عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 05-Mar-2010, 04:07 PM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
أبو طلحة العتيبي
موقوف لمخالفة الأنظمة
إحصائية العضو






أبو طلحة العتيبي غير متواجد حالياً

افتراضي

يقول نواف بن سليمان الفزيع في مقال بعنوان : لوركا الكويت.. راعي الكاديلاك الأزرق



استأذنكم في اقتحام عطلتكم ولكن سأسعى جاهدا ان يكون اقتحامي خفيفا على قلوبكم وبعيداً عن زحمة الاغراق السياسي الذي تعودتم عليه في مقالاتي اليومية على مدار الاسبوع.
لي في الشعر هوى ولي في بسيطه الممتنع عشق فما بالكم لو اجتمع في الشعر السهل الممتنع نكهة الكويت ومحبة الكويت؟
كل هذا اجتمع في شعر وشخص شاعرنا الشهيد فايق عبدالجليل ولهذا لي مع فايق وحب فايق ادمان!
لكن قبل ان أبدأ بفايق وسر اطلاقي عليه اسم لودكا الكويت راعي الكاديلاك الأزرق لا بدان اقف على ظل فايق ومن سبق فايق في خوض تجربة الشعر الحر بالعامية الكويتية (نايف المخيمر).
ظل فايق او هكذا اسماه فايق في احدى مقابلاته او بالاحرى مقابلته الاخيرة مع الصحافة ومع ويا للمفارقة (جريدة الوطن) في 1990/5/23 مع الزميل مبارك الشعلان (نايف مخيمر الذي لا اعرف من منا كان ظلاً للآخر.. نايف كان صوتي وصدى صوتي الا انه ترك قطار الشعر وسافر الى الضفة الأخرى من الحياة).
نايف المخيمر وعلى الرغم من التقارب العمري مع فايق كان من سبق بديوانه (غرشة عطر) ديوان فايق الاول (وسمية وسنابل الطفولة) الذي كتبه وطبعه فايق في عام 1968 (غرشة عطر) كان يمثل اول تجربة لكتابة الشعر العامي بالاسلوب الحر ولا ابالغ في القول انه كان اول تجربة على مستوى الخليج في كتابة الشعر العامي بالنسق الحر.
لا نعلم الكثير عن نايف ولعلي اذكر اثنين قد اشارا مرارا الى نايف وشعر نايف وهما الشاعر فهد عافت ايام كان فهد يكتب في «الوطن» والشاعر مسفر الدوسري في احد لقاءاته مع الصحافة السعودية.
نايف وعلى الرغم من دوره الريادي والخطير اهمل في زوايا النسيان ولا ادري لماذا؟! ربما لأن في الكويت عشقاً للنسيان ومسح اي تاريخ مبدع مالم يتبنى الموضوع شخص هنا وهناك فماذا لو لم يكتب الانصاري عن فهد العسكر وماذا لو لم تكتب خزنة بورسلي عن راشد بورسلي؟
مع نايف ابتدأت رحلة التحدي في رسم ملامح مرحلة شعرية جديدة على مستوى الخليج كله ومع نايف ابتدات رحلة فايق، كان نايف ينام بالايام في بيت فايق، يبثون همومهم لبعض وحينما خرج ديوان «وسمية وسنابل الطفولة» كتب صديق الطفولة نايف المخيمر قصيدة جميلة في جريدة الرسالة بتاريخ 6 نيسان في عام 1969، في هذه القصيدة تنبؤات غريبة عن نهاية فايق وفي هذه القصيدة تصوير عميق لتعمق نايف في فايق وتعمق فايق في نايف كما ان في هذه القصيدة تحليلاً جميلاً لزخم الهجوم الكاسح الذي ناله الشاعران من جراء جرأتهما الشعرية الجديدة.
القصيدة عنوانها «إلى فايق عبد الجليل».
مقدمة عزيزي فايق عبدالجليل خرج ديوان «وسمية وسنابل الطفولة» وبين رضى الراضين وسخط الشامتين لا يمكنني الا ان اقول:
ياصديقي..
ياقصيدة!
ضمها الليل وليده
ثم هاوت
جعلت لليل انوارا تنير
جعلت لليل روحا تستنير
فتناساها شهيده
ياصديقي..
ياشراعا هائما في كل شاطئ
يارصيفا لم تدنس قدسه..
اقدام واطئ
ياشهيدا قطع الحب وريده
فغدا الشعر وساما
يتباهى فوق جيده
ظلموك ياصديقي شوهوك
ملأ والكأس عداء..
وسقوك
جعلوا الحقد جحيما وصلوك
خلف باب من دخان أوثقوك
فتمردت صمودا..
قد بدى أكبر قوه
وتقدمت بخطوة..
لا يبالي ألف هوه
لا تهاون!
فعليك اليوم سخطي!!
لو تهاون
شنقوا الحرف ببابك
سكبوا..
دمه فوق ثيابك
لاتهاون..
في سبيل الشعر فاثأر..
ياصديقي
سر معي اليوم رفيقاً..
في طريقي
شمعة توقد شمعة
دمعة تمسح دمعة
فكلانا.. قد سقته الكأس جرعة
كلنا قد طال خلف الباب أسره
كلنا قد ديس بالأقدام شعره

فايق ولوركا
نايف علي المخيمر ترك الشعر في أواخر حياته وذهب لأفغانستان للجهاد لكنه ظل ظلا وصديقا لفايق والأخير هو من أوصل نايف للمطار في رحلته للجهاد بأفغانستان، عاد بعدها نايف وقد انتقل إلى رحمة الله تعالى في أواخر السبعينيات.. نافذة نايف كانت مهمة كانت البداية لتأتي بعدها المرحلة المكملة.. مرحلة فايق.
فايق محمد العياضي (المعروف باسم فايق عبدالجليل نسبه إلى خاله الذي رباه) من مواليد حي المرقاب سنة 1948 .. حياته كما يقول في أحد حواراته دفتر صغير مكتوب بلغة «خزاينية» يصعب على القارئ قراءتها وفعلا كانت حياته إلى نهايتها حزينة.
فايق هو لوركا الكويت.. لماذا لوركا الكويت؟ ومن هو لوركا؟
فيدريكو غارثيا لوركا شاعر إسباني اغتيل في 16 اغسطس لعام 1936 اجتمع مع فايق بمصادفات وتشابهات تكاد تكون مستحيلة.
أول حرف من اسم فيدريكو هو حرف الفاء وكذلك فايق.
لوركا شاعر وكذلك فايق!
لوركا شارك بالمسرح وبكتابة أعمال المسرح كذلك فايق.
لوركا اغتيل مع رفاقه المنضمين إلى حركة المقاومة على يد الحرس الأسود الفاشي في أحد أزقة غرناطة بأمر من القائد الجنرال فرانكو الذي ارتكب المذابح في أحداث الحرب الأهلية الاسبانية التي امتدت من عاماً 1936 إلى 1939 والذي أمر بإخفاء جثمان لوركا حيث يرقد جسده في قبر مجهول.
فايق اقتيد مع رفيق عمره الملحن والشهيد عبدالله الراشد من منزل صديقه عبدالعزيز الرشيد بتهمة الانتماء للمقاومة وتوزيع المنشورات وبأمر من صدام حسين وتم اغتياله ودفنه في قبر مجهول حتى تم تحرير العراق واكتشاف رفاته بعد 16 عاما من اعتقاله وإعدامه على يد جنود صدام حسين.
لوركا مات في الأربعين وكذلك فايق!

لوركا كتب قصيدة يصف فيها نهايته والتي رأها في بصيرته:
عرفت إنني قتلت..
فتشو المقاهي والمقابر
والكنائس..
فتحوا البراميل والخزانات...
استباحوا ثلاثة هياكل عظمية...
وسلبوا أسنانها الذهبية
لم يجدوني.. أتراهم لن يجدوني
أبدا؟ نعم لن يجدوني
أبدا
وهكذا تنبأ لوركا بنهايته وبضياع جثمانه للأبد..!

رغبة في الموت
فايق أشار لرغبته بالموت في كثير من شعره ولعل أبرزها وما استرعى انتباهي هذا المطلع الذي يقول
ودي أموت..
مثل الخبر لي مرت الساعات..
وتوفى بجريدة..
ودي أموت اليوم..
في طعنة قصيرة
آه لو أقدر أهدم الكون..
وآه لو أقدر أعيده..
وأعزم أسراب الحزن...
في بيت أي غيمة سعيدة
ما الذي جعل فايق يكتب؟
ربما تتعجبون أن الإحباط لا التشجيع هو من دفع فايق للكتابة وفي هذا رسالة لكل مبدع بأن لا يجعل الإحباط والهجوم والتجريح عقبة في طريقه بل وقود يحرك مكائن إبداعاتك لتعمل أكثر وأكثر.

رسالة إلى حميد سعيدان
بين يدي رسالة كتبها فايق عبدالجليل إلى الإعلامي والكاتب الصحافي والإذاعي المعروف الأستاذ حميد سعيدانـ رحمة الله عليهـ يرد فيها فايق على مقالة كتبها «السعيدان» عنه، في رسالة فايق والتي لا أعلم ان نشرت في جريدة (السياسة) أم لا، حوار جميل يختصر فيه فايق رحلة معاناته وبداياته وسبب كتابته للشعر وموقف طريف جميل جمعه مع الشيخ سالم الصباحـ رحمة الله عليهـ يوم ما كان الأخير سفيرنا في لندن، رحم الله الثلاثة أجمعين وأسكنهم فسيح جناته الرسالة تقول:
لم أتعود الرد.. لكن نافذة صديقي حمد سعيدان الضبابية كانت (ضبابية جداً) حيث ان الرؤية من خلالها تعذرت على الصديق العزيز.
في نافذة حمد سقطت التواريخ.. وتداخلت الأمور.. وأصبحت درجات التقييم توضع في الزمن الضبابي ومن خلال النوافذ الضبابية.
حمد من خلال ضباب لندن.. يقول إنني عام 1962 عرضت عليه ديوان وسمية وسنابل الطفولة وطلبت منه مراجعته قبل الطبع ويقول انه اعاد الي الديوان مع شيء من الاحباط لكنني تحديته وطبعت الديوان وأهديته نسخة بعد سبع سنوات.

الحكاية من البداية
في سنة 1962 كنت تلميذا متمردا على مقاعد الدراسة.. وكانت الكتابة هي جنوني الذي أمارسه يوميا على الورق.. وفي هذه الفترة فترة الطفولة الشعرية.. حاولت ان اتسلل للاذاعة على طريقة السندباد البحري.. لكن محاولاتي كانت فاشلة.. لقد كان الدخول من بوابة الاذاعة في عام 1962 وامام الحرس الاذاعي وبدون هوية امراً مستحيلاً خاصة ان هناك بعض الشعراء الكلاسيكيين جدا موضوعين وبشكل استنفاري على ابواب قسم الموسيقى وكأنهم نقاط تفتيش فمن يحمل قصيدة جديدة أو لديه مشروع تغيير في نمط الاغاني يعرض نفسه للمقاطعة الشعرية والرفض.
ولقد تحملت مجموعة كبيرة من المؤلفين الشبان في تلك الفترة متاعب الرفض وعدم اعطاء الفرصة اذكر منهم.. سالم ثاني.. محمد محروس.. نايف المخيمر وآخرين.
في هذه الفترة كنت اعزل مثل المطر.. وكان صديقي حمد سعيدان مذيعا معروفا في اذاعة الكويت.. التقيت بحمد واخبرته انني لا استطيع الوصول الى الاذاعة واخبرته ان لدي مجموعة اغان اريد ان يساعدني في عملية فحصها من قبل لجنة النصوص المختصة في الاذاعة.. ارسلت للاخ حمد خمس نصوص مع رسالة بالبريد المستعجل وكان ذلك في سنة 1962.. وبعد فترة وصلتني رسالة منه ومعها الاغاني.. يقول في رسالته، لقد تسلمت الاغاني الخمس.. وحولتها الى مكتبة التراث الموسيقي رأساً للسيد ابراهيم الصولة وستجد الشرح خلف احدى الاغنيات.
ثم كتب في رسالته وعلى طريقته الساخرة المعتادة «ارجو ان تنقع قصائدك وتحط فوقهم شوية ماي وملح وتشرب كل يوم ثلاث خاشوكات مو كل واحد سوى خربوطة وصار شاعرها ها ليش ما تصير مطرب».
«هذه الرسالة موجودة لدي حتى هذه اللحظة وبخط حمد وبالحبر الاسود مع الاغنيات الخمس ومستعد لنشرها في السياسة وقد اشرت لها منذ سنوات في مقابلة اذاعية وتلفزيونية وقلت هي السبب الذي جعلني اكتب واحاول ان اكون شيئاً».
هذا كل ما حصل بيني وبين الصديق حمد سعيدان، لم أعرض عليه ديواني مخطوطاً لأنني في الاساس لم اكتب حتى قصيدة واحدة في هذه الفترة لا لديوان وسمية ولا لغيره ثم ان الديوان «وسمية» كتبته وطبعته في نفس السنة 1968 كما اني احب ان اسأل لماذا أطلب من حمد سعيدان بالذات مراجعة قصائدي.. هل حمد سعيدان شاعر أو لديه ميول شعرية؟
لماذا حمد سعيدان وانا في 1968 كنت على صلة جيدة بمجموعة كبيرة من شباب رابطة الادباء مثل الدكتور طارق عبدالله والدكتور عبدالله العتيبي والشاعر محمد الفايز وغيرهم.
ثم اسأل حمد سؤالا اخيرا متى التقينا ومتى قال لي انك طبعت ديوان «وسمية» وان رأيه فيه كما هو؟
اما بالنسبة لموضوع كتابتي قصيدة عن لندن (كويتي في لندن) عندما صدر ديوان وسمية كان الشيخ سالم الصباح سفيرنا في لندن ذلك الوقت موجوداً في الكويت ولما قرأ الديوان سألني لماذا لم تزرني في لندن.. فأخبرته انني لم ازر لندن.. يومها استغرب.. وقال الذي يقرأ قصيدة لندن لا يصدق انها تصوير من الخيال دون رؤيتها على الطبيعة ومن يومها اصبح هذا الرجل الطيب الصديق والموجه لي.
.. الشاعر الباكستاني الكبير اقبال تنبأ بفصل الباكستان عن الهند قبل عشر سنوات من الانفصال.
والشاعر المصري المعروف امل دنقل تنبأ بالنكسة قبل حدوثها بقصيدة وحمد سعيدان زعلان لأنني تخيلت لندن.. لندن الموجودة يوميا في الصحف والسينما والتلفزيون.

فجر الرحيل والكاديلاك الأزرق
وهكذا فايق لم يترك لنا في أي محطة من محطات حياته الا موقفاً يثير التعجب مما جعل من رحلة فايق في الحياة كلها رمزية وعبرة وملحمة شعور تجتمع مع شاعر اسباني يفصله عنه نصف قرن من الزمان وقارة بأكملها ولغة وتلتقي معاه في الشعر وفي الموت وفي ظروف الموت!
وكذا كان فايق في آخر محطة من حياته ووداعه الاخير لزوجته أم فارس واولاده ومن لقاء أم فارس مع جريدة الشرق الاوسط والمنشور في يناير لعام 2005 الى التحليل الجميل الذي كتبه الاستاذ عبدالله المحيسن في مجلة «الفنون» والصادرة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كل هذا توثيق جميل لفجر رحيل فايق.. راعي الكاديلاك الازرق.
عندما قررت الخروج من الكويت أنا وابنتي الصغرى نوف، وكان عمرها آنذاك أربع سنوات، فقد كان فائق قد استسلم لرغبتي في السفر إلى السعودية حيث كان لا يود على الاطلاق مغادرتي لكن لم استطع، وذلك بسبب ابنتي نوف التي كانت تصاب بالرعب عند سماعها صوت اطلاق الرصاص، اضافة إلى وجود بقية ابنائي في الخارج، حيث كانوا يقضون اجازتهم ولا أعلم عنهم شيئاً، ليلة خروجنا من الكويت اذكرها بأدق تفاصيلها وكأنها البارحة حيث خرجنا برفقة فائق لإيصالي الى الحدود الكويتية السعودية، رحلنا من المنزل الساعة الثالثة فجراً تجنباً للزحام الذي كانت تسببه الجموع الهاربة باتجاه السعودية خوفا من الحرب المرتقبة واثناء التوجه نحوها طلب مني فائق ان امسك القلم كان هو يقود السيارة واذ به يملي علي قصيدة كنت أكتبها وأنا أبكي وكانت تتحدث عني وعن نوف وعن وداعنا على الحدود:
عند الحدود..
مقدر اخليهم واعود
امي وام عيالي..
هم شمس الوجود
وعيالي في دمي
وفي صدري ورود
كل المعزة بس لهم
في قربهم كل الوجود
وفي بعدهم مالي وجود
عند الحدود.. أمي وأم عيالي.. هم شمس الوجود
مقدر اخليهم واعود
لا يا وطن
لازم أعود
أنت المحبة ولك أنا بكل شيء أجود
لازم أعود
لازم أعود

وتكمل زوجته قصة الخروج قائلة: في الطريق صدفنا نقطتي تفتيش ولكنهما كانتا خاليتين من الجنود العراقيين أما النقطة الثالثة والأخيرة التي تعقبها أراضي السعودية فقد خرج لنا منها جنود مسلحون حاصرونا وامرونا بالترجل من السيارة ورفع الايادي حيث وجه الضابط العراقي كلاماً قاسياً الى فائق واتهمه بقتل الجنود الذين هم في نقاط التفتيش التي قبلهم لانهم لم يتلقوا بلاغاً في أي منها بأن هناك قادماً اليهم في هذه النقطة الأخيرة، فأمر الضابط بحبسنا أنا وابنتي نوف وكان معنا احد الاصدقاء وبالفعل دخلنا السجن الى ان جرى التأكد من الجنود انفسهم في النقطتين، حيث اكتشف الضابط انهم كانوا نائمين لحظة مرورنا بهم بعد ذلك اطلق سراحنا فرجوت فائق ان يأتي معي فوعدني بأنه سوف يتبعني الى الرياض بعد أن ينهي بعض الأمور في الكويت، ومنذ ذلك الحين لم أره ولم اسمع صوته.
بعد هذه التجربة العصيبة التي مر بها أدرك انه لن يخسر شيئاً بل ازداد اصراراً على البقاء، خاصة انه قد اطمأن على زوجته وعائلته فانضم بعد ذلك الى ركب مجموعته الصغيرة التي سطر معها ملحمة فنية في حب الوطن وبث الروح الوطنية لمن بقي في الداخل من الصامدين الذين تشبثوا بالارض من خلال كتابته الاغنية الوطنية تحت حصار سلاح المحتل الذي جابهه بسلاح الكلمة التي لحن معظمها رفيق نضاله الملحن عبدالله الراشد الشهيد الذي عثر على رفاته بعد ذلك، كهذه القصيدة الرائعة التي تنشر لأول مرة:
حي اللي يقوم.. بالصمود وبالسلاح
حي.. اللي ضمد كل جرح من الجراح
حي الخليج.. حي العقل.. واهل العقل
حي العرب اللي اثبتوا قول وفعل
حي التراب اللي رفض.. كل احتلال
حي الشباب اللي انتفض باسم النضال
حي.. الطفل اللي لفظ.. كلمة وقال
حي الصمود حي الكويت.. حي الرجال
سجلت هذه الاغنيات في منزله ووزعت بسرية تامة وانتشرت سريعاً رافعة روح النضال لدى جبهة الصمود في الداخل معلنا حربا شبيهة بالحرب «اللوركية» إبان الحرب الأهلية الاسبانية.
واستخدم فائق مفردة جديدة في كتابة القصيدة الوطنية لم تستخدم من قبل في كتاباته اذ انه تفاعل مع ما عاش من أحداث مأساوية تأثر بها، فقد ترجم نبض الشارع الكويتي في فترة الاحتلال.
ومن أهم ما تميز به قدرته على الحضور المتنامي في البساطة المستحيلة، تلك البساطة التي لا يفسرها شيء سوى كائن شعري مثل فائق عبدالجليل شخصياً حيث يمتلك خيالاً مجنحاً يكثر فيه التشخيص فقد اصبح جزءاً من تجربة عالمية يقف فيها الى جانبه شعراء من مختلف الثقافات واللغات مرورا بتجربة شبيهة بتجربته هذه امثال لوركا، وسولوموس الذي كتب اول نشيد باللغة اليونانية «نشيد الحرية»
كتب فائق في احد ايام الاحتلال تلك موثقا مشهدا يراه كل يوم
انتباه انتباه
الكويت لا زالت هنا
انتباه انتباه
الكويت احنا كلنا
يحترق بيت في منطقة او ينهدم
احنا هنا انتباه
لو شوفنا اخونا يموت وامنا تنعدم
احنا هنا انتباه
انتباه... انتباه
لقد كرر محاولة التوثيق الشعري لديه اثناء فترة الاحتلال من خلال هذه القصائد بعد تجربته الاولى والناجحة في ديوانه «وسمية وسنابل الطفولة» الذي وثق به تاريخ الكويت الحديث.

مسلسل الملاحقات
بعد ذلك انتبه اليه جهاز الاستخبارات الصدامي وبدأ يطارده حيث جرت مداهمة منزله عشرات المرات ليعرضوا عليه ترؤس صحيفة يومية كانت تنشر ايام الاحتلال لكونه يعتبر شخصية اعلامية بارزة غير انه رفض ذلك بدبلوماسية تامة خوفا من ان تطوله ايديهم ببطشهم فاكثروا من زيارته في بيته لكي يصبح مشبوها ومتعاونا في اعين جيرانه واصدقائه فاخذ يتنقل من منطقة الى اخرى هربا منهم ودرءا للشبهات.
ثم وردت اليه بعد ذلك معلومة من جناح المقاومة العسكرية بانه مطلوب لدى جهاز المخابرات العراقي فاستمر في التخفي لدى بعض اسر اصدقائه الى ان جاء احد الايام وكان في منزل المحامية لولوة الرشيد التي كانت اخر من رآه حيث روت: كانت دائرة الهرب قد بدأت تضيق على فائق اذا حاصروا جميع الاماكن التي يمكن ان يوجد فيها واخذ القلق يتسرب الى نفسه فزارني ليتصل بمنزل صديقه عبدالعزيز وليبلغه بعدم مقدرته على رؤيتهم مرة اخرى فتفاجأ بعبدالله الراشد يرد على المكالمة حيث كان مرتبكا فسأله فائق ما بك يا عبدالله اجبني ولم يجبه بغير فائق تعال وكررها له اكثر من مرة تقول لولوة فهم فائق مسرعا ليلبي صديقه وكانت وجبة غدائه جاهزة فطلب تأجيلها الى حين عودته من رؤية عبدالله وحينما وصل فائق الى منزل عبدالعزيز وفور دخوله القوا القبض عليه حيث كانوا يتربصون ولم يعرف عنه شيء بعد ذلك اليوم.

رسالة صامد
قبل اسره بدأت عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت بدءا من الضربة الجوية منتصف ليل السابع عشر من يناير العام 1990 حتي بزوغ فجر التحرير الموافق السادس والعشرين من فبراير لعام 1990 وعادت الارض الى اصحابها وعلت كلمة الحق ونزلت عدالة السماء.
ودخلت بعد ذلك زوجة فائق الى الكويت في الاول من ابريل وتوجهت الى المنزل كأن الاشهر التي مضت سنون طوال حيث وجدت رسالة تركها في المطبخ بجانب فنجان من الشاي لم يكمل شربه وكيسا من الخبز وقلما جفت عروقه حيث كتب لها معتذرا: الغالية أم فارس، تحية.. محبة.. تقدير.. لك وللأولاد.. وارجو ان تكونوا صامدين في الغربة مثلما أنا صامد في الوطن.
اليوم الجمعة.. الوقت الساعة الرابعة فجراً.. المكان غرفة نومي.. وتحت ضوء الاباجورة التي تلتحم برأسي باستمرار.
لقد وعدتك ان أغادر الكويت الخميس.. ذهبت وجلست أتصفح أفكاري التي تتكاثر ثم تصبح فكرة واحدة.. وهي فكرة البقاء كل أفكار الرحيل التي أتت كانت مهزوزة..و غير ثابتة.. وغير مستقرة.. إلا فكرة البقاء كانت الاكثر ثباتاً.. والاكثر قوة.
فقد اكتشت أن البقاء في الكويت يعطيني المناعة.. والقوة والصلابة وبقائي هنا لا يعني أني غير محتاج إليكم.. أنا في أشد الحاجة لكن.. الكويت بأمس الحاجة إلي...
قوموا بواجبكم الوطني في الغربة على أكمل وجه.. وقدموا ما تستطيعون تقديمه مع إخوانكم الكويتيين.. حتى ساعة الفرج.
المشهد الذي روته لي أم فارس في وداعها لأبي فارس ولم تنشره الشرق الأوسط كان أمرا آخر.
أطلع أطلع أنا ما فيني حمل أربي خمسة بروحي، هذه كانت كلمات أم فارس الأخيرة لأبي فارس فايق عبدالجليل وكان رد فايق بأنه يريد أن ينقل كتبه لمنزل أمه ثم يخرج ولكن فايق لم يخرج!
ودع فايق أم فارس وركب سيارته الكاديلاك الزرقاء ومع أول خيوط الفجر وشروق الشمس تحركت الكاديلاك الزرقاء صوب الكويت وهي لوحدها في الشارع المتوجه نحو مدينة الكويت من المنفذ الحدودي بينما مئات السيارات في الشارع المقابل تتوجه للخروج وكأني أرى الآن أم فارس في فجر ذلك اليوم وعيون أم فارس وهي تراقب الكاديلاك الزرقاء وغترة بيضاء على رأس فايق تغطيه وصوت فايق يحيط بدموع أم فارس وصباح نوف.. صوت فايق الهادئ الجميل وهو يقول:

حبيب الأرض يا أنت..
إذا شفت الخطر..
طوق طريق البيت
إذا شفت الخطر قادم..
تهجى بس اسم الكويت
وأرمي في عيون الخوف
حفنه من رمل الكويت
وأرمي في لهيب الحقد
ضحكه من بحر الكويت

الحياة لابد أن تستمر..
أم فارس ربت عيالها الخمسة وتبين ان فيها حمل لتربيهم ومن خلّف مامات! مازلت كلما أرى فارس ابن فايق البكر ارى فايق الذي لم أره شخصياً في حياته على الشبه الغريب الجميل الذي جمعهما وأبكي في صمت!
الحياة تستمر وكذلك الشعر بعد الغزو وبعد رحيل فايق برزت من الكويت ظاهرة مكملة لظاهرة نايف وفايق اسمها علي مساعد!
علي مساعد هو ابن الجيل الذي اتى بعد جيل فايق واقتحمنا بنفس الزخم الكويتي الشعبي البسيط الجميل وكما نال فايق احباطه من حمد السعيدان ليدفعه نحو الابداع كذلك نال علي نصيبه من الاحباط وهو ابن عائلة الكل فيها يقول الشعر ليعلق عمه اطال الله في عمره السيد / سرور البغيلي على شعره ويقول له (الله أعلم أنك شويعر) ليستفز علي ويكتب بهذه الروح وهذه الانطلاقة والجمالية.

فايق قابل علي مساعد وأثنى عليه
شعره... فايق قال لعلي ان الشعر الجميل مثل السلام الجميل وبمثل هذه الاناقة والبساطة في الوصف اجد ذلك في شعر علي ولهذا في ظني ان علي هو فايقنا الحالي ولعلي من بعده من يكمل... هذه الأرض هذه الكويت حبلى بكل حب وابداع!.















رد مع اقتباس