادرة حواسيب المدعى عليهم وجوالاتهم والكاميرات، وكنت أتوقع أن الحكم سيكون بإرجاعها لهم
25/جلسنا مع الشيخ بعد انتهاء جلسة النطق بالحكم، واتفقنا على مواعيد الزيارات له في المباحث لإعداد (اللائحة الاعتراضية) على الحكم، يسرها الله
26/والحقيقة أن هذا الحكم على الخمسة (د.يوسف، والمهنا، والغصين، والسيد، وزيدان) تضمن أخطاء علمية/قضائية واضحة، سأشير لبعضها
27/أول الأخطاء: تكييف الوقائع بأنها تشهير بعيوب الولاة! وهذا خطأ جذري،فنقد ومناقشة أداء المؤسسات الحكومية ليس تشهيرا بل إصلاح أقره ولي الأمر
28/فهناك أوامر ملكية (نقلنا أرقامها بمذكرتنا) توجب على الوزارات التجاوب مع ما ينشر تجاهها من نقد في وسائل الإعلام، وهذا إقرار ضمني للنقد
29/ولو كان نقد ومناقشة أداء المؤسسات الحكومية "تشهيرا بالولاة" يستحق السجن والمنع من السفر والغرامة لوجب وضع السعودية كلها في الحاير!
30/الذي نعرفه من التشهير هو ذكر الأعيان والأشخاص بالسوء والألفاظ التجريحية، وليس في كل ما أنتجه الشيخ يوسف تجريح بأحد من ولاة الأمر
31/بل الذي أعرفه عن غالبيةالمعنيين بالشأن العام في السعوديةأنه ليس هدفهم تجريح فلان أو فلان من المسؤولين، بل هدفهم موضوعي وهو إصلاح المؤسسات
32/ومن الأخطاء الغريبة: اعتبار أن نقد الشيخ يوسف لملف الموقوفين أنه يؤول إلى إثارة الفتنة، برغم أنه مر قرابة السنة ولم يخرج متظاهر واحد!
33/مفهوم (اعتبار مآلات الأفعال) الذي ذكره الشاطبي ليس مسوغا لمعاقبة الناس على الظنون بأن أفعالهم قد تؤدي لفتنة، هذا لا يعرف في تاريخ الإسلام
34/ومن الأخطاءالغريبة: إهدار الشهادات الشرعية التي بلغت زهاء (سبعين شهادة) تشهد بالله أنه لم تقع فتنة ولا فوضى بسبب حديث الشيخ عن الموقوفين
35/ومن الأخطاءالغريبة في هذا الحكم:أنه تم غض الطرف عن الأخطاءالنظامية في القبض والتحقيق والتفتيش والتي كفلها النظام،والتي تبطل ما يبنى عليها
36/لي وجهةنظر صادقة أتمنى أن تصل إلى المسؤولين:والله العظيم أن مثل هذه الأحكام تسيء للقضاء الشرعي وللمؤسسة الأمنية، وتضر بسمعة بلدنا وتشوهنا
37/كم يحتاج بلدنا إلى انتفاضةمن ولاة الأمور لتحقيق استقلال القضاء في القضايا الأمنية،وضمان حقوق المتهمين في القبض والتحقيق والتفتيش والإيقاف
38/واهم من يظن أن الدول والمؤسسات العدلية والجامعات والإعلام يبنى بالمتزلفين والوصوليين، هؤلاء يهمهم مصلحتهم لا مصلحة البلد وولاة الأمور
39/علمنا التاريخ أن الدول تبنى بالحقوق،والعدل يخرج أجيالا شامخة..وجيل الشموخ يفتح صدره إذا دهم البلد عدو،وجيل التزلف يبحث عن أقرب رحلةللخارج
40/ختاما..انتهت هذه المرحلةمن المحاكمةوبقيت مرحلة المحاكمة الأهم والأصعب

فكيف إذا جمعناهم ليوم لاريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لايظلمون)
أحبابي وإخواني ..من أراد المزيد عن تفاصيل القضية فيمكنه التواصل مع الأخ نايف الأحمد، شقيق الشيخ يوسف، وأمين فريق الدفاع، حساب