العلم الكئيب

[ابن العواتك]

بسم الله الرحمن الرحيم

(( العلم الكئيب))

(( لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ))
سورة الحديد,29

أطلق توماس كارلايل Thomas Carlyle المؤرخ الفيكتوري اسم ((العلم الكئيب)) على الاقتصاد ، ووصف كاتب الهجاء الأمريكي بي. جيه . أوروك P.J.Rouke الاقتصاد بأنه (( فرع علمي كامل من فروع المعرفة لا يعرف المرء فيه عم يتحدث)). يركز علم الاقتصاد على كيفية عمل نظم الإنتاج والمالية أو كيف ينبغي أن . ويركز الاقتصاد الكلي على النمو والعمل والإنتاج والتضخم والسياسة النقدية والموازنة الحكومية ويحاول الاقتصاد الاقتصاد الجزئي تحليل سلوك الشركات أو الافراد ، وكيف يتم تقرير أشياء كالأسعار وكيف تعمل الأسواق . في الكتاب المنشور عام 1776 م (( ثروة الأمم)) ، نادى آدم سميث بإقامة نظام سوق ذاتي التنظيم تستطيع فيه المصلحة الذاتية الضيقة تنظيم النشاط الاقتصادي : (( إننا لا نتوقع الحصول على عشائنا من إحسان الجزار وصانع الجعة أو الخباز ، ولكن من مراعاتهم لمصلحتهم الشخصية ، وحينما نتعامل معهم لا نخاطب فيهم الإنسانية بل حبهم لأنفسهم ، ولا نتحدث أبدا معهم انطلاقا من ضرورياتنا بل من المنافع العائدة عليهم)).
لقد خلقت الرأسمالية الثروة والتقدم ولكن بثمن اجتماعي باهظ ، وكان شغل النظرية الاقتصادية الشاغل هو دورة الأعمال – لاسيما دورات الازدهار - الركود المؤلمة المدمرة .
في 1929 م ، وضع انهيار سوق الاوراق المالية نهاية للازدهار الطويل لعصر الجاز.وخلال هذه الفترة ، شهد العالم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت الاقتصاد المهيمن عليه حدوث ارتفاعات حادة في النشاط الاقتصادي و أسعار الأوراق المالية والسلع والأصول الأخرى . وكان تلانهيار أكبر هبوط في تاريخ أسعار الأسهم وانهارت السوق الأمريكية بمعدل 90 تقريباً ، واستغرقت 25 عاماً لتستعيد مستوياتها المرتفعة السابقة للانهيار. وفي الكساد الذي أعقب ذلك هبطت الأسعار الأمريكية بمقدار الثلث ، وبلغت بسببه البطالة 25% من قوة العمل ، وانهارت التجارة العالمية، وتحول الكساد إلى الكساد العظيم الذي لم يخرج منه العالم إلا بعد الحرب العالمية الثانية . سعى الرئيس هربرت هوفر Herbert Hoover لإبقاء الميزانيات متوازنة والمحافظة على سلامة العملة ، وتحاشي التدخل في عملية التصحيح ، ورفضت الحكومة الامريكية مساعدة البنوك على الخروج من مأزقها ،وقيد الاحتياطي الفيدرالي المعروض النقدي للمحافظة على قيمة الدولار ، وقضت المناهج الاقتصتادية التقليدية المحافظة بأن هبوط القيم وإلغاء القروض المعدومة أو الاستثمارات غير السليمة سيؤدي لتعافي الاقتصاد. لقد كان حباً قاسيا. عندما هدد الكساد باجتياح المجتمعات ، نادى جون ماينارد كينيز بتدخل الحكومة وقيامها بالإنفاق من أجل تنشيط الطلب عن طريق دعم الدخل والقدرة على الإنفاق ، ووسع نطاق صلاحيات الحكومات لإدارة الاقتصاد : (( إن الحل لا يكمن في إلغاء الازدهار ، وبالتالي إبقائنا في حياة شبه ركود دائمة ، بل يكمن في إلغاء الركود ، وبالتالي إبقائنا في حتلة دائمة من شبه الازدهار)) . عارض فريدرك حايك frederick Hayek ، هو عضو بارز في المدرسة النمساوية ، أي تدخل في الأسواق ، ورأى أن الانكماش الاقتصادي ضروري لأنه يسمح للرأسمالية والأسواق بتطهير وتجديد نفسها. وإذا كانت آراء كينيز قد تشكلت بواسطة الكساد العظيم ، فقد تأثر سعي حايك لإحداث تجديد مثالي بالآنهيار الملحمي للإمبراطورية النمساوية – المجرية في الحرب العالمية الأولى. اعتقد حايك أن الدافع الرئيسي وراء كتاب كينيز (( النظرية العامة للعمل والفائدة والنقود)) هو المشكلات السياسية والاقتصاية التي سادت في تلك الفترة وأن الاقتصاد الكينيزي لن يحل المشكلات بل تضخماً . وبالمثل انتقد كينيز عمل حايك معلقاً بأن أحد المقالات (( بدأ بخطأ)) ثم انتقل إلى (( مستشفى المجانين)) وكان مضمون مقال آخر (( خليطاً من الهراء)) . وبرغم أن علاقته الشخصية بحايك كانت طيبة واعتقاده أن كتاب حايك المنشور 1944م بعنوان (( الطريق إلى العبودية )) كتاب عظيم إلا أن كينيز لم يقتنع واختتم بقوله : (( كم هي سيئة نظريته)).
تشكلت نظرة جوزيف تشومبيتر Joseph Schumpeter للعالم من خلال دوره كوزير لمالية النمسا ومسؤوليته عن تسديد الدجيون المتكبدة من جراء انهيار المؤسسات المالية الأوروبية المركزية ، وكان في نيته أن يصبح أعظم اقتصادي وعاشق وفارس في العالم تزوج ثلاث مرات ذهب تشوميتر إلى أن قوة الرأسمالية تكمن في ألتدمير الخلاق حيث تشجع الحوافز الاقتصادية رواد الأعمال على تطوير أفكار جديدة للاستفادة من فرص الربح ، والإطاحة بمنشآت الاعمال والعمليات القديمة البالية ، وأن التدمير ثمن محتوم ولا سبيل لاجتنابه لنظام نابض بالحيوية يجدد بنفسه بصورة دورية. رأى تشومبيتر في الكساد العظيم جزء من التصحيح الذي سيمحو الديون غير المستدامة والاستثمارات الضعيفة والرديئة ، ويسمح بالتجدد الاقتصادي ، وأن اقتصاد كينيز يضفي الشرعية على التدخل في العمليات الطبيعية .
بالنسبة لكثير من السياسيين والاقتصاديين ، أبرزت شدة الكساد العظيم وعجز الأسواق عن استعادة العمالة الكاملة وتصاعد التكلفة البشرية إخفاق اليد الخفية ، واكتسب كينيز ثقلاً ومصداقية و- خلال الأربعة عقود التالية- هيمن على الفكر والسياسة الاقتصادية ،و اصبحت قدرة الحكومات والبنوك المركزية على ضبط الاقتصاد من خلال حزمة حكيمة من السياسات النقدية والمتصلة بالميزانية إلى جانب التنظيم عقيدة مقبولة . في الستينات ، تحدى ميلتون فريدمان بجامعة شيكاغو – شيكاغو به بورصة السلع والعمليات والمضاربة المشهورة والمجهولة في العالم في نفس الوقت - كينيز كأبرز شخصية في الاقتصاد في القرن العشرين . وحدث تفسير شيكاغو النظرية الاقتصادية الكلاسيكية وأعاد لها اعتبارها مضيفاً لها لمسة من اقتصاد (( دعه يعمل... دعه يمر)) الصرف وتم تغليف الأدلة على أن الأسواق تضبط نفسها بتحليل إحصائي أنيق لا سبيل إلى فهمه ، ومثل الفيزياء الكمية بات الاقتصاد معتمداً الآن على الرياضيات في وصف الواقع. قال عالم الفيزياء بول ديراك Paul Dirac (( في الفيزياء نحن نحاول إفهام الناس شيئاً لم يعرفه أحد من قبل . وفي الشعر يحدث العكس تماماً)) ولم يكن الاقتصاد – حسبما كان يطبق في شيكاغو – بما له من مزيج من العقيدة والأصولية السياسية والرياضيات شعراً و لا فيزياء . خرجت النظريات التوقعات العقلانية ، نظرية الأعمال الحقيقية ، نظرية المحافظ ، فرضية الأسواق الكفؤة ، نظرية هيكل رأس المال، نماذج تسعير الأصول الرأسمالية . تسعير الخيارات ، نظرية الوكالة- من خط الانتاج الأكاديمي. ونال كثير من علماء الاقتصاد التقدير في شكل جائزة نوبل فيب الاقتصادج ( فنياً (( جائزة البنك المركزي السويدي في العلوم الاقتصادية تخليداً لذكرى ألفريد نوبل Alfred Nobel )) تأسست في 1968م . ويؤكد بعض المؤرخين أن كل من فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد حديثاً كان إما من جامعة شيكاغو أو كان في شيكاغو أثناء إنجازه للعمل الحائز على الجائزة أوزار المدينة في وقت ما أو استنشق ببساطة هواء حرم الجامعة – المعبأ في زجاجة والمرسل له خصيصاً.
في يناير 1971م ، شجب ريتشارد نيكسون Richard Nixon علناً المعارضة لعجز الميزانية مستعيراً عبارة قالها ميلتون فريد مان 1965 م وهي (( الآن أنا كينيزي)) . لكن نيكسون تأخر فقد كان تفسير شيكاغو في صعود بالفعل.

ملاحظة هامة جداً:
(( أما (( السياسة التفاضلية)) من الناحية الاقتصادية ، ماذا تتوقع من اقتصاد يؤمن ويعتقد بجملة تقول (( نحن لا نتوقع الحصول على عشائنا بفضل نزعة الخير لدى اللحام أو الساقي أو الخباز، بل من اهتمامهم بمصلحتهم الخاصة)) ادم سميث، كتاب ثروة الأمم(1776م) يؤمن بالجهالة المطلقة في كل معانيها حينما يؤمن بالصورة غير مكتملة ومسرفة حينما يوجه الفرد توجيه ((كهنوتي)) إما تعليم وجامعات تعطي أعلى مستويات التدريب والعلم وإما حياة فاخرة ويخوت وحياة الليل وكأن هذه الصورة المكتملة لدنيا فضلا عن الآخرة.
كثير منا يعتقد إن بدراسة الاقتصاد سيكسب المال ، وآخرون أصحاب مصالح قلقون لأنهم سيكونون أشبه بالأميين ان لم يتمكنوا من فهم قوانين العرض والطلب ، أو لماذا تتحول بلاد مثل (( روسيا)) و((الصين)) من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق.
إن (( السياسة التفاضلية)) في الناحية الاقتصادية وخاصة الوضعي منه تقول إن مستقبلك لا يعتمد على قدراتك وحسب بل على مدى تأثير قوى اقتصادية لا سيطرة لك عليها ، أو فما رأينا في دولة مثل (( سوريا)) وهي أغنى دولة عربية من حيث مؤشر الصادرات عن الواردات وإن دخلها غطى على قطاعات مثل (( النفط )) و( المعادن)) وكان هذا في عامي 2003م و2005م وهي دولة شعبها يعتبر من أكثر الشعوب العربية تعليم من ناحية التعليم العالي النظري والتطبيقي والعلوم الشرعية - تقرير الاستثمار للعالم 2006م من مؤتمر الأمم المتحدة في التجارة وتطويرها- أو فلما أصبح الشعب ((السوري)) في سنة 2011م تحت هذه السياسات الجبارة والأقتصاديات السائمة من (( الشبيحة)) فقد يكون الاقتصاد (( السوري)) مثل اقتصاد بقية إخوانه من دول العالم الثالث فقد يزدهر فيه قطاع وينتج وبعد فترة يشطب عليه أو تحت دائرة الأقتصاد الخفي (( تجارة الجنس، والمخدرات ، وتبيض الأموال)) ومع الأيام تقل موارد انتاج في الدولة عكس ما يحدث من استمرارية وتنافسية في الغرب فتكون هناك بنائية وإنتاجية وليس تضيق في الموارد الإنتاجية للاقتصاد والخدمية والسلعية منه – وكأنهم يا الربع يريدون قطع رحلتي الشتاء والصيف- أو إن (( الجمهورية العربية السورية)) بما إنها محسوبة على محور ما يسمى دول (( المقاومة)) مع الانفتاح في السوق ودخول كثير من الدول المحيطة بها في (( منظمة التجارة العالمية)) أظهر هذه الصورة؟! . ماذا تتوقع من اقتصاد يبتعد عن الشرع الحنيف ويتجه للفائدة المركبة- أبشر بحرب من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم- وخذ هذا المثال البسيط (( لو إنك لو استثمرت الأربعة والعشرين دولاراً التي دفعت ثمناً لجزيرة مانهاتن ،بفائدة مركبة مقدارها 6.5% سنوياً – لتراكمت واصبحت ما يوازي قيمة جميع الأملاك العقارية الموجودة في مانهاتن اليوم )) بالله عليك هل هذا يحدث !!!وإن حدث فهو حدث لشخص الذي اشترى مانهاتن وفي ذلك الوقت فقط ، أو كم عليه إن يعيش ليجمع مليارات الدولارات بهذه الفائدة المركبة؟ ، فالقوانين والظروف والأحوال تتبدل وتتغير والذين لا يودون الخير أو كأنهم يملكون خزائن الله كثير في هذا المجال.وقد تهكم اقتصادي كبير على سير الاقتصاد الرأسمالي وقد تمثل بهذا المثل الرائع والمرمز(( في حين يصقل الاخرون اسلوبهم ، فإني احسن خطي)) . إن دراسة علم الاقتصاد وخاصة الوضعي منه بشكل خاص لن تحولك إلى عبقري في كل الأحوال أو حتى تاجر في بعض الأحوال لكن من غير معرفة بأصول علم الاقتصاد ستكون فرص الحياة في بعض الأحوال مشحونة ضدك (( هذا الموضوع نشر في موضوع موثق بأسم (( السياسة التفاضلية 2)) بتاريخ 29/7/2011 م وهو من غرائب الصدف إن يتناسق هذا الموضوع مع موضوعنا (( العلم الكئيب)) الذي نشر في كتاب (( أسطورة المال سادة العالم وإدمان المخاطر)) للخبير الدولي (( ساتيا جيت داس)) حيث إن النسخة الانجليزية الاولى كانت مطبوعة سنة 2011م تحت مسمى وعنوان:
First published as" Extreme Money: The masters of the universe and the cult of risk" by Satyajit Das. 2011, Pearson Education Limited ,UK. (( www.pearson.com/uk))
مع العلم إن نسخة (( أسطورة المال سادة العالم وإدمان المخاطر )) المترجمة عربياً طبعتها الأولى سنة 2013 م ، ترجمها علاء أحمد إصلاح من مجموعة النيل العربية . الموضوع للفائدة والمقارنة وسبر أغوار بعض خفايا الاقتصاد .
فائدة تاريخية أدبية:
قال بابلو نيرودا: (( تسلق الرجال الكونيون ... سلماً من نار.
وعندما لمسنا أقدام الحقيقة .. كانت قد انتقلت إلى كوكب آخر
تطلعنا إلى بعضنا كارهين.
أشد الرأسماليين دناءة لم يعرفوا ما العمل،
لقد تعبوا من المال .. لأن المال "أجهده" التعب،
والطائرات من دون ركاب... وما من إشارة إلى الركاب الجدد،
كنا جميعاً نتنظر .. كما في محطات القطار، في ليالي الشتاء ،
كنا ننتظر السلام ،
فجاءت الحرب . ))
بابلو نيرودا (( Pablo Neruda)) ( 12 يوليو / تموز 1904- 23 سبتمبر/أيلول 1973م) شاعر تشيلي من امريكا اللاتينية اسمه الحقيقي (( نفتالي ريكاردو ريبزولد)) حصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1971م على هذه العمل خاص والمجموعة الادبية اللتي كتبها واستشرف بها المستقبل وخاصة الازمة العالمية لسنة 2008م اللتي لم يراها . من أشهر دواوينه (( عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة )) كتب سيرته الذاتية بعنوان (( أشهد أني قد عشت)) . بعد أن أطاح الجنرال (( أوغستو بينوشيه )) بحكومة الرئيس (( سلفادور الليندي)) المنتخبة ، وقتله. اقتحم جنود الديكتاتور الجديد بيت الشاعر، وعندما سألهم ماذا يريدون ، قالوا : إننا نبحث عن السلاح فأجابهم نيرودا: إن الشعر هو سلاحه الوحيد. مات بعد 11 يوماً من وقوع الانقلاب العسكري ، الذي دعمته الولايات المتحدة الامريكية .



سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك ربي وأتوب إليك
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليم كثيراً طيب مبارك فيه