عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 26-Jul-2010, 11:54 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
عـاشـق الحقـيـقـة
فارس نجد المجد

الصورة الرمزية عـاشـق الحقـيـقـة

إحصائية العضو






عـاشـق الحقـيـقـة غير متواجد حالياً

Lightbulb وهذا هو قول الألباني أكبر محدث في هذا العصر في تحريم المعازف

اقتباس:
موضوع الغناء :موضوع خلافي منذ القدم ولا ينبغي التشنيع لمجرد انه خالف رأي احد
لا استبعد ان يكون للون بشرة الشيخ الكلباني دور في ما ذهب اليه بعض المشايخ

ما رد من شنعوا على الكلباني في فتوى القرضاوي ادناه والادلة الموجودة
[color=#000000]ابن ثعلي ، لي وقفات مع مداخلتك هذه :

الأولى : الخلاف ليس حجّة في الأمور الشرعية من حلال وحرام ، وأنت قد جعلتَ من ظاهر قولك أنّ الخلاف إذا وردَ فهو من أدلّة الاحتجاج في دين الله تعالى مقلدًا غيرك ممّن يهرف بما لا يعرف ، وإنما هم كتبة أو مرتزقة ؛ وعلى هذا فلو أخذنا ـ كما ذكرتَ ـ بالاحتجاج بالخلاف في أمور الحلال والحرام لصار كلّ مَن أراد أن يفعل معصية ما ما عليه إلا أن يبحث عن خلاف فيها ، وسيجد ذلك بلا شكّ ؛ لأنّ هناك مَن أباح حتى ( اللواط ) في السفر بدعوى الحرج والمشقّة ؛ فما على الراغب باللواط إلا السفر مع مَن يرغبه ؛ فيفعل به ـ حينذاك ما يريد به >> فهل بعد هذا يحتجّ بورود الخلاف محتجّ عاقل ؟!

الثانية : ذكرتَ أنّ سبب تشنيع العلماء عندنا على فتوى الكلباني بإباحة المعازف والرقص جاء منهم بسبب لون بشرته الأسود !؟
>> فهل هؤلاء العلماء حينما أيدوه في قوله بأنّ علماء الروافض كفّار بسبب قيام الحجة عليهم واتّضاح الحق لهم وانتفاء الجهل عنهم كان ذلك منهم بسبب لون بشرت الكلباني كذلك ؟!
>> وهل هم عندما ردّوا على القرضاوي الإخواني الصوفي وصاحبه الغزالي الإخواني الصوفي المتأخر قولهما بإباحة المعازف والرقص لم ينتبهوا للون بشرتهما الأبيض أو ماذا ـ يا تُرى ـ ؟!

الثالثة : الكلباني إخواني وهو يقلّد في قوله بإباحة المعازف شيخه الإخواني الصوفي القرضاوي والإخواني الصوفي الآخر الغزالي المتأخّر ، وهذان يقلّدان شيخهم الغزالي الصوفي المتقدّم حذو القذة بالقذة ، وهذا يقلّد ابن حزم الظاهري في قوله تمامًا ، ولم يأتِ بجديد مفيد ، وإنّما حادي الجميع أعمى التقليد ، مع أنّهم ـ وهذه من أعظم عجائبهم ـ يذمّون غيرهم بدعوى التقليد ؛ فسبحان الله المجيد .. !
>> فهؤلاء كلّهم مِن أصحاب الرأي الشاذّ الذي خالفوا فيه أكثرية العلماء من : حنفية ومالكية وشافعية وحنبلية ..!

ملحوظة : مَن يبيح المعازف وكشف وجه المرأة ومَن يتّبعه في ذلك ـ وهذا من العجائب ـ يستدلّ على جواز كشف وجه المرأة بأنّ عليه أكثرية العلماء من : حنفية ومالكية وشافعية ، ولكنّه في مسألة المعازف لا يقبل بقول أكثرية العلماء التي تُحرّم ذلك ؛ فعلامَ يدلّ ذلك ؟!

الرابعة : يشرع في كلّ شيء حلال أن يقال في أولّه : بسم الله ، وفي آخره : الحمد لله ؛ فهل يقول مَن يبيح المعازف ذلك ، وهو أن يقول العازف قبل بدء العزف ـ عياذًا بالله ـ باسم الله ، وفي نهاية عزفه : الحمد لله ؟!
وكذلك كلّ فعل حلال ليس فيه كشف عوره ؛ فهو جائز فعله في المسجد ؛ فهل يقول أحد بأنّ المعازف جائز ضربها في المساجد ؟
وكذلك كلّ شيء حلال ذو جسم يجوز حمله في أثناء الصلاة ؛ فهل يقول أحد يجوز أن يعلّق المسلم آلة اللهو والعزف على جسده أثناء صلاته ؟!
>> ابن ثعلي ، هل تقبل مِن أحد جواز ذلك من البسملة قبل العزف والحمد بعده ، ومِن الدخول بإلات اللهو والعزف في المساجد ، ومن العزف بالآلات الموسيقية في المساجد ، ومن الصلاة بها أو ماذا ؟

الخامسة : لماذا ـ يا بن ثعلي ـ أوردت كلام القرضاوي الإخواني الصوفي كاملاً ، ولم تورد كلام المخالف بالحق والصدق له كالألباني وغيره من علماء السلف الصالح ممن يحرم بالدليل النقلي الصحيح والعقلي الصريح الغناء بالمعازف ؟

السادسة : هل ترضى ـ يا بن ثعلي ـ أن تعزف أمك أو أختك أو زوجتك أو بنتك العود أو الطبل وما شاكله بما أن آخذ بفتوى القرضاوي الإخواني الصوفي أو لا ترضى ؟ ومع هذه لماذا ؟


السابعة : وأمّا إيرادك لقول القرضاوي الأخواني الصوفي المقلّد بإباحة المعازف والرقص ؛ فهذا قول الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ أكبر محدّث في هذا الزمان في كتابه : (( تحريم آلات الطرب ) يردّ على كلّ مَن أباح المعازف ، وينقض أقوالهم قولاً قولاً بأدلّته نقليّة صحيحة وعقلية صريحة :


(( ( تحريم آلات الطرب
أو الرد بالوحيين وأقوال أئمتنا
على ابن حزم ومقلديه المبيحين للمعازف والغنا
وعلى الصوفيين الذين اتخذوه قربة ودينا ))
بقلم : محمد ناصر الدين الألباني
مكتبة الدليل
ط 1 - 1416 هـ


المقدمة :
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ، فقد كنت وقفت سنة ( 1373 ه ) في مجلة " الإخوان المسلمون " المصرية ، العدد ( 11 ) بتاريخ ( 29 ) ذي العقدة من السنة المذكورة على استفتاء حول الموسيقى والغناء نصه:
" أنا شاب مسلم ، وأقوم بشعائر الدين ( ومخلصٌ جداً ) ، ولكن هناك شيء يستولي على نفسي ، وهو حب الموسيقى والغناء ، بالرغم أني أحفظ القراّن الكريم ، فهل هذه الهواية حرام ؟ " .
فأجاب فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة بما نصه:
" بالنسبة للغناء إذا لم يكن فيه ما يثير الغريزة الجنسية فإننا لا نجد موجباً لتحريمه ، وإنَّ العرب كانوا يرجزون ويغنون ويضربون بالدف ، وورد في بعض الآثار الدعوة إلى الضرب بالدف في الزواج ، وقيل: ( فرق ما بين الحلال والحرام الدف ) ، ومثل ذلك الموسيقى . ونجد أنه لما دخل الغناء الفارسي بالألحان في عهد التابعين كانوا فريقين فريقاً يميل إلى الاستماع ولا يجد فيه ما يمس الدين كالحسن البصري
وفريقاً لا يميل إليه ويجده منافياً للزهادة والورع كالشعبي
وعلى أي حال ، فإنه من المتفق عليه أنه ما دام لا يثير الغريزة الجنسية ، ولا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، فليس فيه ما يمس الدين " !
قلت: وقد كنت كتبت وقتئذٍ رداً على هذه الفتوى لمخالفتها للأحاديث الصحيحة ومذهب جمهور العلماء ، وأرسلتها إلى المجلة ، ولكن حال دون نشره فيما يبدو تعطيل المجلة في عهد عبد الناصر ، ومنعها من الصدور .
وفي هذه الفتوى على اختصارها من الأخطاء والأوهام المختلفة ما كنت أتصور أن الشيخ أكبر من أن يقع في مثلها ! فلا بد لي من بيانها مع الاختصار قدر الإمكان ، إلا فيما له صلة تامة بموضوع الرسالة فأقول:
الأغاني والموسيقى:
1 الموجب لتحريم الغناء الأحاديث الصحيحة الثابتة في كتب السنة كما سيأتي بيانها مخرجة مصححة من العلماء في هذه الرسالة ، فهل الشيخ وهو من كبار علماء الأزهر يجهلها ، أم هو يتجاهلها كبعض تلامذته كما سيأتي ؟ أحلاهما مر !
2 إن القيد الذي شرعه من عنده: أن لا يثير الغريزة الجنسية ، وقد قلَّده فيه بعض تلامذته كالشيخ القرضاوي والغزالي وغيرهما ، فقال الأول كما سيأتي نقله عنه في هذه المقدمة ، مفصحاً: " ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة " يعني الغناء!
فأقول: هذا القيد نظري غير عملي ، ولا يمكن ضبطه ، لأن ما يثير الغريزة يختلف باختلاف الأمزجة ذكورة وأنوثة ، شيخوخة وفتوة ، وحرارة وبرودة ، كما لا يخفى على اللبيب .
وإني والله لأتعجب أشد العجب من تتابع هؤلاء الشيوخ الأزهريين على هذا القيد النظري ، فإنهم مع مخالفتهم للأحاديث الصحيحة ، ومعارضتهم لمذاهب الأئمة الأربعة وأقوال السلف يختلقون عللاً من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من الأئمة المتبوعين ، ومن آثارها استباحة ما يحرم من الغناء والموسيقى عندهم أيضاً ، ولنضرب على ذلك مثلاً ، قد يكون لأحدهم زوجة وبنون وبنات ، كالشيخ الغزالي مثلاً الذي يصرح وقد يتباهى ! بأنه يستمع لأم كلثوم ومحمد بن عبد الوهاب الموسيقار ( ! ) وأضرابهما ، فيراه أولاده بل وربما تلامذته ، كما حكى ذلك هو في بعض كتاباته ، فهل هؤلاء يستطيعون أن يميزوا بعلمهم ومراهقتهم بين الموسيقى المثيرة فيصمّون آذانهم عنها ، وإلا استمروا في الاستماع إليها ! تالله إنه لفقه لا يصدر إلا من ظاهري جامد بغيض ، أو صاحب هوى غير رشيد .
لقد ذكّرني هذا بتفريق المذهب الحنفي بين الخمر المتخذ من العنب ، فهو حرام كله ، لا فرق بين قليله وكثيره ، وبين الخمر المتخذ من غير العنب كالتمر ونحوه ؛ فلا يحرم منه عندهم إلا الكثير المسكر !
أما كيف التفريق عملياً بين القليل غير المسكر فيه ، والكثير المسكر ، وإن أمكن ذلك فمتى ؟ أقبل تعاطيه ؟ ! أم بعد أن يسكر ؟ ! فهذا مما سكتوا عنه ، وتركوا الأمر للشارب ! كما فعل مثل ذلك الشيوخ المشار إليهم من التفريق بين الموسيقى المثيرة المحرّمة ، والموسيقى غير المثيرة المباحة !! فهل يقول بهذا من يؤمن بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: " . . ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " . وقوله صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنَّة ، التي عليها قامت قاعدة " سد الذريعة " ، والتي تعتبر من كمال الشريعة ، وأشاد بها الشيخ القرضاوي نفسه ، في مقدمة كتابه " الحلال والحرام " ؟ ! وضرب لها ابن القيم عشرات الأمثلة من الكتاب والسنَّة ، فراجعها فإنها هامة .
وأسوأ من هذا التفريق وذاك ، ما كنت قرأته في نشرة لحزب إسلامي معروف أنه يجوز للرجل أن يقبِّل المرأة الأجنبية عند السلام عليها ، وليس مصافحتها فقط ، بل وتقبيلها أيضاً ، قالوا: ولكن بنيَّة طيبة وبغير شهوة !!
فأعرض هؤلاء جميعاً عن تطبيق تلك القاعدة العظيمة المدعمة بعشرات الأدلة ، مع إعراضهم عن الأدلة العامة كما لا يخفى ، بل خالفوا مثالاً آخر لم يذكره ابن القيِّم ، وفيه رد عليهم في الصحيح ، هؤلاء في استباحتهم تقبيل الأجنبيات ومصافحتهن ، وأولئك في الاستماع لأغانيهن ، كالغزالي مع أم كلثوم ! واعتبر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نوعاً من الزنا ، فقال:
" كُتبَ على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة:
فالعينان زناهما النَّظر .
والأذنان زناهما الاستماع .
واللسان زناه الكلام .
واليدان زناهما البطش ، ( وفي رواية اللمس ) .
والرِّجل زناها الخُطا .
[ والفم زناه القُبَل ] .
والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفَرْجُ ويكذِّبه " .
رواه مسلم وغيره .
قلت: فتبين مما تقدم بطلان تقييد الشيخ ( أبو زهرة ) ومن قلَّده الموسيقى والغناء المحرم بما يثير الغريزة الجنسية ، وأن الصواب تحريم ذلك مطلقاً ، لإطلاق الأحاديث الآتية ، ولقاعدة سد الذريعة .
ونحوه في البطلان ما يأتي .
3 قوله: " وأنّ العرب كانوا يرجزون ويغنون ويضربون بالدف " !
فأقول: هذا باطل من وجوه يأتي بيانها ، ومن الواضح أنه يريد ب ( العرب ) السلف ، وحينئذ فتعبيره عنهم بهذا اللفظ تعبير قومي عصري جاهلي ، يستغرب جداً صدوره من شيخ أزهري ! فأقول:
الوجه الأول:
أنه كلام مرتجل لا سنام له ولا خطام ، لم يقله عالم من قبل ، فليضرب به عرض الحائط .
الثاني: أنه إذا كان يعني به خاصتهم وعلماءهم كما هو مفروض فيه فهو باطل ، فإن المنقول عنهم خلاف ذلك .
والشيخ غفر الله له ، كأنه حين يكتب لا يكون عنده خلفية علمية ، أو على الأقل لا يراجع كتاباً من الكتب الفقهية ، أو بحثاً خاصاً فيها لأحد محققي الأمة ، كابن تيمية ، وابن قيم الجوزية ، شأنه في ذلك شأن تلميذه الغزالي وأمثاله ، وإلا فأين هو من قول ابن مسعود رضي الله عنه: " الغناء ينبت النفاق في القلب " ، وروي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحيح موقوف كما قال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " ( 1 / 248 ) ولذلك خرجته في " الضعيفة " ( 2430 ) ، ومن قول ابن عباس رضي الله عنه: " الدف حرام ، والمعازف حرام . . " وسيأتي ( ص 92 ) ومما ذكره أبو بكر الخلال في كتاب " الأمر بالمعروف " ( ص 27 ) : " ويروى عن الحسن قال: ليس الدفوف من أمر المسلمين في شيء ، وأصحاب عبد الله كانوا يشققونها " ، إلى غير ذلك مما هو مذكور في موضعه . وانظر ( ص 102 103 ) .
الثالث: أن الذين كانوا يضربون بالدف ، إنما هم النساء لا الرجال ، وبمناسبة الزفاف ، وفي ذلك أحاديث كنت ذكرتها في كتابي " آداب الزفاف " ( ص 179 183 ) ، أو بمناسبة العيد كما في حديث عائشة الآتي في آخر هذه الرسالة ، ولهذا قال الحَلِيمي ، كما في " شعب الإيمان " ( 4 / 283 ) :
" وضرب الدف لا يحل إلا للنساء لأنه في الأصل من أعمالهن وقد لعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء " .
4 قوله: " وورد في بعض الآثار . . " إلخ: تعبير غير دقيق ، فإنه يعني ب " الآثار " الأحاديث التي أشرت إليها آنفاً ، وأسوأ منه قوله عقبه: " وقيل: ( فرق ما بين الحلال والحرام الدف ) " ؛ فإنَّ " قيل " من صيغ التمريض عند العلماء ، وهو إنما يقال في كلام البشر ، وهذا حديث نبوي معروف ، فإن كان يريد بقوله المذكور تضعيفه ، فقد أخطأ مرتين؛ رواية واصطلاحاً ؛ أما روايةً فالحديث حسن كما قال الترمذي ، وصححه الحاكم والذهبي ، وهو مخرج في المصدر المتقدم وفي " الإرواء " ( 7 / 50 51 ) ، وأما اصطلاحاً ، فإنه إنما يقال في الحديث الضعيف: " روي " ، وليس " قيل " .
وثمة خطأ آخر ، وهو قوله في الحديث: " فرق " وإنما هو عندهم بلفظ: " فصل " .
فتأمل كم في كلام هذا الشيخ الأزهري من جهل بالحديث ومصطلحه ، فلا عجب من تلميذه الغزالي أن يصدر منه ما هو أعجب وأغرب كما سيأتي ، الأمر الذي يدل على أن الأزهر لم يكن له عناية بتدريس الحديث دراية ورواية ، وأكبر دليل على ذلك أننا لا نرى في هذا العصر محدثاً معروفاً ، مشهوراً بآثاره ومؤلفاته تخرَّج من ( الأزهر الشريف ) ، ويكفينا تدليلاً على ما أقول هذا الكلام الهزيل من شيخهم هذا الكبير ! والله المستعان .
5 قوله: " ومثل ذلك الموسيقى " ! فأقول: هذا قياس ، وهو يدل على أن الشيخ كتلميذه الغزالي يرفض الأحاديث المحرِّمة لآلات الطرب ، ومنها حديث البخاري الآتي ( ص 38 ) ، أو أنه يقبلها ، ولكنه لا يُحسن القياس ، لأنه لا قياس في مورد النص كما يقول علماء الأصول ، وهذا ما أستبعده ، كيف لا وقد ألَّف في " أصول الفقه " ، أو أنه من ( العقلانيين ) كتلميذه لا يقف أمامه أصل ولا فرع ، لا حديث ولا فقه ، إنما هي الأهواء تتجارى . . ومع ذلك يقول فيه الزركلي رحمه الله في كتابه " الأعلام " : " أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره " !!
6 قال: " . . فريقاً يميل إلى الاستماع . . كالحسن البصري ، وفريقاً لا يميل إليه كالشعبي " !
كذا قال الشيخ غفر الله له جعل الغناء المحرَّم قضية ذوقية محضة مثل كل المباحات ، كالأطعمة والأشربة ، من شاء فعل ، ومن شاء ترك ، ولم يكتف بهذا ، بل نسب إلى السلف خلاف الثابت عنهم ، فالحسن البصري بريء مما نسب إليه ، فقد روى ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " ( رقم 62 و 63 منسوختي ) بإسنادين عنه قال:
" صوتان ملعونان: مزمار عند نعمة ، ورنَّة عند مصيبة " .
وقد صحّ هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الرسالة إن شاء الله تعالى: ( الحديث الثاني ) ( ص 51 ) .
وأما الشعبي ، فقد روى ابن أبي الدنيا أيضاً ( رقم 55 ) بسند صحيح عنه:
أنه كره أجر المغنية !
وروى ( رقم 45 ) بسند صحيح عن القاسم بن سلمان وثقه ابن حبَّان عنه قال:
" لعن المغني والمغنى له " .
وروى ابن نصر في " قدر الصلاة " ( ق 151 / 2 ) بسند جيد عنه قال:
" إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع ، وإن الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع " .
فهل مثل هذا وذاك يقوله الشعبي بميله الشخصي ؟ ! فاللهم هداك .
وأما قوله: " فمن المتفق عليه . . " فقد ظهر بطلانه مما سبق فلا نطيل الكلام بالرد عليه .
وفي غرة شهر شعبان من سنة ( 1375 ) ، أوقفني بعض الإخوان على مجموعة " رسائل ابن حزم الأندلسي " بتحقيق الدكتور إحسان رشيد عباس في جملتها " رسالة في الغناء الملهي أمباح هو أم محظور ؟ " ذهب فيها إلى إباحة الغناء وآلات الطرب على اختلاف أنواعها ، فتصورت مبلغ الأثر السيئ الذي سيكون لهذه الرسالة في قلوب قرّائها من الخاصة وطلاب العلم ، فضلاً عن العامة ، وذلك لأمرين:
الأول: شهرة ابن حزم العلمية في العالم الإسلامي ، وإن كان ظاهري المذهب ، لا يأخذ بالقياس ، خلافاَ للأئمة الأربعة وغيرهم .
والآخر: غلبة الهوى على أكثر الناس ، فإذا رأوا مثل هذا الإمام يذهب إلى إباحة ما يتفق مع أهوائهم ، لم يصدهم شيء بعد ذلك عن اتباع أهوائهم ، بل قد يجدون في ما يسمعون من بعض المشايخ ما يسوغ لهم تقليدهم إياه ، كقولهم: " من قلد عالماً لقي الله سالماً " ! وبعضهم يتوهمه حديثاً ، ولا أصل له ، وإن كان ابن حزم رحمه الله ينهى عن التقليد ، ويحرمه أشد التحريم .
يضاف إلى ذلك قلة العلماء الناصحين الذين يذكرون الناس بالحكم الصحيح في هذه المسألة ، والأحاديث الصحيحة الواردة فيها ، وكثرة ما يكتب ويذاع مخالفاً لها ، فيتوهمون أن ما قاله ابن حزم صحيح ، ولا سيما وهم يقرؤون لبعض العلماء المعاصرين فتاوى تؤيد مذهبه ، وتنشر في بعض المجلات الإسلامية السيّارة ، أو تذاع بالتلفاز في بعض البلاد العربية .
ومن ذلك مقال آخر نشرته مجلة " الإخوان المسلمون " أيضاً في العدد ( 5 ) تحت عنوان " الموسيقى الإسلامية " ! جاء فيه:
" و ( السمفونية ) هي: أرقى ما وصل إليه عباقرة الموسيقى أمثال " بيتهوفن " و " شورب " و " موزار " و " تشايكوفسكي " ، وهي تعبير عن عواطف وإحساسات تنعكس من الطبيعة أو الإنسان ، ويجمع لها أكبر عدد من العازفين المهرة بأحدث الآلات على اختلافها ، حتى يكون التعبير أقرب إلى الحقيقة بقدر الإمكان . وقد تألفت فرق ل ( السمفونية ) المصريّة تضم أكثر من ثلاثين عازفاً ساعدتهم جمعيّة الشبّان المسيحيّة ( ! ) وعزفت في ( الجامعة الأمريكيّة ) ( ! ) فما أجدرنا بهذا ، وما أحوجنا إلى داعية ( ! ) من نوع جديد ، سوف يكون فتحاً في عالم الموسيقى وتقدماً عالمياً لها ، وحينئذ يبرز لون فريد يسيطر على أفئدة العالم ، هو " الموسيقى الإسلامية " ( ! ) بدلاً من الموسيقى الشرقية . . " !
قلت: فهذا من أكبر الأدلّة على أن استباحة الآلات الموسيقيّة قد فشت بين المسلمين حتى اللذين ينادون منهم بإعادة مجد المسلمين ، وإقامة دولة الإسلام ، كالإخوان المسلمين مثلاً ، ولولا ذاك لما استجازت مجلتهم أن تنشر هذا المقال الصريح في استحلال ما حرّم الله من الموسيقى ، بل والدعوة إليها ، وليس هذا فقط ، بل وسماها " الموسيقى الإسلامية " على وزن " الاشتراكية الإسلاميّة " و " الديموقراطية الإسلاميّة " ، وغيرها مما يصدق عليها قوله تبارك وتعالى: ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء من ذلك بقوله: " ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها " وفي رواية: يسمونها بغير اسمها " . وهو مخرج في " الصحيحة " ( 90 ) وسيأتي ( ص 86 ) .
وإني لأخشى أن يزداد الأمر شدة ، فينسى النّاس هذا الحكم ، حتّى إذا ما قام أحد ببيانه ، أنكر ذلك عليه ، ونسب إلى التشدد والرّجعيّة ، كما جاء في حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:
" كيف أنتم إذا لبستكم فتنة؛ يهرم فيها الكبير ، ويربو فيها الصغير ، ويتخذها النّاس سنة ، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنّة ! قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ ! قال:
" إذا كَثرت قراؤكم ، وقلَّت فقهاؤكم ، وكَثُرت أمراؤكم ، وقلَّت أمناؤكم ، والتمست الدنيا بعمل الآخرة ، [ وتُفُقِّه لغير الدين ] " .
رواه الدرامي ( 1 / 64 ) ، والحاكم ( 4 / 514 - 515 ) بسند صحيح ، والدرامي أيضاً وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " ( 1/ 188 ) من طريق أُخرى عنه بسند حسن ، وفيه الزيادة التي بين المعكوفتين ، وهو موقوف في حكم المرفوع؛ لأَنّه من أُمور الغيب التي لا تدرك بالرأي ، ولا سيما ، وقد وقع كل ما فيه من التنبؤات . والله المستعان .

من أجل ذلك رأيت أنه لابد من تأليف رسالة أُبين فيها حكم الشرع في الموسيقى ، وأرد على ابن حزم قوله بإباحتها ، و أُ بين أوهامه في تضعيفه الأحاديث الصحيحة المحرمّة لها ، ( ليحيا من حَيّ عن بيّنة ) وبذلك تقوم الحجّة على من لا علم عنده ، ويتخذ منها المهتدي برهاناً لإقناع من يريد الهداية ، ويخشى ربّه .
دمشق 24 شعبان سنة 1375 ه محمد ناصر الدين الألباني .
ذلك ما كنت كتبته منذ أكثر َ من أربعين سنة ، ومع الأسف فقد ازداد الأمر شدة كما كنت ظننت من قبل وكثر البلاء والافتتان بالأغاني والموسيقى ؛ لتيسر وسائل الاستماع كالراديو ، والمسجلات ، والتلفاز ، والإذاعات ، وسكوت كثير من العلماء عن الإنكار ، بل تصريح بعضهم ممن يظن الكثيرون أنّهم من كبار العلماء بإباحتها ، وتكاثرت وتنوعت المقالات التي تنشر في بعض الجرائد والمجلاّت ، في إباحة الآلات الموسيقية ، وإنكار تحريمها ، وتضعيف الأحاديث الواردة فيها ، ضاربين عرض الحائط بالحفاظ المصححين لها ، ومذاهب الأئمة القائلين بمدلولاتها ، لا يتعرضون لذكرها ، حتّى إنّ عامة القرّاء يتوهمون أن لا وجود لها ، أو من كاتبين مغمورين ، ليسوا في العير ولا في النفير كما يقال ، والأمثلة كثيرة وكثيرة جداً ، فحسبي الآن مثالاً واحداً ؛ نشر في جريدة ( الرباط ) الأُردنية عدد ( 9-15 حزيران 1993 ) ، فقد جاء فيها ثلاث مقالات في إباحتها لثلاثة منهم ، أخطرها وأسوأها مقالة المدعو ( حسان عبد المنان ) ، فإنه نصب نفسه محققاً للرد على المحدثين الذين صححوا حديث البخاري الآتي في تحريم المعازف ، بطرق ملتوية وادعاء علل كاذبة لم يقل بها حتى ابن حزم الذي يعتبر إمام هؤلاء المقلدين في التضعيف ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وقد مهد لهم في الإنكار والتضعيف بعض المشهورين من العلماء المعاصرين ، كالشيخ يوسف القرضاوي ، تقليداً منه للشيخ محمد أبو زهرة - وقد تقدمت فتواه في ذلك ، ولعله من تلامذته الذين تخرجوا من مدرسته ، ورضعوا من لبانته - فقد صرّح في كتابه " الحلال والحرام " بقوله ( ص 291 الطبعة 12 ) تحت عنوان ( الغناء والموسيقى ) :
" ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس ، وتطرب له القلوب ، وتنعم به الآذان: الغناء . . ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة " !
واستروحَ في ذلك إلى مذهب ابن حزم ، وتضعيفه لأحاديث التحريم ، فنقل ( ص 293 ) عنه أنه قال:
" كل ما روي فيها باطل موضوع " !
وتجاهل الشيخ عفا الله عنّا وعنه الردود المتتابعة مرّ السنين على ابن حزم من قِبَل أهل الاختصاص في الحديث وحفاظه ، وممن هو أعلم منه فيه ، كابن الصّلاح وابن تيمية وابن حجر وغيرهم ممن يأتي ذكرهم .
كما تجاهل المبالغة الظاهرة في حكم ابن حزم على الأحاديث بالبطلان والوضع ، فإنه لا يلزم من وجود علّة في الحديث الحكم عليه بالوضع ، ولا سيما إذا كان في " صحيح البخاري " ، كما لا يخفى على المبتدئين في هذا العلم ، فكيف وهناك أحاديث أُخرى صحيحة أَيضاً كما سيأتي ، فلو كانت ضعيفة لأعطى مجموعها للموضوع قوّة ، فالحكم عليها كلها بالبطل والوضع - مما لا شك فيه - أنه ظاهر البطلان !
ولقد سار على هذا المنوال من التجاهل لعلم ذوي الاختصاص صاحبه الكاتب الشهير الشيخ محمد الغزالي المصري ، في كتابه الأخير: " السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث " تجلى فيه ما كان يبدو منه أحياناً في بعض كتبه ومقالاته التي يبثها هنا وهناك من الانحراف عن الكتاب والسنّة ، وفقه الأئمة أيضاً ، خلافاً لما يوهم قراءه بمثل قوله في مقدمة كتابه المذكور ( ص 11 ) :
" وأؤكد أولاً و أخيراً أنني مع القافلة الكبرى للإسلام ، هذه القافلة التي يحدوها الخلفاء الراشدون والأئمة المتبوعون والعلماء الموثوقون ، خلفاً بعد سلف ، ولاحقاً يدعو لسابق " .
وهذا كلام جميل ، ولكن أجمل منه العمل به وجعله منهج حياة ، ولكن مع الأسف الشديد هو من الكلام الذي يقال في مثله: ( اقرأ تفرح ، جرِّب تحزن ) إذ أن الرجل قد انكشف مذهبه أخيراً بصورة جليّة جداً ، أنه ليس " مع القافلة الكبرى . . " إلخ ، بل ولا مع الصغرى ! .
وإنما هو مع أولئك ( العقلانيين الشُذَّذ ) الذين لا مذهب لهم إلا اتباع ما تزينه لهم عقولهم ، فيأخذون من كل مذهب ما يحلو لهم؛ مما شذَّ وندَّ ، وقد قال بعض السلف: " من حمل شاذ العلم حمل شراً كبيراً " ، ومع ذلك فهو يحشر نفسه في زمرة الفقهاء الذين يستدركون على المحدِّثين شذوذاً أو علة خفيت عليهم ، والحقيقة أن الرجل لا علم عنده بالحديث ولا بالفقه المستنبط منه ، وإنما هي العشوائية العمياء المخالفة لما عليه علماء المسلمين من المحدثين والفقهاء في أصولهم وفروعهم , فهو إذا صادم رأيه حديث صحيح نسفه بدعوى باطلة من دعاويه الكثيرة ، فيقول مثلاً: ضعفه فلان ، وهو يعلم أن غيره ممن هو أعلم منه أو أكثر عدداً صححه ، كما هو موقفه من حديث البخاري الآتي في ( المعازف ) ، وتارة يرده بدعوى أنه حديث آحاد ! وهو يعلم أيضاً أن خبر الآحاد حجة في الفقهيات والعمليات بالاتفاق ، وإذا لم يستطع رفضه لسبب أو آخر رد العمل به بقوله: ليس قطعي الدلالة ، وهو يعلم أيضاً أنه لا يشترط ذلك عند العلماء ، وإنما يكفي فيها الظن الراجح عندهم ، وإلا قلبْنَا عليه دعواه ورددنا عليه كل مخالفاته لأنها لم تبن يقيناً على دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة ، وإلا لم يكن هناك خلاف ! وإن كان الحديث في العمليات والغيبيات رده بقوله: " لا يتصل بعقيدة ، ولا يرتبط به عمل " ! أو قد يختلق له معنى من فكره هو في نفسه باطل ، فيلصقه بالحديث ، وهو منه بريء ! وأما كلام العلماء في الدفاع عن الحديث وتفسيره بعلم ، فهو يستعلي عليه ويرفضه طاعناً فيهم بما هو أهل له وأولى به ، كمثل قوله ( ص 29 ) :
" نقول نحن: هذا الدفاع كله خفيف الوزن ، وهو دفاع تافه لا يساغ !! " .
يعارض به العلماء وهم شرّاح الحديث المازري والقاضي عياض والنووي الذي عنه نقل الكلام المشار إليه ولكنه دلَّس على القرَّاء ، فإنه ابتدأ المنقول بقوله: " قال المازري . . . " . وجاء في آخر المنقول: " واختاره المازري والقاضي عياض " .
وهذا من تمام الكلام المنقول . وإنما نقله عن " شرح النووي لمسلم " ، والنووي هو الذي قال: " قال المازري . . " إلخ .
فكان عليه أن يعزوه إليه ، ولكنه لم يفعل لأنه يعلم منزلة الإمام النووي وشهرته عند المسلمين ، فلم ير من سياسته أن ينبه أيضاً إلى " تفاهته " !!
تلك بعض مواقفه المذبذبة تجاه الأحاديث الصحيحة المرفوضة عنده .
أما إذا كان الحديث ضعيفا أو لا أصل له ، فهو يجعله صحيحاً قوياً مسنداً بعقله المشرِّع ! يبطل به ما صح في الشرع ! فيقول رداً على من ضعَّفه أو قد يضعفه:
" لكن معناه متفق مع آية من كتاب الله ، أو أثر من سنَّة صحيحة . . . " .
انظر كلمته في مقدمة كتابه " فقه السيرة " حول تخريجي لأحاديثه تحت عنوان " حول أحاديث الكتاب " تجد تحته تصريحه بأنه يصحح الحديث الضعيف عند المحدثين ، ويضعِّف الصحيح عندهم ، بناء على ماذا ؟ أَعلى الشروط المعروفة عند علماء الحديث وحكاها هو في أوَّل كتابه " السنَّة " ( ص 14 15 ) ذرّاً للرماد في العيون ؟ كلا فهو في قرارة نفسه لا يؤمن بها ، والله أعلم ولئن آمن بها ، فهو لا يحسن تحقيقها ، وإنما اعتماده مجرد رأيه وزعمه أن معناه صحيح ! ولا يشعر المسكين بمبلغ الضلال الذي وقع فيه بسبب إعجابه برأيه واستخفافه بعلم الحديث وبأهله أنه ألحق نفسه بتلك الطائفة من الكذابين والوضّاعين الذين كانوا كلما رأوا حكمة أو كلاماً حسناً جعلوه حديثاً نبوياً ، فلما ذُكِّروا بقوله صلى الله عليه وسلم: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " قالوا: نحن لا نكذب عليه ، وإنما نكذب له !! ذلك هو موقف كل ( من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم . . ) الآية . بل هو قد يزيد عليهم فيبطل بمثله حكماً شرعياً ثابتاً بالأحاديث الصحيحة ، وأعني بذلك قوله ( ص 18 ) :
" وقاعدة التعامل مع مخالفينا في الدين ومشاركينا في المجتمع أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، فكيف دم قتيلهم ؟ " .
أقول فيه من المخالفات للشرع والعلم ما يأتي:
أولاً: قوله: " لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا " ، يشير إلى حديث ذكره بعض فقهاء الحنفية ممن لا علم عندهم بالحديث ؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في أهل الذِّمَّة ، وهو حديث لا أصل له في شيء من كتب السنَّة كما أشار إلى ذلك الحافظ الزيلعي الحنفي في " نصب الراية " ، وهو مخرج في المجلد الخامس من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " برقم ( 2176 ) وهو تحت الطبع .
ثانياً: هذه الجملة التي صيروها حديثاً مستقلاً ، هي في الحقيقة قطعة من حديث صحيح ، وَرَد فيمن أسلم من المشركين ، فهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: " لهم ما لنا وعليهم ما علينا " هكذا هو في " سنن الترمذي " وغيره من حديث سلمان رضي الله عنه ، وفي " صحيح مسلم " وأبي عوانة ، وابن حبَّان ، وابن الجارود من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه ، وهما مخرَّجان في " الإرواء " ( ص 1247 ) و " صحيح أبي داود " ( 2351 2352 ) .
فأبطل الغزالي هذا الحديث الصحيح برأيه الفج ، وجهله الفاضح بالسنَّة متوكئاً على الحديث الذي لا أصل له ! تالله إنه لو لم يكن في كتابه إلا هذه المخالفة بل الطامّة لكان كافياً لإهباط قيمة كتابه ، وإسقاط مؤلفه من زمرة الفقهاء ! أما الكتابة فهي له ! أما العلم والفقه فله رجال !! فكيف وهناك عشرات بل مئات الطامَّات التي تولى بيان بعضها ( ! ) إخواننا الأساتذة والمشايخ الذين ردوا عليه ، جزاهم الله خيراً .
ومنها:
ثالثاً: لقد أشار بقوله: " فكيف بهدر دم قتيلهم ؟ " إلى إنكاره لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مسلم بكافر " وهو صحيح أيضاً ، رواه البخاري وغيره عن علي ، والترمذي وغيره عن ابن عمرو وغيرهما ، وهو مخرَّج في " الإرواء " ( 2208 2209 ) ، وبه أخذ جمهور العلماء ، ومنهم ابن حزم في " المحلَّى " الذي قلده فيما أخطأ ؛ وفي إبطاله لحديث ( المعازف ) ، ولم يقلده هنا وقد أصاب ! فاعتبروا يا أولي الألباب .
وأما الحديث الذي يذكره بعض الكتاب المعاصرين كالمودودي رحمه الله تقليداً لمذهبه الحنفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلماً بذميِّ ! فهو منكر لا يصح كما قال بعض الأئمة ، وقد تكلمت عليه في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " برقم ( 460 ) مفصَّلاً .
ثم إنني لأتساءل أنا وكل ذي لب منصف: لِمَ أهدر الشيخ الغزالي العمل بهذا الحديث الصحيح وهو موافق لعموم قوله تعالى: ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون ) ؟ وإن كان قد سيق في غير هذا السياق ، فإن الغزالي نهم في التمسك بعموم القرآن ولو كان مخصصاً بالأحاديث النبوية ! والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها ما تقدم قريباً من إنكاره على كافة العلماء محدِّثين وفقهاء جعلهم ديّة المرأة على النصف من دية الرجل ، ونسبهم إلى مخالفتهم لظاهر الكتاب يعني قوله تعالى: ( النفس بالنفس ) !
رابعاً: تأمل معي أيها القارئ الكريم ، تلطُّف الشيخ الغزالي مع أعداء الله: اليهود والنصارى بقوله: " مخالفينا في الدين " وقد يقول فيهم أحياناً: " إخواننا " ! وقابل ذلك بمواقفه العديدة تجاه إخوانه في الدين كيف يشتد على علمائهم الأموات منهم والأحياء ، وبخاصة طلاب العلم منهم ، وقد مرت بك قريباً بعض الأمثلة مما قاله في أهل الحديث وشرّاحه ، فيا ترى أذلك مما أودعه في كتابه " خلق المسلم " ؟ ! أم هو مخالفة صريحة لمثل قوله تعالى: ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) ؟ ! وقوله عز وجل: ( يا أيها الذي آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ؟ !
تلك نماذج قليلة ، من مواقف للشيخ الغزالي كثيرة ، تجاه الأحاديث النبوية الصحيحة ، والأحاديث الضعيفة ، يأخذ منها ما يشاء ، ويرفض منها ما خالف هواه ، دون أن يستند في ذلك على قاعدة تذكر عند أحد من العلماء ، بل هي العشوائية العمياء ، كما تقدم .
ذكرت ذلك ليتبين القراء طريقته في رفضه للأحاديث الصحيحة عند أهل الاختصاص من العلماء ، فلا هو منهم علماً حتى يستطيع معرفة الصحيح من الضعيف انطلاقاً من قواعدهم وكتابه " فقه السيرة " بتخريجي إيّاه ، وما تقدم من الأمثلة دليل قاطع على ذلك ولا هو معهم كما قال الله تعالى: ( وكونوا مع الصادقين ) وقال: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، ومقدمته لتخريجي المشار إليه وما سبق من الأمثلة أيضاً يؤكد كل ذلك ، فمن لم يكن من أولئك العلماء ، ولا هو معهم ، فالأحرى به أن يكون لسان حاله - على الأقل - كما قال ذلك الشاعر الجاهلي:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويتُ وإن ترشَد غزيّة أرشد
وختام ذلك موقفه من حديث البخاري في المعازف ، وأسلوبه في تضعيفه إيّاه ، فهذا وحده يكفي للدلالة على أنه لا ينطلق في نقده للأحاديث إلاّ من الهوى ، والظن الأَعمى ! فقد قال: ( ص 66- 67 ) لأحد علماء الخليج ، وهو يناقشه في ليلة النصف من شعبان: " أظن الأَحاديث التي وردت في ليلة النصف أقوى من الأحاديث التي وردت في تحريم الغناء " !

وظنه هذا كاف لإدانته بالجهل وإلقاء الكلام على عواهنه ، مما يذكرني بقوله تعالى في الكفار الشاكين في البعث: ( ما ندري ما السّاعة إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين ) فإن أحاديث ليلة النصف إن كان المقصود منها ما يتعلق بالأمر بقيام ليلها وصيام نهارها - كما هو الظاهر من مناقشته لذلك العالم - فهو حديث واحد لا يوجد سواه ، وإسناده ضعيف جداً- بل هو موضوع في نقدي - كما هو مبين في المجلد الخامس من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " برقم ( 2132 ) يسّر الله طبعه . وإن كان المقصود حديث المغفرة لجميع الخلق إلا من استثني فيه ، فهو حديث واحد أيضاً جاء من طرق عن جمع من الصحابة وبألفاظ مختلفة ، لا يسلم طريق منها من علة ، ولذلك ضعّفها أكثر العلماء كما قال ابن رجب ، وصحح أحدها ابن حبّان ، وفيه انقطاع ، فمن الممكن تصحيحه أو تحسينه على الأقل لتلك الطرق ، ومن أجلها خرجته في " السلسلة الصحيحة " ( 1144 ) ، وجعلته من حصة كتابي الجديد " صحيح موارد الظمآن " ( . . . / 1980 ) ، وهو تحت الطبع ، فأين هذا من أحاديث تحريم الغناء والموسيقى وكثرتها ، وصحّة أسانيد الكثير منها ، مع اتفاق ألفاظها على تحريمها ، كما يأتي بيانه ؟ ! فأين هذه الأحاديث من تلك أيّها المُتهوِّك ، ومعذرة من الكاتب الأديب مع غير إخوانه المسلمين ، فهذا الوصف مع كونه بحق ، فهو أقل بكثير مما شتمت به سلفنا وعلماءنا ، وطلاب السنّة العاملين بها ، بحيث لو أراد أحدهم أن يرد إليك بضاعتك هذه لما استطاع إلا أن يكون سليط اللسان كاتباً مثلك!
ثم ذكر الغزالي رد العالم الخليجي عليه ، فقال عنه:
" فأجاب مستنكراً: هذا غير صحيح ! إن تحريم الغناء وآلاته ثابت في السنّة النبوية " .
قلت: وهذا حق لا يزيغ عنه إلا هالك .
ثم قال الغزالي:
" قلت له: تعال نقرأ سوياً ما قاله ابن حزم في ذلك الموضوع ، ثم انظر ماذا تفعل . . قال ابن حزم . . " .
كذا قال ، ولم يذكر ما جرى فيما بعد بينهما ، ولعل ذلك العالم أفهمه بأن هذا ليس من أساليب العلماء ، وإنما هو أسلوب الجهلة المقلدين الذين يحتجّون بأقوال العلماء ، ولو كانت مخالفة للكتاب والسنّة ، وإنما العالم الذي يقرع الحجة بالحجة ، فإذا رضيت لنفسك الاحتجاج بابن حزم فماذا تقول في علماء الإسلام من المحدثين والفقهاء الذين ردوا على ابن حزم تضعيفه لحديث البخاري وغيره ، كابن الصّلاح والنووي وابن تيمية وابن القيّم وغيرهم كما يأتي ؟ لو قيل له هذا ، لأبى واستكبر وقال: عنزة ولو طارت !
والمقصود الآن بيان ما في نقل الرجل عن ابن حزم ، لقد سوّد ثلاث صفحات ساق فيها عشرة أحاديث آخرها حديث البخاري الذي أعلّه ابن حزم بعلتين: الانقطاع ، وتردد الراوي في اسم الصحابي كما سيأتي ، فلم يذكر هذه ، وذكر مكانها قوله:
" ومعلقات البخاري يؤخذ بها ( ! ) لأنها في الغالب متصلة الأسانيد ، لكن ابن حزم يقول: إن السند هنا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد راوي الحديث " .

وليس غرضي الآن الرد على ابن حزم ، فهو إسناد متصل ، والرد عليه آت ، وإنما بيان جهل هذا الناقل عن ابن حزم فأقول:
أولاً: قوله: " ومعلقات البخاري يؤخذ بها . . " .
فيه خطأ وتدليس:
أما الخطأ ، فلأن الأخذ ليس على إطلاقه في علم المصطلح الذي لا قيمة له عنده مطلقاً ، إلا إذا وافق الرأي أو الهوى ، وإنما ذلك إذا كان التعليق بصيغة الجزم مثل ( روى ) و ( عن ) و ( قال ) كما في هذا الحديث ، وبتفصيل يذكر في محله من هذه الرسالة إن شاء الله ( ص 39 40 ) و ( 82 85 ) من الفصل الثالث .
وأما التدليس فهو قوله: " يؤخذ بها " بالبناء للمجهول أي عند غيره وأما هو فلم يقل: " نأخذ بها " ؛ لأنه قد لا يأخذ بها كما فعل هنا ، وكيف لا ، وهو كثيراً ما لا يقبل ما رواه البخاري موصولاً ، ولو كان معه مسلم وبقية الستة بل الستين من الأئمة ! وقد مضت بعض الأمثلة .
ثانياً: هو يجهل أن هشام بن عمار من شيوخ البخاري ، فقوله: " قال هشام بن عمار . . . " ليس تعليقاً ، بل هو متصل ، لأنه لا فرق بالنسبة للبخاري بين قوله: " قال هشام " أو: " حدثني هشام " كما سيأتي بيانه في ( الفصل الثالث ) المشار إليه آنفاً ، وبكلام قوي لابن حزم نفسه أيضاً ! .
ثالثاً: لم ينتبه وهو اللائق به لخطأ ابن حزم في قوله: " لم يتصل ما بين البخاري وصدقة " فإن الانقطاع المزعوم إنما هو بين البخاري وهشام ، فإنَّ هشاماً بين البخاري وصدقة كما سيرى القرّاء ذلك جلياً في سنده الآتي ( ص 39 ) .
رابعاً: ومن باب أولى أن لا يتنبه لغلو ابن حزم وشدته في رد ما لا يعلم من حديث نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا غرابة في ذلك فإن الطيور على أشكالها تقع ! فله النصيب الأوفى مما قيل فيه: " لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان " ! أعني ما قاله ابن حزم في الحديث الثامن الذي نقله الغزالي عنه: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوتين ملعونين: صوت نائحة ، وصوت مغنية " . فقال فيه ابن حزم: " لا ندري له طريقاً ، وهذا لا شيء " !
وفي نقل الغزالي عنه ( ص 69 ) : " وسنده لا شيء " !
فقول ابن حزم: " وهذا لا شيء " من تشدده وتنطعه ، فإن العلماء يقولون فيما لم يجدوا له طريقاً أو إسناداً: " لا نعلم له أصلاً " أو مع المبالغة: " ليس له أصل " كما يقول بعض الحفّاظ المتقدمين كالعقيلي ، والأول هو الصواب ، وبخاصة لمن لم يكن من حفّاظ الحديث والمتخصصين فيه كابن حزم ، ذلك هو الواجب في أمثاله ومقلديه كالغزالي خشية أن يقعوا في تكذيب حديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقل إثماً عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال تعالى في المشركين: ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) ، فإن الحديث المذكور ، له إسنادان من حديث عبد الرحمن ابن عوف وأنس بن مالك ، أخرجهما جمع من الحفّاظ المشهورين كما يأتي في محله من الرسالة ، منهم الطيالسي والبزّار وهما من الحفّاظ المعروفين عند ابن حزم ، وممن أشاد هو بمسنديهما ، كما نقله عنه الحافظ الذهبي في " السير " ( 18 / 202 ) ، والحديث في " الترغيب " وغيره كما يأتي ، فلم لم يرجع الغزالي إليه ، لا أريد أن أقول: إنه كالنعامة مع الصياد !
خامساً: لم يروِ الغزالي غليله في رد الحديث بقول ابن حزم المتقدم: " وهذا لا شيء " ، بل حرّفه فقال: " وسنده لا شيء " كما تقدم .
وهذا من بالغ جهله بهذا العلم ، أو شدة غفلته ، لسيطرة الهوى عليه ، وقديماً قيل: " حبك الشيء يعمي ويصم " ، ذلك لأن هذا القول المُحرَّف لا يلتئم مع قول ابن حزم: " لا ندري له طريقاً " ، إذ لا يصح في عقل إنسان أن يجمع بين هذا النفي المطلق للطريق وهو السّند ، وبين إسناده للسند ولو مع الإشارة لضعفه بقوله: " وسنده لا شيء " !! وذلك في مكان واحد ! فاعرف نفسك أيها الشيخ تعرف ربك ، وتأدب بتأديب رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه " . " التعليق الرغيب " ( 1 / 66 ) .
فاعرف أيها الشيخ وأنت على حافة قبرك قدر علماء الحديث والسّنة ، وفقهاء هذه الأمة ، ولا تشذ عنهم قيد شعرة ، مغتراً بجدلك وقلمك وكتابتك ، ونبينا صلوات الله وسلامه عليه يقول: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " . متفق عليه . وأنت تعلم يقيناً أن الحياة المادية بله الحياة الدينية لا تستقيم في مجتمع إذا لم يعتمد أفراده في كل علم على ذوي الاختصاص منهم ، ولا حاجة لضرب الأمثلة على ذلك ، فالأمر بدهيّ جداً فلا يرجع مثلاً من كان يريد معرفة صحة حديث أو فقهه ، إلى كاتب أو داعية إسلامي ، لا يدري ما الحديث وما الفقه ، ولا يدري أصولهما ، ولا المصادر التي يجب الرجوع إليها ، أو يدري ولا يتمكن من ذلك لسبب أو آخر ، كما قيل:
وإذا لم تر القمر بازغاً فسلم لأناس رأوه بالأبصار
فلا أنت منهم وما أظن يبلغ بك الكبر أو المكابرة أن تنكر ذلك ، ولا أنت سلمت لهم ، بل نصَبت نفسك للرد عليهم ، مع الاستهزاء بأقوالهم والسخرية بهم ، كأنك لم تعلم ، أو علمت ولم تؤمن بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: " الكبر بطر الحق وغمص الناس " " الصحيحة " ( 134 و 1626 ) . وقوله: " ثلاث مهلكات: شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه " . " الصحيحة " ( 1802 ) . وقوله: " لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم أكثر من ذلك: العجب " . " الصحيحة " ( 658 ) . فاخشَ ما خشي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا كنت من الهالكين .
هذه نصيحة أوجهها إليك والدين النصيحة وأنت على حافة قبرك مثلي ، وإلى كل من سلك سبيلك في الخروج على المحدثين ، والفقهاء ، وما أكثرهم في هذا الزمان ، كذاك السّقّاف ، وظله المدعو ( حسان عبد المنّان ) الذي اشتط في تتبع الأحاديث الصحيحة وتضعيفها ، مخالفاً لحفّاظ الحديث ونقّادها ، متظاهراً أنه مجتهد في ذلك غير مقلد ، مموهاً على القرّاء بأمور مخالفة للواقع ، وقد تيسر لي الرد عليه في بعض ما ضعّف ، وبينت أنه متسلق على هذا العلم ، يريد البروز والظهور ، ويصدق عليه قول الحافظ الذهبي: " وكيف يطير ولما يريش ! " ومن تلك الأحاديث حديث البخاري هذا ، وقد تفنن في تضعيفه ، وجاء بما لم تأت به الأوائل ! حتى ولا ابن حزم ، وقد بينت جهله في ذلك ، وإنكاره وقلبه للحقائق مفصلاً في " الاستدراكات " آخر المجلد الأول من الطبعة الجديدة من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ، ولعله ييسر لي ذكر شيء من ذلك في رسالتي هذه أثناء تبييضها إن شاء الله تعالى .
فيا أيها الشيخ ! لعل هذا المعتدي على الأحاديث الصحيحة وأمثاله ، هم ثمرة من ثمارك المُرّة ، في تهجمك على السّنة الصحيحة وأئمتها ، وعدم الاعتداد بأقوالهم تصحيحاً وتضعيفاً ، حتى انتشرت الفوضى العلمية وضربت أطنابها ، بين صفوف الأمة وشبابها ، وصار الواحد منهم يصحح ويضعّف حسبما يشتهي ويهوى ، فتب إلى الله تبارك وتعالى من هذه السنة السيئة وأمثالها ، وإلا كان عليك وزرها ووزر من اتبعك عليها ، وسله تعالى حسن الخاتمة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم:
" إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة ، [ وإنما الأعمال بالخواتيم ] " . متفق عليه ، والزيادة للبخاري . " ظلال الجنة " ( 1 / 96 97 ) .

ـ

ـ
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) .
وصلى الله تعالى على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .
وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .
عمّان شهر محرم سنة ( 1415 ) محمد ناصر الدين الألباني
هذا آخر ما تيسر لي ذكره في مقدمة الرسالة بعد تبييضها ، فلنشرع الآن في تبييض سائرها فأقول:

الرد على رسالة ابن حزم وبيان سبب الرد:
كنت قد وقفت على " رسالة في الغناء الملهي أمباح هو أم محظور ؟ " للإمام ابن حزم الظاهري ، في جملة رسائل له ؛ بتحقيق الدكتور إحسان رشيد عباس ، طبع دار الهنا ببولاق مصر ، ساق فيها الإمام الأحاديث المحرِّمة للغناء وآلات الطرب ، وهي أكثر من عشرة ، وضعَّفها كلها ، ثم خلص إلى القول عقبها ( ص 97 ) .
" فإذا لم يصح في هذا شيء أصلاً ، فقد قال تعالى: ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) ، وقال تعالى: ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق سعد بن [ أبي ] وقاص وطريقه ثابتة : " إن من أعظم الناس جرماً في الإسلام من سأل عن شيء لم يحرم ، فحرم من أجل مسألته " . فصح أن كل شيء حرمه تعالى علينا قد فصله لنا ، وما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال " .
فأقول: هذه النتيجة لا يسع العالم إلا أن يسلم بها لو صحّت المقدمة ، وهي تضعيفه لكل الأحاديث المحرِّمة ، وهيهات هيهات ! فإن بعض ما ضعّفه منها صحيح عند كافة العلماء ، وقد أجمعوا على الرد عليه كما سبقت الإشارة إليه ، وبعض آخر مما خفي عنه إسناداً ومتناً ، أو إسناداً فقط وهو صحيح أيضاً ، وتقدم ذكر أحدها في أثناء الرد على الشيخ ( أبو زهرة ) ( ص 12 ) ، والشيخ الغزالي وتقليده لابن حزم ( ص 29 ) ، ولبيان هذه الحقائق العلمية التي خفيت على كثير من الدعاة ألّفت هذه الرسالة ، راجياً من الله تبارك وتعالى أن ينفع بها كل من كان يرجو الدار الآخرة ويسعى لها سعيها ، وقد جعلتها على ثمانية فصول:
1- الفصل الأول: في ذكر الأحاديث الصحيحة في تحريم آلات الغناء وآلات الطرب . ( ص 36 ) .
2- الفصل الثاني: شرح مفردات الأحاديث . ( ص 75 ) .
3- الفصل الثالث: الرد على ابن حزم وغيره ممن أعلَّ شيئاً منها . ( ص 80 ) .
4- الفصل الرابع: في دلالة الأحاديث على تحريم آلات الطرب بجميع أشكالها . ( ص 92 ) .
5- الفصل الخامس: مذاهب العلماء في تحريم الآلات . ( ص 98 ) .
6- الفصل السادس: شبهات المبيحين وجوابها . ( ص 106 ) .
7- الفصل السابع: في الغناء بدون آلة . ( ص 126 ) .
8- الفصل الثامن: حكمة تحريم الغناء . ( ص 137 ) .
إذا تبين هذا ، فلنشرع الآن بتوفيق الله تعالى وعونه في شرح الفصول المذكورة ، فأقول:

1- الفصل الأول:
في ذكر الأحاديث الصحيحة في تحريم الغناء وآلات الطرب
اعلم أخي المسلم ! أن الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً ، فقد جاوز عددها العشرة عند ابن حزم وابن القيّم ، فهي من الكثرة أن مجموعها يدل الواقف عليها على أن مضمونها الذي اتفقت عليه متونها وهو التحريم ثابت عنه صلى الله عليه وسلم يقيناً ، حتى ولو فرض أن إسناد كل فرد منها معلول كما زعم ابن حزم ، وذلك بحكم القاعدة المتفق عليها عند المحدثين والعلماء: أن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق كما هو مفصل في علم مصطلح الحديث ، وبها قوّى الحافظ ابن حجر وغيره حديث " الأذنان من الرأس " في كتابه القيم " النُّكت على ابن الصّلاح " ، وقد ساقه فيه عن أربعة من الصحابة ، وبين عللها ( 1 / 410 415 ) ، ثم ختمها بقوله:
" وإذا نظر المنصف إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلاً ، وإنه ليس مما يطرح ، وقد حسّنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه ، والله أعلم " .
وقد كنت خرَّجت هذه الطرق وزيادة في المجلّد الأول من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " برقم ( 56 ) ، وتعقبني في بعضها أحد إخواننا الفضلاء جزاه الله خيراً ومع ذلك احتفظت بالحديث في هذه " السلسلة " من أجل طرقه . فانظر الاستدراك رقم ( 2 ) في آخر المجلد من الطبعة الجديدة منه .
وقد كنت قررت أن أسوقها كلها حديثاً حديثاً ، وأخرجها تخريجاً علمياً دقيقاً ، وأتكلم على أسانيدها مميزاً ما صح منها مما لم يصح حسب قواعد هذا العلم الشريف ، وأذكر ألفاظها الدالة على ما ذكرنا ، ثم بدا لي أن الكلام سيطول بذلك جداً ، وأن الرسالة ستكبر بذلك ، وتخرج عن الحجم الذي أردته لها ، فاكتفيت من تلك الأحاديث على ستة منها لصحتها حسب القواعد المشار إليها ، أكثرها صحيح لذاته ، وبعضها له أكثر من طريق واحد ، والأحاديث الأخرى يجدها الراغب في الإطلاع عليها عند ابن القيم الجوزية في كتابه القيِّم: " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " في الصفحات التالية من المجلد الأول ( 239 و 248 و 251 و 254 و 256 و 261 - 265 ) .

الحديث الأول: عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري قال:
" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف .
ولينزلن أقوام إلى جنب عَلَم ، يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم لحاجة ، فيقولون: ارجع إلينا غداً ، فيُبَيِّتُهم الله ، ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة " .

علّقه البخاري في " صحيحه " بصيغة الجزم محتجاً به قائلاً في " كتاب الأشربة " ، ( 10 / 51 / 5590 - فتح ) : " وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثنا عطية بن قيس الكلابي: حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " الاستقامة " ( 1 / 294 ) :
" والآلات الملهية قد صح فيها ما رواه البخاري في " صحيحه " تعليقاً مجزوماً به ، داخلاً في شرطه " .
قلت: وهذا النوع من التعليق صورته صورة التعليق كما قال الحافظ العراقي في تخريجه لهذا الحديث في " المغني عن حمل الأسفار " ( 2 / 271 ) ، وذلك لأن الغالب على الأحاديث المعلَّقة أنها منقطعة بينها وبين معلِّقها ولها صور عديدة معروفة ، وهذا ليس منها ، لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري الذين احتج بهم في " صحيحه " في غير ما حديث كما بينه الحافظ في ترجمته من " مقدمة الفتح " ، ولما كان البخاري غير معروف بالتدليس كان قوله في هذا الحديث: ( قال ) في حكم قوله: ( عن ) أو: ( حدثني ) ، أو: ( قال لي ) ، خلافاً لما قاله مضعف الأحاديث الصحيحة ( ابن عبد المنّان ) كما سيأتي .
ويشبه قول العراقي المذكور ، قول ابن الصلاح في " مقدمة علوم الحديث " ( ص 72 ) :
" صورته صورة انقطاع ؛ وليس حكمُه حكمَه ، وليس خارجاً من الصحيح إلى الضعيف . . " .
ثم رد على ابن حزم إعلاله إياه بالانقطاع ، وسيأتي تمام كلامه إن شاء الله في ( الفصل الثالث ) .
والمقصود أن الحديث ليس منقطعاً بين البخاري وشيخه هشام كما زعم ابن حزم ومن قلّده من المعاصرين كما سيأتي بيانه في الفصل المذكور إن شاء الله تعالى . على أنه لو فرض أنه منقطع فهي علة نسبية لا يجوز التمسك بها ؛ لأنه قد جاء موصولاً من طرق جماعة من الثقات الحفّاظ سمعوه من هشام بن عمار ، فالمتشبث والحالة هذه بالانقطاع يكابر مكابرة ظاهرة ، كالذي يضعف حديثاً بإسناد صحيح ، متشبثاً بإسناد له ضعيف ! فلنذكر إذن ما وجدت من أولئك الثقات فيما بين أيدينا من الأصول ، ثم نحيل في الآخرين على الشروح وغيرها .
أولاً: قال ابن حبّان في " صحيحه " ( 8 / 265 / 6719 - الإحسان ) : أخبرنا الحسين بن عبد الله القطّان قال: حدثنا هشام بن عمار به إلى قوله: " المعازف " .
والقطّان هذا ثقة حافظ مترجم في " سير أعلام النبلاء " ( 14 / 287 ) .
ثانياً: قال الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 319 / 3417 ) ودعلج في " مسند المُقلِّين / المنتقى منه رواية الذهبي " ( ق 1 - 2 / 1 ) قالا: حدثنا موسى بن سهل الجوني البصري: ثنا هشام بن عمار به مثل رواية البخاري . ومن طريق الطبراني رواه الضياء المقدسي في " موافقات هشام بن عمار " ( ق 37 / 1- 2 ) .


وموسى هذا ثقة حافظ أيضاً مترجم في " السير " ( 14 / 261 ) ، وقرن معه دعلج ( محمد بن إسماعيل بن مهران الإسماعيلي ) ، وهو ثقة حافظ ثبت ، وهو غير الإسماعيلي صاحب " المستخرج " .
ثالثاً: وقال الطبراني في " مسند الشاميين " ( 1 / 334 / 588 ) : حدثنا محمد بن يزيد بن ( الأصل: عن ) عبد الصمد الدمشقي: ثنا هشام بن عمار به .
ومحمد بن يزيد هذا مترجم في " تاريخ دمشق " للحافظ ابن عساكر ( 16 / 124 ) برواية جماعة عنه ، وذكر أنه توفي سنة ( 269 ) .
رابعاً: قال الإسماعيلي في " المستخرج على الصحيح " ، ومن طريقه البيهقي في " سننه " ( 10 / 221 ) : حدثنا الحسن بن سفيان: حدثنا هشام بن عمار به .
والحسن بن سفيان - وهو الخرساني النيسابوري حافظ ثبت من شيوخ ابن خزيمة وابن حبّان وغيرهما من الحفّاظ ، - مترجم في " السير " ( 14 / 157 - 162 ) وفي " تذكرة الحفّاظ " .
وهناك أربعة آخرون سمعوه من هشام ، خرجهم الحافظ في " تغليق التعليق " ( 5 / 17 - 19 ) ، والذهبي عن بعضهم في " السير " ( 21 / 157 و 23 / 7 ) .
ثم إن هشاماً لم يتفرد به لا هو ولا شيخه ( صدقة بن خالد ) ، بل إنهما قد توبعا ، فقال أبو داود في " سننه " ( 4039 ) : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة:

حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإسناده المتقدم عن أبي عامر أو أبي مالك مرفوعاً بلفظ:
" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخزَّ والحرير - وذكر كلاماً قال -: يُمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة " .
قلت: وهذا إسناد صحيح متصل كما قال ابن القيم في " الإغاثة " ( 1 / 260 ) تبعا لشيخه في " إبطال التحليل " ( ص 27 ) ، لكن ليس فيه التصريح بموضع الشاهد منه ، وإنما أشار إليه بقوله: " وذكر كلاما " ، وقد جاء مصرحا به في رواية ثقتين آخرين من الحفاظ ، وهو عبد الرحمن بن إبراهيم الملقب ب ( دُحيم ) قال: ثنا بشر بلفظ البخاري المتقدم:
" يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف . . " الحديث .
أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في " المستخرج على الصحيح " كما في " الفتح " ( 10 / 56 ) ، و " التغليق " ( 5/19 ) ، ومن طريق الإسماعيلي البيهقي في " السنن " ( 3 / 272 ) .
والآخر ( عيسى بن أحمد العسقلاني ) قال: نا بشر بن بكر به إلا أنه قال: " الخز " بالمعجمتين ، والراجح بالمهملتين كما في رواية البخاري وغيره . انظر " الفتح " ( 10 / 55 ) .
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 19 / 152 ) من طريق الحافظ أبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي: نا عيسى بن أحمد العسلاني به مطولا .
وهذه الطريق مما فات الحافظ فلم يذكره في " الفتح " ، بل ولا في " التغليق " ، فالحمد لله على توفيقه ، وأسأله المزيد من فضله .
وبهذه المناسبة أقول:
لقد فضح نفسه مضعف الأحاديث الصحيحة المشار إليه آنفا في تصديه لتضعيف حديث البخاري هذا من جميع طرقه ومتابعاته بأساليب ملتوية عجيبة لا تصدر ممن يخشى الله ، أو على الأقل يستحي من الناس ، فقد ظهر فيها مَينُه وتدليسه ، ومخالفته للقواعد العلمية ، وأحكام النقاد من حفاظ الأمة ، وإيثاره لجهله على علمهم ، وذلك في مقال له ، نشره في جريدة ( الرباط ) الأردنية ، وقد رددت عليه مفصلا في آخر المجلد الأول من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " الطبعة الجديدة ، في الاستدراك رقم ( 3 ) ، وقد صدر ولله تعالى الحمد والمنة ، وقد كنت أشرت إلى شيء من ذلك في مقدمة كتابي الجديد " ضعيف الأدب المفرد " ( ص 14 - 16 ) ، فأرى أنه من الضروري أن ألخص هنا بعض النقاط الهامة لتكون عبرة لمن أراد أن يعتبر ، ولعله يكون منهم .
لقد قلد ابن حزم في إعلاله الحديث بالانقطاع بين البخاري وشيخه هشام ، وأعرض عن رد الحفاظ بحق عليه ، بطراً وكبراً ، وزاد عليه فاختلق علة من عنده ، لم يقل بها حتى مقلده ابن حزم ! فادعى جهالة رواية ( عطية بن قيس ) ، مخالفا في ذلك كل الحفاظ الذين ترجموا له ووثقوه ، كما خالف أكثر من عشرة من الحفاظ الذين صرحوا بصحة الحديث وقوة إسناده ، وجمهورهم رد على ابن حزم المقلَّد من ذاك المقلَِّد ، وهو على علم بكل ذلك ، على حد المثل القائل: ( عنزة ولو طارت ) !
وزعم أن قول البخاري: " قال لي فلان " مثل قوله: " قال فلان " ! كلاهما في حكم المنقطع ! فنسب إلى البخاري التدليس الصريح الذي لا يرضاه لنفسه عاقل ، حتى ولا هو هذا الجاني بجله على نفسه بنفسه ، وإلا لزمه أن لا يصدق هو إذا قال في كلامه: " قال لي فلان " ! نعوذ بالله من الجهل والعجب والغرور والخذلان .
ومن ذلك أنه صرح بإنكار وجود لفظ " المعازف " في رواية البيهقي وابن حجر في حديث بشر بن بكر ، وهو فيها كما رأيت ، وتجاهل رواية ابن عساكر المتقدمة لتي فيها اللفظ المذكور ، فلم يتعرض لها بذكر ، وهو على علم بها ، فقد رآها في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " التي صب رده عليها في تضعيفه لهذا الحديث ، إلى غير ذلك من المآسي والمخازي ، نسأل الله السلامة .
هذا ، ولم يتفرد به ( عطية بن قيس ) الثقة رغم أنف المضعّف المكابر ، بل قد تابعه اثنان:
أحدهما: مالك بن أبي مريم قال: عن عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لَيَشَرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ، يضرب عَلَى رؤُوِسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالقينات ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ . وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيِرَ " .
أخرجه البخاري في " التاريخ " ( 1 / 1 / 305 ) قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، قال: حدثني معاوية بن صالح ، عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم به .
وقال في ترجمة ( كعب بن عاصم الأشعري ) كنيته أبو مالك ، ويقال: اسم ( أبي مالك ) ( عمرو ) أيضا ، له صحبة ، قال: وقال لي أبو صالح: عن معاوية بن صالح به مختصرا ، وأخرجه بتمامه ابن ماجه ( 4020 ) وابن حبان ( 1384 - موارد ) والبيهقي ( 8 / 295 و 10 / 231 ) وابن أبي شيبة في " المصنف " ( 8 / 107/ 3810 ) وأحمد ( 5 / 342 ) والمحاملي في " الأمالي " ( 101 / 61 ) ، وابن الأعرابي في " معجمه " ( ق 182 / 1 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 320 - 321 ) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 16 / 229 - 230 ) والحافظ في " تغليق التعليق " ( 5 / 20 - 21 ) من طرق عن معاوية بن صالح به .
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير مالك هذا فإنه لا يعرف إلا برواية حاتم عنه ، فهو مجهول ، ولذلك قال الحافظ فيه: " مقبول " ؛ أي عند المتابعة كما هنا ، ومع ذلك ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 5 / 386 ) ، ولعله عمدة سكوت المنذري في " الترغيب " ( 3 / 187 ) على تصحيح ابن حبان إياه ، ولذلك صدره بقوله: ( عن ) ، وقول ابن القيم في موضعين من " الإغاثة " ( 1 / 347 و 361 ) :
" وهذا إسناد صحيح " ! وحسنه ابن تيمية كما سيأتي .
نعم ؛ الحديث صحيح بما تقدم وبالمتابعة الآتية ، ولجملة المسخ منه شواهد كثيرة في " الصحيحة " ( 1887 ) .
وأما قول المضعف المغرور الذي لم يقنع في تضعيف هذا الإسناد بالجهالة المذكورة التي كنت صرحت بها في " الصحيحة ( 90 ) ، بل أضاف إلى ذلك التشكيك في ثقة حاتم بن حريث ، فقال في آخر مقاله الذي تقدمت الإشارة إليه:
" وحاتم فيه ضعف ونظر ، في أمره جهالة حال " !
فأقول: ليتأمل القارئ هذه الحذقلة أو الفلسفة؛ فإن الجملة الأخيرة ( الجهالة ) هي التي قالها بعض الأئمة ، وليست معتمدة كما يأتي بيانه ، وأما ما قبلها فلغو وسفسطة أو تدليس ، لأن أحدا من الأئمة لم يضعفه ، ولم يقل: فيه نظر ، غاية ما ذكر فيه قول ابن معين: " لا أعرفه " ، ومع ذلك فقد رده تلميذه عثمان بن سعيد الدارمي الإمام الحافظ ، فقال في " تاريخه عن ابن معين " ( 101 / 287 ) :
" قلت: فحاتم بن حريث الطائي كيف هو ؟ فقال: لا أعرفه " .
فقال عثمان عقبه:
" هو شامي ثقة " .
قلت: ومن المقرر عند العلماء أن من عرف حجة على من لم يعرف ، قال ابن عدي في " الكامل " ( 2 / 439 ) عليه:
" ولعزة حديثه لم يعرفه يحيى ، وأرجو أنه لا بأس به " .
فهذان إمامان عرفا الرجل ووثقاه ، ويضم إليهما توثيق ابن حبان إياه ( 4/ 178 ) ، وقول ابن سعد: " كان معروفا " ؛ أي: بالعدالة كما حققته في الاستدراك الذي سبقت الإشارة إليه ، فما الذي جعل هذا المغرور الذي أهلكه حب الظهور ، ولو بالطعن في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة القاعدة العلمية المنطقية: من عرف حجة على من لم يعرف ؟ !
ومن تمام تدليسه وغمزه إياي قوله عقب ما تقدم نقله عنه:
" ومن حسَّن أمره ليس كمن تكلم فيه " !
يشير إلى توثيقي إياه بعموم قولي في المكان المشار إليه من " الصحيحة " :
" قلت: ورجاله ثقات ، غير مالك بن أبي مريم . . . " .
إذا عرفت هذا فقد ذكرني قوله المذكور بالمثل المشهور: رمتني بدائها وانسلت ، وذلك لأن لفظة: " حسن أمره " إنما يعني بها التوثيق ، ولكنه عدل عن هذا إليها ، لأنه لو صرح فقال: " ومن وثّقه ليس كمن تكلم فيه " لأصاب به الدارمي وابن عدي لأنهما هما اللذان وثقاه كما تقدم ، فعدل عنه إلى تلك اللفظة مكرا منه وتدليسا ، موهما القراء أني تفردت بتحسين أمره ، والواقع - كما رأيت - أني متبع ، وهو المبتدع ، لأن قوله: " من تكلّم فيه " إنما يعني به قول ابن معين المتقدّم ، " لا أعرفه " ، وإنما يعني أنه لم يعرفه بجرح ولا بعدالة ، وهذا ليس جرحا ولا تضعيفا ، ولا يصح أن يقال في حقه: " تكلّم فيه " في اصطلاح العلماء ، فقول المبتدع المتقدم: " فيه ضعف " مخالف لقول ابن معين هذا فضلا عن قول من وثقه ، فهو مخالف لجميع أقوال الأئمة فيه ، فصدق فيه المثل المذكور ، ونحوه: " من حفر بئرا لأخيه وقع فيه " !
ومعذرة إلى القراء الكرام من هذه الإطالة ونحوها ، مما نحن في غنى عنها ، لولا الرد على أعداء السنة الصحيحة ، والكشف عن زيفهم وطرق تدليسهم .
وأما المتابع الآخر ، فهو إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية عمّن أخبره عن أبي مالك الأشعري أو أبي عامر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر والمعازف .
هكذا أخرجه البخاري في ترجمة إبراهيم هذا من " التاريخ الكبير " ، فقال: ( 1 / 1 / 304 - 305 ) : قاله لي سليمان بن عبد الرحمن قال: حدثنا الجرّاح بن مليح الحمصي قال: ثنا إبراهيم .
قلت: وهذه متابعة قوية لمالك بن أبي مريم وعطية بن قيس ؛ فإنه من طبقتهما ، فإن كان المخبر له هو ( عبد الرحمن بن غنم ) ، فهو متابع لهما كما هو ظاهر ، وإن كان غيره ، فهو تابعي مستور ، متابع لابن غنم ، وسواء كان هذا أو ذاك ، فهو إسناد قوي في الشواهد والمتابعات ، رجاله كلهم ثقات- باستثناء المخبر - مترجمون في " التهذيب " ، سوى إبراهيم بن عبد الحميد هذا ، وهو ثقة معروف برواية جمع من الثقات في " تاريخ ابن عساكر " ( 1 / 454 - 455 ) وغيره ، وبتوثيق جمع من الحفاظ ، فقال أبو زرعة الرازي:
" ما به بأس " .
وقال الطبراني في " المعجم الصغير " :
" كان من ثقات المسلمين " .
وقد عرفه ابن حبان معرفة جيدة ، فذكره في " الثقات " وكنّاه ب " أبي إسحاق " وقال ( 6 / 13 ) :
" من فقهاء أهل الشام ، كان على قضاء ( حمص ) ، يروي عن ابن المنكدر وحميد الطويل ، وروى عنه الجرّاح بن مليح وأهل بلده ، تحول في آخر عمره إلى ( أنطرسوس ) ، ومات بها مرابطا " .
هذه أقوال أئمتنا في إبراهيم هذا تعديلا وتوثيقا ، فماذا كان موقف مضعِّف الأحاديث الصحيحة منها ، لقد تعامى عنها كلها ، ولم يقم لها وزنا ، كعادته ، وابتدع من عنده فيه رأيا لم يقل به أحد من قبله ، فقال في آخر مقاله المشار إليه سابقا:
" فإبراهيم فيه نظر ، مترجم عند البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان " .
فماذا يقول القراء في موقف هذا الرجل من أقوال أئمتنا ، وتقديمه لرأيه القائم على الجهل والهوى ؟ نسأل الله السلامة .
ثم لاحظت فائدتين في تخريج هذا الحديث:
الأولى: قول البخاري في روايته لحديث ابن صالح عن معاوية بن صالح:
" حدثنا عبد الله بن صالح " وهو أبو صالح ، وقال في موضع آخر - كما تقدم -: " قال لي أبو صالح " ، فهذا دليل قاطع على أنه لا فرق عند البخاري بين القولين: " حدثنا " ، و: " قال لي " ، وأن قوله: " قال لي فلان " متصل ، وأنه ليس منقطعا كما زعم الجاهل بالعلم واللغة معا كما تقدم .
والأخرى: قول البخاري عقب حديث إبراهيم - فيه شك الراوي في صحابي الحديث بقوله: ( أبي مالك الأشعري أو أبي عامر ) :
" إنما يعرف هذا عن ( أبي مالك ) " .
قلت: ففيه إشعار لطيف بأن ( مالك بن أبي مريم ) معروف عنده ؛ لأنه قدم روايته التي فيها الجزم بأن الصحابي هو ( أبي مالك الأشعري ) على رواية شيخه هشام بن عمار التي أخرجها في " صحيحه " كما تقدم ، وراية إبراهيم المذكورة آنفا ، وفي كلٍّ منهما الشك في اسم الصحابي ، فلولا أن البخاري يرى أن مالك بن أبي مريم ثقة عنده لما قدم روايته على روايتي هشام وإبراهيم ، فلعل هذا هو الذي لاحظه ابن القيم رحمه الله ؛ حين قال في حديث مالك هذا: " إسناده صحيح " ، والله أعلم .

وخلاصة الكلام في هذا الحديث الأول: أن مداره على عبد الرحمن بن غنم ، وهو ثقة اتفاقا ، رواه عنه قيس بن عطية الثقة ، وإسناده إليه صحيح كما تقدم ، وعلى مالك بن أبي مريم ، وإبراهيم بن عبد الحميد ، وهو ثقة ، وثلاثتهم ذكروا ( المعازف )
في جملة المحرمات المقطوع بتحريمها ، فمن أصر بعد هذا على تضعيف الحديث ، فهو متكبر معاند ، ينصبّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " ، الحديث و فيه: " الكبر بطر الحق ، وغمط الناس " .
رواه مسلم وغيره ، وهو مخرج في " غاية المرام " ( 98 / 114 ) .
الحديث الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ، ورنة عند مصيبة " .
أخرجه البزار في " مسنده " ( 1 / 377 / 795 - كشف الأستار ) : حدثنا عمرو بن علي: ثنا أبو عاصم: ثنا شبيب بن بشر البجلي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره ، ومن طريق أبي عاصم - واسمه الضحّاك بن مخلد - أخرجه أبو بكر الشافعي في " الرباعيات " ( 2 / 22 / 1 - مخطوط الظاهرية ) ، والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 6 / 188 / 2200 ، 2201 ) .
وقال البزار:
" لا نعلمه عن أنس إلا بهذا الإسناد " .

قلت: ورجاله ثقات كما قال المنذري ( 4 / 177 ) وتبعه الهيثمي ( 3 / 13 ) لكن شبيب بن بشر مختلف فيه ، ولذلك قال الحافظ فيه في " مختصر زوائد البزار " ( 1 / 349 ) :
" وشبيب وثق " . وقال في " التقريب " :
" صدوق يخطئ " .
قلت: فالإسناد حسن ، بل هو صحيح بالتالي .
وتابعه عيسى بن طهمان عن أنس .
أخرجه ابن سماك في " الأول من حديثه " ( ق 87 / 2 - مخطوط ) .
وعيسى هذا ثقة من رجال البخاري كما في " مغني الذهبي " ، وقال العسقلاني:
" صدوق أفرط فيه ابن حبان ، والذنب فيما استنكره من غيره " .
فصح الحديث والحمد لله .
وله شاهد يزداد به قوة من حديث جابر بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إني لم أَنهَ عن البكاء ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ، ولعب ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة ؛ لطم وجوه وشق جيوب ، ورنة شيطان " .
أخرجه الحاكم ( 4 / 40 ) والبيهقي ( 4 / 69 ) ، وفي " الشعب " ( 7 / 241 / 1063 و 1064 ) ، وابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " ( ق 159 /

1 - ظاهرية ) ، والآجري في " تحريم النرد . . " ( 201 / 63 ) ، والبغوي في " شرح السنة " ( 5 / 430 - 431 ) ، والطيالسي في " مسنده " ( 1683 ) وابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 138 ) ، وابن أبي شيبة في " المصنف " ( 3 / 393 ) ، وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " ( 3 / 8 / 1044 ) من طرق عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عطاء عن جابر ، ومنهم من لم يذكر ( عبد الرحمن ) ، وفيه قصة ، ورواه الترمذي رقم ( 1005 ) عن جابر مختصرا ، وقال:
" حديث حسن " يعني لغيره لحال ابن أبي ليلى ، وأقره الزيلعي في " نصب الراية " ( 4 / 84 ) وابن القيم في " الإغاثة " ( 1 / 254 ) : وسكت عنه الحافظ في " الفتح " ( 3 / 173 و 174 ) مشيراً إلى تقويته كما هي قاعدته ، وقال الهيثمي في " المجمع " ( 3/17 ) : " رواه أبو يعلى والبزار ، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وفيه كلام " .
وأما قول الحافظ في " الدراية " ( 2 / 172 ) بعد أن عزاه لجمع ممن ذكرنا:
" وأخرجه البزار وأبو يعلى من وجه آخر فقالا: عن جابر عن عبد الرحمن ابن عوف ، وأخرجه الحاكم من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن عوف " .
فهو يوهم أنه عندهم من غير طريق ابن أبي ليلى ، وليس كذلك ، كل ما في الأمر أن بعضهم جعله من مسند جابر عنه صلى الله عليه وسلم ، وذكر عبد الرحمن في القصة ، ومنهم من جعله من مسند عبد الرحمن نفسه كما تقدم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( تنبيه ) : لقد رأيت أيها القارئ الكريم كثرة من أخرج الحديث من الأئمة ، وفي مصادر عديدة عن الصحابيين الجليلين: أنس وعبد الرحمن ، وهناك ثالث بنحوه وزيادة في متنه ، أعرضت عن ذكره لشدة ضعف إسناده خرجته في " الضعيفة " ( 4095 ) .
مع هذا كله قال ابن حزم في " رسالته " ( ص 97 ) :
" لا يدرى من رواه ؟ " !
وأكّد ذلك في " محلاه " فقال ( 9 / 57 - 58 ) :
" لا ندري له طريقا ، إنما ذكروه هكذا مطلقا ، وهذا لا شيء " !
فهذا من الأدلة الكثيرة على صحة قول الحافظ ابن عبد الهادي في ابن حزم:
" وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه ، وعلى أحوال الرواة " ،
كما كنت نقلته عنه في " الصحيحة " بمناسبة تضعيف ابن حزم لحديث البخاري المتقدم .
ومنه يعلم القراء الألباء جهل الشيخ الغزالي بمراتب العلماء ، وتفاوتهم في اختصاصهم في العلم ، أو اتباعه لهواه حين يتكئ في تضعيفه كل أحاديث تحريم المعازف على ابن حزم ، وهذه حاله في هذا العلم ! ولم يكتف الغزالي بهذا الاتكاء ، بل حرّف بجهل بالغ ، أو تأكيداً لهواه قول ابن حزم المذكور: " وهذا لا شيء " إلى قوله: " وسنده لا شيء " ، وسبق بيان ذلك في المقدمة ( ص 29- 30 )
فلا نعيد الكلام فيه ، وقد قال ابن تيمية في كتابه القيم " الاستقامة " ( 1 / 292 - 293 ) :
" هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء كما في اللفظ المشهور عن جابر بن عبد الله " صوت عند نعمة: لهو ولعب ، ومزامير الشيطان " ، فنهى عن الصوت الذي يفعل عند النعمة ، كما نهى عن الصوت الذي يفعل عند المصيبة ، والصوت الذي عند النعمة هو صوت الغناء " .
الحديث الثالث: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن الله حرّم عليّ - أو حرم - الخمر ، والميسر ، والكوبة ، وكل مسكر حرام " .
رواه عنه قيس بن حبتر النهشليّ ، وله عنه طريقان:
الأولى: عن علي بن بذيمة: حدثني قيس بن حبتر النهشلي عنه .
أخرجه أبو داود ( 3696 ) والبيهقي ( 10 / 221 ) وأحمد في " المسند " ( 1 / 274 ) وفي " الأشربة " رقم ( 193 ) ، وأبو يعلى في " مسنده " ( 2729 ) ، وعنه ابن حبان في " صحيحه " ( 5341 ) ، وأبو الحسن الطوسي في " الأربعين " ( ق 13 / 1 - ظاهرية ) ، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 12 / 101 - 1-2 ) - / 12598 و 12599 ) من طريق سفيان عن علي بن بذيمة: قال سفيان: قلت لعلي بن بذيمة: " ما الكوبة ؟ " قال:
" الطبل " .
والأخرى: عن عبد الكريم الجزري عن قيس بن حبتر بلفظ:
" إن الله حرّم عليهم الخمر ، والميسر ، والكوبة - وهو الطبل - وقال: كل مسكر حرام " .
أخرجه أحمد ( 1 / 289 ) ، وفي " الأشربة " ( 14 ) والطبراني ( 12601 ) والبيهقي ( 10 / 213 - 221 ) .
وهذا إسناد صحيح من طريقيه عن قيس هذا ، وقد وثقه أبو زرعة ، ويعقوب في " المعرفة " ( 3 / 194 ) وابن حبان ( 5 / 308 ) والنسائي ، والحافظ في " التقريب " ، واقتصر الذهبي في " الكاشف " على ذكر توثيق النسائي ، وأقره ، ولذلك صححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " في الموضعين ( 4 / 158 و 218 ) ، وشذ ابن حزم فقال في " المحلى " ( 7/ 485 ) : " مجهول " ! مع أنه روى عنه جمع من الثقات ، وهو من الأحاديث التي فاتته فلم يسقه في زمره الأحاديث التي ضعفها في تحريم المعازف ، ومثله ما يأتي !
الحديث الرابع: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الله عز وجل حرم الخمر والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر حرام " .
وله ثلاث طرق:
الأولى: عن الوليد بن عَبَدَة ، ويقال: عمرو بن الوليد بن عَبَدَة به .
أخرجه أبو داود ( 3685 ) والطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 325 ) والبيهقي ( 10 / 221 - 222 ) وأحمد ( 2 / 158 و 170 ) و " الأشربة " ( 207 ) ويعقوب الفسوي في " المعرفة " ( 2 / و 519 ) ، وابن عبد البر في " التمهيد " ( 5/ 167 ) ، والمزي في " التهذيب " ( 31 / 45 - 46 ) من طريق محمد بن إسحاق وابن لهيعة وعبد الحميد ابن جعفر ، ثلاثتهم عن يزيد بن أبي حبيب ، عنه .
الأول منهم ؛ قال: " الوليد بن عبدة " ، والآخران قالا: " عمرو بن الوليد ابن عبدة " ، وهذا هو الراجح كما حققه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " المسند " ( 9 / 241 ) قال:
" واثنان أقرب إلى أن يكونا حفظا الاسم من واحد . . " فراجعه .
وأيضا محمد بن إسحاق لو صرّح بالتحديث فليس بحجة عند المخالفة ، فكيف وهو قد عنعنه ؟ !
وإذا كان الأمر كذلك فما حال عمرو بن الوليد هذا ؟ مقتضى قول الذهبي في " الميزان " : " وما روى عنه سوى يزيد بن أبي حبيب " أنه مجهول ، لكن قد ذكره يعقوب بن سفيان في " ثقات المصريين " من " المعرفة " ( 2 / 519 ) وكذلك ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " ( 5 / 184 ) ، ولذا قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق " .
وعلى هذا فالحديث حسن لذاته أو على الأقل حسن لغيره ، بل هو صحيح بما تقدم ويأتي .
الثانية: عن ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن أبي هريرة أو هبيرة العجلاني ، عن مولى لعبد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم ذات يوم وهم في المسجد فقال:
" إنَّ ربي حرّم عليّ الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والقِنّين " . والكوبة: الطبل .
أخرجه البيهقي ( 10 / 222 ) وأحمد ( 2 / 172 ) : ثنا يحيى: ثنا ابن لهيعة به إلا أنه قال: " عن أبي هبيرة الكلاعي ، عن عبد الله بن عمرو . . " لم يشكّ ولم يذكر المولى .
قلت: ورجال البيهقي ثقات غير المولى فلم أعرفه ، ولعله هو ( أبو هبيرة ) نفسه ، وهو مجهول كما في ( تعجيل المنفعة ) ، والله أعلم .
الثالثة: عن فرج بن فضالة ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ:
" إن الله حرم على أمتي الخمر ، والميسر ، والمِزر ، والكوبة ، والقِنّين ، وزادني صلاة الوتر " ، قال يزيد بن هارون: ( القّنين ) : البرابط .
أخرجه أحمد في " المسند " ( 2 / 165 و 167 ) ، و " الأشربة " ( 212 و 214 ) ، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 13 / 51 - 52 / 127 ) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف ، لضعف عبد الرحمن بن رافع ، وهو التنوخي القاضي - والفرج بن فضالة ، وشيخه إبراهيم بن عبد الرحمن ، ذكروه في الرواة عن أبيه ، ولم أجد له ترجمة ، وفيما تقدم من الطرق والشواهد خير وبركة وكفاية .
الحديث الخامس: عن قيس بن سعد رضي الله عنه - وكان صاحب راية النبي صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك - يعني حديث مولى ابن عمرو المتقدم - قال: " والغبيراء ، وكل مسكر حرام " .
أخرجه البيهقي ( 10 / 222 ) من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: أنبا ابن وهب: أخبرني الليث بن سعد وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد بن عبدة ، عن قيس بن سعد به ، قال عمرو بن الوليد: وبلغني عن عبد الله بن عمرو بن العاص مثله ، ولم يذكر الليث: ( القنين ) ، وكذا رواه الطبراني في " الكبير " ( 13 / 15 / 20 ) من طريق آخر عن يزيد .
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات على ما عرفت من تفرُّد يزيد بن أبي حبيب بالرواية عن عمرو بن الوليد ، وفي إسناده هذا إشعار بانقطاع السند بينه وبين روايته المتقدمة عن عبد الله بن عمرو في الطريق الأولى عنه ؛ في الحديث الرابع . لكني رأيت حديث قيس هذا قد أخرجه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في " فتوح مصر " ( ص 273 ) رواه عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد بن عَبَدَة ، عن قيس بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم . . . الحديث ، قال: حدثني أَبي عبد الله بن عبد الحكم ، وربما أدخل فيما بين عمرو بن الوليد وبين ( قيس ) : " أنه بلغه " .
قلت: فاختلف محمد بن عبد الله بن عبد الحكم مع عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، وهما أخوان صدوقان ، لكنَّ الأول أشهر ، وقد جعل الانقطاع بين عمرو بن الوليد وعبد الله بن عمرو ، وجعله الآخر بين عمرو بن الوليد وقيس بن عبادة ، ولعل الأول أرجح ، لأنه قرن مع ابن لهيعة الليث بن سعد ، وهذا ثقة حافظ ، بينما أخوه لم يذكر إلا ابن لهيعة ، وفيه ضعف معروف ، والله أعلم .
وللحديث طريق آخر ، يرويه عبيد الله بن زحر ، عن بكر بن سوادة ، عن قيس بن سعد مرفوعا بلفظ:
" إن ربي تبارك وتعالى حرّم عليّ الخمر ، والكوبة ، والقنين ، وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم " .
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 8 / 197 / 4132 ) والبيهقي وأحمد ( 3 / 422 ) و " الأشربة " ( 27 ) ، وابن عبد الحكم في " فتوح مصر " ( 273 ) ، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 18 / 352 / 897 ) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف ، لضعف عبيد الله بن زحر ، ولذلك ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 2 / 272 ) ، وعزاه لأحمد فقط ، وفاتته الطريق الأولى كما فاتته الأحاديث: الثاني والثالث والرابع بطرقها المتعددة ، وهذا يعتبر تقصيرا فاحشا بالنسبة لمثل هذا الحافظ ، لا سيما وهو في صدد تخريج قول الغزالي - بعد أن ذكر أنه لا اختلاف في سماع صوت العندليب وسائر الطيور ، وقاس عليه القضيب والطبل والدف وغيره ! ومع ما في هذا القياس من المخالفة لما تقدم من الأحاديث ، وللأصول القائلة: لا اجتهاد في مورد النص ؛ فإنه مع ذلك فقد أحسن ومال إلى الصواب حين عقب على ذلك بقوله:
" ولا يستثنى من هذه إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها " .
قلت: فهذا الاستثناء مما يشعرنا بأن الغزالي لم يقف على منع الشارع من ( الطبل ) مثلا ، ولذلك فإني أرى أنه كان من الواجب على الحافظ العراقي أن يذكر في تخريجه لجملة الاستثناء هذه بعض الأحاديث المتقدمة الصريحة في تحريم الطبل ، ولا يكتفي بتخريج بعض الأحاديث الضعيفة كحديث عبيد الله بن زحر هذا ونحوه ، ثم يعقّب عليها بقوله: " وكلها ضعيفة " ، وإن كان قد خرّج قبلها حديث البخاري في استحلال ( المعازف ) ورد على ابن حزم تضعيفه إياه بوصل أبي داود والإسماعيلي له ، فإن في تخريج ما أشرت إليه تقوية لدلالة هذا الحديث على التحريم ، لا سيما وقد تأوله ابن حزم ومن قلده بتأويل أبطلوا به دلالته ، فيقف هذا الحديث الصحيح في طريق إبطالهم لدلالته ، كما سيأتي ، لأن الأحاديث يفسر ويؤيد بعضها بعضا كما هو ظاهر .
وعلى كل حال ، فلقد كان تخريج الحافظ خيرا بكثير مما صنعه عبد الوهاب السبكي في ترجمة الشيخ الغزالي في كتابه " طبقات الشافعية الكبرى " فإنه عقد فيه ( 4/145 - 182 ) فصلاً جمع فيه ما وقع في " كتاب الإحياء " من الأحاديث التي لم يجد لها إسنادا ، فذكر تحته ( ص 158 ) هذا الاستثناء بلفظ: " حديث المنع من الملاهي والأوتار والمزامير " ، وهذا غريب جدا أن يخفى عليه حتى حديث البخاري ! وله من مثله أحاديث أخرى نفى أن يكون لها أصلا ، مثل حديث " ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله إليه شيطانين على منكبيه . . " الحديث ، وقد رواه الطبراني وغيره ، وهو مخرج في " الضعيفة " ( 931 ) و يأتي ( ص 68 ) وحديث أنّه قال لعائشة: " أتحبين أن تنظري إلى زفن الحبشة ؟ " ، وهو صحيح ، رواه النسائي وغيره ، وهو مخرج في " آداب الزفاف " ( 272 - 275 ) في حديثها عند الشيخين الذي كنت ضممت إليه كثيرا من الزيادات الثابتة عند غيرهما ، ثم رأيت أن أفرزه في " الصحيحة " لإنكار السبكي إياه وغيره مما هو مذكور فيها رقم ( 3277 ) .
هذا ومما يحسن ذكره في ختام تخريج هذه الأحاديث المحرّمة للطبل أن الإمام أحمد قد أشار إلى صحتها ، فروى الخلال في كتابه " الأمر بالمعروف " ( ص 26 ) عنه أنه قال:
" وأكره الطبل ، وهي الكوبة ، ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
كما أشار إلى صحته الحافظ ابن حجر في " التلخيص " ( 4 / 202 ) بتخريجه عن الصحابة المذكورين: ابن عباس ، وابن عمر ، وقيس بن سعد بن عبادة .
الحديث السادس: عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون في أمتي قذف ، ومسخ وخسف " .
قيل: يا رسول الله ! ومتى ذاك ؟ قال:
" إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القيان ، وشربت الخمور " .
أخرجه الترمذي في " كتاب الفتن " وقم ( 2213 ) وابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " ( ق 1 / 2 ) ، وأبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " ( ق 39 / 1 و 40 / 2 ) وابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " ( 18 / 252 ) من طرق عن عبد الله بن عبد القدوس قال: حدثني الأعمش ، عن هلال بن يساف عنه ، وقال الترمذي:
" وقد روي هذا الحديث عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مرسل ، وهذا حديث غريب " .
قلت: ورجاله ثقات غير عبد الله بن عبد القدوس ، قل الحافظ:
" صدوق ، رُمي بالرفض ، وكان أيضا يخطئ " .

قلت: رفضه لا يضر حديثه ، وخطؤه مأمون بالمتابعات أو الشواهد التي تؤيد حفظه له كما سأبيّنه .
ومرسل الأعمش الذي علقه الترمذي ، قد وصله أبو عمرو الداني ( ق 40 / 2 ) من طريق حماد بن عمرو عن الأعمش به .
لكن حماد هذا متروك؛ فلا يرجح على ابن عبد القدوس ، بيد أن الأعمش قد توبع من قبل ليث بن أبي سليم ، عند الداني ( ق 37 / 2 و 39 / 1 ) .
وليث وإن كان معروفا بالضعف ، فقد توبع أيضا ، فقال ابن أبي الدنيا ( ق 2/2 ) :
حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال: حدثنا جرير ، عن أَبان بن تغلب ، عن عمرو بن مرّة ، عن عبد الرحمن بن سابط ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: فذكره .
قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ، غير إسحاق بن إسماعيل ، وهو الطالقاني ، وهو من شيوخ أبي داود ، وقال: " ثقة " .
وكذا قال الدارقطني ، وقال عثمان بن خُرَّزاذ:
" ثقة ، ثقة " .
ثم وجدت له متابعا آخر ، فقال ابن أبي شيبة ( 15 / 164 / 19391 ) : وكيع عن عبد الله بن عمرو بن مرّة عن أبيه به .
قلت: وهذا إسناد جيد ؛ عبد الله بن عمرو بن مرّة ؛ صدوق يخطئ .
وقد جاء مرسلاً من وجه آخر ، وموصولاً ، وهو أصحّ ، فقال أبو العباس الهمداني عن عمارة بن راشد ، عن الغازي بن ربيعة رفع الحديث:
" ليمسخنَّ قوم وهم على أريكتهم قردة وخنازير ؛ لشربهم الخمر ، وضربهم بالبرابط والقيان " .
أخرجه ابن أبي الدنيا ( ق 2 / 2 ) ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 12 / 582 ) وقال:
" أبو العباس هو عتبة بن أبي حكيم " .
قلت: قال الحافظ:
" صدوق يخطئ كثيرا " .
وقد خالفه هشام بن الغاز ، فحدّث عن أبيه عن جدّه ربيعة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" يكون في آخر أُمتي الخسف ، والقذف ، والمسخ " .
قالوا: بم يا رسول الله ؟ قال:
" باتخاذهم القينات ، وشربهم الخمور " .
أخرجه الدولابي في " الكنى " ( 1 / 52 ) وابن عساكر في " التاريخ " ( 14 / 124 - 125 ) من طريق أحمد بن زهير وغيره عن علي بن بحر ، عن قتادة بن الفضيل بن عبد الله الرهاويّ قال: سمعت هشام بن الغاز به .
وأحمد بن زهير ، هو أحمد بن أبي خيثمة ، الحافظ ابن الحافظ ، وقد عزاه إليه الحافظ في ترجمة " ربيعة الجرشي " من " الإصابة " ، وكذا في " الفتح " ( 8 / 292 ) ، وسكت عليه إشارة منه إلى قوّته كما جرى عليه فيه ، وهو حريٌّ بذلك ؛ لأنّ رجاله ثقات غير الغاز بن ربيعة ، وقد وثّقه ابن حبان ( 5 / 294 ) ، وترجم له ابن عساكر برواية ثلاثة عنه ، فمثله حسن الحديث إذا لم يخالف كما هنا ، فهو بذلك صحيح ، ويزداد قوة بما له من الشواهد في أحاديث الفتن ، وغيرها ، منها عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً مثله .
رواه الطبراني في " الأوسط " ( 6901 - ط ) و " الصغير " ( 1004 - الروض ) ، وفيه زياد بن أبي زياد الجصّاص ، وهو ضعيف كما في " التقريب " . ومنها حديث أبي هريرة مرفوعا:
" إذا اتُّخذ الفيء دُولا . . " الحديث ، وفيه:
" وظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور . . . " .
أخرجه الترمذي ( 2212 ) ، وابن أبي الدنيا ( ق 2 / 2 ) من طريق أخرى ، وقد تكلمت على إسناد الترمذي في " الروض النضير " تحت الحديث ( 1004 ) وفي " المشكاة " ( 5450 ) ، و " الضعيفة " ( 1727 ) .
ومنها حديث علي رضي الله عنه بلفظ:
" إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء . . " الحديث ، وفيه:
" وشربت الخمور ، ولبس الحرير ، واتُّخذت القينات والمعازف . . " .
أخرجه الترمذي ( 2211 ) وابن أبي الدنيا ( 2 / 1 ) ، وقد تكلمت عليه في " المشكاة " ( 5451 ) و " الروض النضير " أيضا ، وله طريق أخرى عند ابن أبي الدنيا .
وعن أبي أُمامة رضي الله عنه مرفوعا:
" يبيت قوم من هذه الأمة على طعام وشراب فيصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير . . . " الحديث ، وفيه:
" بشربهم الخمر ، وأكلهم الربا ، واتخاذهم القينات ، ولبسهم الحرير ، وقطيعتهم الرحم " .
أخرجه الحاكم ( 4 / 515 ) والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 5 / 16 ) وأحمد ( 5/ 329 ) وابن أبي الدنيا ( 1/2 ) ، والأصبهاني في " الترغيب " ( 1/ 498- 499 ) ، كذا الطيالسي ( 155 / 1137 ) وعنه أبو نعيم في " الحلية " ( 6 / 295 ) ، وابن عساكر في " التاريخ " ( 8 / 659 ) من طريق فرقد السبخي: حدثني عاصم بن عمرو عنه ، وصححه الحاكم والذهبي ، وفيه نظر بينته في " الصحيحة " ( 1604 ) .
نعم هذا القدر منه صحيح بلا ريب لهذه الشواهد ، وقد روي عن فرقد على وجوه أخرى تراها هناك .
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا استحلّت أمتي ستاً فعليهم الدمار: إذا ظهر فيهم التلاعن ، وشربوا الخمور ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القيان ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء " . أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 1 / 59 / 1060 بترقيمي ) ، و البيهقي في " الشعب " ( 5 / 377 - 378 ) من طريقين عنه ، وقواه البيهقي بهما ، وله في " ذم الملاهي " طريقان آخران عنه بنحوه ( ق 2 / 1 و 3 / 1 ) ، أعرضت عن ذكرهما ، لأنه لا يستشهد بهما .
الحديث السابع: عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يحل بيع المغنيات ، ولا شراؤهنّ ، ولا تجارة فيهنّ ، وثمنهنّ حرام - وقال: - إنما نزلت هذه الآية في ذلك: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) حتى فرغ من الآية ، ثم أتبعها:
والذي بعثني بالحق ما رفع رجل عقيرته بالغناء ، إلا بعث الله عز وجل عند ذلك شيطانين يرتقيان على عاتقيه ، ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره - وأشار إلى صدر نفسه - حتى يكون هو الذي يسكت " .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 8 / رقم 7749 و 7805 و 7825 و 7855 و 7861 و 7862 ) من طريقين عن القاسم بن عبد الرحمن عنه .
قلت: وقد كنت أوردته من أجلهما في " الصحيحة " برقم ( 2922 ) ثم تبين لي أن في أحدهما ضعفا شديدا ، فعدلت عن تقويته ، إلاّ نزول الآية ، فإنّ لها شواهد عن غير واحد من الصحابة ، وسيأتي ذكر بعضها في ( الفصل الثامن ) إن شاء الله تعالى ( ص 142 ) .

وفي ختام هذه الأحاديث الصحيحة بنوعيها الصحيح لذاته والصحيح لغيره ، لا بد من ذكر مسألة هامة لتتمّ بها الفائدة فأقول:
لقد جرى علماء الحديث - جزاهم الله خيرا - على قواعد علمية هامة جدا في سبيل المحافظة على تراث نبي الأمة ، سالماً من الزيادة والنقص ، فكما لا يجوز أن يقال عليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، فكذلك لا يجوز أن يهدر ما قال أو يعرض عنه ، فالحق بين هذا وهذا ، كما قال تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمُةً وسطاً ) .
ومما لا شك فيه أن تحقيق الاعتدال والتوسط بين الإفراط والتفريط ، وتمييز الصحيح من الضعيف ، لا يكون بالجهل أو بالهوى ، وإنما بالعلم والاتباع ، وأنَّ ذلك لا يكون إلا بالفقه الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الفقه لن يكون إلا بمعرفة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير .
وإذ الأمر كذلك ، فإنه لا يمكن أن ينهض به إلا من كان من الفقهاء عالما أيضا بعلم الحديث وأصوله ، أو على الأقل يكون من أتباعهم وعلى منهجهم ، ولقد أبدع من قال:
أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسَه صحبوا
وهم المقصودون بالحديث المشهور - على الاختلاف في ثبوته -:
" يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " ، بل وبالحديث الصحيح: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالا ًفسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا ، وأضلوا " ، رواه الشيخان .
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فصل له في " مجموع الفتاوى " ( 18 / 51 ) :
" فكما أنَّ من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله ، ف ( كذلك ) من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتدّ بقوله ، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم " .
قلت: ومما لا يخفى على العلماء أنَّ مِن مستند هذا الإجماع قوله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ، فمن لم يكن عالما بالحديث ، يميز صحيحه من سقيمه لم يجز له أن يحتج به إلا بعد سؤال العارفين به ، هذا نصُّ الآية ، فمن باب أولى أن لا يجوز له أن يصحح ويضعف بجهله كما فعل الغزالي وغيره من متفقهة العصر الحاضر !
والمقصود أنَّ على أمثال هؤلاء أن لا يركبوا رؤوسهم ، فيضعِّفوا نوعاً من أنواع الحديث ، وهو المعروف عند العلماء بالحديث الحسن أو الصحيح لغيره ، كمثل هذا الحديث السادس وغيره ، فإنَّ من أصولهم وقواعدهم تقوية الحديث الضعيف بكثرة الطرق ، اقتباسا منهم من مثل قوله تعالى في شهادة المرأة: ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) .
وتطبيق هذه القاعدة لا يستطيع النهوض به إلا القليل من المشتغلين بهذا العلم الشريف فضلا عن غيرهم ، لأنه يتطلب معرفة واسعة بالأحاديث ، وطرقها وألفاظها ، ومواضع الاستشهاد منها ، ولا يساعد على ذلك في كثير من الأحيان الاستعانة بفهارس أطراف الأحاديث ، وإنما هو العلم القائم في نفس المتمرس بها زمنا طويلا .
وأحسن من تكلم على هذه القاعدة ودعّمها بما آتاه الله تعالى من علم إنما هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى " ( 18 / 25 - 26 ) ، فقال كما في كتابي " الرد المفحم " يسر الله لي تبييضه ونشره:
" والضعيف عندهم نوعان:
ضعيف لا يمتنع العمل به ، وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي .
وضعيف ضعفاً يوجب تركه وهو الواهي .
وقد يكون الرجل عندهم ضعيفا لكثرة الغلط في حديثه ، ويكون الغالب عليه الصحة [ فيرون حديثه ] لأجل الاعتبار به والاعتضاد به ، فإنَّ تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضاً ، حتى قد يحصل العلم بها ، ولو كان الناقلون فجاراً فساقاً ، فكيف إذا كانوا علماء عدولا ً ، ولكن كثر في حديثهم الغلط ! وهذا مثل عبد الله بن لهيعة ، فإنه من كبار علماء المسلمين ، وكان قاضيا في مصر ، كثير الحديث ، لكن احترقت كتبه فصار يحدث من حفظه ، فوقع في حديثه غلط كثير ، مع أن الغالب على حديثه الصحة ، قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل للاعتبار به ، مثل ابن لهيعة " .

ولقد أبان ابن تيمية رحمه الله في كلمة أخرى عن السبب في تقوية الحديث الضعيف بالطرق ، والشرط في ذلك ، ووجوب التمسك بهذه القاعدة فقال في " الفتاوى " ( 13 / 347 ) :
" والمراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصداً أو [ كان ] الاتفاق بغير قصد ، كانت صحيحة قطعاً ، فانَّ النقل إما أن يكون صدقاً مطابقاً للخبر وأما أن يكون كذباً تعمد صاحبه الكذب ، أو أخطأ فيه ، فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقاً بلا ريب .
وإذا كان الحديث جاء من جهتين أو جهات ( قلت: كحديثنا هذا ) وقد علم أن المخبرين لم يتواطئا على اختلاقه ، وعُلم أنَّ مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقاً بلا قصد - علم أنه صحيح ، مثل شخص يحدّث عن واقعة جرت ، ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال ، ويأتي شخص آخر قد عُلم أنه لم يواطىء الأول فيذكر ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال ، فيعلم قطعاً أن تلك الواقعة حق في الجملة ، فانه لو كان كل منهما كذبها عمداً أو خطأً لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه ، ( قال: ) وبهذه الطريق يُعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات ، وإن لم يكن أحدها كافيا ، إما لإرساله ، وإما لضعف ناقله " . ( قال: )
" وهذا الأصل ينبغي أن يعرف؛ فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي ، وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم ، وغير ذلك .
ولهذا إذا روى الحديث الذي يأتي فيه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين ، مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر جزم بأنه حق ، لا سيما إذا علم أن نقلته ليسوا ممن يتعمد الكذب ، وإنما يُخاف على أحدهما النسيان والغلط " .
وذكر نحو هذا المقطع الأخير من كلامه رحمه الله الحافظ العلائي في " جامع التحصيل " ( ص 38 ) وزاد:
" فإنه يرتقي بمجموعهما إلى درجة الحسن ، لأنه يزول عنه حينئذ ما يخاف من سوء حفظ الرواة ، ويعتضد كل منهما بالآخر " .
ونحوه في " مقدمة ابن الصلاح " و " مختصرها " لابن كثير .
ثم قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( ص 352 ) :
" وفى مثل هذا يُنتفع برواية المجهول والسيّئ الحفظ ، وبالحديث المرسل ، ونحو ذلك ، ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث ، ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح غيره . . " .
ثم ذكر قول أحمد المتقدم: " قد أكتب حديث الرجل لأعتبره " .
قلت: ومما سبق يتبين لطالب العلم فائدة من فوائد رواية الحفّاظ المتقدمين الأحاديث بالأسانيد ، وفيها ما إسناده ضعيف ، ثم سجّلوها مع ذلك في كتبهم ، وهي أنها مرجع أساسي للاعتبار ، وتتبع المتابعات والشواهد المقوية لبعضها ، على أنه قد يستفاد من بعضها فوائد أخرى تربوية وتوجيهية صحيحة المعنى ؛ وإن كان ذلك لا يسوّغ لأحد أن يجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف لدى أهل العلم ، خلافاً لبعض أهل الأهواء قديماً وحديثاً ، كما تقدم بيانه في الرد على الشيخ الغزالي في مقدمة هذه الرسالة ، ولذلك قال الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد " ( 1 / 58 ) :
" والحديث الضعيف لا يرفع ، ( أي: لا يهمل ) وإن كان لم يحتج به ، وربّ حديث ضعيف الإسناد صحيح المعنى " .
والخلاصة أن الحديث الضعيف سنداً ، قد يكون صحيحاً معنى ، لموافقة معناه لنصوص الشريعة ، مثل حديث: " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس " ونحوه كثير ، ولكنّ ذلك مما لا يجيز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد يكون صحيح المعنى والمبنى معاً ، لشواهده المقوية له كهذا الحديث السادس وبعض ما قبله ، فليكن هذا منك على ذكر ، ولا يصدنّك عنه شقشقة الجاهلين ، وشغب المشاغبين ، فإننا في زمان كثير فيه كتّابه ، قليل فيه علماؤه ، وإلى الله المشتكى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

2- الفصل الثاني:
شرح مفردات " غريب الحديث "
بعد أن فرغنا من سوق الأحاديث المحرّمة لآلات الطرب وفيها ألفاظ متنوعة ، بعضها دلالتها عامة شاملة لكل أجناس الآلات مثل: ( المعازف ) ، وبعضها خاص ببعضها ، وهو فرد من أفرادها مثل ( البرابط ) مثلا .
كما أنه وقع في بعض الآيات والأحاديث ألفاظ أخرى من " الغريب " رأيت أنه من تمام الفائدة شرحها وبيان معانيها ، ورتبتها على الحروف ، مع الإشارة إلى أماكنها المتقدمة .
1 ( أريكتهم ) ص 64
في " القاموس " " أريكة ، كسفينة: سرير في حَجَلَةٍ ( ساتر كالقبّة ) ، أو كل ما يُتكأ عليه من سرير ، ومِنَصَّة ، وفراش ، أو سرير مُنجَّد .
2 ( الأوتار ) ص 60 و 61
جمع وتر - محركة ، شِرعةُ القوس ومُعَلَّقُها منه ، وهي هنا: الأوتار التي تربط وتشدّ على الآلات الموسيقية ؛ كالعود والقانون .
3 ( البرابط ) ص 65
جمع ( بربط ) : ملهاة تشبه العود ، فارسي معرّب ، وأصله ( بَربَت ) ؛ لأن الضارب به يضعه على صدره ، واسم الصدر: ( بر ) . " نهاية " .
4 ( بطر الحق ) ص 51
هو ردّه وإنكاره بعد ظهوره .
5 ( الحِرُ ) ص 38
هو الفرج ، وأصله ( حِرح ) بكسر الحاء وسكون الراء ، وجمعه ( أحراح ) . " نهاية " .
6 ( الخَز ) 42
هو هنا ما ينسج من إبريسم خالص ، وهو الحرير .
7 ( دولا ً ) ص 66
جمع ( دُولة ) بالضم ، وهو ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم . " النهاية " .
8 ( رنة الشيطان ) ص 52
هو هنا الصوت الحزين .
9 ( عَلَم ) ص 38
أي: جبل .
10 ( الغُبيراء ) ص 58 و 60
شراب مسكر يتخذ من الذرة .
11 ( غَمط الناس ) ص 51
هو الاستهانة بهم واحتقارهم والطعن فيهم بغير حق ، وهو ( الغمص ) كما في " النهاية " .
12 ( القِنّين ) ص 57 و 58 و 60
هو ( الطُّنبور ) بالحبشة ، و ( التقنين ) الضرب به ، قاله ابن الأعرابي ، كذا في " إغاثة اللهفان " .
وفي " القاموس " : " ( التقنين ) كسِكين: الطُّنبور ، ولعبة للروم ، يُتَقَامَر بها " .
قلت: والأول هو المراد هنا قطعاً ، لأن القمار مذكور في الحديث نفسه ، وهو " الميسر " .
وهو من آلات الطرب الوترية ، طويل العنق ، له صندوق نصف بيضوي ، فيه وتران أو ثلاثة .
13 ( القِيان ) ص 63
جمع ( القََينة ) ، وهو المغنية من الإماء ، وتجمع - أيضا - على ( قَينات ) .
14 ( القَينات ) ص 45 و 65 و 66
انظر ما قبله .
( الكوبة ) ص 56 و 57 و 58 و 60 .
هي ( الطبل ) كما جاء مفسراً في حديث ابن عباس وابن عمر ، وجزم به الإمام أحمد ، واعتمده ابن القيم في " الإغاثة " ، قال: " وقيل: البربط " . ( انظر المادة 3 ) .
وقال الخطابي في " المعالم " ( 5 / 268 ) :
" و ( الكوبة ) يفسر ب ( الطبل ) ، ويقال: هو ( النرد ) ، ويدخل في معناه كل وتر ومزهر ونحو ذلك من الملاهي والغناء " .
وفيها أقوال أخرى نقلها الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في التعليق على " المسند " ( 10/ 76 ) ثم قال:
" وأجود من كل هذا وأحسن شمولا ًقول أحمد في كتاب " الأشربة " <84>214 ]: يعني ب ( الكوبة ) كل شيء يكبّ عليه " .
16 ( المزامير ) ص 51 و 52 و 61 .
جمع ( مزمار ) : آلة من قصب - أو معدن - تنتهي قصبتها ببوق صغير ، كذا في " المعجم الوسيط " .
17 ( المِزر ) ص 58 .
بكسر الميم: نبيذ يتخذ من الذرة ، وقيل: من الشعير أو الحنطة . " نهاية " .

( المعازف ) ص 38 و 45 و 51 .
هي الدفوف وغيرها مما يضرب [ به ] ، كما في " النهاية " .
وفي " القاموس " :
" هي الملاهي ، كالعود والطنبور ، الواحد ( عُزف ) أو ( مِعزَف ) كمنبر ومكنسة ، و ( العازف ) : اللاعب بها ، والمغني " .
ولذلك قال ابن القيم في " الإغاثة " :
" وهي آلات اللهو كلها ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك " .
وأوضح منه قول الذهبي في " السير " ( 21 / 158 ) :
" ( المعازف ) : اسم لكلِّ آلات الملاهي التي يعزَف بها ، كالمزمار ، والطنبور ، والشبابة ، والصنوج " .
ونحوه في كتابه " تكرة الحفاظ " ( 2 / 1337 ) .

3- الفصل الثالث:
الرد على ابن حزم وغيره ممن أعلَّ شيئا من الأحاديث المتقدمة
قلت: سبق أن رددت على ابن حزم وغيره من الطاعنين في الأحاديث الصحيحة في المقدمة ، وفي أثناء تخريج الأحاديث الستة الصحيحة المتقدمة ، والذي أريد بيانه الآن ، أن أحاديث التحريم بالنسبة لابن حزم ونظرتنا إليها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما ضعفه منها ، وهو مخطئ .
الثاني: ما لم يقف عليه منها ، أو وقف على بعض طرقها دون بعض ، ولو وقف عليها وثبتت عنده لأخذ به ، فهو معذور - خلافاً لمقلديه ! - ولا سيما وقد عقب على ما ضعّف منها بقوله حالفا غير حانث إن شاء الله ( 9 / 59 ) :
" والله لو أُسنِد جميعه ، أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ترددنا في الأخذ به " .
هذا هو الذي نظنه فيه ، والله حسيبه ، وأما المقلدون له بعد أن قامت عليهم الحجة وتبينت لهم المحّّجة ، فلا عذر لهم ولا كرامة ، بل مثلهم كمثل ناس في الجاهلية كانوا يعبدون الجن ، فأسلم هؤلاء ، واستمر أولئك في عبادتهم وضلالهم ، كما قال تعالى: ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ) .
الثالث: ما ضعفه منها ، ولم يبدُ لنا اعتراض عليه ، فلا شأن لنا به ، فسيكون ردي عليه إذن في القسم الأول والثاني ، فأقول وبالله التوفيق:
القسم الأول: انتقد منه ابن حزم حديثين من الستة: الأول منها والثالث .
أما الحديث الأول: فقد ذكرت له فيما تقدم طريقين إلى عبد الرحمن بن غنم عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري .
الأولى: من طريق البخاري: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد . . بسنده عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الاشعري - والله ما كذَبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم .
فأعله ابن حزم بعلتين: الانقطاع بين البخاري وهشام ! والأخرى جهالة الصحابي الأشعري ! فقال في " المحلى " ( 9 / 59 ) ، وهو آخر أحاديث الباب عنده:
" وهذا منقطع لم يتصل بين البخاري وصدقة بن خالد ، ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا ، وكل ما فيه فموضوع " !
كذا قال ولا يخفى على طلاب العلم فضلا عن العلماء ما فيه من التنطع والمبالغة ، فإن الانقطاع - لو صح - لا يلزم منه الحكم على المتن بالوضع ، لا سيما وقد جاء موصولا من طريق أخرى عنده ، وثالثة عندنا كما تقدم ويأتي ، ومع ذلك كله أغمض القرضاوي والغزالي - ومن تابعهما - أعينهم عن ذلك كله وقلدوه ، كما تقدم ، أكان ذلك عن جهل منهما أم عن هوى ؟ ! والعياذ بالله تعالى .
وقوله: " . . وصدقة بن خالد " ، خطأ لعله سبق قلم منه ، والصواب " . . وهشام بن عمار " كما سبق في الرد على الغزالي ( 28 - 29 ) .
وقال في " رسالته " ( ص 97 ) :
" ولم يورده البخاري مسندا ، وإنما قال فيه: قال هشام بن عمار: ثم هو إلى أَبي عامر أو أبي مالك ، ولا يدرى أبو عامر هذا " !
أما الجواب عن الانقطاع فقد سبق بيانه مفصلا في غير ما مناسبة ، فانظر مثلاً ( ص 28 و 39 - 40 ) ، ولكن من تمام الفائدة أن أنقل هنا بعض ما قاله الحفاظ والنقاد ، رداً على ابن حزم إعلاله المذكور ، ليزداد القراء علما بمبلغ ضلال المنحرفين عن سبيل المؤمنين لإصرارهم على تقليده تقليدا أعمى مقروناً باتباع الهوى ، فأقول:
1- قال العلامة ابن القيم في " إغاثة اللهفان " ( 1 / 259 - 260 ) وفي " تهذيب السنن " ( 5 / 271 - 272 ) مع شيء من الدمج بينهما والتلخيص:
" ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي ، وزعم أنه منقطع ، لأن البخاري لم يصل سنده به . وهذا القدح باطل من وجوه:
أحدها: أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه ، فإذا قال:
" قال هشام " فهو بمنزلة قوله: " عن هشام " اتفاقا .
الثاني: أنه لو لم يسمع منه فهو لم يستجز الجزم به عنه إلا وقد صح عنه أنه حدث به ، وهذا كثيراً ما يكون لكثرة من رواه عنه عن ذلك الشيخ وشهرته ، فالبخاري أبعد خلق الله عن التدليس .
الثالث: أنه أدخله في كتابه المسمى ب ( الصحيح ) محتجا به ، فلولا صحته عنده لما فعل ذلك ، فالحديث صحيح بلا ريب .
الرابع: أنه علقه بصيغة الجزم دون صيغة التمريض ، فإنه إذا توقف في الحديث أو لم يكن على شرطه يقول: " ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، و: " يذكر عنه " ، ونحو ذلك ، فإذا قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، و: " قال فلان " فقد جزم وقطع بإضافته إليه ، وهنا قد جزم بإضافة الحديث إلى هشام ، فهو صحيح عنده .
الخامس: أنا لو أضربنا عن هذا كله صفحا ، فالحديث صحيح متصل عند غيره " .
ثم ذكر حديث بشر بن بكر المتقدم ( ص 42 ) من رواية الإسماعيلي وفيه لفظة ( المعازف ) التي أنكر وجودها حسان المضعف !
2- وذكر نحوه ابن الصلاح من قبل في " مقدمة علوم الحديث " ( ص 72 - 73 ) وقال:
" والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح " .

3- وتلاه الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 10 / 52 - 53 ) ، وأبان فيه عن السبب الذي يحمل البخاري على مثل هذا التعليق ، ثم قال:
" وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم يكون صحيحا إلى من علّق عنه ، ولو لم يكن من شيوخه ، لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفّاظ موصولا إلى من علّقه بشرط الصحة أزال الإشكال ، ولهذا عُنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع ، وصنفت كتاب " تغليق التعليق " ، وقد ذكر شيخنا في " شرح الترمذي " وفي كلامه على " علوم الحديث " أن حديث هشام بن عمار جاء عنه موصولا ًفي " مستخرج الإسماعيلي " قال: . . " .
ثم ساق إسناده وأتبعه بإسناد أبي داود ، وقد تقدم ذكرهما مع روايات أخرى عن جماعة من الثقات قالوا: " حدثنا هشام بن عمار . . . " ، فانظر صفحة ( 40 - 41 ) .
ثم وقفت على قاعدة حديثية لابن حزم يلتقي فيها مع ما تقدم عن أئمة الحديث أنّ تعليق البخاري المذكور في حكم الإسناد المتصل بين البخاري وشيخه هشام بن عمار ، فقال في " أصول الأحكام " ( 1 / 141 ) :
" وأما المدلِّس ، فينقسم قسمين:
أحدهما: حافظ عدل ، ربما أرسل حديثه ، وربما أسنده ، وربما حدث به على سبيل المذاكرة والفتيا أو المناظرة ، فلم يذكر له سندا ، وربما اقتصر على ذكر بعض رواته دون بعض ، فهذا لا يضر سائر رواياته شيئا ، لأن هذا ليس جِرحة ولا غفلة ، لكنا نترك من حديثه ما علمنا يقينا أنه أرسله ، وما علمنا أنه أسقط بعض من في إسناده ، ونأخذ من حديثه ما لم نوقن فيه شيئا من ذلك ، وسواء قال: ( أخبرنا فلان ) أو قال: ( عن فلان ) أو قال: ( فلان عن فلان ) ، كل ذلك واجب قبوله ، ما لم يُتيقن أنه أورد حديثا بعينه إيراداً غير مسند ، فإن أيقنّا ذلك تركنا ذلك الحديث وحده فقط ، وأخذنا سائر رواياته " .
قلت: فهذا نصٌّ منه فيما ذكر صريح ، يوجب الأخذ بقول البخاري: ( قال هشام ) ، وأنه كقوله: ( أخبرنا هشام ) فسقط بذلك إعلاله إياه بالانقطاع ، وثبت بالتالي أن مقلديه ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) ، والله المستعان .
وبهذا ينتهي الجواب على العلة الأولى وهي الانقطاع التي زعمها ابن حزم ومقلدوه ، وتبين جلياً أنها ( سراب ) .
وبقي الجواب عن العلة الأخرى ، وهي الشك في اسم الصحابي ، فهي شبهة أشد ضعفاً عند العلماء ، قال الحافظ في " الفتح " ( 10 / 24 ) :
" الشك في اسم الصحابي لا يضر ، وقد أعلّه بذلك ابن حزم ، وهو مردود " .
قلت: وذلك لأن الراوي عنه تصريحَه بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم ثقة من كبار التابعين ، بل قيل بصحبته فهو من العارفين بصحبة محدِّثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا سيما وقد أكد ذلك بقوله: " والله ما كذبني " ، فلا يضرنا بعد ذلك شكه وتردده ما دام أنه أخبرنا بصحبته ، وأن مما يؤيد هذا قول ابن حزم في فصل " صفة من يلزم قبول نقله الأخبار " من كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " ( 1/ 143 ) :
" فالفقيه العدل مقبول في كل شيء " .
قلت: وليس يخفى على أحد أن من هذه الكلية قول التابعي الثقة: حدثني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم أو نحوه كما هنا ، فاشتراط ابن حزم تسمية الصحابي - كما يدل عليه إعلاله هذا ، وصرح بذلك في مكان آخر من " الإحكام " ( 2 / 3 و 83 ) ، فهو مع منافاته لعموم قوله المذكور - وعليه علماء الحديث - فهو مما لا دليل عليه .
على أن الإمام البخاري قد رجح - كما قدمناه في ( ص 50 ) أنه أبو مالك الأشعري - وهو صحابي معروف - وإليه مال الحافظ ( 10 / 55 ) فقال بعد أن ذكر ترجيح الإمام:
" على أن التردد في اسم الصحابي لا يضر كما تقرر في " علوم الحديث " ، فلا التفات إلى من أعلَّ الحديث بسبب التردد ، وقد ترجح أنه عن أبي مالك الأشعري ، وهو صحابي مشهور " .
قلت: حتى عند ابن حزم ، فقد رأيته احتج في " الإحكام " ( 4 / 31 ) بسند فيه معاوية بن صالح المتقدم ( ص 44 - 45 ) عن حاتم بن حريث ، عن مالك بن أبي مريم: ثنا عبد الرحمن بن غنم قال: أنبأنا أبو مالك الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " .
وهذا تناقض منه لأنه ضعّف معاوية هذا ، وجهل شيخه كما يأتي .
وقال الحافظ أيضا في " تغليق التعليق " ( 5 / 21 - 22 ) بعد أن ساق طرق الحديث الثلاثة عن عبد الرحمن بن غنم:
" وهذا حديث صحيح لا علة له ولا مطعن فيه ، وقد أعله أبو محمد بن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد ، وبالاختلاف في اسم أبي مالك وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلا فيهم مثل ( الحسن بن سفيان ) و ( عبدان ) و ( جعفر الفريابي ) ، وهؤلاء حفاظ أثبات .
وأما الاختلاف في كنية الصحابي ، فالصحابة كلهم عدول " .
هذا ، ويبدو لي أن هذه العلّة لما لم يجد المغرم بتضعيف الأحاديث الصحيحة مجالاً للتشبث بها لوضوح بطلانها ، اختلق من عنده علة أخرى هي عند العلماء أبطل منها ، وهي أن ( عطية بن قيس ) الذي احتج به مسلم ووثقه غيره مجهول ! وهي دعوى كاذبة لم يقل بها أحد قبله ، كما تقدم بيانه ( ص 43 - 44 ) ، فلا داعي للإعادة ، لكن في التنبيه عليها هنا فائدة .
وقد كنت ذكرت للحديث طريقين آخرين عن عبد الرحمن بن غنم ، أحدهما طريق معاوية بن صالح التي ذكرتها آنفا ، فأعله ابن حزم بقوله في " رسالته " ( ص 97 ) :
" معاوية بن صالح ضعيف ، ومالك بن أبي مريم لا يدرى من هو ؟ " .
وأعلّه في " المحلى " ( 9 / 57 ) بمعاوية فقط ! وهذا الإعلال من جنف ابن حزم فقد وثقه جماعة من المتقدمين منهم الإمام أحمد ، وما أطلق الضعف عليه أحد من الحفاظ المعروفين ، وقال فيه الحافظ ملخصا أقوال الأئمة فيه: " صدوق له أوهام " .
وقال الذهبي في " الكاشف " :
" صدوق إمام " .
ووصفه في " سير أعلام النبلاء " ( 7 / 158 ) ب " الإمام الحافظ الثقة ، قاضي الأندلس " .
وساق له حديثاً بإسناده ، وقال:
" هذا حديث صالح الإسناد " .
وقد احتج به مسلم ، فحديث المعازف هذا صالح لو لا جهالة مالك بن أبي مريم ، لكنه في المتابعة مقبول ، لا سيما وقد رجح البخاري روايته على رواية هشام بن عمار كما تقدم ( ص 51 ) ، واحتج به ابن حزم في تحريم الخمر كما ذكرت قريبا ، وقال ابن تيمية في " إبطال التحليل " ( ص 27 - طبعة الكردي ) :
" إسناد حسن ، فإنَّ حاتم بن حريث شيخ ، ومالك بن أبي مريم من قدماء الشاميين " .
وقبل الانتقال إلى الحديث الآخر الذي ضعّفه ابن حزم من هذا القسم الأول ، أرى أنه من المهم أن أختم الكلام على هذا الحديث الأول بالتذكير بمن صححه من الأئمة الحفاظ على مر العصور:
1- البخاري 2- ابن حبان 3- الإسماعيلي
4- ابن الصلاح 5- النووي 6- ابن تيمية
7- ابن القيم 8- ابن كثير 9- العسقلاني
10- ابن الوزير الصنعاني 11- السخاوي 12- الأمير الصنعاني
( انظر كتابي الجديد " ضعيف الأدب المفرد " ، في أثناء الرد على ابن عبد المنان في المقدمة ) إلى غير هؤلاء ممن لا يحضرني ، فهل يدخل في عقل مسلم أن يكون المخالفون كابن حزم ومن جرى خلفه - وليس فيهم مختص في علم الحديث - هل يعقل أن يكون هؤلاء على صواب ، وأولئك الأئمة على خطأ ؟ ! ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ، ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) .
وأما الحديث الآخر الذي ضعّفه ابن حزم من الأحاديث الستة المتقدمة ، فهو الحديث الثالث منها ( ص 55 ) ، فقد أعلّه بجهالة تابعيِّه ( قيس بن حبتر النهشلي ) ، وهذا من ضيق عطنه ، وقلة معرفته ، فقد وثّقه جمع من المتقدمين والمتأخرين ، وروى عنه جماعة كما بينت هناك ، فمثله لا يكون مجهولا .
ولا غرابة في جهل ابن حزم إياه ، فقد جهل جماعة من الحفاظ هم في الشهرة كالشمس في رابعة النهار ثقةًَ وحفظاً ، منهم الإمام الترمذي صاحب " السنن " ، قال الحافظ في ترجمته من " التهذيب " بعد أن حكى توثيقه عن ابن حبان والخليلي:
" وأما أبو محمد بن حزم فإنه نادى على نفسه بعدم الاطلاع ، فقال في كتاب ( الفرائض ) من " الإيصال " : " محمد بن عيسى بن سورة مجهول " ! ولا يقولنّ قائل: لعله ما عرف الترمذي ولا اطلع على حفظه ، ولا على تصانيفه! فإن هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين من الثقات الحفاظ كأبي القاسم البغوي ، وإسماعيل بن محمد بن الصفار ، وأبي العباس الأصم وغيرهم ، والعجب أن الحافظ ا بن الفرضي ذكره في كتابه " المؤتلف والمختلف " ونبّه فيه على قدره ، فكيف فات ابن حزم الوقوف عليه فيه ؟ ! " .
قلت: ولذلك فلا يؤخذ من أحكامه إلا ما وافق فيها الأئمة المشهورين ممن كان قبله ، أو على الأقل لم يخالفهم فيها .
وبهذا ينتهي الكلام على الحديثين اللذين ضعفهما ابن حزم من القسم الأول من الأحاديث الستة الصحيحة ، مع بيان خطئه فيهما .
والآن نتكلم على القسم الثاني منها ، وهو ما لم يقف عليه منها ، أو وقف على بعض طرقها دون بعض ، ويدخل في هذا كل ما عدا الحديثين المذكورين مع شيء من التفصيل ، فأقول:
الحديث الثاني منها ، صرح ابن حزم عقبه بقوله كما تقدم:
" لايدري من رواه " !
مع أنه قد رواه أكثر من عشرة من الحفاظ المشهورين في مصنفاتهم من حديث أنس و عبد الرحمن بن عوف كما تقدم تخريجه مفصلا ، وذلك مما ينادي ابن حزم به على نفسه بقلة اطلاعه على الأحاديث المسندة ، ومع ذلك اغترّ به الشيخ الغزالي فقلده ، وزاد على ذلك - ضغثا على إِبّالة - أن أساء فهم كلام ابن حزم كما تقدم أو أنّه حرّفه !
والحديث الثالث لم يورده ، وإن كان أورده في مكان آخر من " محلاه " وأعلّه بجهالة ( قيس بن حبتر ) ، وهو مخطئ كما سبق .
والحديث الرابع والخامس لم يذكرهما مطلقا ، ومثلهما الحديث السادس ، لم يذكره مع أكثر شواهده ، وفيها ما هو صحيح لذاته كحديث ربيعة الجرشي رضي الله عنه ، ومنها حديث فرقد - بسنده الصحيح لغيره - عن أبي أمامة ، لم يذكر من طرقه عنه إلا طريق الحارث بن نبهان المتروك ! وكذلك لم يقف على الطريق الثالث في الحديث الأول الذي رواه ابن ذي حماية الثقة ، رغم أنف مضعّف الأحاديث الصحيحة !

4- الفصل الرابع:
في دلالة الأحاديث على تحريم الملاهي بجميع أشكالها
اعلم أخي المسلم ! أن الأحاديث المتقدمة صريحة الدلالة على تحريم آلات الطرب بجميع أشكالها وأنواعها ، نصاً على بعضها كالمزمار والطبل والبربط ، وإلحاقاً لغيرها بها ، وذلك لأمرين:
الأول: شمول لفظ ( المعازف ) لها في اللغة كما تقدم بيانه في ( الفصل الثاني ) ، وكما سيأتي أيضا عن ابن القيم .
والآخر: أنها مثلها في المعنى من حيث التطريب والإلهاء ، ويؤيد ذلك قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
" الدف حرام ، والمعازف حرام ، والكوبة حرام ، والمزمار حرام " .
أخرجه البيهقي ( 10 / 222 ) من طريق عبد الكريم الجزري عن أبي هاشم الكوفي عنه .
قلت: و هذا إسناد صحيح إن كان ( أبو هاشم الكوفي ) هو ( أبو هاشم السنجاري ) المسمى ( سعداً ) ، فإنه جزري كعبد الكريم ، وذكروا أنه روى عنه ، لكن لم أر من ذكر أنه كوفي ، وفي " ثقات ابن حبان " ( 4 / 296 ) أنه سكن دمشق ، والله أعلم .
غير أن الحديث الأول " يستحلّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف . . " بحاجة إلى شيء من البيان فأقول:
أولاً: قوله: " يستحلّون " ، فإنه واضح الدلالة على أن المذكورات الأربعة ليست حلالاً شرعاً ، ومنها ( المعازف ) ، وقد جاء في كتب اللغة ، ومنها " المعجم الوسيط " :
" استحلَّ الشيء عدّه حلالاً " .
ولذلك قال العلامة الشيخ علي القاري في " المرقاة " ( 5 / 106 ) :
" والمعنى: يعدُّون هذه الأشياء حلالات بإيراد شبهات ، وأدلة واهيات ، منها ما ذكره بعض علمائنا ( يعني الحنفية ) ، من أن الحرير إنما يحرم إذا كان ملتصقا بالجسد ، وأما إذا لبس من فوق الثياب فلا بأس به ! فهذا تقييد من غير دليل نقلي ولا عقلي ، ولإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم:
( صحيح ) " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " ، وكذلك لبعض العلماء تعلقات ب ( المعازف ) يطول بيانها ، وهذا الحديث مؤيد بقوله تعالى: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ) " .
قلت: ويشبه ما ذكره عن الحنفية ، تفريقهم بين الخمر المتخذ من العنب فيحرم منه قليله وكثيره ، والخمر المتخذ من التمر وغيره فلا يحرم منه إلا الكثير المسكر ! فهذه ظاهرية مقيتة ! ومثله التفريق بين الموسيقى المثيرة للجنس فتحرم ، وغيرها من الموسيقى فتحل ! كما تقدم بيانه في المقدمة في الرد على أبي زهرة ومن قلّده ! ( ص 6 - 8 ) ، وهذا مع ما فيه من التقييد بالرأي والتعطيل للنصوص الشرعية ، فإن أسوأ منه قول الشيخ الغزالي عقب حديث المعازف الذي رواه البخاري ( 69 - 70 ) :
" ولعل البخاري يقصد أجزاء الصورة كلها ، أعني المحفل الذي يضم الخمر والغناء والفسوق " .
فأقول للشيخ: " اجعل ( لعل ) عند ذاك الكوكب " ، فإن هذا التعليل والتعبير أعجمي! رغم أن قائله عربي وكاتب كبير ! كيف لا وهو يخلط بين كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام البخاري ، فينسب كلامه صلى الله عليه وسلم إلى البخاري ! وهذه في غاية العجب كما هو ظاهر ، فلا أدري أهو خطأ فكري أم غلَطٌ قلمي ؟ وأحلاهما مر .
هذا أولاً .
وثانيا: يبطل ذاك التعليل تصريح ما بعد حديث المعازف من الأحاديث ، بتحريم أنواع من آلات الطرب ، وفي الحديث السادس ، وما تحته من الشواهد التصريح بأنّ من أسباب المسخ والخسف والقذف اتخاذ الآلات والقينات ومنها حديث ربيعة الجرشي الصحيح ، وفيه سؤالهم عن السبب:
" قالوا: بم يا رسول الله ؟ قال: باتخاذهم القينات ، وشربهم الخمر " .
وفي حديث عمران:
" إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القينات ، وشُربت الخمور " .
وثالثا: قال ابن القيم في " إغاثة اللهفان " عقب حديث ( المعازف ) ما مختصره ( 1 / 260 - 261 ) :
" ووجه الدلالة أن ( المعازف ) هي آلات اللهو كلها ، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك ، ولو كانت حلالا لما ذمّهم على استحلالها ، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والحر . . وقد توعّد مستحلي ( المعازف ) فيه بأن يخسف الله بهم الأرض ، ويمسخهم قردة وخنازير ، وإن كان الوعيد على جميع هذه الأفعال ، فلكل واحد قسط في الذمِّ والوعيد " .
فهذا الحقّ ليس به خفاء فدعني عن بنيّات الطريق
والحقيقة المُرة أن الشيخ الغزالي وأمثاله من الدعاة أو الكتّاب المعاصرين ليس لديهم منهج علمي ينطلقون منه فيما يذهبون إليه من الأحكام والمسائل ، لا من الناحية الفقهية ، ولا من الناحية الحديثية ، وإنما هي العشوائية العمياء المقرونة في كثير من الأحيان باتباع الأهواء ، فتارة تراه مع الآرائيين أو العقلانيين - كما يقولون اليوم - في مخالفة النصوص الصحيحة الصريحة ، بل إنه تقدمهم في ذلك بأشواط ، فخالف الأئمة والفقهاء جميعاً بدون استثناء ، وقد ذكرت في المقدمة بعض الأمثلة ، وتارة تاره ظاهرياً جامداً كالصخر الجلمود مقلداً لبعض أئمة الظاهرية المتنطعين ، ولو خالف أئمة الحديث والفقه جميعا ! فإنه كما قلده ابن حزم في تضعيفه لأحاديث المعازف الصحيحة ، فإنه كذلك قلده في تأويله لحديث المعازف تأويلاً باطلاً ، ولكنَّ ابن حزم مع ذلك كان أعقل منه في اختيار النص الذي تأوله ، فإنه لم يتجرأ على تأويل حديث البخاري - كما فعل الغزالي - لقوله فيه: " يستحلّون " ، وإنما تأوّل حديث معاوية بن صالح الخالي منه ، وفيه - كما تقدم ( ص 45 ) -:
" ويضرب على رؤوسهم بالمعازف . . " . فقال ابن حزم ( 9/57 ) :
" و ليس فيه أن الوعيد المذكور إنما هو على المعازف ، كما أنه ليس على اتخاذ القينات ، والظاهر أنه على استحلالهم الخمر بغير اسمها " .
ومع أن هذا الذي استظهره تكلف ظاهر ، وتأويل باطل لما تقدم من الأحاديث ، وتفسير ابن القيم ، فقد أجاب عنه الشوكاني بجواب آخر ، فقال في " نيل الأوطار " ( 8 / 85 ) بعد أن حكى تأويل ابن حزم ملخصا دون أن يعزوه إليه وفيه رد ظاهر على الغزالي أيضاً:
" ويجاب بأن الاقتران لا يدل على أن المحرَّم هو الجمع فقط ، وإلا لزم أن الزنا المصرح به في الحديث ( يعني حديث البخاري ) لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف ، واللازم باطل بالإجماع ، فالملزوم مثله ، وأيضا يلزم في مثل قوله تعالى: ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم . ولا يحض على طعام المسكين ) أنه لا يحرّم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحضّ على طعام المسكين ! فإن قيل: تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل آخر ، فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل آخر أيضا كما سلف ، على أنه لا مُلجيء إلى ذلك حتى يصار إليه " .
وها هنا تنبيه مهم على معنى ( الاستحلال ) الوارد في الحديث: فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعلى - في كتاب " إبطال التحليل " ( ص 20 - 21 - الكردي ) :
" لعلّ الاستحلال المذكور في الحديث إنما هو بالتأويلات الفاسدة ، فإنهم لو استحلوها مع اعتقادهم أن الرسول حرّمها كانوا كفارا ، ولم يكونوا من أمته ، ولو كانوا معترفين بأنها حرام ، لأوشك أن لا يعاقبوا بالمسخ كسائر الذين لم يزالوا يفعلون هذه المعاصي ، ولما قيل فيهم: " يستحلّون " ، فإن المستحلَّ للشيء هو الذي يأخذه معتقداً حلّه ، فيشبه أن يكون استحلالهم الخمر ، يعني أنهم يسمونها بغير اسمها كما في الحديث ، فيشربون الأشربة المحرمة ، ولا يسمونها خمرا ، واستحلالهم المعازف باعتقادهم أن آلات اللهو مجرد سمع صوت فيه لذة ، وهذا لا يحرم ، كألحان الطيور ، واستحلال الحرير وسائر أنواعه باعتقادهم أنه حلال للمقاتلة وقد سمعوا أنه يباح لبسه عند القتال عند كثير من العلماء ، فقاسوا سائر أحوالهم على تلك! وهذه التأويلات الثلاثة واقعة في الطوائف الثلاثة التي قال فيها ابن المبارك رحمه الله تعالى:
وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
ومعلوم أنها لا تغني عن أصحابها من الله شيئا بعد أن بلّغ الرسول صلى الله عليه وسلم وبيّن تحريم هذه الأشياء بياناً قاطعاً للعذر ، كما هو معروف في مواضعه " . ))

يُتبع بإذن لله تعالى >>>
















التوقيع
الآراء كثيرة مُتباينة .. وتبقى الحقيقة واحدة .. تراها العين التى ترَى بالعقل من منظار النقل و الهُدى ، لا العين التي ترَى من منظار الفِسق والهَوى


.
.

اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي

* تسعدني زيارتك ؛ فأهلاً وسهلاً بك :
http://aashiqalhaqiqah1.maktoobblog.com/
رد مع اقتباس