عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 06-Feb-2012, 05:22 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عزارم

رابطة محبي الهيلا


الصورة الرمزية عزارم

إحصائية العضو







عزارم غير متواجد حالياً

افتراضي

الجزء الخامس

حوله القواد والجنود فعند ذلك سارت الواكب قاصده الذئاب وما زال العسكر يقطع البر الاقفر اشرف الى تلك الديار في اليوم الثالث عند نصف النهار ولما قرب وانكشف البيان وراه الامير مرة ومن معه من الرجال والفرسان قالوا وحق الاله القدير المتعال لقد اقبل علينا سالم الزير بالجموع والجماهير والفرسان المشاهير واليوم تباع الارواح بيع السماح في عاجل الحال انتخب
الامير مرة الف من الابطال وارسلهم لملاقاة الاعداء في تلك البيداء وكان المقدم عليهم ابنه جساس وجماعه من علماء الناس فسار الجحفل طالبا جيش الهلهل ثم فرق مائه الف اخرى في الصحراء وقدم عليهم ابنه همام وحثهم على الحرب والصدام واقام هو بباقي العسكر على الجانب الايسر حتى اذا ان**رت الفرقتان يحمل بمن معه من الفرسان ولما شاهد المهلهل
تلك الحال وانقسام الرجال والابطال فقسم عسكره الى ثلاثه اقسام وتقدم ولما اقتربت العساكر من بعضها البعض وانتشر جموعه في تلك الارض حملت الفرق على الفرق وهجم الجيش على بعضه وانطبقوا وقصد المهلهل فرقه الامير مرة بعشره الاف من اهل الشجاعه والقدره وفي الحال اشتبك القتال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال وارتحب الوديان والتلال من قعقعه النضال فكان يوما مريعا وحربا فظيعا يشيب منه راس الغلام قبل الفطام فما كنت ترى الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسان غابرة فلله در المهلهل ومافعل ذلك اليوم من العمل فانه هجم هجوم الاسود وفرق المواكب والجنود ون** الرايات والبنود وقتل كل جبار ونمرود وكان كلما قتل فارس منتخب يقول يا لثارات كليب ملك العرب ويلقى نفسه في مهاوي العطب املا بالنصر وبلوغ الارب ومازال على تلك الحال حتى قتل خمسمائة من الابطال ولما اشتدت الاهوال تأخرت عنه الرجال خوفا من الهلاك والوبال وهو يجول ويدور ويهدر كالاسود والنمور ويقول كليبا قتيل الجور اين عيناك اليوم تراني وتشاهد حربي وطعاني فياليتني كنت فداك ولا كان من يسلاك ( قال الراوي ) وكانت نيران المعامع والحروب والوقائع مشتبكه في ثلاثة مواضع واستظهرت جيوش المهلهل على اعدائها وبلغت غاية مناها وفعلت باقي الفرق كما فعل سيدها واستمر القتال على هذا الحال من الظهر الى غروب الشمس وكان قد قتل من بني بكر أوفى من ثلاثين الف نفس ومن جماعة المهلهل نحو خمس الاف بطل فعند ذلك دقت طبول الانفصال فارتدت عن بعضها الفرسان ونزلوا في الخيام والمضارب ورجع المهلهل وهو قاهر وغالب كأنه أرجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان فاجتمع بالسادات والاعيان في الصيوان فهنوه بالسلامة وقالوا مثلك تكون الشجعان يازينة الاكوان وجوهرة هذا الزمان فشكرهم على هذا الكلام ووعدهم بالخير والانعام ثم أكلوا الطعام وأخذوا يتذاكرون بأمر الحرب والصدام وكان المهلهل صديق يركن اليه ويعتمد في أموره عليه قوي الجنان فصيح اللسان يقال له امرؤ القيس ابن ايان وكان يقاربه بالفروسيه ويساويه بالفصاحه والهمه العاليه فقاتل معه في ذلك اليوم وفتك في صناديد القوم وكان لايفارق الزير في القتال ويحمي ظهره من غدر الرجال فقال له المهلهل أمام الفرسان ماهو رأيك يا ابن ايان في الهجوم على الاعداء اللئام تحت جنح الظلام فاني والله كلما اذكر قتل كليب تتوقد بقلبي النيران وليس لي عنه صبر ولاسلوان فقال تمهل ياأمير مهلهل فان النهار قد اقترب ولابد لنا من بلوغ الارب لان القتال في الليل يجلب علينا الهم والويل فتختلط الاحزاب بالاحزاب ولاتعود تعرف الاعداء من الاحقاب لان الظلام يحجبنا بعضنا البعض ونتشتت في هذه الارض فاستصوب كلامه الزير فقال هكذا اشارت فرسانه :

( قال الراوي ) وبات الجيشان يتحارسان وأوقد النيران فكانت بنو بكر وباقي قبائل العرب قد باتت في شدة وتعب وأيقن الامير مرة انه يغلب ويقهر من سيف الزير الاسد الاسود ولما اصبح الصباح واضاء بنوره ولاح تبادرت العساكر الى ميدان الحرب والكفاح واصطفت الفرق الى صفوف وترتبت المئات والالوف وتأهب المهلهل للحرب واستعد للطعن والضرب فركب ظهر الحصان وتقدم الى معركة الطعان وتبعه امرؤ القيس بن ايان وقواد الابطال والفرسان بقلوب أقوى من الصوان وكذلك ركب الامير مرة وبقية الفرق واعتقلوا بالسلاح والدروع فعند ذلك دقت الطبول وصهلت الخيول وارتفعت الرايات على رؤوس الامراء والسادات من جميع الجوانب والجهات وهجم كل فريق على فريق وتقاتلوا بالسيف والمزارق والتفت الامم بالامم وقام الحرب على ساق وقدم وما مضى ساعة من النهار حتى اشتد لهيب النار وطلع للقتال الغبار وانذل الجبان وحار وارتفع الصياح وعلا وارتجت أقطار الفلا ولبست الارض من الدماء حللا وعظم بنيهم البلا والويل وعاد النهار **واد الليل وقال المهلهل في ذلك اليوم وما قصر وفعل افعالا تبقى وتذكر فانه أقتحم صفوف الاعادي كانه ليث الوادي وحال المامن والمياسر وطعن فيها طعنا يذهل النواظر ويحير العقول والبصائر وهو يقول يالثارت كليب مهجه قؤادي ومن كان سندي واعتمادي ولما طال المطال واشغى غليله من قتال الابطال قال :

ذهبت الصلح او تردوا كليبا اونبيذ اليين نطرا ذهلا
ذهبت الصلح او تردوا كليبا او نعم السيوف شيبان
ذهبت الصلح او تردوا كليبا او ازهق الرجال قهرا وذلا

فتعجب الفرسان من شعره ومقاله وانذهب من هول قتاله وكذلك اندهشت باقى ابطاله باقى ومازال الحرب يعمل الدم يبذل والرجال تقتل الى ان ولى النهار وارتحل ودخل الليل واقبل فعند ذلك رجع الامير المهلهل وباقي الجيش والجحفل وجميع أكابر عشيرته وأهله وأخوته يتحادثون فيما يجري ويكون فاستقر الرأي على سرعة الانجاز والجهاد في الحرب والبراز قبل أن يطول الامر وتفوتهم الغلبه والنصر ثم انهم اكلوا الطعام باتوا في الخيام ولما طلع النهار واشرقت الشمس والانوار تأهبوا للحرب والكفاح فتقلدوا بالسيوف والرماح ودقوا الطبول وركبوا ظهور الخيل وتقدمت الفرسان والابطال الى ساحة القتال وكذلك فعل الامير مرة والامير جساس ومن يلوذ بهم من عظماء الناس والتقت العساكر بالعساكر وتقاتلوا بالسيوف والخناجر وكان الامير المهلهل في أول الجحفل فصاح وحمل والتقى الفرسان بقلب أقوى من الجبل وهو يهدر كالاسد ويضرب فيهم بالسيف المهند ويقول يالثارات كليب ليث الصدام وزينة الليالي وكان كلما قتل فارسا يعيد هذا الكلام فقصدته الابطال من اليمين والشمال وهو يضرب فيهم الضرب الصائب ولايبالي بالعواقب حتى مزق الصفوف بحملاته وفرق الالوف بتواتر طعناته وما تنصف النهار حتى قتل مائه بطل كرار من الابطال والفرسان المذكورة كذلك فعل امرؤ القيس ابن ايان وباقي القواد والشجعان ومازالوا على تلك الحال الى ان ولى النهار بارتحال فارتدوا عن الحرب والصدام ورجعوا الى المضارب والخيام وكان قد قتل من عرب جساس في ذلك النهار عشرون الف بطل كرار ومن عرب المهلهل نحو ثلاثة الاف بطل ولما اصبح الصباح استعد الفرسان للحرب والكفاح فركبوا ظهور الخيول وتقاتلوا بالسيوف والنصول وهجم المهلهل على الفرسان الفحول كأنه الغول وهو ينشد ويقول :

هلموا اليوم نلتقي يا ال مرة ولو كانوا ثلاثين الف كرة
وسيف الهند يقطع في يميني فلاتخشى المهالك والمضرة
فاحموا يا بني عمي لظهري فتحظوا بالاماني والمسرة
فكل الناس ترهب من قتالي اذا ما جلت في الميدان كره
سوف ابيد جساسا وقومه واسقيهم في حربي كاس مرة

ثم انه لما حمل على الكتائب والمواكب واظهر بافعاله الغرائب والعجائب وقتل كل شجاع غالب :
(قال الراوي ) وما زال القوم في حرب وصدام وقتل وحصام مدة ثلاثه شهور حتى اشفى الزير غليله من بني بكر وقتل منهم كل سيد جليل وفارس نبيل وكان عدد من قتلهم في تلك المواقع نحو مائه الف مقاتل مابين فارس وراجل وقتل من جماعه الزير نحو عشرة الآف بطل فلما راى جساس ما حل بقومه من النوائب خاف من العواقب وعلم انهم اذا ثبتوا امامهم يهلكون هلاك الابد لايبقى منهم احد فولى وطلب لنفسه الهرب مع باقي طوائف العرب وغنم الزير غنائم كثيرة
واموال غزيره ثم رجع يمن معه من الفرسان الى الاطلال وهو في احسن حال وانعم بال ونزل في قصر اخيه وصارت ملوك العرب تكاتبه وتهادنه وكان يترقب الاوقات للحرب والغزو فشكرته
اليمامه على ما فعل وقالت لاعدمتك ايها البطل فانك اخذت الثار وطغيت لهيب النار ورجعت بالعز والانتصار فشكرها على هذا الكلام وقال حق رب الانام لايشفى فؤادي ولايطيب لذيذ رقادي حتى اقتل الامير جساس واجعله مثلا بين الناس وهذا الامر سيتم عن قريب باذن الله السميع المجيب .
(قال الراوي ) بينما هو يترقب الاخبار ويقتفي الاثار اذ دخل عليه العبد نعمان الذي تقدم ذكره قبل الان وكان من اصحاب الزير واصدقائه المشاهير فسلم عليه وتمثل بين يديه فنهض له على الاقدام واكرمه غايه الاكرام وبعد ان جلس قال للزير اعلم يا امير قد جيت الان من ابعد مكان اولا
لاهئيك بالانتصار واعزيك على فقد ذلك البطل الكرار وثانيا لاعلمك بانه ظهر لي المنام من مده عشرة ايام رؤيا عجيبه تشير الى احوال غريبه وهو النهار ان تحارب احد من ملوك الاقطار بل
تجنب وقوع الفتن وتبقى مرتاح في الوطن فمتى تمت هذه الليالي رافقك السعد والاقبال باذن الاله المتعال فأن حاربت انتصرت وان قاتلت ظفرت وقهرت فشكره الزير على ذلك الاهتمام وغمره بجزيل الانعام ومن ذلك اليوم اخذ لنفسه الحذر وتجنب مخالطه البشر وكان يصرف ايامه بشرب المدام واكل الطعام واشتهر الخبر في القبائل ان الزير اوقف الحرب مدة سبع سنين كوامل
(قال الراوي ) وكانت بني مرة قد هامت في الاقطار خوفا من الهلاك والدمار وندم جساس غايه الندم بقتل كليب الاسد الغشمشم وما زال هو وقومه في خوف وحذر من عواقب الامور الى ان بلغهم خبر توقيف القتال فزالت عن قلوبهم الهموم والاهوال ورجعوا الى الاطلال .
هذا ما كان من بني مرة وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه استمر على تلك الحال وهو في رغد عيش وانعم بال ان كانت نهايه السنه السادسه فركب الى الصيد والقنص في جماعه من فرسانه وابتعد عن الديار نحو ثلاثه ايام ومن الاتفاق الغريب فان الامير جساس راى حلما في بعض الليالي وهو انه رقد في قرب صيوانه حوض من الماء فبينما كانت قومه تشرب منه فاذا بذنب كاسر قد جاء الى الحوض بصفه جمل كبير وله ثمانيه انياب فشرب من الماء ثم ضرب الحوض بنابه فانشق من جانبه وتهور ذلك الماء حتى كادت قومه ان تهلك من شده العطش والظمأ ثم راى النسوان والاولاد بثياب السود والدم جاري مثل المجاري والجمال تنهش بعضها البعض ودماها تسيل على وجه الارض فاستيقظ جساس خائفا من هول ذلك المنام فاستدعى اليه اخوته وبنى الاعمال وقص عليهم ما راى وابصر فاستعظموا ذلك الامر وقالوا لايوجد من يقدر على تفسيره سوى المنجمين فان حسن عندك ارسل استدعى عمار الرياحي فانه يفسره لك على يقين فارسل اليه وحضر وقص عليه الخبر فضرب ورسم الاشكال فبانت له حقائق الاحوال ثم التفت على جساس ومن حضر هناك من الناس وقال لهم هذا المنام من عجائب الايام وهو يدل على شر عظيم وخطب جسيم سوف يحل عليكم من سالم بوقت قصير وقد اظهر لي ايضا بان اخ المهلهل عندة مهر ادهم اسمة عندم قوي العصب والحيل عديم المثال في الخيل وسعد الزير مقرون بهذا الحصان وبه وينتصر في الحرب والطعن فاذا ملكتم هذا الجواد نلتم المراد واسرتموة في القتال والطراد . فلما سمع جساس هذا الكلام استبشر ببلوغ المرام وقال لهم قد بلغنا بان الزير غائب عن القبيله وما في الحي غير النساء والحصان موجود في الديار وهذه ازالة الغصه ثم انه ارسل رجلا ليكتشف الخبر ثم رجع واخبره بصحه الكلام فعند ذلك ركب جساس في ثلاثه الاف بطل وطرق باب المهلهل على عجل واحاط بساحه الدار من اليمين واليسار فاستعظم بنات كليب ذلك الامر ولم يعلن ذلك السبب فطلت اليمامه براسها من الشباك وقالت له اركب على ظهر الفرس ماهو الداعي ياخالي بقدومك الى الحي بالابطال والحي خالي من الرجال فقال لها جئنا بطلب المهر الادهم المدعو بعندم فقالت له اهلا وسهلا بك مهما طلبت فلا نمسكه عنك غير انه لا خفاك بان المهر خاصه بعمي عديه فلا يمكننا ان نسمح فيه ثم اشارت تقول:

بكم قد حلت البركه علينا وزال الشر عنا مع نكال
فمهما تطلبوا مني تشوفوا خيولا مع بغال وجمال
ولكن مهر عمي غير ممكن اسلمه فان المهر غالي

( قال الراوي ) فلما سمع جساس شعرها ونظامها أجابها يقول على كلامها بهذين البيتين :

تعالوا اسمعوا قول اليمامه تقول المهر لا أعطيه غالي
فأني قاصد أخذه سريعا ولا أخشى العداة ولا أبالي

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره نزل عن ظهر الفرس ودخل الى الاصطبل فوجد المهر فوضع عليه العدة وركبه وقال لليمامه قد أخذت الحصان وغدا أطاردكم على ظهره سار وهو فرحان حتى وصل الى الاوطان فقال لاخيه قد اتيت بالحصان ومرادي اجربه في الميدان فانتخبوا ثلاثين راسا من الخيل الصوافن فأركبوها واكمنوا في عشر مكامن وأنا أمر عليكم أسرع من الريح فاتبعوني في البر الفسيح فان سبق هذا الجواد بلغنا به المراد في الحرب والطراد فأجابوه الى ماطلب وأراد وركبوا الخيول الجياد وركب سلطان أخو جساس القميرة ووقف في آخر كمين وركب جساس ذلك الحصان واطلق له العنان فسار في تلك القفار اسرع من الطير اذا طار ولما اقترب من الخيل تبعته فسبقها جميعا ماعدا القميرة ففرح جساس ثم نزل عن ظهره وامر العبيد ان يربطوه بقرب صيوانه ووكل به مئة عبد وقال لقد اقبل علينا السعد فسوف نقتل ذلك الوغد .
( قال الراوي ) هذا ماكان من جساس واما الزير فانه عند رجوعه من الصيد استفقد ذلك الحصان فلم يجده مع الخيل فصعد الى القصر وسأل اليمامه واشار يقول :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل بدمع قد جرى مني بداد
يمامه رحت انا لصيد قانص وقومي واخوتي ثم الجياد
لنا عشرون يوما في فلاوة ودرنا من بلاد الى بلاد
وصدنا طيورا ووحوشا كثيرة ودرينى رجعنا للبلاد
وجيت لمهر أخي فما لقيت شرد عقلي وعني عاد غاد
فأين المهر قوطر يايمامه عدم صبري وفارقني رشادي
امات المهر أم أحد أخذه من الاوباش والناس الاعادي

فلما سمعت اليمامه شعر عمها اجابته تقول:

تقول اليمامه ياعم اسمع الا ياعم جاؤوا الاعادي
ابي جساس أخذه غصب عني انا حرمة ومالي منه جلادي
فقلت تأخذه يا خال تندم يجوكم غدا على خيل جيادي
وقال غدا الاقيكم بعزمي وقد زادت همومي بزدياد
له ياعم ثلاث ايام غائب وقد زاد حزني بزدياد
فقم ياعم شد الخيل وركب بعسكر كأنهم رف الجراد
وميل على بني مرة بسيفك واحصد جمعهم مثل الحصاد
ياعمي عدية اليوم يومك ياعزي وفخري واعتمادي
وهاتوا راس جساس سريعا اجبر خاطري واشفي فؤادي

فلما فرغت من شعرها ونظامها اجابها الزير يقول :

يقول الزير قهار الاعادي انا السبع الجسور في كل وادي
غدا لابد اجد في لقاهم واحصد جمعهم يوم الجهاد
وأخذ ثارنا من آل بكر واطفي النار من طي الفؤادي
وأخذ مهرنا المدعو بعندم ويظهر ذكرنا بين العبادي
فمن يذهب يقول لاولاد مرة اتاكم اليوم ذباح الاعادي
اتاكم المهلهل مع آل تغلب اسود الحرب في يوم الطراد
الا يا آل مرة سوف اشفي بقتل ساداتكم فؤادي
ولايخفاكم يا آل مرة بقتل كليب صرتم لي أعادي

فلما فرغ الزير من شعره دخل وجلس في الديوان وجمع اخواته والامراء والاعيان واخبرهم بواقعة الحال وقال لهم مارايكم في اسجلاب الحصان فقالوا له الراي رايك ونحن طوع يديك قال متى كان الصباح تركبوا في ثلاثة الاف فارس وتكمنوا في وادي الهجين وانا اكمن في وادي المطلا وكان هذا المكان يبعد عن بني مرة مسافة ميل ثم قال لاخيه عديه وانت قم الان وغير ثيابك وزيك والبس ثياب ممزقه حتى لاأحد يعود يعرفك واذهب لحي بني مرة وتجلس بقرب صيوان جساس فاذا سألوك عن بلادك ومهنتك فقل لهم من بلاد الصعيد ومهنتي هي سياسة الخيل وانا قد بلغني ان جساس من محبته في الحصان كل يوم يسلمه الى سايس فاذا قال لك هل تريد ان تخدم عندي وتسوس هذا المهرفقل نعم حتى اذا تمكنت منه تركب ظهره وتلحقنا الى ذلك المكان فمتى صرت هناك لاتخف ولا تحسب لهم حساب ولو كانوابعدد التراب فاني سأبيد جمعهم بعون رب العالمين واخذ ثارنا من جساس اللعينفاستصوب رايه ولبس ثياب ممزقه وتعمع بعمامه والتحف بحرام عتيق وغير زيه وتنكر وسار يقطع البر الاقفر الى ان حي بني مرةفقصد صيوان جساس وكان قد اقبل الليل فرقد بين اطناب الحيام ولما كان الصباح جلس الامير جساس واجتمعت حوله اكابر الناس ثم وضعوا موائد الطعام واخلوا يتذكرون بالكلام فبينما هم كذلك اذ حانت من جساس التغاته فراى عديه وهوعلى تلك الصفات فشفق عليه وقال لبعض غلمانه اطعم هذا الفقير واساله عن حاجته فأحذ له الغلام طبق الطعام وساله عن بلاده
فقال انني من بلاد الصعيد ومهنتي سياسه خيل الاماجيد فقد جار على الزمان فأتيت منالاوطان قاصدا اهل الفضل والاحسان الى ان وصلت الىهذا المكان فطيب الغلام خاطره واعلم مولاه بحاله فقال جساس اذا كان منبلاد الصعيد فهو ادراء بسياسه الخيل من العبيد فدعوة يسوس لنا عندم المهر الجديد وانا اعطيه كل ما يريد ونا وجدته من الماهرين سلمته جميع خيلي وجعلته رئيس اصطبلي فلما قال له الغلام هذا الكلام دعا لجساس بطول العمر ثم ان تحزم وتقدم الى المهر ففك قيود رجليه وقبله بين عينيه وقال هذا يومك يا جوادي فقد بلغت الات مرادي وكان المهر لماراى صاحبه عرفه فمال اليه وألفه فتعجب جساس وباقي الناس لان الجواد كان لايالف
احد من العبيد الموكلين عليه من قاربه ضربه بيده ورجله فقال جساس وحق رب الانام ان هذا السيائس يستحق الاكرام والانعام وكان عديه لما تمكن من المهر ركب على ظهره ثم لكزه برجليه وصاح فسار مثل هبوب الرياح وجد في قطع البطاح كأنه طير بلا جناح فلما راى جساس
تلك الحال تغيرت منه الاجوال وعلم انها حيله قد تمت عليه ولطم على خديه ووجهه وصاح على الابطال والفرسان وقال دونكم هذا الشيطان فقد احتال علينا وخدعنا بالمكر والاحتيال حتى نال طلبه بلغ قصده واربه فعند ذلك ركبت الفرسان ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتبعوه في تلك السهول وهم يصيحون وراءة ويجدون في قطع الفلاه الى ان وصل الى ذلك الوادي الغدير فوجد احاه الزير وهو كامن هناك في جماعه من الابطال صناديد الرجال فاعلمه بواقعة الحال فقال خذ حذرك الان فقد اتتك الفرسان من كل جانب ومكانفبتسم المهلهل وقال سوف تراى ما افعل ثم انه نزل عن ظهر حصانه واعطاه لاحيه واخذا المهلهل الادهم ووضع عليه عدة جواده ثم ركب وتلملم واذا بالخيل والمواكب قد احاطت به من كل جانب وصاح عليهم وحمل بقلب اقوى من الجبل ومل عليهم بالحسام كانه ليث الاجام فطير الرؤوس عن الاجسام وفتك فيهم فتك الذئاب بالاغنام وفي اقل من ساعه ادركته بقيه الجماعه الذين كانوامكمنين في وادي الهجينفانصبوا عليهم كالشوهين من الشمال واليمين وكان قد وصل الحبر الى جساس فأخذه القلق والوسواس فركب بباقي الابطال ومن يتمد عليهم من الرجال وقصد ذلك المكان وقاتل قتال الشجعان واتقت الرجال بالرجال والابطال بالابطال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال وكثر القيل والقال وتزلزلت الارض من هول القتالوكانت واقعه عظيمه لميسمع بمثلها في الايام القديمه انهزم فيها جساس اقبح هزيمه وغنم المهلهل غنيمه جسيمه لهاقدر وقيمه ورجع الى الديا روالعز والانتصار فالتقته النساء بالدفوف والمزامير ثم طلع الى القصروهو منشرح الصدر فشكرته بنت اخيه على مافعل وقلن لله درك من بطل فقد احذت الثار وطفيت من القلوب لهيب النار فالله يحفطك ويبقيك وينصرك على حسادك واعاديك فشكرهن على هذا الكلام وبعد ان خلع ثيابه جلس للطعام وشرب المدام ثم دخلت امه فقبلته بين عينيه وهنأته بذلك الانتصار وطلبت منه ان يرفع عن بني مرة السيف البتار فاستقبلها بالوقار والاعتبار وقال لها والله اني لا أصالحهم يا أماه حتى يعود كليب الى قيد الحياة ثم تذكر تلك الواقعه وما جرى له في تلك الايام مع القوم فأنشد يقول وعمر السامعين يطول :

يقول الزير أبو ليلى المهلهل وقلب الزير قاسي ما يلينا
وان لان الحديد ما لان قلبي وقلبي من حديد القاسيينا
تريدي يا أميه أن أصالح وماتدري بما فعلوه فينا
فسبع سنين قد مرت علي أبيت الليل مغموما حزينا
أبات الليل أنعي في كليب أقول لعله يأتي الينا
كان كليب في رؤوس المعلا تغشاه ذئاب الجائعينا
أتتني بناته تبكي وتنعي تقول اليوم صرنا حائرينا
فقد غابت عيون أخيك عنا وخلانا يتامى قاصرينا
سللت السيف في وجه اليمامه وقلت لها أمام الحاضرينا
وانت اليوم يا عمي مكانه وليس لنا بغيرك معينا
وقلت لها ما تقول أنك عمك حماة الخائفينا
كمثل السبع في صدمات قوم أقلبهم شمالا مع يمينا
فدوسي يا يمامه فوق راسي على شاشي أذا كنا نسينا
فان دارت رحانا مع رحاهم طحناهم وكنا الطاحنينا
أقاتلهم على ظهر المهر أبو حجلان مطلوق اليمينا
فشدي يا يمامه المهر شدي وأ**ي ظهره السرج المتينا
وهاتي حربتي رطلين وازود وحطيها على عدد متينا
ونادي على عدية وكل قومي صناديد الحرب المانعينا
ونادي أخوتي يأتوا سريعا لنلقي جيش بكر أجمعينا
فنادتهم أتوا كأسود غاب وقالوا قد اتينا يا أخينا
وياتوا يحرسون الليل كله وقضوا الليل كله وساهرينا

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره الجميع على مقاله وباتوا تلك الليله في سرور وانشراح ولما اصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح أمر الزير قومه بالاستعداد للحرب فركب ظهر الجواد وتبعته الفرسان والقواد وقصدوا بني مرة بقلوب قويه وهمم عليه فالتقاهم جساس مع أخوته وأهله واشتبك بينهم القتال وعظمت الاهوال وابتلت بني مرة بالبلاء والويل وكان الزير يحصد فيهم بالنهار والليل واستمر القتال بين الفريقين مدة سنتين حتى فقد من بني مرة في هذا الحرب الاخير نحو اثني عشر الف أمير عدا السادات والاكابر والجيوش والعساكر وكان الزير يأمر قومه بقطع الرؤوس ووضعها في المخازن لانه كان قد اقسم بالله العظيم ان سيملي البيوت من جماجمهم وباقي الاماكن فلما طال المطال واشتدت على بكر الاهوال اجتمعت اكابر الناس مع الامير جساس واخذوا يتفوضون كيف يتخلصون لان الزير لايقبل منهم فدى وجميع وسائطهم التي استعملوها في توقيف الحرب راحت سدى فقال سلطان لاخيه جساس أعلم يا أخي بأن الزير في كل صباح يمر على قبر أخيه فيجيبه بالسلام ويقول له قد قتلت في ثأرك فلان وفلان فهل اكتفيت أم لا فلا يجيبه أحد فالرأي عندي ان انتخبوا رجلا وتضعوه داخل القبه بحيث لايراه أحد فإذا مر الزير على القبر حسب عادته وسأل أخاه ذلك السؤال فيجيبه الرجل بصوت خفيف من قلب ضعيف لقد اكتفيت ياأخي فاغمد سيفك من هذا اليوم عن قتال القوم واياك أذية البشر فان ذلك مما يجلب علي الضرر فاذا سمع هذا المقال فلربما ينطلي عليه المحال فيكف عن الحرب والقتال فنستريح من القيل والقال فاستصوب جساس وباقي الاعيان رأي الامير سلطان
( قال الراوي ) وكان في القبيله رجل فقير الحال عديم الاشغال فاستدعاه جساس اليه وقص ذلك الكلام عليه وقال له اذا بلغنا الارب ولكن الطريقه خطره قبيحة فأخذ جساس يحسه بالكلام ويرغبه في هذا بالشعر والنظام :

على ماقال جساس بني مرة الا يافارغ الاشغال اسمع
فلي عندك حاجه صغيرة فتقضيها سريعا لم ترجع
فان الزير لا شانا جميعا وفرق جمعنا في كل موضوع
ولا يقبل رجاء ولا عطايا وعن الافعال ماكان يرجع
بثار كليب صرنا شرايد أعدم في الوغى كل ليث أروع
يمر في قبره في كل صباح ويزعق بصوت للاكباد يصدع
يقول الا نعمت أخي صباحا ايكفي ماقتلت تريد ارجع
فاذهب واختبي بالقبر حالا اذا صاح المهلهل انت تسمع
اذا سألك أحارب أو اصالح اجيبه انت محفوظ ارجع
ان رضيت منهم نلت ثأري وانت بقتلهم لا عدت تطمع
لعله يظن انك انت اخيه فيصفح عن مآلمنا ويرجع

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من هذا المقال قال له عديم الاشغال على الراس والعين ولما كان الليل حفروا سردابا وصلوه الى القبر وادخلوا ذلك الرجل فيه ولما كان الصباح ركب الزير ظهر الحصان وتبعه الابطال والفرسان ومر على قبر اخيه حسب عادته ونادى بصوت عال نعمت صباحا يا أخي كليب فقد قتلت في ثأرك نهارا امس خمسة آلاف نفس أيكفي ما قتلت منهم او ارجع افنيهم عن بكرابيهم فاجابه ذلك الرجل من القبر بصوت خفيف وانت انعمت صباحا يا اخي الحنون يا ساقي الضد كاس المنون كف الحرب فقد اكتفيت وان قاتلتهم بعد اليوم تكون قد تعديت
وبغيت فتزيدني ضررا وغما وكدرا فان نفسي قد بلغت مناها ونالت مشتهاها فكثرت خير اتك وزادت في الدنيا مسرتك .
(قال الراوي ) فلما سمع الزير هذا الكلام زالت اتراحه وزاد فرحه وانشراحه وقال سبحان الرحمن الرحيم الذي يحي العظام وهي رميم انت يا اخي بخير ونحن بعدك نقاسي الضنك والضير
ثم نزل عن ظهر الحصان ودخل الى القبر وهو فرحان وقال اذا كنت بخير يا ابا اليمامه فماهي هذه السكته والاقامه بعد العز والكرامه فقم الى عند بناتك فانهن في حزن وكدر ثم تقدم اليه وتامل فيه بالنظر فراه انه ذلك الرجل المعهود فغاب المهلهل من الوجود فجذبه من لحيته واخرجه من السرداب وقال له اصدقني بالحطاب فمن انت ومن تكون قبل ان تشرب كاس المنون
فأعلمه بواقعه الحال وحقيقة الاعمال فسل السيف ليقتله وقد اغاظه فعله فقال انابجيرة كليب اخيك فلا كان من يعاديك وقد جرني جهلي من قله عقلي حتى جراى ما جراى يا فخر الوراى .
فلما سمع الزير كلامه ابدى ابتسامه فصفح عنه واعطاه جوادا من اطايب خيل العرب والف دينار من الذهب فدعا له بطول العمر وخرج من القبر وهويقول :
والله ان الامير كليب يحمي اليوم الخائف في مماته كما كان يحميه في ايام حياته ثم راجع الى القبيله وهو يتعجب من تلك الحيله وفي الغد ركب فرقه من الابطال وقصدوا بنو مرة واشتبك بينهم القتال وعظمت الاهوال وما زالوت في قتال وصدام مدة عشر ايام فان**رت بنو مرة ان**ار وقتل الزير مقتله عظيمه المقدار وكان ياتي براس سادات الجماعه فيضعها على قبر كليب مدة ساعه ثم يدفنها تحت الثرى ويبني فوقها القصور والقرى وكان كما اقبل منالحرب في المساء تلتقيه اليمامه مع جماعه من النساء فتقول يا سيد الناس هل اتيت براس جساس حتى
نخلع السواد ويطيب الفؤاد فيقول كوني براحه بال فسوف تبلغين الامال باذن الاله المتعال هذا ماكان من المهلهل واما جساس فانه قد استقبل ولما ضاق به الحال اجتمع اهله وعشيرته وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رايهم على ان يذهبوا الى بلاد الحبشه والسواد ويلجاوا بالملك الرعيني ابن احت اللتبع حسان فركب في ثاني الايام احوته واكابر عشيرته واحذمعه احته الجليلهلتشفغ لهم عند حريم الملك الرعيني وبقي اخوة شاويش في الحي وكان هذا الرجل يحب الزير من ايام صباه فعند رجيل جساس حضر شاويش الىعند الزير واعلمه بما جرى وكان من مسير الزير احواته عند ملك الحبشه والسودان فأعطاه الزير الامان وقال له انيما عدت احاربكم من الان حتى تحضر اخواتك الى الاوطان بالابطال والفرسان وتوقف الزير من ذلك اليوم عن محاربه القوم وصار يصرف اوقاته في بالصيد والقنص هذا ما كان من المهلهل واما جساس فانه قدجرى في قطع القفار حتى وصل الى بلاد الحبشه وتلك الديار ودخل على الملك الرعيني
ووقع عليه بعد ما اعلمه بحالتهم الحاضره وطلب منه النجده والمساعدة على حرب الزير ايضا بان كليب قتل خاله تبع حسان وقتله هووبقتله قام اخوه الزير يحاربهم حتى كاد ان يفنيهم فلما سمع ا لرعيني هذا الكلام قال لقد بلغت اليوم منكم المرام ولابد من ذبحكم بحد الحسام لانكم من قوم لئام قتلتم خالي واتيتم تستجيرون بي ثم امر بقبضهم وكانت الجليله واقفه على باب الصيوان وهي مثل الطاووس لابسه افخر الملبوس كانها العروس فلما شاهدت ما جرى على قومها خافت من العواقب فشقت المواكب وتمثلت امام الرعيني فقبلت اياديه ودعت له بطول العمر فلما راها الرعيني تعجب منفرط حسنها فمال قلبه اليها ووقع في شرك هواها فقال لهامن تكونين يا مهجة الفؤاد وبغيه المراد فقالت له اخت القوم الذين امرت بقبضهم بدون ذنب ثم اشارت تقول
ما قالت الجليله بنت مرة ايا ابوفهد اصحى دير بالك
وانظر ياسياج البيض فينا وانظرالذي وقفوا قبالك
انا لقيتك يا ملك البوادي يا من بالملا شاعت فعالك
ملوك الارض كنا يامسمى فانت نظيرنا ونحن مثالك
فالذي جرى كله مقدر ايا فخر الورى من قتل خالك
قتل خالك كليب في حسامه وقام اخي الذي واقف قبالك
قتل لكليب خالك بسيفه كرمت خاطرك واصفي بالك
ظهر لكليب اخ اسمه المهلهل حرمنا النوم زاد الله مالك
قتل منا اماجيد كثبره اتيننا واقفين على ديارك
فهذا اليوم يومك يا مسمى فدق الطبل واركب في رجالك
وسر معنا الى الزير المهلهل فقتله ودسه في نعالك
وحكم سائر العربان يا ملك على امولهم تبقى حلالك
ولاتشمت العدا يا امير فينا اتينا لك وصرنا من عيالك
وانت صميدع شهم كريم جميع الخلق تفزع من خيالك

( قال الراوي ) فلما فرغت الجليله من نظامها وفهم فحوى قصدها ومرامها ثارت في راسه الحميه وقال قد فهمت قولك يا صبيه ثم اشار يقول عمر السامعين يطول :

قال الرعيني ابو فهد قال الا يا جليله اسمعي المقال
وانتم افهموا قولي ياملوك اولاد مرة ترونى الهم زايل
اتيتم تلتجوا في الجميع وقعتم على وقع العيال
من جور الزير يا أهل الكرم دهاكم ضناكم رماكم بحال
فو حياه راسي ورحمت ابي من خلق الارض وارسى الجبال
لاركب عليه بكل الفحول واجرد عساكر شبه الرمال
واقتل اعداكم بجاه السيوف وانا ادع الزير في سوء حال
جليله طيبي انت وابشري انا فداء أخوك بحد النصال
أيا أخي غطاس انهض الان واجمع الفوارس والابطال
نادي على الجيش ان يركبوا يلبسوا الزرد والنصول الصقال
ودقوا الطبول وشدوا الخيول وامشوا الفحول شبه العذال
فدعنا نسير نزيل عسير عن اولاد مرة هذا النكال

( قال الرواي ) فلما فرغ الرعيني من كلامه نهض أخو غطاس الوزير وجمع الابطال والفرسان والعساكر السودان ونادى المنادي ان السفر يكون بعد ثلاثة ايام ولما تجهزت العساكر للمسير لحرب الزير كان عندهم ستمائة الف بطل ففرح جساس ومن معه من الناس فلما رأوا تلك السهول قد امتلات بالخيول وفي اليوم الثالث دقت الطبول ولمعت النصول وسارت العساكر كالبحور الزواخر في أولهن الملك الرعيني واكابر دولته وجساس وباقي عشيرته ومازالوا يقطعون البراري والاكام حتى وصلوا الى بلاد الشام فاارسل جساس يعلم قومه بقدوم هذا العسكر وأن يهيئوا لهم الاطعمه والذخر فلما سمعوا هذا الخبر فرحوا فرحا عظيما وهيئوا لهم مايحتاجون اليه من الطعام والمدام وخرجت النساء والرجال للقاءهم فلما وصلوا الى الديار نزلوا في المضارب وقد تباشر قوم جساس بالنجاح والضفر وبلوغ الامل .
( قال الراوي ) كل هذا يجري والزير ليس عنده خبر بشيء من هذا الامور بل كان مواضبا على السرور وشرب الخمور فبينما هو كذلك اذ دخل عليه أخوه عدي وقال انت جالس في صفاك ولاتدري فيما دهاك من اعدائك واشار ينشد ويقول :

لقد قال الفتى المدعو عدي ودمع العين فوق الخد ساجم
اراك اليوم في زهو ولهو تنبه يا أخي ان كنت نائم
فقم على ماسوف يجري من الاعداء يا ابن الاكارم
اتونا قوم مرة بالرعيني ملك جبار بالاحكام ظالم
لقد ذهبوا اليه يا مهلهل فجاء بست كرات عوالم
بهم من كل قوم ليث اروع وهو من بينهم مثل الصقر حائم
تبدى الزير حال ثم قال له تخاف من العدى واخوك سالم
انا وحدي الاقيهم بعزمي انا الدعاس في يوم الزحايم
واني سوف اقتل الرعيني واقطع راسه والله عالم
وافني جيشه مع جيش مرة انا المقدام مابين المعالم

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من نظامه وفهمت قومه فحوى كلامه تعجبوا من هذا المقال وشكروه على تلك الفعال واخذوا يستعدون للحرب والقتال واما الزير فانه صبر الى الليل وغير زيه وتنكر حتى لم يعد يعرفه احد من البشر وجعل نفسه كاأحد شعراء العرب الذين يقصدون الامراء وارباب المناصب والرتب طمعا في الفضه والذهب ثم ركب الحصان وتقلد بالحسام من تحت الثياب واخذ معه بعض الغلمان وسار الى قبيلة بني مرة ولم يعلم به انسان ولم اقترب من الحله نزل عن ظهر الجواد وسلم الى الغلام وقصد المضارب والخيام حتى وصل الى صيوان الرعيني فوجده جالس وحده فدخل وسلم عليه وتمثل بين يديه فلما راه الرعيني في ذلك المنظر خاف وانذعر وسأله عن مهنته فقال انني شاعر اطوف على الامراء والاكابر فاحصل منهم على الانعام ومزيد الاكرام وقد سمعت انك في بني مرة فأتيت قاصدك من مدينة البصره الى ان تشرفت بطلعتك وتمثلت امام حضرتك .
( قال الراوي ) وكان للرعيني زوجه تدعى بدور كانت خلف الستار فسمعت مادار بينهم من الايراد فاأرسلت جاريتها تقول للملك ان ياأمر الشاعر بالانشاد فقال الرعيني انشد ياشاعر فانشد يقول :

قال الاديب الذي طالب احسانك يرجي بوسط الحشا والقلب بزار
ياأبو فهد يارعيني استمع ما أقول يا من قلوب العداء بالروع هزار
قد كنت قبلا في خير وفي نعم مستور مابين اهلي ما أنا معتاز
فصرت شاعر على الاجواد أطوي الارض ماشي على عكاز
قالوا فسر للرعيني مقصد الشعر فذاك جواد يعطي كل معتاز
فجئت طالب احسانك واكرامك يامن حويت المكارم بالعطا المعتاز

=====

الجزء السادس

قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه امر الملك الخزندار ان يعطيه الف دينار فعند ذلك سل سيفه الابتر اسرع من لمح البصر وضرب الرعيني على عاتقه خرج من علائقه ثم مال على الطواشيه والخدام بضرب الحسام وبعد ذلك هجم على الخيام **بع الاجام فقتل الرجال ومدد الابطال ووقع في السودان الضجيج والصياح والعويل والنواح فخرجت الابطال من المضارب وركبوا ظهور الجنائب فتقلدوا بالسيوف وهجموا على بني مرة صفوف صفوف وهم لم يعلموا سبب ذلك الويل من شدة سواد الليل غير انهم ظنوا بني مرة قد خدعوهم حتى اتوا معهم الى بلادهم فقتلوا ملكهم وغدروهم فلما رأى جساس ماحل بقومه من السودان استعظم ذلك الشأن فركب جواده وتبعه اجناده واظطر ان يدافع عن نفسه ويحامي عن ابناء نفسه فقاتل تلك الليله حتى استقتل وفعلت رجاله مثلما فعل وكانت ليله مهوله وحادثه غير مأموله كثر فيها القتل والجراح الى وقت الصباح وكان المهلهل لم بلغ القصد والامل بذلك العمل ارسل عبده في الحال الى الاطلاع في طلب الفرسان والابطال وحضروا عند طلوع النهار واحاطوا بالاعادي من اليمين واليسار وحكموا فيهم ضرب السيف البتار واستمر الحرب والصدام بين القوم ثلاثة أيام حتى ابلاهم المهلهل بالويل والدمار وقتل منهم كل بطل مغوار واسد كرار وكان من جملة المقتولين الامير غطاس قائد جيش السودان فلما رأت الجيش ماحل به من الهوان ولت الادبار وأوسعت في جوانب القفار وكذلك انهزم جساس ومن تبعه من الناس وتفرقوا بالفلاة وهم يقصدون النجاة ورجع الزير مع قومه غالبين غانمين ظافرين ودخل القصر بالعز والنصر وصحبته اكابرالقواد الذين عليهم الاعتماد وهم يثنون على المهلهل ويقولون لا عدمنا طلعتك ايها البطل فبسيفك نلن المراد وقهرنا الاعادي والحساد فلا زالت ايامك في سعود وعدوك مقهور ومكمود ثم انه اكلوا الطعام وشربوا المدام وباتوا تلك الليله في سرور وافراح على ذلك الانتصار واما الامير جساس فأنه بات في قلق ووسواس وندم على مافعل وقطع من سلامته الامل ولا سيما لما بلغته الاخبار بأن الاختلاف والان**ار الذي جرى عليهم في الليل والنهار كان بحيلة المهلهل الاسد الكرار فزاد همه وعظم حزنه وغمه فكانت قبائل العرب يطلب منها المساعده على قتال بني تغلب وانظمت عدة قبائل برسم المساعده وصاروا يدا واحده وكذلك انظم مع الزير جملة قبائل مشاهير فحتى لم يبق في بلاد العرب قبيله الا وانضمت مع بني تغلب .
( قال الراوي ) من غريب الاتفاق المستحق التسطير في الاوراق بأن الامير مهلهل حرج ذات يوم في عشرة الاف بطل ومعه الامير كتيف وكان من أشراف تغلب وفرسانه الغضاريف وتبطن في جوانب القفر ليجس أحوال بني بكر فمر في قبيلة من قبائل العرب يقال لهم بنو تميم وهم من فرع تغلب وكانت هذه القبيله ذات خيرات جزيله واجتمع المهلهل بفرسانها وسيدها الامير عمر وقال لهم اركبوا معنا يا نبي تميم لقتال بني بكر فا أبوا وقالوا عن فرد لسان لا نحارب من لم يحاربنا من العربان فقال المهلهل اما شملتكم الحرب لحد الان فقالوا الا يافارس الميدان فقال فوحق الاله الخالق ماكنت اظن انها شملت كل من في المغارب والمشارق ومادام الامر كذلك يوجوه العرب تنحوا عن منازلكم خوفا من حلول الحرب واقصدوا غير هذه الديار مرادنا ان نقاتلهم تحت ستور الاعتكار فأن حاربناهم لا تأمنون على انفسكم من شرهم وأذاهم لانكم فرع من قبيلة بني تغلب فأن تقيمون منكم لهذا السبب فقالوا ما علينا من بئس فانهم يحاربون من يعترض لهم من الناس اغتاض المهلهل من هذا الكلام وكان عليه اشد من ضرب الحسام فتركهم وسار من الاثر بمن معه من العسكر وجد في قطع القفار والتقى بقوم من بني بكر في ذلك الجوار فكبسهم تحت ظلام الليل وابلاهم بالذل والويل فسلبى اموالهم وقتل رجالهم وأخذ رؤوس ساداتهم العظام ورجع في الظلام وطرح الرؤوس بين خيام القوم المعتزلين من بني تميم المذكورين الذين كانوا راقدين ثم تركهم وارتحل وسار على عجل فلما استيقظت بنو تميم من المنام ورأت الرؤوس بين اطناب الخيام فاأيقنوا انها مكيده من المهلهل فزاد بهم الخوف والوجل وعلموا انهم لابد ان العدو يتهمهم في ذلك العمل فنهضوا وارتحلوا من اطلالهم بموشيهم واموالهم وانظموا الى قبيلة تغلب والتجواء بالمهلهل فارس العجم والعرب فلم يبق قبيله من قبائل العربان في ذلك الزمان الا شملتها الحرب والهوان .
( قال الراوي ) ولما عظم الامر على جساس وضاقت به الانفاس فصمد الى العابد نعمان الذي تقدم ذكره قبل الان فوقع عليه وشكا حاله اليه وبكى بين يديه وطلب منه ان يسير بالعجل ويقصد الامير مهلهل ويطلب منه كف الحرب والطعان من الزمان لحينما ترتاح النفوس والقلوب من هول تلك الحرب التي اهلكت الرجال ورملت النساءويتمت الاطفال فلما سمع قوله رق له فسار الى عند المهلهل في الحال وطلب منه ان يكف القتال ولوبرهه قصيره ومده يسيره وذلك لراحه القبيلتين وحير الفريقين فاجابه الى ذلك المرام لانه كان يحبه دون باقي الانام وامر بتوقيف الحرب عن القوم من ذلك اليوم واشتغل المهلهل في تلك الايام بالملاهي وشرب المدام واكل الطعام وسماع الاصوات والانغام ومغازلة النساء في الصباح والمساء وكان جساس يترقب على المهلهل الفرص ليقتله ويزيل ما بقلبه من الغصص فبلغه في بعض الايام ان الزير طريح الفراش في الخيام من كثرة شري المدام وان اخواته قد خرجوا للصيد ولايرجعون الا بعد ثلاثه ايام فجمع اخوته واعلمهم بذلك الخبر واتفق رايهم انه بعد غروب الشمس يركب اخوهم سلطان في جماعه من الفرسان ويكبس سالم الزير على حين غفله ولما كان الليل ركب سلطان في ثلاثه الاف بطل وقصد حي المهلهل ولما صار هناك هجم عليه وهو راقد في الخيمه سكران فاحاطت به الفرسان وقبضوا عليه واوثقوه كتافا ثم نزلوا عليه بالسيوف الى ان اثخنوة بالجراح واتلفوه حتى صار عبره لمن اعتبر وكان دمه يسيل كالمطر فزادت افرحهم وزالت اتراحهم وقالوا لقد بلغنا الارب ورفعنا الحرب عن العرب .
ثم انهم وضعوه في جلد جاموس وخذوة الى عند اخته ضباع وقالوا لها لقد اتيناك بقاتل ولدك فخذيه واشفي منه غليل كبدك فياما قتل ويتم ورمل فما هان عليها ذلك الامر لكنها اظهرت لهم السرور والفرح وقالت ان جزاء الغدار الحرق بالنار ثم تركوها وساروا واما هي فقد احتارت في امرها وزادت احزانها عليها وانه وان قتل ولدها فانه سيد للقبيله ذكرا لايبور على مدى الدهور .
فبينما هي في بحر الافتكار واذا به قد فاق من غشوته وصحى من سكرته وقال وهو على اخر رمق سبحان الحي الدائم ثم صاح يطلب عبده شهوان وهو يظن انه في ذلك المكان فقالت له ضباع قد انتقموا منك أعداك فأصحى فقد ذقت الموت والهلاك فلما رأى ذاته عند أخته وهو على تلك الحال انشد وقال :

قال الزير ابو ليلى المهلهل ونار الحزن توقد في حشاه
فكان كليب ملك البرايا أتى جساس غدره بالفلاه
جلست في مكانه أخذ لثأره وكنت أنعيه صباحا مع مساء
فقال الشيخ كف الحرب عاجل ولاتقتل لسيف ولاقناه
جلست بخيمتي والدن جنبي وعندي العبد ماعندي سواه
وقومي كلهم للصيد راحوا فعرفوا القوم مع باقي العداه
أتوني والمقدر كان كائن وحلى كل مما أن تراه
اتوا بي لعندك يا أخت حتى تنالي الثأر ياغاية مناه
كليني يا ضباع أو أقتليني انا أخوك اذا احتبك القناه
فانتي تشبهي اللبوات حقا واني مشبه سبع الفلاه
فألقيني بصندوق مزفت وأرميني ببحر في مياه
أيا أسما أفعلي انت بأصلك ربيعه بيننا ما غباه

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه غاب عن الوجود وصار في صفة المفقود وكانت ضباع لما سمعت من أخيها هذا الكلام صار الضيا في عينيها ظلام ثم انها جاءت بصندوق كبير فوضعت فيه سالم الزير وزفتته وطلته بالقار وكان عندها عبدان أمرتهما ان يحملا ذلك الصندوق ويلقياه في البحر فحملاه وسارت هي معهما تحت جنح الظلام الى ان وصلا الى شاطىء البحر فطرحاه هناك في البحر ثم بكت ضباع عندما غاب عنها اخيها ورجعت تنوح من فؤاد أحرقت قلبي بفراقك يا جميل المحامل وفخر الاواخر ثم أنشدت تقول بهذه الابيات :

تقول ضباع من قلب حزين ايا عيني فزيدي في بكاها
كواني البين في أول زماني رماني الدهر في أعظم بلاها
ايا دمعي فزيدي في سخاكي على محزونة فقدت أخاها
لقد كان ملوك البرايا ومن أعلا ملوك الارض جاها
كليب جساس الذي قتله طعنه طعنة برمحه في قفاها
ترك دمه على الارض فاير بحربة مسمعه من السم سقاها
وقام الزير كي يأخذ بثأره فقاتل آل مرة ثم هفاها
لقد قتله سلطان بغدر اثني عشر الف حملة فناها
فقال خذوه الى اخته الحزينه لتأخذ ثار ولدها مع أخيها
فحطيه في صندوق مقفل ومن بني مرة ما يعلم حداها
وقلت له روح ياجمل المحامل ايا عود بيتي انحناها
وقلت قتلته يا فخر قومك ايا حطاما للجائع عشاها
ايا يوما اخذه الموج عاجل وموج البحر يلطم في مداها
فقلت له روح ايا سبع بغاب بيوم الحرب ماتعطي قفاها
وهذا صار في عصر الجليله اله العرش يعدمها صباها
فسر ياريح واخبر اليمامه لتصبح ثم تمسي في بكاها

ثم رجعت الى الحي وصبرت حتى رجعت أخوتها وبني عمها من الصيد فأعلمتهم بتلك القضيه وما حل بالزير وقالت والله انكم بعد المهلهل تتعبون مع جساس فتأسفوا جميعهم عليه وبكوا من فؤاد موجوع ثم ان ضباع كتمت ما فعلت بأخيها وشاع الخبر انها احرقته بالنار وأخذت الثأر ولما شاع الخبر وانتشر بين الناس فرحت بنو مرة وجساس واما أخوة الزير فانهم شقوا ثيابهم من فرط أحزانهم وأخذوا يعددوه ويندبوه بالاشعار ويذكرون ما له من محاسن الآثار وكان أكثرهم حزنا أخوه عدي الذي يقول فيه :

أيا ويلي فدمع العين هلا على الخدين من دمعي صبابه
على فقد الفتى مهلهل أنور العين تدري ما أصابه
غدونا كلنا للصيد عنه وهو جالس كانه سبع غابه
وعند رجوعنا لم نلتقيه فأحرق وسط مهجتنا غيابه
فمن يوم أخيه كليب ولى فلا يسرح ولا يلقى صحابه
وما فارق محله طول عمره ولا نعرف له مده غيابه
مهلهل راح من اولاد مرة وسهم البين ذر لنا غرابه
وبعده كيف عاد يصير فينا لان جساس ماتحمل عذابه
ترى بعده سيمحقنا جميعا يشتتنا ولا يخشى عتابه
ايا أخوتي ماذا نسوي واين نروح من هذه العصابه
تعالى أخي يا درعان قوللي فقلبي والحشا يا أمير ذابه
ايا سراف يا ناصر تعالوا ايا هزوز يا منيه شبابه
ويا حنبل ويا باقي الامارة تعالوا واسمعوا مني الخطابه
تقول الزير ولى وراح منا قتيل ويندفن تحت الترابه

وأما سلطان فقد رجع مسرورا ووقف امام أخيه جساس وأخذ ينشد :

والمهلهل ناصب الخيمه بعيد في وسط البستان له ياحبيب
وحده يسكر بليله والنهار رحت انا اليه من بعد المغيب
في ثلاثة الاف فارس غانمين كل فارس مثل سبع وديب
هجمت عليه يا أخي بالعجل ووقعنا عليه بضرب عجيب
ضربه جساس بالغ بالسيوف حتى صار دمه جاري صبيب
ضربه حتى قطع من النفس وانطرح بلا مسعف ولا حبيب
ثم أخذ لأخته ضباع لتأخذ بثأر ولدها الحبيب
أخذته حرقته بنار ولقته على جمر نار اللهيب
هذا الذي فعلت بعدك ياهمام ياحما البيض في يوم النكيب

( قال الراوي ) فبما انتهى سلطان من كلامه شكره جساس على اهتمامه وقال بارك الله فيك ياهمام فان فعلك هذا يبقى مدى الايام ثم ساروا الى الحي وهم في افراح وسرور وانشراح ولما وصلوا الصيوان جلس جساس في الديوان واجتمعت حوله الابطال والفرسان ثم امر بدق الطبول ونفخ الزمور وعمل وليمه عظيمه لها قدر وقيمه فا جتمع فيها خلق كثير من كل أمير وسيد خطير ورقصت النساء والبنات ودارت بينهم الافراح والمسرات وانشرحت خواطر السادات وكان عندهم ذلك النهار من أعظم الاعياد الكبار .

( قال الراوي ) وكان لما بلغ بنو قيس حقيقة الخبر ان المهلهل مات واندثر غابوا عن الوجود وايقنوا بالموت الاحمر فزادت بليتهم وعظمت مصيبتهم فمهنم من أرتحلوا من الديار وقصدوا الامير جساس وطلبوا منه الامان دون باقي الناس فأعطاهم الامان وجعلهم من جملة الخدم والغلمان ولم يبق عند أخوة الزير الاشراف الا شر ذمه يسيرة وعصبة حقيرة فقصدهم جساس بالابطال ودار بهم من اليمين والشمال فسلموا أمرهم اليه ووقعوا عليه فنهب أموالهم وأخذ نوقهم وجمالهم ثم أشرط عليهم أن لايوقدوا نارا في الليل والنهار ولا يركبوا على ظهور الخيل بل يصيروا مكانهم في الخيام فأجابوه الى ذلك المرام خوفا من الاندثار ونزول الدمار وبعد هذا رجع الى الديار بالفر والاستبشار فعظم شأنه وتأيد بالعز مكانه وسار في مقام عظيم وحكم على السبعه أقاليم .
(قال الراوي ) اما اخوه المهلهل فانهم بعد هذا العمل رحلوا من اطلالهم باولادهم واطفالهم ونزلوا في وادي السعاب وهم يبكي وانتحاب وذل وعذاب وصبروا على حكم رب الارباب
هذا ما جرى لهولاء من العبر واما الزير الاسد الغضنفر فانه لما القته اخته في البحر كما سبق الخبر فقذفته الامواج في البحر العجاج الى ان ساقته التقادير الالهيه الى مدينه بيروت وكان اسمها الخيبريه وملكها يدعى حكمون ابن عزرا وكان من اجل الملوك قدرا واتفق والامر المقدر ان ثمانيه من الصيادين بينما هم يصطادون سمك نظروا ذلك الصندوق في البحر العجاج تلعب فيه الرياح وتقذفه طوارق الامواج فقال احدهم للاخر انظر يا صمويل هذا صندوق يارؤبل
قد ساقه الينا اله اسرئيل ثم انهم قصدوه في الحال وسحبوه الى الشاطي بالحبال وذلك بعد تعب ونكد ما عليه من مزيد فقال رئيس الشختور لباقي الاعوان تعالوا حتى نفسه علينا الان قبل ان نفتحه يااخوان فناخذ كل واحد منا حقه قدر ما يستحقه فاجابه بعض الرجال ما هو مرادك بهذا المقال فقال ان لي النصف ولكم الاخر لاني صاحب الشختور والرئيس الاكبر فقال وحق خمار العذير ما تنال منه شيْ ياشبير ثم وقع بينهم الخصام وتشاتموا بالكلام فضرب احدهم الرئيس
بسكين فقتله وكان للرئيس أخ فضربه القاتل بالمقذاف فجندله وما زالوا يتقاتلون طمعا بالمال حتى قتل منهم عده رجال ولم يسلم سوى رجل واحد واتفق بالامر المقدر ان حكمون كان قد خرج في تلك الساعه مع أكابر دولته للصيد والقنص فمر من ذلك المكان فوجد الصندوق والرجل والقتلى مطروحه على الارض فوقف وسال الصياد عن السبب فاخبره بواقعه الحال فتامل الملك في الصندوق فتعجب من كبره وثقله واراد ان يعرف ما فيه فأمر بحمله الى السريا وارتد راجعا مع باقي رجاله فلما صار هناك امر بفتحه ففتحوه واذا رجل طويل القامه عريض الهامه واسع المنكبين كبير القدمين مثخن بالجراح من ضرب السيوف وطعن الرماح وقال الملك لحواشيه ما وجدتم فيه قالوا ياملك الزمان فيه انسان كانه من عفاريت السيد سليمان له عيون كعيون السباع فلما نظر الملك خاف وارتاع وقال للاتباع كم له من الزمان يا ترى في هذا المكان .
(قال الراوي ) وكان عند هذا الملك حكمون طيب ماهر اسمه شمعون فتقدم الى الزير وهو مطروح وجس زلقومه وعرق الروح فوجده يختلج في اعضائه فقا ل ل الملك ان الرجل في قيد الحياه فقال له هل تقدر ان تشفيه وانا أعطيك ماتشتهي قال نعم يا مولاي ثم نهض على الاقدام وقال بسم الله العلي العظيم فشمر عن زنوده واخذ اسفنجه وبلهل بالماء الخارج ومسح الجروح ووضع المرهم على القروح ثم جاء بالعسل النحل فغلاه وفتح فمه واسقاه وفي برهه قصيره اختلجت اعضاءه وتحركت وفتح عيناه فنظر وتامل في ذلك المحفل فراى جماعه من الرجال صفر الوجوه بسوالف طوال فاعتراه الانذهال وشكر الاله المتعال فقال له حكمون من انت ومن تكون وما هو اسمك ؟فقال اسمي الموحد انا عبد الاله العظيم رب موسى وابرهيم فقال ما هي قصتك وسبب وضعك في هذا الصندوق ؟ فقال كنا اربعه سياس عند الملوك وكنت انا المقدم وعلى الجميع فحسدوني وضربوني ذات يوم بقصد انهم يقتلوني فغبت عن الوجود من الم الضرب ولم ار نفسي الا في هذا المكان .فقال الملك للحكيم خذه الى عندك وداويه با لعلاج حتى يشفي وبعد ذلك احضره الى عندي فا خذه الحكيم الى داره وعالجه مده من الزمان حتى ختمت جراحه وتحسنت احواله فاتى به الى عند الملك ولما دخل سلم عليه وتمثل بين يديه فقال له الملك كيف انت الان يا موحد ؟ فقال له بحسب انظارك الشريفه وقد شفيت وحصلت على دوام العافيه فلله در هذا الحكيم فانه يستحق الانعام والاكرام فمهما انعمت عليه فاني ساعطيك اياه فبتسم الملك من هذا الكلام وانعم على الحكيم ثم التفت الى المهلهل وقال اعلمني بحالك وكيفيه احوالك واشار الملك يقول :

قال ابو ستير حكمون الملك يا موحد استمع مني المقال
هات احكليلي على ما صار فيك ما علمت وما فعلت من الفعال
حتى طعنت يا موحد بالرماح جروحك كثيره بسيوف صقال
يا موحد انت اغليوم مليح قرم فارس خيل ماانت نذل
قوللي عن ذي الجرح كيف صار وما سببهم قول يا سبع الرجال
ثم اعلمني على ما قد اقول يازكي الاصل عن عم وخال
في بلادك اتوك الغانمين يضربون الشور لك معهم مقال
بعد هذا قل لنا عن صنعتك الذي تاكل منها خبزك حلال

فلما فرغ حكمون من مقاله قال له الزير أعلم ايها الملك الجليل صاحب الفضل الجميل ان سألت عن حسبي ونسبي ووظيفة ابي فانه كان ملك من ملوك العربان ثم غدر به الزمان حتى صار يسوس الخيل وانا تبعت مهمته وهذه وظيفتي ومهنتي واشار يقول :

قال ابو ليلى المهلهل في قصيد يا ملك حكمون يا حكم الخصال
في بلادي ان سالت عن الجلوس مجلسي في الوسط فوق اعلا الجبال
وان سالت عن الشور كل الشور لي ما أحد يقدر يخالف لي مقال
وان وقع الحرب وضرب السيوف فالعذارى هللت فوق الجمال
والسيوف الجدب عاد لها مرير والقتول تلول عادت كالرمال
فذاك اليوم انا اعز الملاح مامثالي في اليمن وفي الشمال
وان اتاني ضيف انا اعز الضيوف واشبع للضيف من لحم الجمال
والفتى المعروف منجد يا امير ابن وائل ذاك لي امير خال
ان كنت تسال يا ملك عن صنعتي صنعتي حاصود في رؤوس الرجال
اما ابي فكان ذو قدر عظيم مال فيه الدهر يا حكمون مال
صار سايس بعد عزة للخيول بالكرامه بعد عزة والدلال
وانا قد صرت سايس بعده اسوس الخيل ما مثلي مثال
وجروحاتي هي من عص الحصان قد ضربني برجله اربع نعال
قمت من كدري ضربته في حشاه راحت السكين للعزال
لاجل ذاك المهر سوى هل فعال وارموني بالدل مع كثر الخيال

فلما سمع حكمزن هذا الكلام من الزير غضب عليه وقال له انت كذاب فقد اخبرتني قبل الان رفاقك قتلوك واليوم تقول الحصان ضربني فتكذب علي وتحرني فلو كنت من الاكارم ما جرت عليك هذه العظائم ثم صمم على قتله فتشفعت فيه اكابر دولته ووضعوه في الحبس وبقي هناك مده سنه كامله وكان يسطو على المحابيس وياكل طعامهم فضجوا منه الناس وشكوا امرهم الى الملك وقالوا له اذا كان هذا سايس كما يقول فاجعله يسوس الخيل لانه يقاسمنا على طعامنا غصبا وقهرا وهذا الامر لايطاق فدعه يشتغل وياكل خبزه بعرق جبينه فاستدعاه الملك اليه وقال له هل انت ماهر يا موحد بساسه الخيل قال نعم فقال سلموه خيلنا فاذا وجدنا له معرفه في ذلك
اكرمناه .
(قال الراوي ) وكان كثيرا ما ينفرد بنفسه ويتذكر اهله وعشيرته وما هو فيه من الاهانه والاسر ويبكي ويقول ياليت شعري ما جرى على اخلي من بعدي لان الاسير كما يخفى على الحاذق البصير بمنزله العبد الحقير ولو كان من بيت شهير وعالم نحير فكيف من تكون جناب الامير سالم الزير الذي قهر الابطال والغاوير وشاع ذكره عند الملوك المشاهير فانه بعد ذلك العز والاحترام وعلو الجاه ورفعه المقام وقع في اسر بني اسرائيل فكان الموت عليه اهون من ذها القبيل ولكنه سلم امره الى الله وقام ينتظر نفوذ حكمه وهو يتامل الفرج والخلاص من شرك الاقناص ونكان قد انتخب له فرسا من اطايب الافراس كانت طويله العنق قصيرهالراس واجود
من القمير فرس جساس فاعتنى بتربيتها حتى حالت قاخذها الى الشاطي البحر وربطها هناك فخرج عليها حصان من البحر فشب عليها فراحت حامل وبعد عام ولدت مهر ادهم وكان كامل الاوصاف ململم فسماه الاخرج لخروج اباه من البحر ثم فعل معها ذلك العمل في الثاني فولدت له مهر اخر كانه الابجر حصان عنتر فسماه ابو جحلان واعتنى بهما دون باقي الخيل وكان يسوسهما في النهار واليل واستمر على تلك الحال مده اربع سنين وهو يطلب الفرج من رب العالمين .

حرب برجيس الصليبي مع اليهودي
( قال الراوي ) واتفق في تلك الايام ان برجيس الصليبي احد ملوك الاروام خارج مع احيه سمعان في ماتئي الف عنان من بلاد **روان وتلك الحدود لمحاربه حكمون اليهودي وذكررواه الاخبار عظماء الاعصار بان مدينه حكمون كانت نفس مدينه بيروت كانت مزحرفه البنيان وكثيره الحوانيت والبيوت ولما اقترب اليها برجيس بالعساكر النصرانيه نصب خيامه في الاشرفيه وكتب كتابا الى حكمون يقول فيه الملك برجيس بن ميخائيل الى حكمون ملك بنو اسرائيل اما بعد فانك قد خالفت الشروط ولم ترسل لنا الخروج المربوط وقد مضى خمسه اعوام وانت تحاولنا بالكلام فاقتضى اننا قصدناك الان بالابطال والفرسان كانها مرده الجان لا تخاف طعن الرماح ولا نكل الحرب والكفاح فان دفعت الخراج المطلوب من عشر مالك توقفنا عن
حربك وقتالك والا وحق من اوجد الانسان والمسيح الذي ولد بلا دنس خربنا ديارك وطفينا نارك وقلعنا اثارك وجعلنا الولايات ال****** تابعه للاقاليم المسيحيه فاسرع في رد الحرب قبل حلول العذاب ثم انه ختم الكلام بهذا الشعر والنظام :

على ما قال برجيس الصليبي كريم الوالدين ايا وجدا
شديد الباس ما بين الترابا على السادات دوما مستجدا
اذل القوم في سيفي ورمحي اقد الشوش والهامات قدا
انا قاصد لحكمون اليهودي فاعلمه بما قد استجدا
واخبره بفرساني وجيشي وما عولت ان افغله جدا
بهم من كل قوم ليث اروع يصد الخليل في الميدان صدا
يريد المال ارسله سريعا وان لم يمتثل امري فردا
وعشر الخيل مع عشر العذراى بنات قد زهوا وجها وقدا

(قال الراوي ) ان الملك برجيس سلم الكتاب الى قائداسمه فرنسيس وامر ان يسير لعند حكمون فيعطيه الكتاب وياتيه بسرعه الجواب فا متثل القائد امر مولاه وجد في قطع الفلاه الى ان دخل البلد وقصد حكمون دون احد فلما وصل اليه سلم واعطاه الكتاب وتمثل بين يديه وكان عند حكمون جماعه من اخيار اليهود وهم يطالعون في التوراه والتلمود ولما فض الكتاب وقراه وعرف حقيقه معناه احمرت عيناه وصاح على الرسول صوت مثل الغول وقال هكذا يكتب لي برجيس ياخبيث يا تعيس فلولا العار يا ابن الاشرار لكنت قطعت راسك واخمدت انفاسك فاذهب وقل لمولاك ان يستعد للحرب والعراك فاني لااهابه ولا احسب حسابه فخرج فرنسيس من بين يديه وهو ينفض غبار الموت عن عينيه ثم صاح الملك حكمون على اخيه صهيون ووزيره قسمون وقال لهما استعدوا للقتال وفرقا السلاح على العساكر والابطال فقد اتتنا العساكر المسيحيه والابطال النصرانيه وقد عسكروا في الاشرفيه فاجاباه الى ما امر في الحال جهز العساكر وفرقا عليها السلاح والسيوف والرماح ولما بلغ الملك برجيس كلام حكمون صار مثل المجنون وعول ثاني يوم على الحرب والصدام .
( قال الراوي ) وعند اشراق الصباح استعد حكمون للحرب والكفاح فخرج من البلاد بالعساكر والعدد وحوله الكهنه والاحبار وهم يتلون التوراه والاسفار املا بالفوز والانتصار وكان برجيس قد ركب في ذلك النهار بذلك الجيش وتقدم طالبا القلاع والاسوار بقوة واقتدار وعلى راسه البيارق والصلبان ومن حوله القسوس والرهبان وهم يتلون الزبور و الانجيل بالتنغيم و التهليل ولما التقى العسكران تقاتل الجمعان في ساحة الميدان ولتقت الفرسان النصرانية بالابطال الاسرائلية في تلك البرهه وهجموا على بعضهم هجمات قوية وتضاربوا بالسيوف المشرفيه وكانت الامة العيسوية قد فتكت بالغصبه العبرانية واذاقتها في ذلك اليوم من الاهوال اعظم بليه وقتلت مقتلتاً عظيمة وفيه رجع حكمون وهو يتأسف ويتلهف على حل ما بعسكره من الويل و التلف ودخل إلى البلد مع الجيش وأغلق الابواب وقصد القصر وهو خارج عن دائرة الصواب ونزل برجيس خارج المدينة وكان قد أمتلك ذلك النهار ثلاثه قلاع حصينة .
( قال الراوى ) وكان المهلهل قد سمع صياح القوم فسأل عن الخبر فأعلموه بواقعه الحال فتاقت نفسة إلى القتال ومصادمة الأبطال فأخذ قصبه بيده وصعد إلى السور ليشاهد تلك الامور وكان ذلك المكان بقرب قصر حكمون فنظر القوم وهم يقاتلون فكان كلما نظر النصارى غلبوا أو ظفروا يقول لليهود تقدموا ولا تن**روا وكان يهدر كالرعد القاصف أو كالريح العاصف وهو راكب على الحيط كما يركب الحصان ويضربه برجلية ويصيح على الفرسان وأستمر على تلك الحال إلى أن رجع حكمون إلى البلد وهو في غم ونكد وكان لحكمون بنت كالقمر أسمها [ ستير ] نظرت من الشباك أفعال الزير فتعجبت من أفعاله وغريب أعماله .
فلما رجع أبوها سألته عن حالته وما جرى له في قتاله فاعلمها بواقعة الحال انتصار النصارى في القتال فبعد ذلك أخبرته أبنته [ ستير ] بما رأته في ذلك اليوم من أعمال الزير وقالت : إذا كانت اعماله صحيحة فأنه ي**ر هذا العسكر ويذيقة الموت الاسمر ثم اشارت تقول :

تقول ستير أسمع من كلامي نظرت اليوم في عيني العجائب
نظرت اليوم من هذا الموحد فعال قد تعيد الرأس شايب
فلما دقت الطبل النصاري وقد هجمت عسكرها تحارب
والتقت العساكر بالعساكر وراح السيف يعمل في المناكب
فقد ابصرت احوال الموحد غرائب قد فعلها من عجائب
ركب للحيط سواه حصانه كانه ياابي قاصد يحارب
ويزعق ثم يلكز في كعابه إلى أن قد جرى دمه سكايب
ويهدر مثل ليث أروع ترج الارض منه و الكتائب
يريد الحيط يطلع فيه يغزى وقلبه للقا و الحرب طالب
اذا ولت رجالك قال باطل وان ولت عداك قال طالب
ينخي الناس واحد بعد واحد قتل روحه وهو الحيط راكب
فهذا قد نظرته اليوم حقا من الصبح الى وقت المغارب
فلا أدري أهو عاقل صميدع ولا أدري أم مجنون خائب

( قال الراوي ) فلما فرغت ستير من شعرها ونظامها وفهم ابوها فحوى كلامها اراد ان يستدعيه اليه فقالت له من الصواب ان يركب أخوك نهار غد ويقاتل العدا وان تبقى في القصر فلعله يفعل كما فعل بالامس فتشاهد أعماله وتختبر احواله فليس الخبر كمشاهدة النظر فاستصوب كلامها وبات تلك الليله في قلق وضجر ولما اصبح الصباح أمر أخاه أن يركب بالعسكر ويخرج لقتال النصارى فركب أخوه في عسكر اليهود وانتشرت على راسه الرايات والبنود فالتقته جموع النصارى مثل الاسود وصياح الابطال وهمهمه الرجال واشتد بينهم القتال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال فلما سمع الزير التهب قلبه بنار الاشتعال فصعد على السور وهو حزين النفس وفعل كما فعل بالامس وكان كثيرا يقول يالثارات كليب من جساس المخدول وهو ينخى القوم ويقول اليوم ولا كل يوم وكان حكمون ينظر اليه مع ابنته فتعجب من فعله وهول صورته فأمرها أن تناديه ليحضر أمام دولته فنادته فالتقت اليها ولباها وقد تعجب من حسن رؤياها قالت ابي يدعوك أن تحضر اليه فنزل وصعد الى القصر ودخل على الملك وسلم عليه وقبل الارض بين يديه فقال له حكمون ان كنت قادر على ماتقول وانت من الفرسان الفحول فانزل وقاتل هنا في هذا النهار المهول فان لنا عليك جميل وأفضال وأن **رت الاعداء بلغناك الامال وأغنيناك بالمال وأطلقناك من الاسر والاعتقال .
فأمر الملك بأن يعطوه جوادا من أطايب الخيل ودرعا وسيفا فأتوا له بجواد فقال لهم هذا لايحملني ثم أتكى عليه بيده ف**ر أضلاعه فأتوا له بآخر جواد ففعل به كذلك ومازال على تلك الحال حتى قتل عشرة خيول فتعجب الملك من قوة بأسه وشدة مراسه ثم أتوا له بعدة حرب وجلاد ففعل كذلك الى ان أتوه بعدة حرب الملك حكمون فلبسها وكانت من أحسن العدد وأعتقل بالسيف المهند وركب على ظهر حصانه الاخرج الذي كان ينتظر منه الفرج وأخذ في يمينه الرمح الاسمر والتفت على حكمون وقال اليوم تنظر فعالي وتعاين حربي وقتالي وتذكرني على طول الدوام ايها الملك الهمام ثم أنه لكز الحصان وقوم السنان وانطلق الى ساحة الميدان بقلب أقوى من الصوان وقد هان عليه الموت تحت أرجل الخيل عند بلوغ القصد والمأمول وكانت النصارى قد **رت اليهود وفتكت بهم فتك الاسود فلما رأى المهلهل تلك الحاله استعد للحرب والقتال وتقدم صهيون أخو الملك حكمون وقال شدوا عزمكم وقاتلوا خصمكم ثم خاض المجال وطلب الميسرة في الحال وقاتل فمدد أكثرها على الرمال وتأخرت عنه الرجال ورأت النصارى تلك الفعال فاعتراها الانذهال وهجموا عليه من اليمين والشمال فأبلاهم بالذل والويل وقتل جماعة من فرسان الخيل وكان كلما كثرت عليه الكتائب وضايقته العساكر والمواكب يتذكر أخوه كليب الاسد الغالب فيهاجم هجوم السباع ولا يخاف ولا يرتاع فعند ذلك تأخرت عنه الفرسان وتوقفت عن قتاله الفرسان وتوقفت عن قتاله الفرسان وكان برجيس من فرسان المعارك فلما بلغه ذلك نما غيظه وزاد وهجم بالعساكر والاجناد طالبا ساحة الميدان ومن حوله القسوس والرهبان وعلى راسه الرايات والالويه فلما اقتربت من تلك الناحيه وقعت عينه على صهيون أخو الملك حكمون فتقدم الارض قتيلا وفي دمه جديلا فعند ذلك ضجت طوائف اليهود ولما رأوا أميرهم مفقود فاستغاثوا بالتوراة والتلمود فالتقاهم برجيس كالنمرود وقتل منهم كل فارس معدود وكان المهلهل يقاتل من بعيد الفرسان الصناديد ويمددها على وجه الصعيد فلما رأى طوائف اليهود متأخرة بعد ان كانت ظافرة وهم يصيحون ويندبون على فقد صهيون فلما عرف بالظن الطويه أخذته الغيرة والحميه فقصد الملك برجيس الى ذلك المكان وفي الطريق التقى بأخيه سمعان وهو ينخى الابطال والفرسان فهجم عليه هجمه الاسد وضربه بالسيف المهند القاه على وجه الارض يختبط بعضه ببعض فلما قتل الامير سمعان حمل جيش النصارى على الزير من كل مكان عند ذلك دقت النواقيس وحمل أيضا برجيس وتبعه كل أسقف وقسيس .
ولما رأت اليهود أفعال المهلهل أيقنت ببلوغ الامل فارتدت الى قدام بعد ذلك الانهزام التقت الرجال بالرجال والابطال بالابطال وعظمت الاهوال ومازالوا على تلك الحال الى ان ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار فافترقوا عن بعضهم البعض وزالت كل قبيله في ناحية من الارض .
( قال الراوي ) وكان الملك برجيس قد صعب عليه قتل أخيه سمعان وندم على مجيئه الى تلك الاوطان وكذلك استعظم حكمو قتل أخيه صهيون فكانت مصيبة عظيمة على الملكين وداهيه جسيمة على الفريقين ولما أصبح الصباح واشرق بنورة ولاح ركبت العساكر واصطفت وانقسمت الى ميامن ومياسر فتقاتلوا بالرماح والخناجر والسيوف البواتر فكان الزير كالاسد الكاسر وجرى للابطال في ذلك اليوم من الاهوال مايشيب رؤوس الاطفال واستمروا على تلك الحال وهم في اشد قتال وخصام عشرة ايام على التمام وكان الزير قد فتك فتكا عظيما وقتل من النصارى عددا من الملوك الكبار أصحاب السطوة والاقتدار أمره نافذ في جميع الاقطار فخاف من الان**ار والوقوع بيد المهلهل الجبار فجمع اركان دولته ووزراء مملكته وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رأيهم على المصالحه وتوقيف الحرب بعد المصادقه والمصالحه وأن يرحلوا بأمان من الاوطان ويببقوا مع حكمون كالاصحاب والاخوان على طول الزمان ثم ان الملك برجيس ارسل الى حكمون بعض وزرائه المعتبرين يعلمه بذلك ويأتيه بالخبر اليقين فسار الوزير الى عند الملك حكمون وأعلمه بواقعة الحال ففرح حكمون وباقي الامه العبرانيه لانهم كانوا يخافون سطوة الملوك النصرانيه فأجابه الى المطلوب وحمد الله الذي اناله من غوائل الحروب وهكذا تم الانفاق ووقع الصلح والوفاق ورجع برجيس من تلك الافاق بمن معه من الرفاق بعد ان رتب على الملك حكمون مالا معلوما يدفعه كل سنة الى خزينة الملك .
( قال الراوي ) وعظمت منزلة الزير عند حكمون وقال مثلك تكون الفرسان فأنت اليوم عندي كالولد وأعز من الروح في الجسد فلولاك كنت في حال تعيس واستولى علينا الملك برجيسس وكانت الاميرة ستير قد شاهدت افعال الزير فاثنت عليه وقد مال قلبها اليه ثم قالت لاعد مناك ايها النحرير فانك تستحق الاكرام والخلع وكان الملك قد مال اليه كل الميل فقدمه عن جميع فرسان الخيل ورفع منزلته على الكبير والصغير ولقبه بالامير وانعم عليه بنشان من الماس ليمتاز به على كبار الناس واكرمه غاية الاكرام واجلسه على سفرة الطعام ولما فرغوا من الاكل وشرب المدام قال له الملك تمنى علي ايها الامير والسيد الخطير فمهما طلبت أعطيتك أياه بدون تأخير فطلب منه الزير أن يعطيه السيف والدرع والمهر الاخرج وأعلم حكمون بنفسه وطلب منهه ان يجهز له سفينه ويرسله الى مدينة حيفا ومن هناك يسير وحده الى مرج بني عامر محل اقامته لان نفسه اشتاقت الى اهله وعشيرته فلما سمع حكمون بواقعة حاله وانه المهلهل زاد مقامه عنده وقال له هذه بلادي وما أملك واموالي بين يديك فأقيم عندنا طول عمرك فاننا والله لاننسى جميلك ومعروفك قال الزير لابد لي من الذهاب لانني لحد الان ما أخذت بثأري ولا طفيت من العدا لهيب ناري عند ذلك أهداه الحصان الاخرج وأعطاه السيف والرمح وعدة الحرب وجهز له مركبا من أحسن المراكب وأمر القبطان بمداراته وامتثال اوامره وانه بعد ان يرجع له عند الوداع الله يبلغك آمالك فلا تقطع عنا أخبارك فسلم عليه المهلهل ودعا له بطول العمر ثم رجع حكمون الى المدينة وسافر المركب بالتهليل وفي اليوم الرابع أشرقت السفينه الى ميناء حيفا والقت مرساها ونزل المهلهل الى البلد وبقي الحصان في المركب وأمر القبطان ان يحافظ عليه لوقت الطلب ومن هناك تسربل بالسلاح تحت الثياب وقصد دياره فالتقى بطراف ان ناصر وهو حافي عريان وقد كان من الاعيان ومن أصحاب الزير فأقبل اليه وسلم عليه فرد الزير السلام ثم عرفه بنفسه وأخبره بما جرى عليه من الاول الى الاخر فقال أهلا وسهلا بقدومك علينا فوالله كنا قد قطعنا الامل من سلامتك فالحمد لله على اجتماعنا فقم بنا الى ربعن حتى ننظر أهلك لانهم دائما في ذكرك فقال الزير اني لا أذهب الى هناك حتى اذهب الى حي بني مرة وانظر باقي قومنا الذين التجؤا الى جساس فسر معي الى هناك فسار ناصر معه وهو فرحان وجدا في مسيرهما حتى وصلا الى أحياء بني مرة فالتقيا با لامير سالم المهيا قاصدا الصيد مع جماعته ولما اقترب سالم من المهلهل .

=====

الجزء السابع

ونظره حن قلبه اليه فحياه بالسلام وجعل يتأمل فيه ويقول والله من يوم غاب حامينا فقد عزنا وما أبصرنا قامته الا هذا اليوم ثم دمعت عيونه فقال الزير كيف تبكي عليه وانت ملتجئ الى اعداءه فعند ذلك عرفه ونزل عن ظهر الجواد ووقع عليه واعتنقه المهلهل وطيب خاطر جماعته وقال لهم ابقوا على ماكنتم عليه وعندما تسمعون صرير السيوف في أعناق بني مرة فحينئذ تفعلون ما يجب عليكم فعله فساروا في سرور وأفراح حتى يعلم بعضهم بعضا واما الزير فانه سار وهو وطراف وهما متنكران حتى دخلا الى حي جساس وقت المساء فوجد الحي في دق طبول ونقر دفوف وأمور تدل على مسرات وأفراح فقال المهلهل في سره ما عسى ان يكون هذا ولما اقترب من صيوان جساس وجده ممتليا من الناس وجساس جالس في الصدر وحوله الاكابر والاعيان والمولدات تدق بالدفوف والمزامر وبعد قليل حضر العبيد بسفر الطعام فقام جساس الى المائده وتقدمت بعده الامراء وجعلت تتوارد الفرسان وتتزاحم على بعضها البعض فعند ذلك تقدم الزير مع جملة الناس وجلس بقرب جساس وأخذ يتناول من أنواع الاطعمه فلما رآه جساس أنكر أمره وقد استعظم كبر جثته وهو يأكل اكل الجمال فقال له جساس أدعو لي ياشيخ فقال انني دائما أدعو لك ولست بناسيك على طول الزمان فازداد جساس خوفا وارتجفت أعضاءه ولما انتهى من العشاء أمر جساس باحضار الرمل وضربه في الحال ورسم الاشكال فظهر له انكيس واحمرار وانه قادم عليه أوقات منحوسه وسيظهر رجل لقي الجلد عن قريب يذيقه الاهوال وقد تأكد عنده بأن ذلك هو نفس الزير لانه لايوجد له عدو غيره فالتهب قلبه بناره وصاح من ملو رأسه يا ستار فجاءت اليه أخوته وقالوا ماأصابك ياأمير فاأنشد يقول :

قال جساس بن مرة في بيوت اسمعوا ياأخواني أهل الوفا
ضاق صدري وامتلا قلبي هموم فالقلق والغم ضارب بالحشا
جمعت تخت الرمل حورته بسرعه حتى أرى ماهو هذا البلا
رأيت لقي الجد آت عن قريب صاحب البطش ما بين الملا
ورأيت الجود له بيت ضد والجماعه شكلهم واقع حدا
ماعاد لي عقل لهذا الرمل قطرة حرت فيه اليوم يا أهل الندى
لو يصح القول قلت الزير جا وها هو جالس بين الامرا

فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وفهم الزير مطلوبه وعرف المقصود ووضع يده على قبضة سيفه حتى اذا قال جساس اقبضوا عليه ليفتك به ويعدمه الحياة ومن كثرة ما جرى على جساس من الغم والوسواس ترك من كان عنده من الناس ودخل على الحريم خوفا من امر يأتي فلما رآه الزير فعل ذلك قال لابد من قتله ان لم يكن اليوم يكون غدا ثم خرج من الصيوان مع الامير طراف وسارا قاصدين الاوطان حتى وصلا الى وادي الشعاب ودخل الى الخيمه التي فيها بنات كليب فسمعت ابنة كليب الكبيرة صوته فقالت له من انت وماهو اسمك فلما سمع صوتها عرفها فتقدم اليها فوجدها وشقايقها بثياب الحداد فتقطع قلبه وهطلت عيناه بالدمع وقال اتقبلوا الضيف يا بنات الاماجيد قالت مرحبا فنحن أول من ضاف ولكن قد جار علينا الزمان فأولنا بعد العز والجاه صرنا في حالة يرثى لها فا قصد يا شيخ محل الوليمه وهو المكان الذي تدق فيه الطبول فتحصل على بلوغ المأمول فقال بالله عليك يا صبيه أن تحكي واقعة حالكم فقد جرحت قلبي بهذا الكلام فقالت اليمامه لقد ذكرتنا بمصابنا وعلى ما جرى فجلس الزير وهو وطراف وجلست هي بجانبه ثم عرفها هي وشقايقها بنفسه وانه عمها صاحت بصوت عالي من ملو راسها هذا في الحلم أم في اليقظه ثم وقعت عليه شقايقها يقبلونه وقلن الحمد لله الذي ارانا وجهك بخير وعافيه فوالله قد زالت أتراحنا وتجددت أفراحنا وسمع ابو شهوان عبدالعزيز هذا الخبر فدخل عليه ووقع على قدميه لانهم كانوا يظنون بانه مات فكانت تلك الليله عندهم من أعظم ليالي الافراح والمسرات وبعد ذلك جلسوا يتحدثون فقالت اليمامه بالله يا عماه أن تعلمنا بقصتك وما جرى في سفرتك فقص عليهم ذلك الخبر وماسمع وابصر وختم كلامه بهذا القصيد :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل عيوني دمعها جاري بكاها
بكت دما على ماصار فينا ليالي السعد ماعدنا نراها
عدمنا فارس الهيجا كليب عقاب الحرب ان دارت رحاها
دهتني آل مرة جنح اليل لتقتلني وتشفي ما دهاها
فكنت بخيمتي ملقى طريحا ثلاث آلاف درتني قناها
وسحبوني لعند ضباع أختي والقوني طريحا في حداها
وقالوا يا ضباع خذي أخوكي أخذنا روحه قوى عزاها
فالقتني بصندوق مزفت وأرمتني بوسط البحر تاها
واقتني مياه البحر حالا الى بلد اليهود على رباها
وجابوني لحكمون اليهودي أجل ملوك الارض جاها
فداواني وعالجني سريعا فزالت كربتي مما دهاها
بقيت انا ثمان سنين غائب وزال الشر عني مع عناها
أسأل الله أن يحفظكم جميعا على ماطالت الدنيا مداها

( قال الراوي ) وكانت ليلة عند بنات كليب من أعظم الليالي وحضر تلك الليله جميع أصحاب الزير ففرحوا وانشرحوا بقدومه وهنوه بالسلامه فقال لهم من الاوفق أن تكتموا أمري لحينما أتجهز لقتال الاعادي وأحضر جوادي ثم أعلمهم بخبر الحصان وانه أبقاه في المركب عند القبطان لبينما يكون شاهد أهله وأقاربه ولما أنتصف الليل ودعهم وسار قاصدا شاطىء البحر هذا ماكان منه واما مرة أبو جساس فكان من عادته أن يذهب كل يوم الى ساحل البحر ويتجسس الاخبار ويعود في آخر النهار فاتفق ان عبدان من عبيده كانا قد نظرا المركب عند قدومه الى ميناء حيفا فأعلماه به فاستأجر قاربا وقصد ذلك المركب وعند وصوله اليه وجد ذلك الجواد المذكور فاندهش من رؤياه فسأل القبطان عنه فقال له القبطان هذا حصان الزير وقد حضر معنا من بيروت وسار نحو يومين لزيارة أهله ولم يكن القبطان يعلم ماهو جاري بين القوم من العداوة والحرب لما سمع مرة بخبر المهلهل وانه عاد سالما غانما استعظم الامر وتعجب ولكنه كتم الخبر وقال للقبطان اتبيعني هذا الحصان فقال كيف ابيعه وهو مودوعا على سبيل الامانه فقال لابد من ذلك أما أن تقبض ثمنه خمسة آلاف دينار أو آخذه منك بالقوه والاقتدار لان ابني جساس ملك هذه الديار وبيدنا زمام الاحكام ومازال يلح عليه بالكلام الى ان امتثل وأجاب خوفا من أخذه بالقوة والاغتصاب فقبض القبطان الدراهم وسار مرة بالحصان الى عند ابنه جساس وهو كاسب غانم واعلمه بواقعة الحال وقدوم المهلهل الى الاوطان ففرح جساس بالحصان لانه كان من أجود خيول الاعراب ولكنه خاف من الغوائل وعلم انه لابد من تجديد الحروب بين القبائل فاجتمع بأهله وأعلمهم بالخبر وأن يكونوا على استعداد وحذر .
هذا ماكان من جساس واما الزير الفارس الدعاس فانه عند وصوله الى البحر سار المركب فلم يجد الحصان فسأل عنه القبطان فأخبره بما جرى وكان فلما سمع منه هذا الكلام أراد أن يضرب عنقه بحد الحسام ولكنه توقف عن أذاه أكراما لخاطر مولاه ثم أمر بالرجوع الى عند الملك حكمون ليقص عليه الخبر ويطلب منه الجواد الاخر فامتثل القبطان أوامره وأقلع من تلك الساعه حتى وصل الى بيروت فأنزل الزير في القارب وسار به الى عند الملك حكمون ودخل عليه وهو في السرايه فلما رآه حكمون فرح فرحا شديدا وقال أهلا وسهلا بالصديق الحبيب وترحب به غاية الترحيبب وأجلسه بجانبه وأقام بواجبه وأشار يقول وعمر السامعين يطول :

قال حكمون بن عزرا في بيوت تشرح الخاطر وترضي السامعين
أنورت علينا الدنيا ياهمام يامريع الخيل اذا طال الكمين
يا مهلهل انت عز المحصنات انت فخر للاناس الماجدين
قصدت أهلك ثم جيت لعندنا هل شفت أهلك يا مهلهل سالمين
اذا كان يلزم نجده أحكي لي حتى أسير بالجيش كله أجمعين
طيب قلبك يا مهلهل لاتخاف ثم اطلب يا ضيا عيني اليمين

فلما سمع الزير كلامه شكره وأثنى عليه وأخبره بما جرى وكان من فقد الحصان وان السبب في حضوره الان أولا لاجل سؤال خاطره الشريف وثانيا ليطلب منه المهر الثاني وختم كلامه بهذه الابيات :

قد أتيت اليوم في قلب حزين على فقد مهري الاخرج الثمين
فان شئت أعطني أخوه يا معز الجار وفخر العلين
لا أريد مال ولا كثرة نوال غير ابو حجلان مطلوق اليمين
يا ملك حكمون ان مالي كثير كل مال البر في يدي خزين

فلما سمع حكمون هذا المقال تبسم وقال مهما طلبت منا لانعزه عليك وجميع أموالنا بين يديك فوالله اننا لاننسى جميلك ومعروفك على الزمان وان ابو حجلان بعد رواحك من الاوطان أظهر الوحشه ونفر من جميع الناس حتى لم يقدر عليه أحد من السياس ثم طلب منه أن يبقى عندهم عدة أيام ليستريح من متاعب الاسفار فاعتذر وقال لابد من الرجوع في هذا النهار فأعطاه حكمون الحصان وسار الى المركب وعند وصولهم اليها نزل بالجواد الى المدينه فركب وقصد أهله فاتفق في تلك الساعه أن رجلا من قبيلة جساس ابصر الزير فعرفه وسار الى عند جساس وأخبره بقدومه وقال له انني خايف عليكم من سطوته شاهدته في هذا النهار وهو مثل الاسد الكرار ثم اشار يقول :

يقول الشيخ يا أولاد مرة تعالوا واسمعوا لي يا فوارس
ايا جساس يا همام اسمع ايا ملك يا أهل المجالس
فقد كنت قرب البحر سائر رأيت خرج على اليوم فارس
على ادهم اقب الضلع فارح وفوقه درع من بولاد لابس
وفي كتفه قنا اسمر مكعب بطل صنديد يوم الروع عابس
فهذا فارس البيداء مهلهل مريع الخيل للابطال داعس

( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه سلطان بن مرة بهذه الابيات :

يقول اليوم سلطان ابن مرة كلام الشيخ صادق يا فوارس
فان كان ابو ليلى سيظهر يخلي دمنا مثل البواطس
ويسبي من قبائلنا عذارى ونترك أرضنا قفرا دوارس
ولايقبل رجاه ولا عطاه ويطرحنا على الغبرا نوا**

( قال الراوي ) فلما انتهى سلطان من كلامه وقع الخوف في قلوب القوم وأخذوا يستعدون للقتال من ذلك اليوم وأما الزير فانه كان قد جد في المسير حتى وصل الى دياره والتقى بأهله وأنصاره فلما رأوه فرحوا به واتت اليه اليمامه وشقايقها وكذلك أخوة الزير وكل من في الحي من نساء ورجال فوقعوا عليه وقبلوا يديه وانتشرت الاخبار بقدومه الى الديار بين الكبار والصغار حتى ملأت الاقطار فأقبلت الابطال والفرسان وتواردت اليه السادات والاعيان وسلموا عليه وتمثلوا بين يديه وهنوه بالسلامه فشكرهم واثنى عليهم وترحب بهم فذبح الذبائح وأولم الولائم ووعدهم بالمكاسب والغنايم وبعد أن أكلوا الطعام وشربوا المدام أنشد عدي أخو الزير يقول :

يقول عدي أبيات فصيحه أتانا الزير والمولى عطانا
وكنا قبل ما يأتي الينا بحال الذل في قهر حزانا
وجساس الردي عايب علينا يريد هلاك تغلب مع أذانا
فأمرنا با نبقى جميعنا على طول الليالي مع نسانا
ولا نركب خيولا صافنات ولانقل سيوفنا في حمانا
الينا جيت يا جميل المحامل ويا كهف العذارى والامانا
لربي الشكر ثم الحمد دايم أذا ماجئتنا نقهر عدانا
ايا سالم فانهض شد عزمك واركب فوق مطلوق العنانا
ونركب ثم نحمل فرد حمله على اولاد مرة في لقانا
ونترك دورهم بورا وقفرا ونقتلهم ونأخذ ثارا أخانا

( قال الراوي ) فلما فرغ عدي من كلامه تقدمت اليمامه نحو عمها وشكرت الله تعالى على سلامته ودعت له بطول العمر فضمها الى صدره والتفت الى من حوله وانشد وقال :

يقول الزير أبو ليلى المهلهل الا يابنات ان السعد جاكم
وأقبل سعدكم والشر ولى وراح الشر عنكم لاعداكم
ثماني سنين وسط البحر غائب وبالي عندكم مما دهاكم
وفرج الله همي وغمي وخلصني وجيت الى حماكم
حيث اتيت زال الشر عنكم ونلتم يا بنات مني مناكم
غدا جساس أقتله بسيفي وآخذ يا بنات بثار أباكم
وانتم يا عدي ودريعان وباقي أخوتي تسلم لحاكم
فأتوا بالصوافن واركبوهم وهبوا جميعكم ومن معاكم
ودقوا طبلكم يآل قيس وقيموا النار فس ساير حماكم
وخبوني بعيد عن المنازل غدا جساس يبرز للقاكم
فلاقوه على خيل ضوامر واني سوف اهجم من وراكم

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه طابت قلوبهم وانشرحت صدورهم وزالت عنهم الاتراح وايقنوا بالنصر والنجاح ومازال بنو قيس يجتمعون الى الزير ويتواردون حتى صاروا في جمع غفير وعدد كثير فاستعدوا للقتال والنزال فأطمعوا الجوعان وا**وا العريان وأوقدوا النيران ورجع الحي كما كان هذا ماكان من الزير وقومه وأما بنو مرة فلما بلغهم الخبر وكيف ان بنو قيس قد التموا بعد التفريق والشتات من جميع الجهات وهم في أفراح ومسرات أجتمعوا بجساس وقصوا عليه الخبر وقالوا له لو لم يكن الزير قد ظهر لما كانوا بنو قيس اجتمعت على بعض هذه الايام وخالفت أوامرك ومراسيمك العظام فقال لهم كفوا عن هذا المقال ولا يخطر لكم الزير على بال فاستعدوا للحرب والقتال فعند ذلك استعدت الفرسان الفحول وركبوا ظهور الخيول وتقلدوا بالسيوف والنصول ولقد أملوا بالنجاح وبلوغ المأمول وركب جساس حصان الزير الاخرج وسار بذلك الجمع الغفير ولما أقتربوا من حي بني قيس سمعت أبطال الزري دق طبولهم وصهيل خيولهم فهاجوا وماجوا فأمرهم الزير أن يتأهبوا للقتال ويلاقوهم الى ساحة المجال فتبادروا في المجال وتقدمت الفرسان والابطال وركب الزير على مهره ابو حجلان وسبقهم الى الميدان وكمن في بعض الروابي والتلال مع جماعة من الرجال ولما اقترب جساس من رجال بني قيس قال لهم لقد خالفتم أوامري وغركم الطمع وهجم عليهم بالرجال وأحاط بهم من اليمين والشمال فالتقوه بقلوب كالجبال واشتد القتال بينهم وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال فلما راى المهلهل تلك الاحوال لكز الحصان وتقدم الى ساحة الميدان فشق الصفوف والكتائب ومرق المواكب وهو يهدر ويصيح من قلب فريح ابشروا يا بني بكر ياأنذال ميحل بكم من الوبال على ماعلمتونا به من سوء الفعال فقد اقسمت برب الانام الذي لايغفل ولاينام أني لا أترك منكم شيخ ولا غلام ثم انه مال وجال وضرب بالسيف العال وتبعه الفرسان والابطال من اليمين والشمال فلما سمع جساس صوت المهلهل انقطع قلبه من الخوف والوجل ولكنه ثبت في ساحة الميدان خوفا من الهلاك والقلعان وأخذ ينخي الابطال والفرسان على القتال والثبات والهجوم على لقاء الاعادي قبل الممات فثبتوا ثبات الجبابرة وقاتلوا قتال الاسود الكاسرة ولكنهم لم يقدروا ان يثبتوا اكثر من ثلاث ساعات حتى انصبت عليهم النكبات وبلوا ببلايا لا تطاق من سيف المهلهل فارس الافاق فولوا الادبار واركنوا الى الهزيمه والفرار بعد ان قتل منهم عشرة آلاف فارس كرار وتبعهم الامير جساس وهو في قلق ووسواس وغنم بنو قيس منهم غنائم عظيمه ومكاسب جسيمه ورجعت الى الديار بالعز والانتصار والبطش والاقتدار وفي مقدمتهم الامير المهلهل الجبار وهو مثل شقيقه الارجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان ولما وصل الى المضارب بقواد المواكب لاقته بنات أخيه وجماعته من أقاربه وأهاليه فشكروه على تلك الفعال وقالوا مثلك تكون الابطال والفرسان ثم انه جلس في الخيام وجلست حوله السادات العظام وجبابرة الصدام فتحادثوا في الكلام وشكروا رب الانام على بلوغ القصد والمرام وبعد ان اكلوا الطعام وشربوا المدام التفت بعض القواد الى المهلهل فارس الطراد وقالوا بالله عليك أن تنشدنا شيئا من اشعارك لان قلوبنا مشتاقه على الوقوف على أخبارك وماجرى لك في أسفارك فعند ذلك أنشد يقول وعمر السامعين يطول :

يقول الزير ابو ليلى المهلهل فكل مقدر لابد يأتي
نزلت ياأخوتي وابناء عمي بجنح الليل لايدروا صفاتي
فقالوا ضيفنا شرطوا علينا فلا نوقد النار في الفلاة
تكافحت اليمامه مع حمامه وقالوا عمنا هيهات يأتي
فقلت لها لبيك جئتك انا مرادي السباع الكاسرات
فجيت لعندها في قلب صامد وجدت عيونها مقرحات
قلت يا يمامه ليش تبكي جرحت بالبكا قلبي لأني
فهمك يايمامه ليس تبكي اذا ثارت حروب الفلاة
انا همي كراديس الفوارس اذا ما وهجت نار العداة
وجيت انا علي جساس رامح هرب مني وصاح أنوا العداة
وقال الزير جانا يا بلانا وطالب تارة بالمرهفات
فقولوا لابن مرة ياتي عندي اتاه الزير دباح العداة

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه شكرته أخوته وجميع قوامه فعند ذلك تقدم سالم المهيأ اليه وقبله بين عينيه وأشار يقول :

على ما قال سالم المهيأ مهلهل جيت هذا اليوم يومك
وزال النحس والتوفيق أقبل وأضحى القطر يزهو في قدومك
ولما جيت يا زين الفوارس ازلت همومنا وزالت همومك
فقم أركب عليهم يا مهلهل نهار وليل ما أحد يلومك
وخذ الثار من جساس حالا وافرج همنا واخلي همومك

( قال الراوي ) فلما فرغ سالم من شعره طابت قلوب الجميع وعادوا لما كانوا عليه من الفرح والمسرة واما بنو مرة ابتلوا بالذل والويل من حرب الزير فارس الخيل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ركب الامير مهلهل في مائة الف بطل وطلب حرب القوم فالقاه جساس في ذلك اليوم وكان بمعيته مائه الف مقاتل بين فارس وراجل فانتشب بين الفريقين القتال وعظمت بينهم الاهوال وقاتل المهلهل حتى استقتل فن** الابطال الفحول على ظهر الخيل وقتل جماعه من السادات الاعاظم الذين اشتهروا بالفضل والمكارم وشاع ذكراهم وشاع ذكراهم بين الاعارب والاعاجم فمنهم الامير شهاب المكنى بعقاب وغيره من السادات والانجاب واستمر القتال على هذا الحال طول ذلك النهار فان**رت بنو مره اشد ان**ارورجع المهلهل بالغزو والانتصار ولما كان الصباح ركب المهلهل والفرسان فالتقاه جساس بالرجال وتقاتلوا اشد قتال ولما تقابلت الصفوف تبادرت المئات والالوف وبرز اخو جساس بين الصفين ولعب برمحين بين الفرقين وطلب قتال المهلهل فانطبق عليه وحمل كانه قطعه من جبل او قله من القلل فتطاعنا بالرماح وتضاربا بالصفائح وثبت شاوش امام الزير ثبات الابطال والغاوير لانه كان من الابطال المشهوره والفرسان الذكوره واستعمر الائتان نحو ساعه من الزمان وهم ضرب وطعان وكان الامير شاوش قد حتم على نفسه امام الابطال اما ان يهلك في النهار او ان يظفر بخصمه ويعيش في عز واقبال ثم صاح على المهلهل وطعنه بالرماح قاصد قبض روحه فالتقاها المهلهل بالدوقه فراحت خائبه بعدما كانت صائبه ثم تقدم المهلهل وهجم عليه وضربه بالسيف على عاتقه خرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا وفي دمه حديلا ثم هجم على الرايات وطعن الفرسان والسادات وقتل الرجال ومدد الابطال في ساحه المجال وفتك فيهم قتك فيهم فتك الاسود الكاسره وفعل افعالا تعجز عنها صناديد الجبابره وفعلت ابطاله مثل افعاله فقاتلوا القتال المنكر واذاقوا الاعداء الموت الاحمر فلما راى جساس ما حل بقومه من العذاب استعظم المصاب وخرج عن دائره الصواب وزاد اكتئاب وذلك على فقد اخيه ليث الغاب لانه كان يحبه محبه عظيمه وموده جسيمه فبكى وانسحب وولى يطلب لنفسه الهرب وتبعه رجاله وابطال ورجع الزير بباقي الفرسان الى المنازل والاوطان وهو شقيقه الارجوان مما سال عليه من ادميه فالتقته اليمامه بالاعتزال والكرامه ثم نزل في الخيام مع السادات الكرام فاكلوا الطعام وشربوا المدام وكان في كل يوم يركب حسب عادته لحرب القوم حتى بلغ منهم غايه المنى وابلاهم بالذل والعنا فلما طال المطال على بني مره الاهوال جمع جساس الرجال ومن يعتمد عليهم من المطال وقال لهم ما هو قولكم في هذا الامر العسير فقد حل بنا التدمير وهلك كل سعيد وامير وان طال القتال لم يبق احد من الرجال فقال اخوة سلطان الراي ىعندي ان تأخذ اختنا الجليله وبعض نساء القبيله وتذهب اليه وتقع عليه وتطلب منه كف الاذى والضرر وتعطيه اديه اخوه مهما امر وتقيمه ملكا على بلاد الشام وتدفع له الجزيه في كل عام فقال جساس من يذهب وقص هذا الكلام عليه قال انا وانت يا أخي فبتسم جساس وقال سمعت بأحد من الناس يرى الموت بين يديه فيزحف اليه على رجليه فقال سلطان انا اذهب اليه بنفسي لان بيني وبينه مودة قديمه ومحبه مستقيمه ثم انه نهض في الحال وتاهب للسير والترحال واخذ معه اخته الجليله وبعض من نساء القبيله وقصد المهلهل حتى وصل اليه وسلم عليه وقال بالله عليك ان تصفح عنا فقد اهلكت رجالنا ولم تبق احد منا وقد اتيتك الان مع امراة اخيك الجليله واكابر نساء القبيله تقع على ساحه اعتابك وتطلب من جنابك وتبلغك غابه الارب من الفضه والذهب ونقيمك ملكا على هذه الديار وتكون طوع لك مدى الاعصار لانك سيفنا الثقيل ورمحنا الطويل ثم انشد هذه الابيات بحضور الامراء والسادات :















رد مع اقتباس