حصدت هذه المجموعة الداعية للنظام العالمى الجديد ترليونات الدولارات فى لعبة الأزمة العقارية المالية المفتعلة، من خلال تلاعبها لإفلاس البنوك المركزية القومية بشكل متعمد، والتى حاولت حكومات الدول الأوروبية والأميركية، بل والصينية واليابانية حمايتها بكل طاقتها من الإنهيار بضخ المليارات فيها. حتى أوباما نفسه ضخ المليارات فى عدد من البنوك التى أضيرت من جراء أزمة العقارات، ليس حباً فى منافسيه من الرأسماليين القوميين الجمهوريين. بل رمى لهم بلقمة حتى يهدئ من سعارهم ضده، ويخفف من حالة الرعب والهلع التى اصابت المواطن الأميركى من جراء فقدانه لسكنه خلال هذه الأزمة.
وقد حققت هذه المجموعة المالية عابرة الحدود، نموا مطرداً فى ثرواتها، بالاعتماد على ما يسمونه كذبا وتزويراً "الإبداع المالى" والذى يتخلص مضمونه فى الكذب والتلاعب بالمستثمرين، بتقديم قروض منخفضة الفوائد، وبيع هذه القروض عدة مرات للمستثمرين. وبالتالى مضاعفة الأرباح عشرات المرات، من خلال عمليات مالية غير حقيقية أو وهمية تتمثل فى إعادة بيع الديون واستثمارها مستخدمين المصداقية السيادية للحكومة الأميركية لخداع المستثمرين، ثم إفلاسهم وإفلاس البنوك المركزية القومية. ونهب أموالها بطريقة تبدو شرعية. رغم أن البنك الأميركي الفيدرالى ليس حكومياً، لكنه يعبر عن سلطة الرأسمالية القومية الأميركية. مثله مثل البنك المركزى الألمانى.
وهكذا أطلق الديمقراطيون على تلك الديون اسم القروض والسندات الثانوية. وسموا عمليات الخداع المالية "ابتكارات مالية" برع فيها المرابون الأميركيون، وعلى رأسهم اليهود الأميركيين. وهى بالفعل إبتكارات استخدمت الضمانات السيادية الحكومية، لإفلاس البنوك القومية فى العالم، ونهب أموالها بهدف دعم وبناء النظام العالمى الجديد منعدم الهوية والقومية.
تلك المجموعة المالية عابرة الحدود، والتى يمثلها أوباما، وجماعته الديمقراطية، لم يقتصر نشاطها المالى على عمليات الربا والتلاعب والمالى، بل اعتمدت سياسة تزييف المعلومات للتلاعب بالبورصات العالمية، وتخفيض ورفع أسعار الأسهم والسندات والعملات، والذهب والفضة والنفط والغاز بشكل مصتنع، لإفلاس شركات كبرى وشرائها بأبخس الأثمان. وكما هو معروف، فى مواجهة التلاعب بالمعلومات، يحدث الإقفال ويمنع التدوال فى بورصات بعض الدول التى تكتشف اللعبة، لكن هذا لا يمنع عمليات إفلاس الشركات، وشراء أسهمها بأبخس الأثمان، بشكل كامل.
إفلاس بنك ليمان برذرز
وقد كان إعلان إفلاس بنك Lehman Brothers "ليمان براذرز" اليهودى العريق. فى 17 سبتمبر 2008، أكبر عملية تلاعب مالى، وأكبر فضيحة شهدها القرن الحالي. والأزمة المالية الأخيرة ليس لها علاقه على الإطلاق بالأزمات الدورية للرأسمالية، كما يصورها لنا بعض الاقتصاديين المفلسين، فالأزمات الدورية للرأسمالية ترتبط بالإنتاج الرأسمالى والسوق والعرض والطلب والكساد والبطاله، والتى ظهرت بقوة الآن فى أوروبا، وعبرت عنها المظاهرات التى خرج فيها مئات الآلاف من الفرنسيين والانجليز والألمان واليونانيين والإيطاليين، وغيرهم. بينما ترتبط الأزمات المالية بالتلاعب والغش، كما حدث مع بنك ليمان برازرز، الذى تلاعب فيه المسئولون الماليون والمصرفيون الكبار، مستخدمين حيل محاسبية أبدعتها شركة "أيرنست أند يونج" المسئولة عن حسابات البنك. لإخفاء الإستثمارات الرديئة (إعادة بيع الديون) التى تورط فى شرائها مستثمريين من كافة انحاء العالم، ومن بينهم إخواننا فى الخليج الفارسي، بهدف إفلاسهم. ثم الإدعاء بأن البنك انهار وأفلس بسبب الأزمة المالية. إلا أن عمليه الإفلاس المتعمدة لبنك ليمان برازرز قد تم انكشافها، حين تم تحويل 400 مليار دولار إلى ثلاثة بنوك إسرائيلية عشية إعلان إفلاسه. وقد خسرت البنوك الخليجية أو الكتلة المالية العربية فى لعبة أو عمليه تفليس بنك ليمان برازرز 500 مليار دولار (إيلاف 16 مارس 2010 -أنباء عن تحويل 400 مليار دولار إلى إسرائيل عشية انهياره ).
المدهش فى الأمر أن من قام بكشف هذه المعلومات ونشرها فى الصحف وعلى مواقع الإنترنت هم اخواننا الجمهوريين، وإعلامهم وصحفييهم. وهكذا كانت المعاملة بالمثل، فالديمقراطيين هم من كشفوا لنا كارثة 11/9، وهم من سربوا الوثائق السرية لموقع ويكيلكس سئ السمعة.
وهكذا تمكنت المجموعات المالية المضاربة وأهل وول ستريت من جنى أضعاف ما فقدوه فى مؤامرة 11/9. كما استطاعت شراء كميات ضخمة من الدولار، الذى انخفض سعره أمام العملات الأخرى أثناء الأزمة المالية المفتعلة، لتضارب به فيما سمى بحرب العملات. بهدف إضعاف العملات المنافسة. وخاصة اليورو، الذى تم ضربه بقوة أثناء أزمة اليونان فى فبراير 2010. أنها ليست أزمات دورية يا سادة، بل عمليات تلاعب وغش وربى وصلت إلى أقصاها للسيطرة على ثروة العالم، وبناء النظام العالمى الجديد.
راجع كتاب حروب العملات The currency wars الصادر فى سبتمبر 2007 لمستشار تكنولوجيا المعلومات الصينى الجنسية Song Hongbing "سونج هونج بنج"، المقيم بالولايات المتحدة الأميركية.
أزمة ديون اليونان- النفاذ لكتلة اليورو من أضعف حلقاتها
فى خضم المعركة حامية الوطيس لبناء النظام العالمى الجديد، خططت عصابات المؤسسات المالية وبنوك الربا والقروض بعناية لضرب اليورو، وإضعاف الكتلة المالية الأوروبية، وذلك منذ عام 2001، إى لمدة عقد من الزمان. واستطاع بنك "جولدن ساكس" أو مؤسسة جولدن ساكس المالية اليهودية أيضاً Golden Sachs، من اختراق الكتلة المالية الأوروبية والنفاذ إليها من خلال أضعف حلقاتها، وهى اليونان. التى وصل العجز فى ميزانيتها إلى 12 % من الناتج المحلى عام 2009. ورغم تراكم ديون تقدر بالمليارات على اليونان عام 2001، وإسراف حكومتها وإسشراء الفساد المالى بداخلها. إلى أن بنك جولدن ساكس "طيب القلب"، وجد فيها فريسة سائغة، لنهب أموال السوق الأوروبية المشتركة، بعد أن تم نهب أموال الكتلة العربية النفطية. فبدأت عمليات التلاعب المتبادلة بين البنك الأميركى اليهودى، وبين الحكومة اليونانية، التى أرادت الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبى عام 2001 بأي ثمن للإنتفاع بمزاياه الاقتصادية. مخفية عليه حالتها وديونها المتراكمة. وهكذا تحالفت الحكومة اليونانية مع البنك اليهودى، لخداع الاتحاد والإنضام له. وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز:"إن صفقة واحدة أدارها بنك جولدن ساكس عام 2001، بمقدار 15 مليار دولار، ساعدت فى إخفاء مليارات الدولارات من ديون اليونان عن مراقبى الموازنات بمقر الإتحاد الأوروبى ببروكسل" (الجزيرة الوثقائية: وول ستريت متورط بأزمة أوروبا المالية- 14/2/2010).
وهكذا استطاع الدهاء التاريخى للمرابى اليهودى، ذو الأصول العربية، والنازح من جبال عسير والحجاز شمالا لينتشرً فى كل بقاع الأرض، من إخفاء طبيعة هذه الصفقة على الاتحاد الأوروبى، ليس فقط بغرض جنى فوائد ربوية من حكومة مفلسة ومستدينه مليارات الدولارات، وتوريطها فى مزيد من الديون. بل بغرض أبعد هو النفاذ لكتلة مالية قوية، لإضعاف عملتها، وإستنزاف ثروتها وتفتيت قوتها الاقتصادية، والسيطرة على ممتلكاتها. فقد أخفت الحكومة اليونانية والبنك اليهودى طبيعة الصفقة، وتم تسجيلها فى الأوراق الرسمية لتلك المؤسسة المالية اليهودية باعتبارها صفقة تجارة عملة، وليست قرضاً.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل مرابيين بنك جولدن ساكس فى نوفمبر 2009، إلى اليونان بعد أن أستفحلت ديونها ووصلت إلى 300 مليار يورو، (442 مليار دولار)، لمساندة الحكومة المفلسة!!! وفى جعبتهم ابتكارات مالية جديدة تشبه تلك الابتكارات الخاصة بأزمة الرهن العقارى. الغرض منها مضاعفة ديون اليونان، لكن حكومة اليونان المفلسة والفاسدة لم تأخذ لحسن الحظ بمقترحات مرابيين جولدن ساكس، ورغم ان الاتحاد الأوروبى استطاع التعامل مع أزمة ديون اليونان، ومساندتها بشرط إتباعها إجراءات تقشف قاسية فى الإنفاق دفع ثمنها فى النهاية الشعب اليوناني، إلا أن الضربة، والتلاعب بأسعار العملات وتزييف المعلومات داخل بورصة وول ستريت، والبورصات العالمية تسببت فى تخفيض قيمة العملة الأوروبية الموحدة. وتسببت فى شراء المرابيين الماليين لكميات كبيرة من اليورو بأسعار منخفضة، لإستخدامها فى المضاربة فى بورصة العملات وتحقيق أرباح فاجرة. ونهض الدولار أمام اليورو بلعبة مالية ليس لها علاقة بالعملية الإنتاجية الرأسمالية.
والأخطر من هذا وذاك، أن الحكومة اليونانية رهنت مطارات وطرق البلاد لجمع الأموال التى تحتاجها. وتخلت عن حقوقها في رسوم المطارات واليانصيب على مدى سنوات قادمة. وقد كانت الضربة الموجهة لليورو لا تستهدف فقط إضعاف الكتلة المالية للاتحاد الأوروبى، بل تأديب تلك الكتلة، وتأديب إيران، لأنهما تطاولا على رجال النظام العالمى الجديد، وتصورا أن بإمكانهم الخروج من الدائرة الجهنمية للدولار. فقد كان إنشاء إيران المارقة لبورصة "كيش" الدولية لبيع النفط والغاز باليورو بجزيرة كيش الواقعة بالخليج الفارسي. والتى تم افتتاحها فى 17 فبراير 2008، وإقرار التعامل فيها باليورو وسلة من العملات الدولية. ليس مجرد تطاول على النظام العالمى الجديد، بل تهديد مباشر لبورصات النفط العالمية فى لندن ونيويورك المتعاملة بالدولار. وقد استطاع الاتحاد الأوروبى مواجهة تلك الأزمة المالية العاصفة، التى أفتعلتها البنوك الربوية، ورجال وول ستريت، وتعافى اليورو نسبياً، لكنه لايزال فى فترة نقاهة، لا نعرف هل سينتكس مرة أخرى أم سيشفى.
أنها حرب ضارية بين الكتل المالية الحديثة، لا تختلف عن الحرب العالمية الثانية، إلا فى طبيعة السلاح المستخدم. فعمليات الإفلاس والمضاربة، والغش والكذب هى الأسلحة المستخدمة فى المعركة المالية الدائرة، والفقراء لايزالوا وقود تلك المعركة، فهم من سيطردون من مصانعم وشركاتهم وبنوكهم المفلسة، وهم من سيعانون البطالة والجوع. المال اليوم لم يعد يفرق بين مصرفى يعمل ببنك أميركى، وبين عامل يونانى غير متخصص. فالكل سيعانى البطالة فى حرب الإفلاس وضرب العملات، وانهيار البورصات. الصراع الدائر على الأسواق والمواد الخام فى العالم، أخذ شكلاً جديداً، فالرأسمالية المالية غير المشاركة فى العملية الإنتاجية بشكل مباشر، تسعى للتخلص ليس من صغار الرأسماليين المحليين، بل من الرأسماليات القومية، الأميركية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية. ومن سيبقى بعد إنتهاء عمليات المضاربة والتلاعب، هو من سيحتكر كل شئ، الشركات والمصانع، والمناجم والآبار، والمراعى والحقول والغابات، ومن ستمرح استثمارته بطول الأرض وعرضها، بصرف النظر عن جنسيته ووطنه وعرقة ولونه ودينه.
فالبقاء فى هذه المعركة ليس لمن هو أكثر ذكاءً ، بل لمن هو أكثر دهاءً وخبثاً ووغدنه. والشعوب لا تدرك ولا تعى طبيعة تلك المعركة الوحشية، لكنها تستشعر آثارها، فتصاب بالكآبة والحزن، ولا تدرك لماذا لم تعد تستطيع أن تفرح وتبتهج بأي شئ. إن ذلك الجو الظلامى المبهم، المخيم على مشاعر جميع سكان العالم، نابع من ذلك الإحساس بأن الوغدنه تسيطر على العالم. وأنه لم يعد هناك مجال للتعامل وفق قيم إنسانية عليا، تحترم الإنسان وترسى العدل. وهذا يفسر لنا التحول العام الذى نشهده فى سلوك الناس على مستوى العالم، وليس فقط فى بلادنا. فالفرد أصبح يشعر بالخوف مما يحدث حوله وانهارت ثقته فى دور الدولة، بل وفى الآخر الواقف أو الجالس إلى جواره فى المصنع أو الشركة أو البنك، وأنهارت ثقته فى شعارات حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وفى الدور الذى تلعبة منظمات المجتمع المدنى، فالكل يجري لينجو بنفسه من مصير لا يعرفه تماماً، لكن يشعر بأنه قادم.
هز عروش الاقتصاديات القومية
وهكذا يحاول اصحاب النظام العالمى الجديد ورجال وول ستريت، ليس فقط إضعاف منافسيهم التقليديين من المحافظين (الرأسمالية الأميركية القومية)، بل هز عروش اقتصاديات قومية كبرى فى أوروبا واليابان والصين، ونهب أموال الكتلة المالية العربية، فى عمليات مضاربة وإفلاس للبورصات العربية، تشابهت مع أزمة البورصات التى شهدتها دول جنوب شرق أسيا (النمور الأسيوية) عامى 1997- 1998، وأزمة المضاربة بالريال السعودى، لتخفيض سعر النفط عام 1998، والأثنين من صناعة الملياردير الأميركى اليهودى "جورج سورس" ذو الأصول المجرية. صاحب مؤسسة سورس أو "منظمة العمل المفتوح" التى يقع مقرها فى نيويورك وفتحت فرعاً لها فى مدينة "طشقند" بجمهورية كازاخستان بالجنوب الروسى منذ عام 1996، وقدمت 20 مليون دولار تمويلاً لمنظمات المجتمع المدنى بدول حوض بحر قزوين الغنية بالنفط والغاز، بدعوى دعم الديمقراطية والإصلاح السياسى لتغيير أنظمتها السياسية وصناعة الثورات الوردية والبرتقالية والحمراء والصفراء، من أجل بناء النظام العالمى الجديد. المدهش أن هذا الملياردير المجرى، كان من أشد المعارضيين لبوش، ودفع 10 مليون دولار لإسقاطه فى إنتخابات 2004 (الملياردير اليهودي جورج سورس العملة السعودية وخفض قيمتها-).
فالمال العابر للقارات، غير المنتمى لوطن أو قومية، تتعارض مصالحه مع مصالح تلك الرأسماليات القومية، ضيقة الأفق، التى عفى عليها الزمن من وجهة نظر رجال النظام العالمى الجديد. ولهذا تسعى مجموعات المال متعددة الجنسية لهدم وتدمير جميع الكتل الرأسمالية التقليدية والقومية، وإنشاء ذلك النظام العالمى الجديد لفتح العالم على مصرعية لحركة المال الحر، وحركة التجارة الحرة (منظمة التجارة العالمية)، وحركة الاقتصاد الحر (المنتدى الاقتصادى العالمى – ديفوس-سويسرا) وغيرها من المؤسسات والهيئات الاقتصادية الحرة. أنها حريتهم وليست حريتنا، حرية الأغنياء فى العالم وليست حرية الشعوب. لقد تغيرت طبيعة الصراع فى القرن الحادى والعشرين، فالمعركة الدائرة الآن ليست بين الشعب الأميركى وبوش، ولا بين الشعب المصرى ورئيسه المتربع على العرش منذ 30 عاماً. بل بين شعوب العالم والمجموعات المالية عابرة القارات والمتحالفين معها من الأنظمة العميلة.
(إنه من بين 350 بليونيراً في العالم، هناك 200 منهم يملكون أكثر من تريليون دولار أي ألف بليون دولار في موجوداتهم. أما الثلاثة الأكثر غنى من بين هؤلاء فإنهم يملكون مجموع ما تملكه 48 دولة فقيرة في العالم. ويتحدث عن الشركات عابرة القارات فيقول إن هناك 200 شركة يساوي مردود دخلها ربع إنتاج العالم وأن 168 شركة من هذه الشركات تتواجد في خمس دول هي الولايات المتحدة واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا. وتذهب المقارنة إلى أبعد من ذلك فتقول إن هناك خمس شركات من هذه الشركات تدار من قبل أربعين فردا فقط لكن إنتاجها يزيد على مجموع إنتاج الشرق الأوسط وإفريقيا مجتمعين وهذا يمثل ضعفي إنتاج دول جنوب آسيا).
"الأزمة المالية من منظور مختلف- على ربيعة- الوقت البحرانية-6/12/2008"
هذا الوضع الجديد يميط اللثام عن أسباب تحالف سركوزى وميركل وبوش بل وبوتن وغيرهم من قادة دول الثمانية، فى محاولة للوقوف فى وجه الأخطبوط المالى العالمى. الذى وصلت قوته وتبجحه بعد أزمة اليونان الأخيرة، إلى درجة التصريح "بمحو اليورو من الوجود". إن الضبابية الإعلامية والتحليلات الاقتصادية المفلسة، بإلاضافة إلى تلك الوثائق السرية المسربة عمداً، لمزيد من التضليل، تدفع البعض لتصور أن الصراع العالمى الدائر الآن، هو مجرد صراع بين دول قومية على النفوذ والثروة، أي صراع بين الصين والولايات المتحدة، أو روسيا والولايات المتحدة، أو الإتحاد الأوروبى والولايات المتحدة. لكن المراقب اليقظ، سيرى أن الصين تحتاج للسوق الأميركى، الذى يعد أكبر سوق مستهلك لبضائعها، والحكومة الأميركية تبيع سنداتها للصين. والروس يبنون خطوط النفط والغاز الممتدة لأوروبا بالتشارك مع استثمارات أوروبية. ورغم تلبد الأجواء بين الصين والولايات المتحدة فيما يتعلق بمشكله نفط ويورانيوم السودان ونفط بورما أو (ميانمار) إلا أن الحرب لا تشتعل بينهما على أراضيهم، بل تشعل فى الجنوب السودانى، فى محاولة أن تحصل الولايات المتحدة بالقوة على كل الكعكة، وتزيح الصين من هناك. فهى لا ترضى بالحصول على نصيب فيها. كما أن الروس والصينين لايزالوا قادرين على منع الأميركيين من توجيه ضربة لإيران. وعموماً فالتعاون والاستثمار بين هذه الدول المتنافسة والمتصارعة يتزايد.
حرب الكتل المالية
بينما واقع الأزمة المالية العالمية الأخيرة، يشير إلى أن هناك حرب ضارية بين كتل مالية، والكتلة الأقوى سوف تزيح من طريقها الكتل الأضعف، وقد استطاعت الكتلة اليهودية الأنجلو- أميركية، من إضعاف الكتلة المالية الأوروبية، وإزاحة الكتلة المالية العربية، ودمجها كأفراد بداخلها. والحقيقة المرًة الأخرى، هى أن أوباما لم يعد يمثل حتى الرأسمالية القومية الأميركية نفسها، بل يمثل الكتلة المالية اليهودية- الأنجلو- أميركية، وهى كتله مالية قوية ناضلت منذ العصور الوسطى لتأسيس نظام عالمى كونى دون دول ودون أمراء. ولعبت دوراً خطيراً فى حرب الاستقلال والحرب الأهلية الأميركية، حتى أنها وقفت ضد إصدار "الدولار" كعملة محلية للولايات المتحدة الأميركية المستقلة عن رجال المال والبورصات الإنجليز واليهود.
فليس من قبيل الصدفة أن تظل طائفة المستنيرين Illuminati السرية، وطائفه البنائين الأحرار Freemasonry، أو "الماسونيين الأحرار" السريه، المتحالفتين مالياً منذ منتصف القرن الثامن عشر بهدف تأسيس نظام مالى كونى، هما نفسهما اللتان تقودان بناء النظام العالمى الجديد. وليس من قبيل المصادفة أيضاً أن يحمل الدولار الأميركى ختم (آدم فايز هاوبت) Adam Weishauptمؤسس مجمع المستنيرين عام 1776.
المدهش أن تاريخ تأسيس طائفة المستنيرين لايزال مكتوب على ورقة الدولار الأميركى حتى يومنا هذا، فهو تاريخ إعلان الإستقلال الأميركى أيضاً. والختم المطبوع على ورقة الدولار الأميركى، ماهو إلا ختم "فايز هاوبت" كبير حكماء طائفة المستنيرين. وهو عبارة عن بناء هرمى من الطوب مكتوب أسفله عبارةNovus Ordo Seclorum اللاتينية وتعنى New World Order أي (النظام العالمى الجديد) الذى يلغى دور الحكومات، وينهى دور الرأسماليات القومية. وفوق هذا البناء الهرمى توجد عين عارفة بداخل مثلث، يتصورها البعض عين حورس المصرية الحارسة فوق هرم مصرى، لكن هذه العين ليست سوى عين العارف الرائى للمستقبل، أو عين المستنير، تقع فوق بناء هرمى من الطوب يرمز لطائفة البنائين الأحرار Freemasonry، أو "الماسونيين".
نبؤة إبراهام لنكولن حول سلطة المال واغتياله
"أرى أزمة قادمة فى المستقبل القريب... تنهب سلطة المال الأمة فى زمن السلم، وتتآمر عليها فى زمن العداوة. إنها أكثر إستبداداً من المونارشية (الحكم المطلق الوراثى)، وأكثر وقاحة من الأوتوقراطية (الحكم الاستبدادى) وأكثر أنانية من البيروقراطية.أنها تغتاب كل من يضع أساليبها موضع الشك، ويسلط الضوء على جرائهما بأنها عدو الأمة... آت هو زمن الفساد فى أعلى المدارج، وستسعى سلطة المال أن تمد فى عمر طغمتها... حتى تتجمع الثروة فى أيدى البعض ويقضى على الجمهورية؟" إبراهام لنكولن. 21/11/1864
Mathias Bröckers: Verschwörungen, Verschwörungstheorien und die Geheimnisse des 11.9. Buch, Zweitausendeins Verlag, 2002
تم اغتيال إبراهام لينكولن فى 15 أبريل عام 1865 فى واشنطن دي سى، بعد فوزه بجدارة لمدة ثانية فى إنتخابات الرئاسة الأميركية فى 8 نوفمبر 1864. فقد إنتخب للمرة الأولى عام 1860، وخاض الحرب الأهلية الأميركية ضد اتحاد الولايات الجنوبية وأنتصر عليه وألغى العبودية، وقد كان الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، وأول رئيس أميركى من حزب الجمهوريين. وأول رئيس أميركى يتم إغتياله. ويبدو أن سلطة المال اليهودية- الأنجلو- أميركية التى هاجمها، هى من قامت باغتياله مستخدمه فى ذلك الممثل الأميركى"جون ويلكس بوث. فقد أغلق عليها أبواب الثراء، ببنائه رأسمالية أميركية قوية. فخفافيش الظلام المالية تفت حتى فى عضد الرأسماليات القومية، من أجل سيطرتها الكونية على عالم بلا دول أو حكومات.
ورغم كل التكهنات الحالية بانهيار الاقتصاد الأميركى. بل وإنهيار الراسماليات القومية فى العالم الغربى كله، إلا أن المقاومة التى تبديها الرأسماليات القومية فى العالم لا تزال قوية. ورغم جشع وبشاعة الرأسماليات القومية والأميركية منها على وجه الخصوص، فإن إجرامها أكثر وضوحاً من إجرام هؤلاء المرابين الذين لا ينتمون لوطن أو دين. وأسهل على الشعوب مقاومة بوش ورأسماليته القومية الإستعمارية، من مقاومة شبكة المرابين الإخطبوطية التى تمتد عبر العالم بشكل خفى، والتى يمثلها أوباما بكل دماثه خلقه!!! حتى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها القائمه على التوسع وإشعال الحروب فى المنطقة لتحقيق مصالح الرأسماليات القومية الغربية، لم تعد مصالحها تتوافق مع أوباما، وتترحم على أيام بوش. فأوباما والمرابين الماليين المختفين ورائه من التحالف المالى اليهودى-الأنجلو- أميركى، لايلعبون لعبة القتل السريع، بالحروب التى قادها الجمهوريين، بل القتل البطئ، بامتصاص روح الشعوب تدريجياً، بتجويعها، وإفلاسها، ونهب ثرواتها وممتلكاتها على المدى البعيد، من خلال إفلاس رأسمالياتها القومية. وفى الحقيقة فإن إسرائيل، وقادتها فى مأزق لا يحسدون عليه. ويشعرون الآن أن وجودها الذى صنعت من أجله أصبح لا لزوم له. فالمرابين العالميين، أزاحوها مؤقتاً خطوة للوراء، حتى يتمكنوا من العمل فى هدوء. وهو مايفسر الضغوط الحالية، التى تمارسها حكومة الديمقراطيين باستحياء على اسرائيل. ومقاومة إسرائيل لهذه الضغوط مستندة لتأييد الجمهوريين لوجودها الاستعمارى التوسعى. فالجمهوريين يشعلون الحروب لتحقيق مصالحهم. بينما يريدها الديمقراطيون بلا حروب، ليعملوا فى هدوء لمص دماء شعوب العالم.
إن تكدس المال فى يد كتلة مالية قوية، أو الأقوى فى العالم، يفسر لنا التدهور الاقتصادى الذى يعانى منه الشعب الأميركى والبطالة التى تفشت فى أوروبا، وتنصل الدولة فى أوروبا والولايات المتحدة من مسئوليتها الإجتماعية، وسحب المكاسب التى انتزعتها النقابات المهنية والعمالية (التأمين الاجتماعى والصحى، التقاعد عن العمل فى سن الستين)، وغيرها من المكاسب التى دفعت الشعوب فى أوروبا وأميركا ثمن إنتزاعها من دمائها. فالمظاهرات تجتاح فرنسا الآن بسبب رفع سن المعاش إلى 62 عاماً، واجتاحت اليونان، وألمانيا بسبب قانون (هارتز 4). وها نحن نرى الشعوب الأوروبية تثور مرة أخرى من أجل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية. ورأس المال لا يعرف الرحمة، حتى بأبناء قوميته. فقد انتهى عهد المستعمرات، وسوف تنتهى الحياة الرغدة التى عاشتها الشعوب الأوروبية والأميركية، والتى تأسست على نهب المستعمرات، لتعود الشعوب الأوروبية تعانى من شظف العيش والبطالة.
ومع إنتشار البطالة، وكساد الأسواق فى الغرب، تدهورت مداخيل السياحة فى العالم كله. فالطبقة الوسطى فى العالم المتقدم، لم يعد لديها فائض لتقضى عطلاتها فى الخارج، كما كان الحال سابقا. لكن لايهم، فهناك جيوش من الجوعى فى إفريقيا، وفى جنوب شرق أسيا، ودول القوقاز والشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية، على أتم استعداد للحصول على الغذاء فقط مقابل إستخدامهم فى أيه استثمارات.
وهكذا قرر رجال المال نقل استثماراتهم لدول تعيش تحت خط الفقر، فى إفريقيا وأسيا. لا تطالب بحقوق اجتماعية وصحية، بل تريد الغذاء فقط. أنهم يرحلون الآن بأموالهم المكدسة إلى إفريقيا ليسرقوا مياه النيل، ويحولوا مساره للمناطق الجافة، والمتصحرة، ويقطعوا الغابات، ليستزرعوا مئات الآلاف من الأفدنه بأشجار "الجاتروفا"، ونخيل الزيت لاستخراج الإيثانول الحيوى من بذورها، وبناء مصانع الطاقة الصديقة للبيئة، بأيدى عاملة رخيصة، تريد فقط أن تحيا وتواجه الجفاف، والمجاعات. فرجال النظام العالمى الجديد، يدخلون الآن بثقلهم فى مشروعات وإستثمارات الطاقة البديلة، "الصديقة للبيئة"!!!، بعد أن دمروا البيئة وصحة الإنسان، وعقله، واستعملوا حتى العلماء لهندسة جينات النباتات والحيوانات والإنسان، واستعملوا أحزاب الخضر للتدجيل على سكان العالم، وإيهامهم أن زيادة نسبة الكربون الناتجه عن الصناعات التقليدية والطاقة التقليدية هى السبب وراء ظاهرة الاحتباس الحرارى. كذب وتزييف واستخدام العلم الحديث لتحقيق مصالح ضيقة وأنانية لمجموعة من العصابات المالية.
فى النهاية يحاول المال تخطى كل الحدود عبر القارات والدول والحكومات والشعوب والقوميات والأعراق والأديان. ولم يعد أمام الشعوب فى العالم أجمع إلا أن تتضامن، عابرة للجنس واللون والدين، لأن مصيرنا الهلاك التام إن لم نعبر اختلافات اللون والعرق والدين والقومية، ونتوحد لمقاومتهم. ولتكن الثورة التى يحلم بها كرس هارمن فى القرن الحادى والعشرين. الثورة العالمية فى مواجهة المرابين عابرى الوطن والدين والجنس واللون.
ولهذا فإن فضائح جوليان أسانج وتسريبه لوثائق حرب أفغانستان والعراق وقتل المدنيين، ليس الهدف منها محاكمة الجمهوريين على جرائمهم، بل الغرض منها فضحهم لصالح حصول الديمقراطيين على تأييد شعبى لوجودهم على قمه عرش النهب العالمى. ونرجوا فى النهاية من السادة الصحفيين أن ينتبهوا لخطورة الجارى. ولايقعوا ضحية ويكيلكس، وجوليان آسانج، وينساقوا دون أن يدروا لدعم الديمقراطيين على حساب الجمهوريين، فالإثنان وباء على البشرية. وكلاهما يدمر الحياة على وجه الأرض.