عسى أن يفيدك هذا النص أخي القوادي من كتاب المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية :
حين عرض نفسه على القبائل حتى انتهى إليهم فدعاهم إلى نصره و أعانته على تبليغ رسالة ربه عز و جل. فإنه كان قبل ذلك قد خرج أبو بكر و علي صلوات الله عليهما إلى عكاظ في مجتمع العرب بها، فبدأ بكنانة فوقف عليهم فدعاهم فقالوا له: قد عرفنا الذي تريد و ما تدعونا إليه قبل اليوم، فإن أحببت أن نمنعك ممن يريد ظلمك منعناك، فكنت بين أظهرنا ممنوعا غير مضام، و إن كنت تريد منا إن نفارق دينناً و نكافح العرب من دونك، فهذا شيء لو دعانا إليه سيدنا يعمر بن عوف الشداخ ما أجبناه إليه أبداً لأن قريش منا و نحن منهم و بيننا و بينهم أرحام و جوار و قرابات، فانصرف عنا يا محمد و عليك بغيرنا. فانصرف ( وهو يقرأ (فان تولوا فإنما عليك البلاغ و علينا الحساب). ثم صار إلى بني أسد و رئيسهم طليحة بن خويلد، فوقف عليهم و دعاهم، فقال له طليحة: إن رجلا عادى سادات قريش و نابذ سرواتها غير ممنوع عندنا، فانصرف عنا فلو علمت إن قريش تحب إن أكفها أمرك لفعلت. فانصرف ( و هو يقرأ (و إن كذبوك فقل لي عملي و لكم عملكم و أنتم بريئون مما أعمل و أنا بريء مما تعملون). ثم أتى بني تميم و فيهم الأقرع بن حابس و عطارد بن حاجب بن زرارة و من أشبهها من سادات بني تميم فوقف عليهم و دعاهم، فقال له بعض القوم: أتأمرنا إن نهدف نحورنا نحو العرب من دونك! و الله ما أردت ببني تميم خيراً، و لقد بدأتنا بالحروب و الذعورة فانصرف عنا. فانصرف عليه السلام و هو يقرأ (و يا قوم أعملوا على مكانتكم أني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و من هو كاذب و ارتقبوا أني معكم رقيب). ثم صار الأيام فزارة و فيهم عيينة بن حصن فدعاهم و رغبهم في الأبطال فقال له عيينة: و الله ما نفضنا رؤوسنابعد من هنوات الحرب و إنما حاربنا حيا واحدا من العرب و أنت تدعونا الأيام إن نقاتل مع الأسود و الأبيض أنصرف عنا أيها الرجل فلا حاجة لنا فيما جئتنا به. فأنصرف عليه السلام و هو يقول (أيحسبون إنما نمدّهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون).
ثم صار الأيام بني عامر بن صعصعة و فيهم ملاعب الآسنة عامر بن مالك بن جعفر فجلس إليكم و تلا عليهم القرآن و دعاهم الأيام الأبطال فلما هم القوم إن يجيبوه و يؤمنوا به و رقت قلوبهم أقبل رجل من بني قشير يقال له بيحرة بن عامر. فقال: من هذا الرجل الغريب فيكم يا بني عامر؟ فقالوا: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد جاءنا يدعونا الأيام حظ أنفسنا و قد عزمنا إن نؤمن به و نصدقه و نقاتل عنه من ناوأه من العرب. فضحك بجير و قال: بئست الثمرة و الله لقومك يا بني عامر أتنظرون الأيام رجل قد أخرجه قومه و كذبوه فتؤمنون به و بما يقول لكم و تقاتلون الناس من دونه حتى ترميكم العرب بقوس واحد الحقوا الرجل بقومه فأنهم لو علموا منه صدقا لاتبعوه. فقالت بنو عامر: أيها الرجل الصالح الحق بقومك فأنهم أحق بك من غيرهم. فقال (: " ما لبيحرة لا أثبت الله له شجرة و لا أزكى له ثمرة " ثم أنصرف و هو يقرأ: (قال عما قليل ليصبحن نادمين). ثم قال لأبي بكر و علي: أمضيا بنا الأهم أحياء ربيعة لعلهم إن يجيبوا الأهم الأيمان فمر حتى أتى منازل ربيعة فوقف عليهم و تقدم أبو بكر و كان نسابا فسلم و قال ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة قال أمن هاماتها أم من لهازمها؟ قالوا من لهازمها العليا قال من أيهم أنتم؟ قالوا نحن من ذهل الأكبر قال أمنكم حارثة بن عمرو صاحب اللواء و قائد الأحياء؟ قالوا: لا قال: أفمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة قالوا: لا قال: أفمنكم الحوفزان قاتل الملوك و سالبها130 أنفسها؟ قالوا: لا قال أفمنكم حسان بن مرة حامي الذمار و منع الجار؟ قالوا: لا قال: أفمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا قال: أفمنكم أصهار الملوك من لخم؟ قالوا: لا قال فلستم ذهل الأكبر أنتم ذهل الأصغر. فقام إلى دغفل بن حنظلة النسابة و هو يومئذ غلام و قد بقل وجهه يقول:
لنا على سائله إن نسأله ... فالعبء لا نعرفه و لا نحمله
ثم قال يا هذا قد سألت فلم نكتمك شيئا و نحن نريد إن نسألك فممن أنت؟ قال رجل من قريش. قال بخ بخ! أهل الرياسة و السؤدد و هداة العرب و أزمتها منكم قصي بن كلاب الذي جمع قومه من كل أوب فأسكنهم مكة و قتل أعداءه نفاهم عنها و أنزل قومه منازلهم منها فسمته العرب مجمعا و فيه يقول الشاعر:
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القائل من فهر
قال لا. أفمنكم عبد مناف صاحب الوصايا و أبن الغطارف السادة؟ قال لا قال أفمنكم عمرو بن عبد مناف و هو هاشم الذي يقول فيه الشاعر:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... و رجال مكة مستنون عجاف
قال: لا قال أفمنكم عبد المطلب و شيبة الحمد و مطعم طير السماء صاحب الأسماء العشرة الذي يقول فيه الشاعر: إنما عبد مناف جوهر زين الجوهر عبد المطلب
قال: لا. أ فمن أهل الندوة أنت؟ قال: لا قال أ فمن أهل الحجابة أنت؟ قال: لا قال أ فمن أهل الردافة أنت؟ قال: لا قال أ فمن أهل السقاية أنت؟ قال: لا قال أ فمن ريحانت قريش أنت؟ قال: لا قال: فممن أنت؟ قال: رجل من بني تيم بن مرة فقال دغفل: أمكنت و الله الرامي من الثغرة يا أخا تميم. فجذب أبو بكر خطام ناقته من يده فقال له: أما و الله لو وقفت لأخبرتك أنك زمعة من زمعات قريش و الله ما أنت من الذوائب فيها. فمال أبو بكر الأهم رسول الله ( - و هو عليه السلام يبتسم - فقال له علي: لقد وقفت من الغلام على نافعة فقال: أجل يا أبا الحسن ما من طامة ألا و فوقها طامة و البلاء موكل بالمنطق. ثم مال النبي ( الأهم مجلس أخر و إذا مشايخ لهم هيئات وراء حسن فوقف عليهم أبو بكر و سلم فردوا عليه ثم قال: من أنتم؟ فقالوا نحن بنوا شيبان بن ثعلبة فالتفت الأهم رسول الله ( و قال له: بابي أنت و أمي ليس بعد هؤلاء عز في قومهم. وكان في القوم مفروق بن عمرو و هانئ بن قبيصة و المثنى بن حارثة و النعمان بن شريك. و كان أدناهم الأهم أبي بكر مفروق فجلس إلى و قال له: كيف العد فيكم فقال يزيد على الألف و لن تغلب الألف من قلة. فقال: كيف المنعة فيكم؟ فقال: علينا الجهد و لكل قوم حد قال فكيف الحرب بينكم و بين عدوكم فقال مرة يدال لنا و مرة يدال علينا و النصر من عند اللهو إن أشد ما نكون لقاء حين نغضب و أشد ما نكون غضبا حين نلقى و أنا لنؤثر جيادنا على أولادنا و السلاح على اللقاح لعلك أخو قريش؟ فقال أبو بكر: إن كان بلغك إنه رسول الله فهو هذا فقال: بلغنا إنه يقول ذلك. ثم التفت الأهم رسول الله ( فقال: الأهم ما تدعون يا أخا قريش؟ قال: أدعوكم الأهم شهادة ألا اله ألا الله و أني محمد رسول الله و أيقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صيام شهر رمضان و حج البيت و صلة الرحم و إن تمنعوني ما تمنعون منه أنفسكم و أولادكم قال: و الأهم ما تدعون أيضا؟ فتلا رسول الله ( قوله سبحانه (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، ألا تشركن به شيئا و بالوالدين إحسانا، و لا تقتلوا أولادكم من إملاق، فنحن نرزقكم و إياهم، و لا تقربوا الفواحش ما قرب منها و ما بطن، و لا تقتلوا النفس التي حرم الله ألا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، و لا تقربوا مال اليتيم ألا بالتي هي أحسن، حتى يلغ أشده، و أوفوا الكيل و الميزان بالقسط، و لا نكلف نفسا ألا وسعها، و إذا قلتم فاعدلوا، و لو كان ذا قربى، و بعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون، و إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، و لا تتبعوا السبل فتفرقوا بكم عم سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
و قال الأعشى ما تدعون أيضاً يا أخا قريش؟ فتلا قوله عز و جل (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، و الآثم و البغي بغير الحق، و إن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، و إن تقولوا على الله ما لا تعلمون) فقال مفروق: دعوت و الله الأعشى مكارم الأخلاق و محاسن الأمور و معالي الذكر و لقد أفك قوم كذبوك و ردوا عليك قولك. فكأنه أحب إن يشرك هانئ بن قبيصة في الكلام فقال: و هذا هانئ بن قبيصة شيخنا و سيدنا فقال هانئ: قد سمعت مقالتك و أعجبني قولك و أنا نرى إن تركنا ديننا و أتبعناك على دينك في مجلس واحد جلسته إلينا لم نفكر في أمرك و لم ننظر في عواقب ما تدعونا الأهم طيشة في العقل و عجلة في الأمر و الذلة تكون مع العجلة و من ورائنا قوم نكره إن نعقد عليهم عقدا دون أذنهم و لكن ترجع و نرجع و تنظر و ننظر. فكأنه أحب إن يشرك في القول المثنى بن حارثة فقال: و هذا المثنى بن حارثة سيدنا و صاحب حربنا. فقال المثنى: أعجبني قولك و حلا في صدري و إن الحق و إن كان فيهم التجهم أحمد عاقبة من إبطائك العشواء و التملق غير أنا قد نزلنا بين هذين الصيرين. و قال النبي (: و ما هذان الصيران؟ فقال: اليمامة و السماوة و أرض العرب و طفوف الريف و انهار كسرى و بلاد فارس على أخر عهد أخذه علينا كسرى لا نحدث حدثاً و لا نؤوي محدثاً، و لعل هذا الأمر الذي تدعونا إليه مما يكرهه الملوك و إن كان الحق فإن أحببت أن نمنعك و ننصرك على العرب فعلنا فإن عذر صاحبهم مقبول و دينه مغفور و إن ذنب العرب عند كسرى و فارس غير مغفور و عذرهم غير مقبول. فقال رسول الله (: ما أسأتم الرد إذاً أفصحتم بالصدق إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه في جميع جوانبه ثم قال لهم: أ رأيتم إن لم تلبثوا إلا يسيراً حتى يوطئكم الله بلادهم و يمنحكم أموالهم و يفرشكم بساطهم أتسبحون الله و تقدسونه و تحمدونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم إن ذلك لك. ثم نهض ( و هو يقرأ (يا أيها النبي آنا أرسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً. و داعياً الأعشى الله بإذنه و سراجاً منير)، قال علي عليه السلام: ثم التفت إلي الرسول ( و قال: يا علي، قلت لبيك، قال: أي أحلام في العرب يدفع الله بها بأس بعضهم عن بعض، و بها يتجاورون في الحياة الدنيا؟ فأراد الله سبحانه تصديق قول رسول الله (، و تحقيق تلك البشارة التي بشرهم بها، و ظهور مقدمات عز الأحياء و قوة العرب به، و ضعف أمر فارس و غيرهم من الأمم، و الارهاص بظهور أمر رسول الله ( و علو شأنه فصنع لهم بما ألقاه في قلوبهم من الثبات و الصبر و ألقى في قلوب العرب الذين كانوا مع العجم من المواطأة بكر بن وائل عليهم و الفرار عنهم. و روي إن يوم ذي قار كان بعد يوم بدر بشهرين و إنهم رفعوا لرسول الله ( بذي قار فكان يراهم فروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام إنه قال لم يلبثوا إلى يسيراً حتى خرج رسول الله( على أصحابه و قال: ادعوا الله لإخوانكم من ربيعة فقد أحاطت بهم أبناء فارس مع الهامرز ثم لم يلبث إلى يسيراً حتى خرج فقال: " احدوا الله على ما نصر به العرب من يومكم هذا فاليوم أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا " و لو لم يكن السبب في ذلك إلا قوله ( لأصحابه: ادعوا الله لإخوانكم من ربيعة لكان في ذلك مقنع و كان النصر بدعائه مقروناً. فكيف و قد تقدمت بشارته ذلك و سبق به وعده و لولا ذلك لاصطلم كسرى ربيعة فانهم لم يكونوا يقومون بحرب بعض جنده كما روي عن المثنى بن الحارث الشيباني إنه قال: قد قاتلت العرب في الجاهلية و الأحياء و لقد كانت مائة من العجم أشد علي من ألف من العرب في الجاهلية و من ألف من العجم على مائة من العرب في الأحياء.