وهذه في حقيقتها مقارنة بين ( ابن المدينة ) ، و ( ابن القرية /القروي / الحضري) ، وليست بين الحضري والبدوي ؛ لأنّ البدوي ليست لديه من الأساس صالة حتى ينام فيها ، بل بيت شعر أو خيمة .
واليوم ـ كما هو مشاهد ـ الوضع مختلط ومتشابه بين الجميع إذا كلهم في المدينة والتفريق بينهم صعب عسير وفي هذا الأمر ( الطاسة ضايعة ) فلا يمكن أن تفرّق بين مَن أصله ذا أو ذاك
وإليكم رأي المتنبّي في البدوية والحضرية في إحدى قصائده وتفضيله الأولى على الأخرى :
مَنِ الجَآذِرُ في زِيِّ الأَعاريبِ
حُمرَ الحُلى وَالمَطايا وَالجَلابيبِ
إِن كُنتَ تَسأَلُ شَكّاً في مَعارِفِها
فَمَن بَلاكَ بِتَسهيدٍ وَتَعذيبِ
سَوائِرٌ رُبَّما سارَت هَوادِجُها
مَنيعَةً بَينَ مَطعونٍ وَمَضروبِ
وَرُبَّما وَخَدَت أَيدي المَطيِّ بِها
عَلى نَجيعٍ مِنَ الفُرسانِ مَصبوبِ
قَد وافَقوا الوَحشَ في سُكنى مَراتِعِها
وَخالَفوها بِتَقويضٍ وَتَطنيبِ
جِيرانُها وَهُمُ شَرُّ الجِوارِ لَها
وَصَحبُها وَهُمُ شَرُّ الأَصاحيبِ
فُؤادُ كُلِّ مُحِبٍّ في بُيوتِهِمِ
وَمالُ كُلِّ أَخيذِ المالِ مَحروبِ
ما أَوجُهُ الحَضَرِ المُستَحسَناتُ بِهِ
كَأَوجُهِ البَدَوِيّاتِ الرَعابيبِ
حُسنُ الحَضارَةِ مَجلوبٌ بِتَطرِيَةٍ
وَفي البَداوَةِ حُسنٌ غَيرُ مَجلوبِ
أَينَ المَعيزُ مِنَ الآرامِ ناظِرَةً
وَغَيرَ ناظِرَةٍ في الحُسنِ وَالطيبِ
أَفدي ظِباءَ فَلاةٍ ماعَرَفنَ بِها
مَضغَ الكَلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ
وَلا بَرَزنَ مِنَ الحَمّامِ ماثِلَةً
أَوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَراقيبِ