العاصفه
15-Jan-2005, 05:37 PM
بعد السلام والتحيه اما بعد هذا جزء من رساله عن اهل دار فور
دارفور.. حينما( يتباكى )الجاني على الضحيّة !
فجأة ــ وبدون مقدمات ــ وجد الرأي العام العالمي نفسه مضطراً لاستقطاع فترات كبيرة من وقته لمتابعة قضية جديدة عليه اسمها (قضية دارفور) لم يكن يعرف عنها من قبل شيئاً.. فما هي خلفيات هذه القضية؟ وهل هي (زوبعة إعلامية)، (قضية مفتعلة)، (مضخمة)؟ أم هي بالفعل بهذه الضخامة؟ وما هي (دارفور) أولاً وقبل كل شيء؟ وما هي طبيعتها الجغرافية والتاريخية؟ وما هي التشكيلة السكانية فيها؟ هوياتهم وأعراقهم؟ أسئلة عديدة تتقاذف وتتلاطم كالأمواج في أذهان الناس دون أن تجد الإجابات الكافية..
إقليم في حجم دولة!
يقع إقليم دارفور في أقصى الغرب والشمال الغربي للسودان بين خطي عرض 9-20 شمالاً، وخطي طول 16-27.7 شرقاً، وتصل مساحته إلى ما يقارب 200 ألف ميل مربع، وهو بهذا يمثل 5/1 مساحة السودان وهو أكبر من مساحة مصر وأكبر من فرنسا، ويشكل إقليم دارفور الحدود السياسية لدولة السودان مع 3 دول مجاورة هي: (ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى).. وهو بهذا يعتبر بوابة السودان من الجهة الغربية التي تفتح مباشرة مع هذه البلدان الثلاث من دون أي عوائق أو موانع طبيعية، مما جعل التدفقات السكانية والقبلية مستمرة عبر القرون بصورة لا تبدو فيها فواصل ثقافية أو عرقية.
مملكة الفور 1445م
يحتفظ هذا الإقليم ــ برغم فقر وبؤس الواقع ــ بتاريخ حضاري طويل، يمكن أن نختصر مسافته في هذه القراءة، بحيث نبدأ بتأسيس (مملكة الفور) التي تكونت على يد (سليمان صولونج) في عام 1445م.. تقول كتب التاريخ التي أرخت لهذا الرجل: إنه ينحدر من (أصل عباسي) جاء إلى الإقليم من (تونس) وتزوج من ملكة الفور ومنه انحدرت سلالة (ملوك الفور) ومن هنا فإن واقع التاريخ يشهد بِقدَم عروبة مملكة الفور، وواقع الحال يشهد بأنه أكثر أقاليم السودان ــ وربما العالم ــ حفظاً للقرآن (الأطفال الصغار والرجال والنساء معظمهم ــ أو جميعهم ــ يحفظون القرآن) ومن ملبسهم وثقافتهم وتقاليدهم فإن كل ذلك يشهد على فضح الأكاذيب والادعاءات التي تتحدث صباح مساء عن «التطهير العرقي للفور!» أي أن العرب يسحقون (الفور).. فهل هناك إشكال وصراع حضاري على هذا النحو الذي تتناقله دوائر الإعلام الغربية وتقتات منه بقية القنوات؟.
متى انضمت للسودان؟
تتحدث الكثير من الجهات التي تُغذي الرأي العام العالمي عن (تعسُّف) في ضم إقليم دارفور للسودان.. وأن المركز (الخرطوم) يمارس القوة في الإبقاء على هذا الإقليم.. وهذه أيضاً (أضحوكة) مفضوحة من عدة جوانب.
أولاً: لم يكن هناك قبل (اتفاقية سايكس بيكو) خرائط سياسية للدول العربية والإسلامية على هذا النحو.. والسودان واحد منها.. بمعنى أنه لم يكن في الوجود بلد اسمه (السودان) بهذا الشكل الموجود حالياً.. إنما كانت لفظة (السودان) عبارة عن تسمية تمتد حتى السنغال.. فكيف يُقال إن هذا الإقليم (يحتفظ به المركز عنوة)؟ وهل هناك إقليم من أقاليم السودان انضم (إلى السودان) باختياره؟ هذه أيضاً مغالطات للجغرافيا والتاريخ صنعها (الغرب) والآن يُريد أن ينقض غزله بيديه لكن تنقصه الصراحة!.
سلطنة علي دينار
كانت مملكة الفور ــ التي تأسست في عام 1445م كما سبقت الإشارة ــ مستقلة، مثلها مثل أي إقليم أو مملكة أخرى قبل أن تظهر الدولة القطرية الحالية.. واستمرت مستقلة حتى جاءت معركة شهيرة اسمها معركة منواشي في عام 1774م لتنضم بها مملكة دارفور لـ (كيان) السودان في شكله القائم وقتذاك، ودانت كذلك لدولة محمد علي باشا في مصر إلى العام 1884م حيث أعلنت انضمامها لدولة المهدية، وبقيت تحت حكم المهدية، ثم استقلت من بعد العام 1898م إلى العام 1916م وأصبحت (سلطنة الفور) تحت حكم السلطان علي دينار الذي يعتبر من أقوى وأشهر رجال الحكم في تاريخ السودان، حيث كان يُرسل (كسوة الكعبة المشرفة) ويهتم بالحج والحجيج وكانت له أملاك بالحجاز ــ لا تزال باسمه ملكاً للحكومة السودانية بمدينة جدة ــ وحفر آباراً للحجيج المتدفقين من المدينة المنورة عند ميقاتهم المكاني «ذو الحليفة» وتُعرف حتى الآن بـ «آبار علي» وكانت فترة سلطنته حوالي 18 عاماً فقط، حيث كان له موقف واضح في تأييد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى الأمر الذي أغضب الإنجليز فأنهوا سلطنته وضموها إلى الحكومة المركزية في الخرطوم عام 1916م.
تداخل قبلي كثيف
تعتبر منطقة (دارفور) من أكثر بقاع الأرض تعدداً في القبائل وتداخلاً بين هذه القبائل.. عدد سكان الإقليم ــ داخل السودان ــ يصل إلى 6 ملايين نسمة (وهو نفس عدد سكان دولة تشاد المجاورة) وسكان إقليم دارفور ــ في جذورهم الثقافية والحضارية ــ يمثلون امتداداً لقبائل في تشاد والكميرون ونيجيريا وإفريقيا الوسطى وغيرها.. لتكون (دارفور الكبرى) على غرار (الشرق الأوسط الكبير)! يقول الأستاذ علي إسماعيل العتباني (رئيس مجلس إدارة صحيفة الرأي العام السودانية): «رغم أن منطقة دارفور أصبحت منطقة طاردة منذ بداية الفتن القبلية والجفاف في الثمانينات، إلا أنها ظلت تستقبل ــ يومياً ــ عشرات الآلاف من دول غرب إفريقيا.. ونتيجة التحولات المناخية ــ انعدام الأمطار في بعض السنين ــ ونتيجة للحروب التي حدثت، الحرب (الليبية التشادية) و (الحرب التشادية التشادية) وحرب إفريقيا الوسطى، فإنها في السنين التي خلت ظلت تستقبل قرابة المليون لاجئ أصبحوا الآن (دارفوريين).. حينما لجأ الآلاف من إريتريا وإثيوبيا للسودان سميناهم لاجئين، لكن الذين لجأوا إلى دارفور أصبحوا من صميم نسيجها الاجتماعي.. العابر للحدود (أتوماتيكياً) يصير دارفورياً بعد أن يلبس العمامة السودانية فيأخذ الجنسية.. وهؤلاء (المليون لاجئ) معهم مليون قطعة سلاح غير مرخصة.. إننا حينما نتكلم عن دارفور، لا نتحدث عن حي من أحياء العاصمة يسهل ضبطه، إننا نتحدث عن رقعة جغرافية توازي مساحتها مساحة (كينيا وأوغندا وبورندي ورواندا) ورغم ذلك فإن التدخل الخارجي الدولي هو السبب في الأزمة الحالية بتسليح الخارجين عن القانون.
ومن حديث الأستاذ (العتباني) يتضح حجم معاناة المركز مع هذا الإقليم وليس العكس.
التشكيلة السكانية
إذا عرفنا أن دول الجوار من غرب إفريقيا (تفتح) معظمها على دارفور، فإن تشاد وحدها التي تئن بـ 150 قبيلة تتداخل مع (دارفور) بـ 13 قبيلة، ففي دارفور توجدالقبائل الرئيسية الثابتة بانتمائها الأصلي للإقليم، لكن هذه القبائل يرقد بعضها في جزءين جزء في السودان والآخر بتشاد! مثل قبيلة (الزغاوة) كُبرى قبائل دارفور، وفي ذات الوقت هي قبيلة رئيس دولة تشاد الرئيس الحالي (إدريس دبيِّ)! ويتوزع سكان دارفور ــ بالتقريب ــ إلى 75% هم سكان الريف و 15% من المتنقلين و 10% فقط يسكنون المدن.. وهذا أيضاً يُعطي مؤشراً واضحاً على بعد السكان عن «التمدن» و «التحضر» و «مواكبة تطورات العصر العلمية والتقنية».. ومن أشهر قبائل الإقليم: (الزغاوة ــ الفور ــ التنجر ــ البرتي ــ البني هلبة ــ الهبانية ــ الزيادية ــ الرزيقات ــ الماليت ــ المعاليا ــ التعايشة ــ الميدوب ــ البرقو ــ الداجو ــ البني حسلين ــ التاما ــ الماهرية ــ المجانين ــ السلامات ــ المسيرية ــ العريقات ــ العطيفات ــ المحاميد ــ التعاليا ــ المراريت ــ الفلاتة ــ بني منصور ــ وروق ــ الصليحاب ــ الميما ــ الترجم ــ الهوارة ــ الجوامعة ــ البرنو ــ ... إلخ).
مسلسل نزاع القبائل!
قد يظن الناس أن دارفور كانت ــ عبر التاريخ ــ تعيش حياتها الطبيعية بلا مكدرات أو نزاعات قبلية.. وعكس ذلك هو الصحيح.. لكن في السابق لم يكن شيء اسمه «النظام العالمي الجديد» الذي نعيشه الآن.. كانت القبائل تتقاتل وتتصالح بنظام (الجودية) المعروف قبلياً هناك حيث يجلس الخيرون من المتخاصمين ويقوموا بإصلاح ذات البين.. لكن الآن تُغذَّى النزاعات القبلية بالأسلحة الحديثة وبمعسكرات التدريب العسكرية! النظام العالمي الجديد يفعل ذلك ويمدهم بالسلاح ثم يقيم المآتم على الضحايا!. كانت دارفور في السابق ــ وإلى اليوم ــ لا تعرف استقراراً بسبب توزيع السكان بين مهنتين وحرفتين أساسيتين (الزراعة) و (الرعي)، وهذه احتكاكات طبيعية تحدث في أي مجموعات إنسانية.. كثيراً ما تهجم المواشي والأبقار على مزارع المزارعين ــ بقصد أو بغير قصد ــ وتحدث حالتئذ النزاعات.. أو تحدث لأي أسباب أخرى تتعلق بالاحتكاك المعيشي بين المجموعات السكانية المختلفة.. ففي بداية السبعينات حدثت سلسة نزاعات في معظم الإقليم بين (المعاليا والزريقات) و (الزريقات والمسيرية) وفي أواخر السبعينات بين (التعايشة والسلامات).. أما في بداية الثمانينات فقد حدثت النزاعات بين (الزغاوة والفور) المتحالفين الآن ضد (العرب!) كان ذلك عام 1982م.. وفي عام 1989م حدث النزاع بين (الفور والعرب) وتمت معالجته بمؤتمر صلح في الفاشر برعاية الرئيس البشير الذي كان في أيامه الأولى للحكم.
ثم حدثت منازعات بين (الفلاتة والقمر) عام 1996 والآن تحالفات (المساليت والفور والزغاوة) ضد ما يعرف بـ (العرب).
حقيقة اضطهاد العرب لغيرهم!
هل يوجد بالفعل تطهير عرقي في دارفور؟ هذا هو السؤال الأكثر إزعاجاً من جملة الأسئلة التي تظهر على السطح الآن.. أولاً: يعرف السودانيون أنفسهم والناس من حولهم، أنه لا يوجد (نقاء عرقي) ــ حتى في شمال السودان ــ يجعل القبيلة أو الفرد منها يعتز بأصله (العربي النقي الصافي)! ليس من شيء كهذا يحدث في السودان أصلاً.. الجميع يعرف أنهم خليط من دماء عربية وأخرى إفريقية.. قد تزيد النسبة العربية هنا أو تزيد النسبة الإفريقية هناك.. ولا أحد يشعر بانزعاج أو دونية، لسبب بسيط جداً وهو أن الذي خلق الخلق وأوجدهم هو الله وحده، وهذه مسائل لا خيار فيها، ومن هنا فإن خلع صفات «التطهير العرقي» على نزاعات دارفور لا يقترب من الحقيقة أو يدانيها.. لو كان الأمر في الشمال لكان أقرب إلى التصديق ــ حيث تزيد النسبة العربية على الإفريقية ــ لكن في الغرب والكل يكتسي بالسواد فإن أمر غلبة العنصر العربي وممارسته للتطهير لا يمكن أن يصدقه العقل!.
خلفية الأحداث الأخيرة
دارفور.. حينما( يتباكى )الجاني على الضحيّة !
فجأة ــ وبدون مقدمات ــ وجد الرأي العام العالمي نفسه مضطراً لاستقطاع فترات كبيرة من وقته لمتابعة قضية جديدة عليه اسمها (قضية دارفور) لم يكن يعرف عنها من قبل شيئاً.. فما هي خلفيات هذه القضية؟ وهل هي (زوبعة إعلامية)، (قضية مفتعلة)، (مضخمة)؟ أم هي بالفعل بهذه الضخامة؟ وما هي (دارفور) أولاً وقبل كل شيء؟ وما هي طبيعتها الجغرافية والتاريخية؟ وما هي التشكيلة السكانية فيها؟ هوياتهم وأعراقهم؟ أسئلة عديدة تتقاذف وتتلاطم كالأمواج في أذهان الناس دون أن تجد الإجابات الكافية..
إقليم في حجم دولة!
يقع إقليم دارفور في أقصى الغرب والشمال الغربي للسودان بين خطي عرض 9-20 شمالاً، وخطي طول 16-27.7 شرقاً، وتصل مساحته إلى ما يقارب 200 ألف ميل مربع، وهو بهذا يمثل 5/1 مساحة السودان وهو أكبر من مساحة مصر وأكبر من فرنسا، ويشكل إقليم دارفور الحدود السياسية لدولة السودان مع 3 دول مجاورة هي: (ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى).. وهو بهذا يعتبر بوابة السودان من الجهة الغربية التي تفتح مباشرة مع هذه البلدان الثلاث من دون أي عوائق أو موانع طبيعية، مما جعل التدفقات السكانية والقبلية مستمرة عبر القرون بصورة لا تبدو فيها فواصل ثقافية أو عرقية.
مملكة الفور 1445م
يحتفظ هذا الإقليم ــ برغم فقر وبؤس الواقع ــ بتاريخ حضاري طويل، يمكن أن نختصر مسافته في هذه القراءة، بحيث نبدأ بتأسيس (مملكة الفور) التي تكونت على يد (سليمان صولونج) في عام 1445م.. تقول كتب التاريخ التي أرخت لهذا الرجل: إنه ينحدر من (أصل عباسي) جاء إلى الإقليم من (تونس) وتزوج من ملكة الفور ومنه انحدرت سلالة (ملوك الفور) ومن هنا فإن واقع التاريخ يشهد بِقدَم عروبة مملكة الفور، وواقع الحال يشهد بأنه أكثر أقاليم السودان ــ وربما العالم ــ حفظاً للقرآن (الأطفال الصغار والرجال والنساء معظمهم ــ أو جميعهم ــ يحفظون القرآن) ومن ملبسهم وثقافتهم وتقاليدهم فإن كل ذلك يشهد على فضح الأكاذيب والادعاءات التي تتحدث صباح مساء عن «التطهير العرقي للفور!» أي أن العرب يسحقون (الفور).. فهل هناك إشكال وصراع حضاري على هذا النحو الذي تتناقله دوائر الإعلام الغربية وتقتات منه بقية القنوات؟.
متى انضمت للسودان؟
تتحدث الكثير من الجهات التي تُغذي الرأي العام العالمي عن (تعسُّف) في ضم إقليم دارفور للسودان.. وأن المركز (الخرطوم) يمارس القوة في الإبقاء على هذا الإقليم.. وهذه أيضاً (أضحوكة) مفضوحة من عدة جوانب.
أولاً: لم يكن هناك قبل (اتفاقية سايكس بيكو) خرائط سياسية للدول العربية والإسلامية على هذا النحو.. والسودان واحد منها.. بمعنى أنه لم يكن في الوجود بلد اسمه (السودان) بهذا الشكل الموجود حالياً.. إنما كانت لفظة (السودان) عبارة عن تسمية تمتد حتى السنغال.. فكيف يُقال إن هذا الإقليم (يحتفظ به المركز عنوة)؟ وهل هناك إقليم من أقاليم السودان انضم (إلى السودان) باختياره؟ هذه أيضاً مغالطات للجغرافيا والتاريخ صنعها (الغرب) والآن يُريد أن ينقض غزله بيديه لكن تنقصه الصراحة!.
سلطنة علي دينار
كانت مملكة الفور ــ التي تأسست في عام 1445م كما سبقت الإشارة ــ مستقلة، مثلها مثل أي إقليم أو مملكة أخرى قبل أن تظهر الدولة القطرية الحالية.. واستمرت مستقلة حتى جاءت معركة شهيرة اسمها معركة منواشي في عام 1774م لتنضم بها مملكة دارفور لـ (كيان) السودان في شكله القائم وقتذاك، ودانت كذلك لدولة محمد علي باشا في مصر إلى العام 1884م حيث أعلنت انضمامها لدولة المهدية، وبقيت تحت حكم المهدية، ثم استقلت من بعد العام 1898م إلى العام 1916م وأصبحت (سلطنة الفور) تحت حكم السلطان علي دينار الذي يعتبر من أقوى وأشهر رجال الحكم في تاريخ السودان، حيث كان يُرسل (كسوة الكعبة المشرفة) ويهتم بالحج والحجيج وكانت له أملاك بالحجاز ــ لا تزال باسمه ملكاً للحكومة السودانية بمدينة جدة ــ وحفر آباراً للحجيج المتدفقين من المدينة المنورة عند ميقاتهم المكاني «ذو الحليفة» وتُعرف حتى الآن بـ «آبار علي» وكانت فترة سلطنته حوالي 18 عاماً فقط، حيث كان له موقف واضح في تأييد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى الأمر الذي أغضب الإنجليز فأنهوا سلطنته وضموها إلى الحكومة المركزية في الخرطوم عام 1916م.
تداخل قبلي كثيف
تعتبر منطقة (دارفور) من أكثر بقاع الأرض تعدداً في القبائل وتداخلاً بين هذه القبائل.. عدد سكان الإقليم ــ داخل السودان ــ يصل إلى 6 ملايين نسمة (وهو نفس عدد سكان دولة تشاد المجاورة) وسكان إقليم دارفور ــ في جذورهم الثقافية والحضارية ــ يمثلون امتداداً لقبائل في تشاد والكميرون ونيجيريا وإفريقيا الوسطى وغيرها.. لتكون (دارفور الكبرى) على غرار (الشرق الأوسط الكبير)! يقول الأستاذ علي إسماعيل العتباني (رئيس مجلس إدارة صحيفة الرأي العام السودانية): «رغم أن منطقة دارفور أصبحت منطقة طاردة منذ بداية الفتن القبلية والجفاف في الثمانينات، إلا أنها ظلت تستقبل ــ يومياً ــ عشرات الآلاف من دول غرب إفريقيا.. ونتيجة التحولات المناخية ــ انعدام الأمطار في بعض السنين ــ ونتيجة للحروب التي حدثت، الحرب (الليبية التشادية) و (الحرب التشادية التشادية) وحرب إفريقيا الوسطى، فإنها في السنين التي خلت ظلت تستقبل قرابة المليون لاجئ أصبحوا الآن (دارفوريين).. حينما لجأ الآلاف من إريتريا وإثيوبيا للسودان سميناهم لاجئين، لكن الذين لجأوا إلى دارفور أصبحوا من صميم نسيجها الاجتماعي.. العابر للحدود (أتوماتيكياً) يصير دارفورياً بعد أن يلبس العمامة السودانية فيأخذ الجنسية.. وهؤلاء (المليون لاجئ) معهم مليون قطعة سلاح غير مرخصة.. إننا حينما نتكلم عن دارفور، لا نتحدث عن حي من أحياء العاصمة يسهل ضبطه، إننا نتحدث عن رقعة جغرافية توازي مساحتها مساحة (كينيا وأوغندا وبورندي ورواندا) ورغم ذلك فإن التدخل الخارجي الدولي هو السبب في الأزمة الحالية بتسليح الخارجين عن القانون.
ومن حديث الأستاذ (العتباني) يتضح حجم معاناة المركز مع هذا الإقليم وليس العكس.
التشكيلة السكانية
إذا عرفنا أن دول الجوار من غرب إفريقيا (تفتح) معظمها على دارفور، فإن تشاد وحدها التي تئن بـ 150 قبيلة تتداخل مع (دارفور) بـ 13 قبيلة، ففي دارفور توجدالقبائل الرئيسية الثابتة بانتمائها الأصلي للإقليم، لكن هذه القبائل يرقد بعضها في جزءين جزء في السودان والآخر بتشاد! مثل قبيلة (الزغاوة) كُبرى قبائل دارفور، وفي ذات الوقت هي قبيلة رئيس دولة تشاد الرئيس الحالي (إدريس دبيِّ)! ويتوزع سكان دارفور ــ بالتقريب ــ إلى 75% هم سكان الريف و 15% من المتنقلين و 10% فقط يسكنون المدن.. وهذا أيضاً يُعطي مؤشراً واضحاً على بعد السكان عن «التمدن» و «التحضر» و «مواكبة تطورات العصر العلمية والتقنية».. ومن أشهر قبائل الإقليم: (الزغاوة ــ الفور ــ التنجر ــ البرتي ــ البني هلبة ــ الهبانية ــ الزيادية ــ الرزيقات ــ الماليت ــ المعاليا ــ التعايشة ــ الميدوب ــ البرقو ــ الداجو ــ البني حسلين ــ التاما ــ الماهرية ــ المجانين ــ السلامات ــ المسيرية ــ العريقات ــ العطيفات ــ المحاميد ــ التعاليا ــ المراريت ــ الفلاتة ــ بني منصور ــ وروق ــ الصليحاب ــ الميما ــ الترجم ــ الهوارة ــ الجوامعة ــ البرنو ــ ... إلخ).
مسلسل نزاع القبائل!
قد يظن الناس أن دارفور كانت ــ عبر التاريخ ــ تعيش حياتها الطبيعية بلا مكدرات أو نزاعات قبلية.. وعكس ذلك هو الصحيح.. لكن في السابق لم يكن شيء اسمه «النظام العالمي الجديد» الذي نعيشه الآن.. كانت القبائل تتقاتل وتتصالح بنظام (الجودية) المعروف قبلياً هناك حيث يجلس الخيرون من المتخاصمين ويقوموا بإصلاح ذات البين.. لكن الآن تُغذَّى النزاعات القبلية بالأسلحة الحديثة وبمعسكرات التدريب العسكرية! النظام العالمي الجديد يفعل ذلك ويمدهم بالسلاح ثم يقيم المآتم على الضحايا!. كانت دارفور في السابق ــ وإلى اليوم ــ لا تعرف استقراراً بسبب توزيع السكان بين مهنتين وحرفتين أساسيتين (الزراعة) و (الرعي)، وهذه احتكاكات طبيعية تحدث في أي مجموعات إنسانية.. كثيراً ما تهجم المواشي والأبقار على مزارع المزارعين ــ بقصد أو بغير قصد ــ وتحدث حالتئذ النزاعات.. أو تحدث لأي أسباب أخرى تتعلق بالاحتكاك المعيشي بين المجموعات السكانية المختلفة.. ففي بداية السبعينات حدثت سلسة نزاعات في معظم الإقليم بين (المعاليا والزريقات) و (الزريقات والمسيرية) وفي أواخر السبعينات بين (التعايشة والسلامات).. أما في بداية الثمانينات فقد حدثت النزاعات بين (الزغاوة والفور) المتحالفين الآن ضد (العرب!) كان ذلك عام 1982م.. وفي عام 1989م حدث النزاع بين (الفور والعرب) وتمت معالجته بمؤتمر صلح في الفاشر برعاية الرئيس البشير الذي كان في أيامه الأولى للحكم.
ثم حدثت منازعات بين (الفلاتة والقمر) عام 1996 والآن تحالفات (المساليت والفور والزغاوة) ضد ما يعرف بـ (العرب).
حقيقة اضطهاد العرب لغيرهم!
هل يوجد بالفعل تطهير عرقي في دارفور؟ هذا هو السؤال الأكثر إزعاجاً من جملة الأسئلة التي تظهر على السطح الآن.. أولاً: يعرف السودانيون أنفسهم والناس من حولهم، أنه لا يوجد (نقاء عرقي) ــ حتى في شمال السودان ــ يجعل القبيلة أو الفرد منها يعتز بأصله (العربي النقي الصافي)! ليس من شيء كهذا يحدث في السودان أصلاً.. الجميع يعرف أنهم خليط من دماء عربية وأخرى إفريقية.. قد تزيد النسبة العربية هنا أو تزيد النسبة الإفريقية هناك.. ولا أحد يشعر بانزعاج أو دونية، لسبب بسيط جداً وهو أن الذي خلق الخلق وأوجدهم هو الله وحده، وهذه مسائل لا خيار فيها، ومن هنا فإن خلع صفات «التطهير العرقي» على نزاعات دارفور لا يقترب من الحقيقة أو يدانيها.. لو كان الأمر في الشمال لكان أقرب إلى التصديق ــ حيث تزيد النسبة العربية على الإفريقية ــ لكن في الغرب والكل يكتسي بالسواد فإن أمر غلبة العنصر العربي وممارسته للتطهير لا يمكن أن يصدقه العقل!.
خلفية الأحداث الأخيرة