أبن الجزيره
07-Feb-2008, 10:59 PM
1...
(يا علماء المسلمين)
لقد أخذ الله منكم العهد والميثاق على مقالة الحق وعدم كتمان العلم فلا تسكتوا عن باطل رأيتموه وتبيين حق عرفتموه، ولا تبيعوا دينكم بدنيا غيركم، فأنتم القدوة الحقيقيون للأمة إن اتقيتم الله في وراثتكم للنبوة وبينتم للأمة طريق الفلاح والسعادة على ضوء الكتاب والسنة، فلا خير فيكم إن لم تقولوا للمنحرف عن شرع الله: قف واستقم على منهج الله، وناصحوا حكَّامَ المسلمين وأصحاب القرار فيما يستوجب النصيحة خاصة وأنتم ترون وتشاهدون في هذا العصر ما يحتم على كل صادق وناصح ويوجب على كلِّ مسؤول في أي موقع أن يرى بعين باصرة وفكر ثاقب مداخل الشر الكثيرة ومنافذ التلوث المتنوعة وما يتسرب عن طريقها من فكرٍ منحرف مما يُحتاج معه إلى عناية خاصة واهتمام متميز، وإن المسؤولية لتتركز أول ما تتركز عليكم وعلى جميع الجهات الشرعية والإسلامية المباشرة في جميع الدول الإسلامية من وزارات الشؤون الإسلامية، ودور الإفتاء، ومراكز الدعوة، والجامعات والمدارس الإسلامية.
وقولوا لكل أحد إننـــــــــــــــــا :
ندعو إلى التوحيد طول حياتنا *** في كل حين في الخفا والمشهدِ
ونحارب الشرك الخبيث وأهلهُ *** حربًا ضروسًا باللسان وباليدِ
وكذلك البدع الخبيثة كلّها *** نقضي عليها دون باب المسجدِ
هذي طريقتنا وهذا نهجُنا *** فعلام أنتم دوننا بالمرصدِ
لِمَ تطعنون وتلمزون كأننا *** جئنا برأي للعقيدة مفسدِ
ولا يثنينكم عن الصدع بالحق استهزاء مستهزئ وسخرية ساخر فالله كافيكم إياهم،وتذكروا قول الله: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ {94} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ {95} } [ الحجر: 94 ـ 95].
2...
(إلى حكام المسلمين و صناع القرار)
إلى حكام المسلمين ،اتقوا الله في رعاياكم التي استرعاكم الله إياها وأنتم مسئولون عنها يوم القيامة، وكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته، واعلموا أن الله جعلكم أوصياء على هذه الأمة لترعوا مصالحها الدينية والدنيوية فتكونوا بمثابة وصي اليتيم، وجنبوهم الأرض المجدبة والمسبعة.
ولئن أحاطت بكم ظروف لم تستطيعوا معها الدفاع عن بلاد المسلمين وتحرير الأوطان المضطهدة فلا أقلَّ أن تحافظوا على إقامة دين الله في بلدانكم ولا تفرطوا فيها؛ بل عليكم القيام بالأمانة التي جعلها الله في أعنقاكم بالحفاظ على ما تحت أيديكم من البلاد من الشرك والبدع والمعاصي كلها؛ لتكونوا سببًا لجلب الأمن والأمان لبلدانكم ورعاياكم بعدم لبس الإيمان بشوائب تشوبه {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } [الأنعام: 82].
ومثل هذه البرامج الهابطة تهدم عقيدة الناس وسلوكهم وأخلاقهم وتوغر صدروهم، فإذا فسدت الرعية؛ تزعزع الأمن، ودبَّت الفوضى، وانتشرت الفواحش، واختلت الطاعة التي أوجبها الله لكم في المعروف فأدركوا رعيتكم وفَّقكم الله قبل فوات الأوان، واعلموا أن هذه الوسائل إن لم يحسن توجهها فهي كفيلة بأن تخرج أجيالاً لا ترى الخير ولا التقدم إلا فيما عند الأعداء، ولا ترى الشر والتخلف إلا فيما عند أهلها وذويها، فيجب أن يفهم الجيل ـ وقبلهم أولئك الساقطون ـ أن الأمن الفكري هاجس يحظى بمكانته لديكم خصوصًا في جزيرة الإسلام ومهبط الوحي ومهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الجزيرة معقل الإيمان وما لم يرسخ هذا المنهج في أذهان الناس فسيتجرأ هؤلاء وغيرهم من المتربصين على انتهاك حرمة الأمن الفكري لبلدانكم؛ فالعمل منكم واجب في تقييم المفاهيم المدخولة والأفكار المغلوطة بأن تدافعوا عن دين الله وتقاوموا كلَّ دخيل وشاذ، وأهم منطلقات هذا التصحيح الاعتقاد الجازم بأن أمة الإسلام لن يعزها الله إلا بالإسلام، ومهما ابتغت العزة في غيره فهي إلى الذلة والتبعية تصير وتسير .
والإعلام في بلاد الحرمين المباركة له رسالته الخاصة ودوره المتميز ومسؤوليته الكبرى بما يجسد الاهتمام بالحفاظ على الدين والمواطنة الصالحة فلا يرضى لنفسه ولا يقبل منه أهله ومحبوه أن يجاري الأبواق الناعقة ويسير في ركاب المنافسة الإعلامية الهزيلة والتبعية المهينة أبدًا { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } [ ص: 26].
3....
(إلى القائمين على إعلام المسلمين)
على القائمين على إعلام المسلمين أن يتقوا الله وأن يقوموا بحصانة الفكر من كل شر وأن لا يغالطوا أنفسهم وهم لا يبثون ولا يكتبون إلا ما يثير الفتن في تفسيرات مفرطة للأحداث ـ من خلال التحليلات الإخبارية والتعليقات الإعلامية ـ تسير في تيار مكشوف يولد البلبلة والقلق، ولا أدلَّ على ذلك من مقابلاتهم ونداءاتهم وترَّهاتهم التي تُدَوَّى في مجاملات لمن يحبون ومحاكمة لمن يكرهون فاقدة للمصداقية ومحكومة بالهوى والمذهبية والتوجهات السياسية؛ بل يقال ـ وبكل صراحة وجرأة ووضوح ـ: لقد بدأت وجهة الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في كثير من البلاد والشعوب تتخذ مسارًا؛ بل مسارات مغايرة لما يجب أن تكون عليه من استقامة على طريق الحق كل ذلك لتأثرها بهذا الطرح الموجة والمدروس لترسيخ جذور الاستعمار، إنه استعمار له تلامذته من ضحايا الغزو الفكري والاختراق الأمني العقائدي وسائل وتوجيهات وكأنها متكفلة وملتزمة بإيجاد أجيال مبتورة الصلة بدينها وأمتها مستنقصة بتراثها وحضارتها ملتصقة بالعدو الكافر الذي لا يرضى ولن يرضى إلا أن يكون الأجيال أداة لتنفيذ كلِّ المآرب ـ ناهيك بما تقوم به هذه الوسائل من تخدير الشعوب بوسائلها الخطيرة .
أين تحصين فكر الشباب عن كلِّ دخيل وشاذ؟! وأين حفظ الدعوة إلى الله على بصيرة؟! وماذا قدمتم لنشر العقيدة الإسلامية الصافية النقية؟!
أين البسط لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ؟! أين إبراز صور الحضارة الإسلامية وأخلاقياتها؟! أين دور وزارات الإعلام والجهات المسؤولة المعنية بالشباب والتربية للحفاظ على الناشئة من الانحراف والشذوذ في طرفيه: الإفراط والغلو والتفلت؟! فلا تكونوا باب شر على الأمة، ولتكونوا صادقين ناصحين لدينكم وأمتكم، ولا تعينوا أهل الباطل عليها { قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ } (17) [ القصص: 17].
4....
(يا معشر المؤمنين ويا أهل الإسلام)
أهكذا تكون حياة المسلمين هزل لا جدَّ فيه، وفراغ لا شغل نافع فيه، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، أرضيتم أن يهزأ بكم الساقطون ويضيعوا دينكم ويحطُّوا من قدركم ويهدروا أوقاتكم، وقبل ذلك يستهزئوا ويسخروا بدينكم { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء.: 140]
إنه لحري بكم أن تعمروا أوقاتكم بالطاعات وتربأوا أن تكون عمارتها بالباطل وسفاسف الأمور، قوموا بحق الله في أنفسكم وبيوتكم وأبنائكم وتربية جيلكم على الحق والفضيلة وجنِّبوهم العبث والفساد والرذيلة وتذكروا {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ } [البقرة: 166]، وكفى تبعية واتباع لهؤلاء .
والحذر كل الحذر أن يأتيَ أحدكم الموت على هذه الحال وتذكروا عظم الشهر؛ بل واحذروا المعصية في سائر الأيام {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [إبراهيم: 99]
يا باغي الخير أقبل في قرى ملكٍ *** فصاحب اللغو لم يفطر ولم يصمِ
كم ضحكة همجية في غمض شاردةٍ *** لكنها حسرة في ساعة الندمِ
هذي طيوف من الإشفاق صادقةٌ *** وربما يعصف الإفساد بالنعمِ
أيها المسلمون؛ اتقوا الله في أنفسكم فلا تكونوا كقطعان الماشية تساق إلى حتفها بظلفها، فأنتم الذين فتحتم لهم المجال بتشجيعكم وسكوتكم على المنكر وقبولكم للباطل، فاتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاَّكم اللهُ أمرَهم، قال الفضيل بن عياض: (اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين) [الاعتصام :1/ 83].
ابدأ بنفسك وبمن تعول بالتغيير الذي تستطيعه بلا تصرف عشوائي هائج ولا سكوت مقيت مائج ولكن بتقوى الله ومناصحة أهل الشأن والأمر بالأسلوب الأمثل وإرجاع الأمر إلى أهله من أهل العلم وولاة الأمر ورفع المقترحات في البدائل النافعة ومناصحة الإعلام وأهله لتحصين الأمة من كل سوء بكل الطرق المعتدلة الصحيحة المستقيمة بعيدًا عن الإثارة والبلبلة والتصرفات التي لا تحمد عقباها وتجر على الأمة الويلات.)
5....
(أيها العابثون اتقوا الله)
إلى كل ساخر من دين الله وعابث بثوابت الحق . . . اتقِّ الله ولا تأخذك العزة بالإثم أما سرت في الأرض أما نظرت عاقبة الذين سخروا { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ {82} فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون {83} فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ {84} فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [غافر: 82 ـ85].
احذر واسمع قول الله { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون {33} وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ {34} ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ {35} فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {36} وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {37} } [النحل: 33 -37].
أيها القائم على مثل هذا العمل ممثلاً كنت أو مخرجاً أو مصوراً أو باثاً وناقلاً ومؤيداً ماذا تريد من هذا العمل؟ أتريد مالاً وتطمح لشهرة؟! فبطاقتك وقوتك وحيويتك ومواهبك إذا سخرت في الخير واتقيت الله جعل لك مخرجًا ورزقك من حيث لا تحتسب، فلا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور.
فأعظم واعظ كتاب الله، فيه وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، فقف الآن مع هذه الآيات: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {104} أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا {105} ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا {106} } [الكهف: 103- 106] .
وقول الله تعالى:{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ {5} فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون } [الشعراء: 5 :6]. ألست ترى من هذه الأعمال وبعد هذه الأقوال أنك كنت أو ستكون سببًا في انحراف الناس رجالاً ونساءًَ صغارًا وكبارًا، واعلم أن عليك وزرها ووزر من عمل بها إلى قيام الساعه وقد تعاقب في زوجك إذا ضلت زوجة، وفي ولدك إذا ضل أولاد المسلمين، وفي نفسك ومالك وحياتك إذا انخرط في عملك المتأثرون. . . ثم ما الذي سينفعك ومن الذي سيقف معك وخصوصًا يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية { قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } [التوبة: 64] .
ولا يلبسن الشيطان عليكم بشبه واهية تنطلي عليكم وتظنون أنكم قادرون على إقناع الناس ـ وأعني العقلاء منهم ـ بأنكم تؤدون أدوارًا صحيحة القصد هادفة المحتوى !! { لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } [النحل: 23] ،وكل عاقل يعلم أن الحق خلاف ما تقولون وتفعلون، وأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجتمع ولن تجتمع بإذن الله على ضلالة وخطأ.
فيا أيها الممثلون . . . و يا أيها المستهزئون ها نحن ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى الضياع والاستهزاء والسخرية والنار ولكن لا جرم أنما تدعوننا إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ {41} تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ {42} لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ {43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } [ غافر 41 ـ 44]، إذًا {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ } [الشورى: 47]. واحذروا من عذاب الله فإنه وإن تأخر لإمهالكم فلا تكثر عليكم سيئاتكم {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ } [هود: 8].
أسألكم بالله أهذا حق أمتكم عليكم، وهذا هو الوفاء لها ولبلادكم ولولاة أمركم الذين وضعوا في أعناقكم أمانة؛ فخنتم الأمانة، وضيعتم حق الله تعالى وحق ولاة أمركم عليكم وأنتم تنتسبون إلى أعظم ملة، وتحملون أشرف ديانة، ولكن هداكم الله وردكم للصواب .
أخيرًا أيها الناس جميعًا ثقوا بنصر الله وإن تسلط الأعداء في الخارج أو في الداخل وكما يجاهد الكفار بالسنان فجاهدوا المنافقين باللسان والبيان { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } [التحريم.: 9] ،ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، واعلموا أن العاقبة لدين الله والنصر لأوليائه وإن استبطأنا ذلك فهذه طبيعة البشر { أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة.: 214]
يا معشر الإخوان سيروا وأبشرُوا *** وثقوا بنصر الواحد المتفردِ
سيروا على نهج الرسول وصحبِهِ *** لا تعبأوا بالآثم المتمردِ
ولتعلنوها للبرية كلِّها *** إنا بغير محمد لا نقتدِي
لا نطلب الدنيا ولا نسعى لها *** الله مقصدنا ونعم المقصدِ
ليس المناصب همَّنَا ومرادَنَا *** كلا ولا ثوب الخديعة نرتدِي
إنا لنسعى في صلاح نفوسِنَا *** بعلاج أنفسنا المريضة نبتدِي
ونحب أن نهدي البرية كلَّها *** ندعو القريب قبيل نصح الأبعدِي
وبواجب المعروف نأمر قومَنَا *** ونقوم صفًّا في طريق المفسدِ
سدَّد الله الخطى، وبارك في الجهود، وتقبَّل من الجميع،وحفظ الجوارح، وأصلح القلوب، وجمع الكلمة، ووحَّد الصف، وهدانا إلى الطريق المستقيم، وأتم علينا النعمة، وزادنا أمنًا وتوفيقًا.
كتبت هذا إبــــــراء للذمـة، ونصحًا للأمة، وحسبنا الله ونعم الوكيــل، ولاحول ولا قوة إلا بالله، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدرنادر المشاري
(يا علماء المسلمين)
لقد أخذ الله منكم العهد والميثاق على مقالة الحق وعدم كتمان العلم فلا تسكتوا عن باطل رأيتموه وتبيين حق عرفتموه، ولا تبيعوا دينكم بدنيا غيركم، فأنتم القدوة الحقيقيون للأمة إن اتقيتم الله في وراثتكم للنبوة وبينتم للأمة طريق الفلاح والسعادة على ضوء الكتاب والسنة، فلا خير فيكم إن لم تقولوا للمنحرف عن شرع الله: قف واستقم على منهج الله، وناصحوا حكَّامَ المسلمين وأصحاب القرار فيما يستوجب النصيحة خاصة وأنتم ترون وتشاهدون في هذا العصر ما يحتم على كل صادق وناصح ويوجب على كلِّ مسؤول في أي موقع أن يرى بعين باصرة وفكر ثاقب مداخل الشر الكثيرة ومنافذ التلوث المتنوعة وما يتسرب عن طريقها من فكرٍ منحرف مما يُحتاج معه إلى عناية خاصة واهتمام متميز، وإن المسؤولية لتتركز أول ما تتركز عليكم وعلى جميع الجهات الشرعية والإسلامية المباشرة في جميع الدول الإسلامية من وزارات الشؤون الإسلامية، ودور الإفتاء، ومراكز الدعوة، والجامعات والمدارس الإسلامية.
وقولوا لكل أحد إننـــــــــــــــــا :
ندعو إلى التوحيد طول حياتنا *** في كل حين في الخفا والمشهدِ
ونحارب الشرك الخبيث وأهلهُ *** حربًا ضروسًا باللسان وباليدِ
وكذلك البدع الخبيثة كلّها *** نقضي عليها دون باب المسجدِ
هذي طريقتنا وهذا نهجُنا *** فعلام أنتم دوننا بالمرصدِ
لِمَ تطعنون وتلمزون كأننا *** جئنا برأي للعقيدة مفسدِ
ولا يثنينكم عن الصدع بالحق استهزاء مستهزئ وسخرية ساخر فالله كافيكم إياهم،وتذكروا قول الله: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ {94} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ {95} } [ الحجر: 94 ـ 95].
2...
(إلى حكام المسلمين و صناع القرار)
إلى حكام المسلمين ،اتقوا الله في رعاياكم التي استرعاكم الله إياها وأنتم مسئولون عنها يوم القيامة، وكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته، واعلموا أن الله جعلكم أوصياء على هذه الأمة لترعوا مصالحها الدينية والدنيوية فتكونوا بمثابة وصي اليتيم، وجنبوهم الأرض المجدبة والمسبعة.
ولئن أحاطت بكم ظروف لم تستطيعوا معها الدفاع عن بلاد المسلمين وتحرير الأوطان المضطهدة فلا أقلَّ أن تحافظوا على إقامة دين الله في بلدانكم ولا تفرطوا فيها؛ بل عليكم القيام بالأمانة التي جعلها الله في أعنقاكم بالحفاظ على ما تحت أيديكم من البلاد من الشرك والبدع والمعاصي كلها؛ لتكونوا سببًا لجلب الأمن والأمان لبلدانكم ورعاياكم بعدم لبس الإيمان بشوائب تشوبه {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } [الأنعام: 82].
ومثل هذه البرامج الهابطة تهدم عقيدة الناس وسلوكهم وأخلاقهم وتوغر صدروهم، فإذا فسدت الرعية؛ تزعزع الأمن، ودبَّت الفوضى، وانتشرت الفواحش، واختلت الطاعة التي أوجبها الله لكم في المعروف فأدركوا رعيتكم وفَّقكم الله قبل فوات الأوان، واعلموا أن هذه الوسائل إن لم يحسن توجهها فهي كفيلة بأن تخرج أجيالاً لا ترى الخير ولا التقدم إلا فيما عند الأعداء، ولا ترى الشر والتخلف إلا فيما عند أهلها وذويها، فيجب أن يفهم الجيل ـ وقبلهم أولئك الساقطون ـ أن الأمن الفكري هاجس يحظى بمكانته لديكم خصوصًا في جزيرة الإسلام ومهبط الوحي ومهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الجزيرة معقل الإيمان وما لم يرسخ هذا المنهج في أذهان الناس فسيتجرأ هؤلاء وغيرهم من المتربصين على انتهاك حرمة الأمن الفكري لبلدانكم؛ فالعمل منكم واجب في تقييم المفاهيم المدخولة والأفكار المغلوطة بأن تدافعوا عن دين الله وتقاوموا كلَّ دخيل وشاذ، وأهم منطلقات هذا التصحيح الاعتقاد الجازم بأن أمة الإسلام لن يعزها الله إلا بالإسلام، ومهما ابتغت العزة في غيره فهي إلى الذلة والتبعية تصير وتسير .
والإعلام في بلاد الحرمين المباركة له رسالته الخاصة ودوره المتميز ومسؤوليته الكبرى بما يجسد الاهتمام بالحفاظ على الدين والمواطنة الصالحة فلا يرضى لنفسه ولا يقبل منه أهله ومحبوه أن يجاري الأبواق الناعقة ويسير في ركاب المنافسة الإعلامية الهزيلة والتبعية المهينة أبدًا { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } [ ص: 26].
3....
(إلى القائمين على إعلام المسلمين)
على القائمين على إعلام المسلمين أن يتقوا الله وأن يقوموا بحصانة الفكر من كل شر وأن لا يغالطوا أنفسهم وهم لا يبثون ولا يكتبون إلا ما يثير الفتن في تفسيرات مفرطة للأحداث ـ من خلال التحليلات الإخبارية والتعليقات الإعلامية ـ تسير في تيار مكشوف يولد البلبلة والقلق، ولا أدلَّ على ذلك من مقابلاتهم ونداءاتهم وترَّهاتهم التي تُدَوَّى في مجاملات لمن يحبون ومحاكمة لمن يكرهون فاقدة للمصداقية ومحكومة بالهوى والمذهبية والتوجهات السياسية؛ بل يقال ـ وبكل صراحة وجرأة ووضوح ـ: لقد بدأت وجهة الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في كثير من البلاد والشعوب تتخذ مسارًا؛ بل مسارات مغايرة لما يجب أن تكون عليه من استقامة على طريق الحق كل ذلك لتأثرها بهذا الطرح الموجة والمدروس لترسيخ جذور الاستعمار، إنه استعمار له تلامذته من ضحايا الغزو الفكري والاختراق الأمني العقائدي وسائل وتوجيهات وكأنها متكفلة وملتزمة بإيجاد أجيال مبتورة الصلة بدينها وأمتها مستنقصة بتراثها وحضارتها ملتصقة بالعدو الكافر الذي لا يرضى ولن يرضى إلا أن يكون الأجيال أداة لتنفيذ كلِّ المآرب ـ ناهيك بما تقوم به هذه الوسائل من تخدير الشعوب بوسائلها الخطيرة .
أين تحصين فكر الشباب عن كلِّ دخيل وشاذ؟! وأين حفظ الدعوة إلى الله على بصيرة؟! وماذا قدمتم لنشر العقيدة الإسلامية الصافية النقية؟!
أين البسط لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ؟! أين إبراز صور الحضارة الإسلامية وأخلاقياتها؟! أين دور وزارات الإعلام والجهات المسؤولة المعنية بالشباب والتربية للحفاظ على الناشئة من الانحراف والشذوذ في طرفيه: الإفراط والغلو والتفلت؟! فلا تكونوا باب شر على الأمة، ولتكونوا صادقين ناصحين لدينكم وأمتكم، ولا تعينوا أهل الباطل عليها { قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ } (17) [ القصص: 17].
4....
(يا معشر المؤمنين ويا أهل الإسلام)
أهكذا تكون حياة المسلمين هزل لا جدَّ فيه، وفراغ لا شغل نافع فيه، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، أرضيتم أن يهزأ بكم الساقطون ويضيعوا دينكم ويحطُّوا من قدركم ويهدروا أوقاتكم، وقبل ذلك يستهزئوا ويسخروا بدينكم { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء.: 140]
إنه لحري بكم أن تعمروا أوقاتكم بالطاعات وتربأوا أن تكون عمارتها بالباطل وسفاسف الأمور، قوموا بحق الله في أنفسكم وبيوتكم وأبنائكم وتربية جيلكم على الحق والفضيلة وجنِّبوهم العبث والفساد والرذيلة وتذكروا {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ } [البقرة: 166]، وكفى تبعية واتباع لهؤلاء .
والحذر كل الحذر أن يأتيَ أحدكم الموت على هذه الحال وتذكروا عظم الشهر؛ بل واحذروا المعصية في سائر الأيام {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [إبراهيم: 99]
يا باغي الخير أقبل في قرى ملكٍ *** فصاحب اللغو لم يفطر ولم يصمِ
كم ضحكة همجية في غمض شاردةٍ *** لكنها حسرة في ساعة الندمِ
هذي طيوف من الإشفاق صادقةٌ *** وربما يعصف الإفساد بالنعمِ
أيها المسلمون؛ اتقوا الله في أنفسكم فلا تكونوا كقطعان الماشية تساق إلى حتفها بظلفها، فأنتم الذين فتحتم لهم المجال بتشجيعكم وسكوتكم على المنكر وقبولكم للباطل، فاتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاَّكم اللهُ أمرَهم، قال الفضيل بن عياض: (اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين) [الاعتصام :1/ 83].
ابدأ بنفسك وبمن تعول بالتغيير الذي تستطيعه بلا تصرف عشوائي هائج ولا سكوت مقيت مائج ولكن بتقوى الله ومناصحة أهل الشأن والأمر بالأسلوب الأمثل وإرجاع الأمر إلى أهله من أهل العلم وولاة الأمر ورفع المقترحات في البدائل النافعة ومناصحة الإعلام وأهله لتحصين الأمة من كل سوء بكل الطرق المعتدلة الصحيحة المستقيمة بعيدًا عن الإثارة والبلبلة والتصرفات التي لا تحمد عقباها وتجر على الأمة الويلات.)
5....
(أيها العابثون اتقوا الله)
إلى كل ساخر من دين الله وعابث بثوابت الحق . . . اتقِّ الله ولا تأخذك العزة بالإثم أما سرت في الأرض أما نظرت عاقبة الذين سخروا { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ {82} فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون {83} فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ {84} فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [غافر: 82 ـ85].
احذر واسمع قول الله { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون {33} وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ {34} ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ {35} فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {36} وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {37} } [النحل: 33 -37].
أيها القائم على مثل هذا العمل ممثلاً كنت أو مخرجاً أو مصوراً أو باثاً وناقلاً ومؤيداً ماذا تريد من هذا العمل؟ أتريد مالاً وتطمح لشهرة؟! فبطاقتك وقوتك وحيويتك ومواهبك إذا سخرت في الخير واتقيت الله جعل لك مخرجًا ورزقك من حيث لا تحتسب، فلا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور.
فأعظم واعظ كتاب الله، فيه وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، فقف الآن مع هذه الآيات: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {104} أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا {105} ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا {106} } [الكهف: 103- 106] .
وقول الله تعالى:{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ {5} فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون } [الشعراء: 5 :6]. ألست ترى من هذه الأعمال وبعد هذه الأقوال أنك كنت أو ستكون سببًا في انحراف الناس رجالاً ونساءًَ صغارًا وكبارًا، واعلم أن عليك وزرها ووزر من عمل بها إلى قيام الساعه وقد تعاقب في زوجك إذا ضلت زوجة، وفي ولدك إذا ضل أولاد المسلمين، وفي نفسك ومالك وحياتك إذا انخرط في عملك المتأثرون. . . ثم ما الذي سينفعك ومن الذي سيقف معك وخصوصًا يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية { قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } [التوبة: 64] .
ولا يلبسن الشيطان عليكم بشبه واهية تنطلي عليكم وتظنون أنكم قادرون على إقناع الناس ـ وأعني العقلاء منهم ـ بأنكم تؤدون أدوارًا صحيحة القصد هادفة المحتوى !! { لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } [النحل: 23] ،وكل عاقل يعلم أن الحق خلاف ما تقولون وتفعلون، وأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجتمع ولن تجتمع بإذن الله على ضلالة وخطأ.
فيا أيها الممثلون . . . و يا أيها المستهزئون ها نحن ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى الضياع والاستهزاء والسخرية والنار ولكن لا جرم أنما تدعوننا إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ {41} تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ {42} لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ {43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } [ غافر 41 ـ 44]، إذًا {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ } [الشورى: 47]. واحذروا من عذاب الله فإنه وإن تأخر لإمهالكم فلا تكثر عليكم سيئاتكم {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ } [هود: 8].
أسألكم بالله أهذا حق أمتكم عليكم، وهذا هو الوفاء لها ولبلادكم ولولاة أمركم الذين وضعوا في أعناقكم أمانة؛ فخنتم الأمانة، وضيعتم حق الله تعالى وحق ولاة أمركم عليكم وأنتم تنتسبون إلى أعظم ملة، وتحملون أشرف ديانة، ولكن هداكم الله وردكم للصواب .
أخيرًا أيها الناس جميعًا ثقوا بنصر الله وإن تسلط الأعداء في الخارج أو في الداخل وكما يجاهد الكفار بالسنان فجاهدوا المنافقين باللسان والبيان { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } [التحريم.: 9] ،ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، واعلموا أن العاقبة لدين الله والنصر لأوليائه وإن استبطأنا ذلك فهذه طبيعة البشر { أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة.: 214]
يا معشر الإخوان سيروا وأبشرُوا *** وثقوا بنصر الواحد المتفردِ
سيروا على نهج الرسول وصحبِهِ *** لا تعبأوا بالآثم المتمردِ
ولتعلنوها للبرية كلِّها *** إنا بغير محمد لا نقتدِي
لا نطلب الدنيا ولا نسعى لها *** الله مقصدنا ونعم المقصدِ
ليس المناصب همَّنَا ومرادَنَا *** كلا ولا ثوب الخديعة نرتدِي
إنا لنسعى في صلاح نفوسِنَا *** بعلاج أنفسنا المريضة نبتدِي
ونحب أن نهدي البرية كلَّها *** ندعو القريب قبيل نصح الأبعدِي
وبواجب المعروف نأمر قومَنَا *** ونقوم صفًّا في طريق المفسدِ
سدَّد الله الخطى، وبارك في الجهود، وتقبَّل من الجميع،وحفظ الجوارح، وأصلح القلوب، وجمع الكلمة، ووحَّد الصف، وهدانا إلى الطريق المستقيم، وأتم علينا النعمة، وزادنا أمنًا وتوفيقًا.
كتبت هذا إبــــــراء للذمـة، ونصحًا للأمة، وحسبنا الله ونعم الوكيــل، ولاحول ولا قوة إلا بالله، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
كتبه
بدرنادر المشاري