عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 28-May-2011, 09:36 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابو غازي
مستشار المنتدى
إحصائية العضو





التوقيت


ابو غازي غير متواجد حالياً

افتراضي استثمارُ التصدُّعات

مقال نشر في جريدة البلاد

استثمارُ التصدُّعات
بقلم: د. عادل علي عبدالله
"استثمار الثورات العربية" تسمية جديرة بخطاب الرئيس الأمريكي الأخير (19/5/2011) فهو تعبئة حقيقية للشعوب ودفعها للقفز إلى مجاهيل المستقبل، لتلتقطها الشركات الأمريكية؛ إذ إن تلك الشعوب ثارت لكرامتها وكسرت سجن أنظمتها لا لتقيم مشاريع دُوَل بل لتقول كلمة "لا" لسجّانيها، لكن من الواضح أنها لا تمتلك أي فكرة لمآلات ما بعد سقوط النظام على اعتبار كل ما هو قادم أفضل؛ فهي كانت مُغيبة معزولة عن صنع القرار طيلة أجيال وعقود، فغاب -أو غُيِّب- من بينها الشخصية الكارزماتية أو فكر صناعة برامج دولة قابلة للحياة، وترى أمريكا أنه من الخير لتلك الشعوب أن تكون مع ثورة الدولار الأمريكي.
والشاهد أن خطاب أوباما يُذكّر بخطاب "الرّهبر" الإيراني علي خامنئي، الجمعة الأولى بعد رحيل الرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث تحدث -بعربية فصحى رشيقة- إلى العاطفة العربية بأن تَعِيَ أن ثوراتها هي نتيجة حتمية للثورة الإسلامية العالمية "المذهبية" التي أطلقها الخميني قبل ثلاثة عقود مضت، لكن المفارقة أن أوباما عرض -ولو كلاما- مشاريع الإصلاح السياسي والمدني، والأمن الغذائي المصحوب باستثمار المواهب الشابة، ونوه بقضايا الحكم الرشيد ومحاربة الفساد المالي والإداري عبر المجالس النيابية المنتخبة، في حين لم يصدح خامنئي بمشروع بناء واحد، سوى الزعيق الأيويديولوجي ضد الشيطان الأكبر والأصغر، وأعوانهما من الزعماء المخلوعين الذي ناصبوا ولاية الفقيه العداء، ويعدهم بإكمال مسيرة هدم الأنظمة لتلتحق البلاد الثارة بالبركة الولايتية، واستنساخ نموذج الشعب الإيراني المطحون.
من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقعت في مثلث منافسة حامية بعد مرحلة الثورات العربية المستمرة، وهي مُقدِمَة على تفعيل برامج تعبوية تتنافس فيها أمريكا وإسرائيل مع منظومة الخليج في جهة (البرنامج العراسيكي)، وإيران والعراق مع سوريا من جهة (البرنامج الإيراسوقي)، وتركيا من جهة ثالثة (البرنامج الأناضولي)، كلها تسعى لاستثمار صدمة الثورات التي قد تغير السياق والتحديات والفرص المتاحة لجميع الأطراف، فالاضطرابات الإقليمية أثبتت أهمية الشارع العربي، وقدرته على القيام بدور حاسم في مستقبل المنطقة.
ومن الواضح أن البرنامج "العراسيكي" يصارع من أجل البقاء، لكن البرنامج "الإيراسوقي" بدأ يملأ التصدعات بقوته الناعمة، والبرنامج "الأناضولي" يسعى لتكثيف نشاطه لملء الفراغ الأيديولوجي والجيوسياسي، وساحة المعركة هي قلوب وعقول الشعوب العربية التي تتزايد أهمية.
أمريكا تستند في شرعية بقائها على عناصر أربعة تمد عمر الإمبراطورية الكونية، وهي الهيمنة على موارد الطاقة والغذاء، وصناعة السلاح، وثقافة العولمة، وقدرتها غير المحدودة على توظيف ما يسمى الشرعية الدولية وقضايا حقوق الإنسان لمصالحها الإستراتيجية والتكتيكية، وتلتحق بقوتها إسرائيل (رديف الدين) ومنظومة الخليج (رديف الطاقة).
أما إيران فتستند في شرعيتها على "القوة الناعمة" المرتكزة على عنصري المذهبية ومناهضة المشروع الصهيوأمريكي (الاستكبار العالمي)، لكن شرعيتها تتعرض إلى هزات متتالية بسبب ترقق مصداقيتها وصراعاتها الداخلية، وحرق المراحل لكسب أكبر قدر ممكن من النقاط التكتيكية على حساب الإستراتيجية، فالعراق وأفغانستان مثالان فاضحان، وهي بهذا تعيد ذات الأخطاء التي وقع فيها شاه إيران الذي اعترفت له المنطقة العربية بشرعيته العسكرية، فلعب دور "شرطي الخليج"، لكنه استعجل قطف الثمار أيضا بمحاولته ملء فراغ الانسحاب البريطاني عسكريا على الشريط النفطي باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث وتهديده باحتلال البحرين.
أما تركيا فتستند في شرعيتها إلى إرثها التاريخي بعد زوال رمز الوحدة الإسلامية (الدولة العثمانية) على يد العرب أنفسهم، فدفعوا ثمن ذلك من كرامتهم وهويتهم وأوطانهم، وكأنهم يحاولون اليوم تسديد بعض الديون المستحقة لتركيا مع فوائدها، ومن هذا حصل رجب طيب أردوغان على مركز ثاني أكثر شخصية مؤثرة في الشارع العربي عام 2010، كما تستند تركيا في شرعيتها إلى رشاقة وحيوية سياستها الخارجية التي أدهشت الجميع، وكانت سفينة الحرية التركية لغزة عام 2009 عنوانا لفصل جديد للبرنامج التركي في منطقة يتلفت فيها المواطن العربي لكاريزما قيادية تنتشله من الوهدة الحضارية التي يتقلب عليها منذ زمن ليس بالقليل..
واضح إذن أن البرامج الثلاثة تستثمر تصدعات العرب وشقوقها الغائرة؛ لكن السؤال الأخطر: على ماذا يستند زعماء المنطقة في شرعية بقائهم إلى الآن؟!.















رد مع اقتباس