ساذكر قصة اخرى تدل على عظمة بني الحارث:
قال ابن الكلبي في هذه الرواية عن أبيه:
جاور رجلان من هوازن، يقال لهما عمرو وعامر، في بني مرة بن عوف بن ذبيان، وكانا قد أصابا دماً في قومهما. ثم إن قيس بن عاصم المنقري أغار على بني مرة بن عوف بن ذبيان، فأصاب عامراً أسيراً في عدة أسارى كانوا عند بني مرة، ففدى كل قومٍ أسيرهم من قيس بن عاصمٍ وتركوا الهوازني، فاستغاث أخوه بوجوه بني مرة: سنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف والحارث بن ظالم وهاشم بن حرملة والحصين بن الحمام فلم يغيثوه، فركب إلى موسم عكاظ،
فأتى منازل مذحج ليلاً فنادى:
دعوت سناناً وابن عوفٍ وحارثـاً
وعاليت دعوى بالحصين وهاشـم
أعيرهـم فـي كـل يـومٍ وليلـةٍ
أسيرٍ عنـد القيـس بـن عاصـم
حليفهـم الأدنـى وجـار بيوتهـم
ومن كان عما سرهم غيـر نائـم
فصموا وأحـداث الزمـان كثيـرة
في بنـي العـلات مـن متصامـم
فيا ليت شعري من لإطـلاق غلـه
ومن ذا الذي يحظى به في المواسم
وقال
ألا أيهذا الـذي لـم يجـب
عليك بحيٍ يجلـي الكـرب
عليك بذا الحي من مذحـجٍ
فإنهـم للرضـا و الغضـب
فناد يزيد بن عبـد المـدان
وقيساً وعمرو بن معد يكرب
يفكـوا أخـاك بأموالـهـم
وأقلل بمثلهـم فـي العـرب
أولاك الرؤوس فلا تعدهـم
ومن يجعل الرأس مثل الذنب
وأتى يزيد بن عبد المدان فقال له: يا أبا النضر، إن من قصتي كذا وكذا.
فقال له يزيد بن عبد المدان: مرحباً بك وأهلاً، ابعث إلى قيس ابن عاصم؛ فإن هو وهب لي أخاك شكرته، وإلا أغرت عليه حتى يتقيني بأخيك؛ فإن نلتها وإلا دفعت إليك كل أسير من بني تميم بنجران فاشتريت بهم أخاك.
قال: هذا الرضا.
فأرسل يزيد إلى قيس بن عاصمٍ بهذه الأبيات:
يا قيس أرسل أسيراً من بني جشمٍ
إني بكل الذي تأتـي بـه جـازي
لا تأمن الدهر أن تشجى بغصتـه
فاختر لنفسك إحمادي واعـزازي
فافكك أخا منقرٍ عنه وقـل حسنـاً
فيمـا سئلـت وعقبـه بإنـجـاز
قال: وبعث بالأبيات رسولاً إلى قيس بن عاصم؛ فأنشده إياها، ثم قال له : يا أبا علي، إن يزيد بن عبد المدان يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن المعروف قروض، ومع اليوم غد. فأطلق لي هذا الجشمي؛ فإن أخاه قد استغاث بأشراف بني مرة وبعمرو بن معد يكرب وبمكشوح مرادٍ فلم يصب عندهم حاجته فاستجار بي. ولو أرسلت إلي في جميع أسارى مضر بنجران لقضيت حقك. فقال قيس بن عاصم لمن حضره من بني تميم: هذا رسول يزيد بن عبد المدان سيد مذحج وابن سيدها ومن لا يزال له فيكم يد، وهذه فرصة لكم، فما ترون؟ قالوا: نرى أن نغليه عليه ونحكم فيه شططاً ؛ فإنه لن يخذله أبداً ولو أتى ثمنه على ماله. فقال قيس: بئس ما رأيتم! أما تخافون سجال الحروب ودول الأيام ومجازاة القروض! فلما أبوا عليه قال: بيعونيه، فأغلوه عليه، فتركه في أيديهم، وكان أسيراً في يد رجل من بني سعد، وبعث إلى يزيد فأعلمه بما جرى، وأعلمه أن الأسير لو كان في يده أو في بني مقر لأخذه وبعث به، ولكنه في يد رجل من بني سعد. فأرسل يزيد إلى السعدي أن سر إلي بأسيرك ولك فيه حكمك. فأتى به السعدي يزيد بن عبد المدان؛ فقال له: احتكم. فقال: مائة ناقة ورعاؤها فقال له يزيد إنك لقصير الهمة قريب الغنى جاهل بأخطار بني الحارث. أما والله لقد غبنتك يا أخا بني سعد، ولقد كنت أخاف أن يأتي ثمنه على جل أموالنا، ولكنكم يا بني تميم قوم قصار الهمم. وأعطاه ما احتكم. فجاوره الأسير وأخوه حتى ماتا عنده بنجران .