عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 05-Mar-2010, 04:03 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
أبو طلحة العتيبي
موقوف لمخالفة الأنظمة
إحصائية العضو






أبو طلحة العتيبي غير متواجد حالياً

افتراضي

يقول النايف ( 511 ) أحد أبناء الدعاجين في مقال بعنوان ( إلى روح الشاعر الكبير نايف المخيمر الدعجاني) :



بعد حياة قصير مليئة بالشعر والمعاناة
نايف المخيمر الدعجاني ..
الشاعر الذي احرق دواوينه
وتبرا من قصائده
عندما نستعيد ذكري الشاعر نايف المخيمر فكأننا نحاول الإمساك بلحظات البرق أو بالشهب المنكسر او كأننا نحاول الإمساك برائحة الورود في ساعات الصباح المبكر

هذا هو الشاعر الشاب نايف المخيمر الذي مر كالبرق في سماء الشعر الخليجي فأضاء الساحة , ثم انطفأ تاركا وراءه ديواني شعر هما " وجها لوجه " و " غرشة عطر " كما ترك عشرات الأسئلة حول الأسباب التي جعلته يهجر الشعر ويحرق دواوينه وقصائده التي لم تنشر ويتبرأ من كل ما كان شعرا في وجدانه ويعتبر ان كل القصائد التي كتبها هي الهام من عالم غير ملائكي ..


عرفته في أوائل الثمانينات ( حوالي 1971 ) وكان وقتها موظفا في إدارة التحقيقات التابعة لوزارة الداخلية ثم عين سكرتير تحقيق في النيابة الهامة وكانت تلك الوظيفة هي النقيض تماما لروح الشعر التي تسكنه .. فقد كان يحضر ويدون جلسات التحقيق الطويلة المملة ويسمع وكيل النيابة يردد نفس الأسئلة الروتينية علي المتهمين والمتهمات وكانت معظم قضايا ذلك الوقت تتركز في ثلاثة أنواع : السرقة , هتك العرض , المواقعة .. وهذا الانفصام بين الشعر والواقع خلق لدية حالة من الرفض الكامن , ولكن ملامحه الهادئة الرقيقة لم تكن تكشف هذا الرفض .. إلا عندما يفضفض للمقربين إليه

كان وقتها قد اصدر ديوانه الأول وجها لوجه الذي تمني أن يثير ضجة في الساحة الأدبية , وقد اختار له في البداية اسم " بيسرية " وهي عبارة دارجة في الخليج يقال ان أصلها فارسي وتعني غير الأصيل أو من لا جذور له .. وهي تستخدم في الشأن الاجتماعي فقط عندما يحب شاب وفتاه احدهما غني والآخر من عائلة بسيطة وتصطدم علاقتهما بالمستحيلات الاجتماعية .. ونظرا لان الديوان يحوي قصيدة وجها لوجه فقد اختير عنوان القصيدة ليكون عنوانا للديوان

ورغم أن هذا الديوان لم يثر في حينه الضجة التي كان الشاعر الشاب يحلم بها ألا أن الصحافة الأدبية رأت فيه بداية ولادة شاعر مبدع

ورغم علاقة الصداقة التي جمعته مع الجيل الجديد من شعراء الكويت والخليج وقراءاته في الأدب الحديث للشعراء المرموقين أمثال السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور والأمير عبد الله الفيصل والقرشي وغيرهم وإعجابه الخاص بأعمال محمود درويش وسميح القاسم .. وأدونيس .. إلا أن نايف المخيمر ظل يسكن داخل نفسه نتيجة الأحزان التي تعصف به بعد وفاة شقيقه ناصر

وفي فترات التحرر من ذلك الحزن ومن تلك الذكريات كان يتعلق بالأمل في استحداث ثورة في الشعر عن طريق استخدام اللغة الثالثة وهي مزيج بين الشعر الشعبي والحديث وقد وصفها في ذلك الوقت بأنها : " ليست بالشعبية أو الفصحى ذات القواعد اللغوية , إنها اقرب إلي الفصحى الأم , لا يفصلها عنها إلا خلوها من أدوات التشكيل كالفتحة والضمة والكسرة , أنها محاولة لاستخدام الكلمات الشعبية ذات الإيقاع العذب الذي يضفي علي القصيدة نوعا شاعري التطريز …"

لقد كان يريد الوصول من خلال هذه اللغة الثالثة إلي قلوب الشباب خاصة وان جيلا جديدا من القراء كان قد ظهر في الخليج وتأثر بالشعر العامي المصري والزجل اللبناني نظرا للزيادة الكبيرة في إعداد الوافدين العرب إلي الكويت وبقية دول الخليج .

وخلال هذه الفترة بدا العمل في ديوانه الثاني " غرشة عطر " الذي ضمنه تجارب من نهجه الشعري الجديد وتناول فيه الكثير من الهموم والمشكلات الاجتماعية الخاصة بتلك السنوات .. وهي سنوات كانت تغلي بالنشاط والحركة والنقد .. وكان المثقفون والأدباء في الخليج والعالم العربي عموما يعبرون عن سخطهم ورفضهم للواقع المعاش ويتشوقون لواقع أكثر عزا وكبرياء ( حرب أكتوبر ) .

وفي احدي لقاءاته قال المخيمر : الشاعر في نظري هو الفنان العلوي الصادق المتوهج بحرارة تفاعله وبمشاعره الجياشة .. الشاعر في نظري هو الفنان الذي يترك نفسه تنطلق في كل منحدر وترتقي كل قمة ويتبعثر في كل ريح حتى يصل إلي ذروة الشعر .

وفي الوقت الذي حقق فيه صديقه فائق عبد الجليل بعض النجاح في مجال الشعر الغنائي والاوبريت التليفزيوني فان نايف المخيمر ظل بعيدا عن الشهرة سجينا للحظات الإلهام . وللحزن والأفكار الني تقود لعوالم غير مرئية , وحاول ان يمد يد المساعدة للجيل الأصغر من القصاصين والشعراء الهواة . فبدا يقدم نماذج من تجاربهم من خلال القسم الأدبي الذي كان يشرف عليه في مجلة " النهضة " التي كانت من اهم المجلات الأسبوعية الشاملة في الكويت وفي منطقة الخليج في ذلك الوقت .

ولم يكن نايف المخيمر مبالغا حينما قال :

إنني لا أكتب القصيدة ولكنها هي التي تصطادني وتكتبني مهما حاولت الهرب منها " وهو تعبير يصف دقائق حالته .. فالقصائد , كما الأحلام الجميلة . وكما الهواجس والكوابيس , كانت تهاجمه . كان أعماقه ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات .. وقد صارحني في احدي الأمسيات بأنه يخاف النوم في الظلمة . ولذلك يترك المصباح مضاء طوال الليل!

كان يقيم وحده في ذلك الوقت .. في غرفة داخل بيت عربي علي بعد عشر خطوات من شارع الخليج مملوك لأحد المسئولين في وزارة الداخلية .. فكان يبتسم وهو يصرح : " نحن في حماية الشرطة " وفي الحقيقة هو لم يكن يحتاج حماية احد فقد كان إنسانا قدريا , خجولا , مثل زهرة يفوح عبيرها يفوح عبيرها علي من حوله أو نسمة من نسمات الربيع في زمن الوسم . واذكر أنني تسببت له في مشكلة كبيرة بسبب عملي الصحفي وتم نقله من النيابة العامة الي إدارة التحقيقات مرة ثانية ولكن صداقتنا ظلت تتعمق مع مضي الوقت .

كنا نلتقي ثلاثتنا .. ائق عبد الجليل المزهو بالشعر والأناقة والمعجبين . ونايف المخيمر المسكون بالخجل والحزن الداخلي .. وأنا .. نقرا جديدنا في الشعر أو القصة القصيرة .. أو نحكي عن الزمن الجميل .. والأفكار المجنونة وقد انطلق احدنا الي عالم الأضواء في المسرح والتليفزيون وكان نجاحه مقترنا بأسماء فنانين كبار كعبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج وسعاد عبد الله لكن نايف المخيمر كانت عينه علي جوهر الشعر , وعلي ذلك العمق الداخلي .. علي الأحاسيس والأصداء البعيدة والأشواق المستحيلة .. وفي هذه الأثناء مرضت والدته وهي آخر من بقي له من عائلته .. وكانت سيده مسنة , فكنت اصحبه في زياراته لها حتى لا يغوص في الحزن وحده .. وعندما يقترب الإنسان من شاعر بمثل هذا القرب ويعايش همومه وأحزانه ويقرا أفكاره فانه من المؤكد يصبح قادرا علي تلمس أدق الأحاسيس في شعره

كان يأخذ لها الطعام والعصير ويمضي معها بعض الأمسية فكنت الحظ ذلك الحوار الصامت الذي يدور بينهما معظم الأحيان .. وبعد أيام رحلت أم ناصر وبقي الشاعر وحيدا أكثر من أي وقت عرفته . فازدادت هواجسه وكوابيسه ولم تعد الأصداء التي أحدثها ديوانه الثاني غرشة عطر كافية لتنتشله من هذه الأحزان .. فحاول الانغماس في كتابة قصائد ديوانه الثالث لكن الحزن والوحدة والكوابيس وجذوة الشعر المتقدة كل ذلك راح يثقل كاهله .. فرحل إلي باكستان ليزود من العلوم الدينية .. او لنقل ليجد الراحة والسلوى في دراسة الفقه والشريعة .

وقبل سفره كان قد أعلن : " إن الكلمة في هذه المنطقة تجتر خواءها من الداخل حتى حبلت العقم .. بعد أن اعتمدت علي نفسها كثيرا دون أن تلقي بما تنطوي عليه من عوالم وأبعاد ساخنة .. كالصفعة علي وجوهنا . وستبقي كذلك ما لم يأتها الخلاص علي يد قلم شاب يستطيع بالحرف المشحون أن يلحقها بركب الفكر العالمي الذي عانقت طلائعه الشمس ! "

فهل كان هو ذلك الشاب المنتظر الذي سيعيد للشعر ملكوته .. وهل كان هو ذلك الفارس المنتظر الذي تشرئب الأعناق لتوقع حضوره وهو قادم من بعيد ليزرع الأرض قمحا وأطفالا وياسمينا . هل كان هو ذلك الفارس العائد لمعانقة الفجر في العيون العبقة برائحة المحار ؟؟ .. نعم كان نايف المخيمر فارسا من فرسان الشعر في منطقة الخليج ترجل مبكرا و تلاشي في ضباب الكون

وبعد كل هذه السنوات ما زلت أتذكر عبارته .. : " لو أن الفارس القادم مزج عبقريته بالمعاناة الساخنة .. لحبل العقم بربيع ليس في الحسبان " .
وعندما عاد من باكستان . كان شخصا آخر لم أتعرفه : لحية كثة .. دشداشة قصيرة ونعال متهرئ وصارحني بأنه اقلع تماما عن الشعر .. وان القصائد التي كتبها لم تكن سوي الهام من مصدر غير ملائكي وانه يتبرأ منها ومن كل حياته السابقة , بل زاد علي ذلك انه احرق دواوينه ومنح سيارته لأحد الأشخاص وانه راض الآن باستخدام قدميه !

ورغم انه كانت تنتابه في السابق لحظات صحو يعتكف فيها بالمساجد إلا انه هذه المرة كان قد قرر نهائيا هجر الشعر والتبرؤ منه .

وطلبت منه أن يزورني لتبادل الحديث كما في الأيام الخوالي ولكنه اعتذر تماما ورجاني ألا أحدثه في الشعر أو الأدب كما اعتذر عن زيارتي في منزل أسرتي .. وودعني كشهب أضاء سنوات شبابي ورحل تاركا ذكري أيام لن تمحي , عن شاعر بلغ قمة سموه الروحي مرة عن طريق التفاني في القصيدة ومرة أخري عن طريق هجر الشعر .. لقد كان صادقا في الحالين .. وكانت مشاعره انقي واقوي من الكلمات والصور الشعرية وعندما عجز الشعر عن أن يكون الوعاء لأفكاره وأحلامه وتشوقا ته وان يحميه من الهواجس والمخاوف والكوابيس هجره وانطلق طريق أرحب عل روحه تجد فيها الاطمئنان والسكينة

ومازلت اذكر عندما زرته في المستشفي قبل سفره الي الباكستان حاملا معي دراسة حول حياته وشعره كنت قد نشرتها في جريدة أجيال الأسبوعية وبعد أن فرغ من قراءتها أغر ورقت عيناه بالدموع وهتف بي : " آه لو تجعل الأطباء يقرؤون هذه الدراسة .. لربما يفهمون مرضي وأسباب توتري وقلقي .. فأنت تفهمني اكتر من فعل الأطباء ".. وكان نايف وقتها نزيلا مستشفي الطب النفسي

وبعد عدة أشهر علمت من الصديق الأسير فائق عبد الجليل ان نايف المخيمر قضي وفاضت روحه اثر حادث مروري داخل المملكة .. رحم الله نايف المخيمر واسكنه فسيح جناته .. وأمد أسرة الشاعر فائق عبد الجليل بالصبر والسلوان















رد مع اقتباس