الاحتلال مهنة !
بينما كنت اطالع قاموس اللغة الانجليزية استوقفتني كلمة [occupation] والتي من معانيها الاحتلال، وهي في نفس الوقت تعني مهنة، وبالتالي فإن الجندي الأمريكي إذا سئل عما يفعله في العراق، فأجاب بهذه الكلمة فتكون الإجابة صحيحة بالنسبة له ولقومه، وصحيحية بالنسبة لنا.
على أية حال ينبغي لنا ألا نستغرب كثيراً ، إذ أن الكثير من الأمور بدأت تحمل أسماء لا أقول بعيدة عن حقائقها بل في بعض الأحيان تدل على عكس حقيقتها.
والتلاعب بالمسميات والمصطلحات هو لعبة يتقنها الأعداء ، وقد حدثنا الله عز وجل وفضح يهود وبين للصحابة رضي الله عنهم ولمن بعدهم فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا اُنْظُرْنَا } فـ' نَهَاهُمْ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ - مَعَ قَصْدِهِمْ بِهَا الْخَيْرَ - لِئَلَّا يَكُونَ قَوْلُهُمْ ذَرِيعَةً إلَى التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَخِطَابِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُخَاطِبُونَ بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيَقْصِدُونَ بِهَا السَّبَّ , وَيَقْصِدُونَ فَاعِلًا مِنْ الرُّعُونَةِ , فَنَهَى الْمُسْلِمُونَ عَنْ قَوْلِهَا ; سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْمُشَابَهَةِ , وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى أَنْ يَقُولَهَا الْيَهُودُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَشَبُّهًا بِالْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُونَ بِهَا غَيْرَ مَا يَقْصِدُهُ الْمُسْلِمُونَ' .
وما أود أن أشير إليه هو أننا ينبغي أن نكون أكثر حذرا وتنبهاً، وألا نقبل ما يأتي من الأعداء بحسن نية ونقبله بقبول حسن، كيف وقد قال عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ }، وهنا ينبغي على المسؤوليين والإعلاميين التنبه للمصطلحات والتي طالما أطلقوها في غير مواضعها بقصد أو بدون قصد، وألبسوها أقواماً ونزعوها عن آخرين ممارسين بذلك مهنة احتلال العقول.
والشعوب المسلمة اليوم أصبحت أكثر وعياً وإدراكاً لما يجري من أحداث، ومع هذا فإنه ينبغي التذكير والتنبيه فقد ظن الصحابة بـ [راعنا ] ظناً حسناً.
وبالعودة إلى ذلك الجندي الأأمريكي فأقول إن الذي يفعله في العراق هو ليس مهنة بل ولا حتى احتلال، إنما هو انحطاط حتى عن مستوى الإنسانية، ومع هذا فإن الجميع يعلم بأن الوقت قد حان ليقدم الأمريكان استقالتهم من هذه المهنة القذرة، وما المفاوضات الأخيرة مع بعض فصائل المقاومة إلا تمهيد لهذه المرحلة، وإني على يقين ليس على انتهاء هذا الاحتلال الأمريكي للعراق بل حتى على قرب انتهاء مهنته في العالم كله، ولا يلزم من انتهاء المهنة توقف الشخص عن العمل تماما