شرح رسالة القيرواني - ترتيب الصحابة رضي الله عنهم في الفضل
--------------------------------------------------------------------------------
يقول: (أفضل الصحابة) اختصر هو -رحمه الله-، أفضل الصحابة على الإطلاق الخلفاء الراشدون، وهم أفضل الصحابة، وهذا باتفاق أهل السنة؛ أن أفضل الصحابة على الإطلاق الخلفاء الراشدون، قال: (وهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي)، وظاهر تعبيره أنه رَتَّبَهم في الفضل على هذا الترتيب؛ لأنه عطف بعضهم على بعض بـ (ثم)، ولم يقل: وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، بل قال: (أبو بكر، ثم عمر)؛ يعني عمر مِنْ بَعْدِ أبي بكر، (ثم عثمان، ثم علي).
وأهل السنة متفقون على تقديم أبي بكر وعمر على جميع الصحابة وجميع الأمة، على تقديم أبي بكر، ثم عمر عَلَى جميع الأمة.
واختلف في المفاضلة بين عثمان وعلي -رضوان الله عليهم أجمعين: فمن السلف من فضَّل عليًّا على عثمان، ومنهم من قدَّم عثمان، ومنهم من توقف، هكذا يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "العقيدة الواسطية" يقول: "قوم قدموا عثمان وسكتوا، أو رَبَّعُوا بعليٍّ، وقدَّم قوم عليًّا وقوم توقفوا". لكن استقر أمر أهل السنة، استقر أخيرا كأنهم بعد ذلك انعقد الإجماع، ثم استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، وهذا هو الصواب الذي تدل عليه الأدلة؛ فقد صح عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه يقول: «كُنَّا نَقُولُ -وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ»(1) فما ذكره ابن أبي زيد -رحمه الله- هو ما استقر عليه أمر أهل السنة، استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان.
إذن: أفضل هذه الأمة وخيرها: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله: "وهذه المسألة -مسألة المفاضلة بين علي وعثمان- ليست من المسائل التي يضلل فيها المخالف"؛ يعني الأمر فيها واسع، ولا يُبَدَّع من فضَّل عليًّا من السلف، من فضَّل من السلف عليًّا لا يُبَدَّع بذلك، وإنما الذي يضلل فيها المخالف مسألة الخلافة، فمن طعن في خلافة عثمان؛ فهو أضل من حِمَارِ أهله، وفي اللفظ المأثور عن بعض السلف أيوب السختياني(2) يقول: "مَنْ طَعَنَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ فَقَدْ أَزْرَى بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ"(3)؛ يعني طعن في رأيهم؛ أنهم لم يصيبوا في اختيار عثمان وتقديمه على علي -رضي الله عنهم-.
واقتصر المؤلف على ذكر الخلفاء الراشدين في ترتيب الصحابة في الفضل، والمعروف أن أفضل الصحابة بعد الخلفاء الراشدين بقية العشرة المبشرين بالجنة؛ سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام بقية العشرة، وعلى سبيل الإجمال أفضل الصحابة أهل بدر وأهل بيعة الرضوان؛ لِمَا ورد فيهم من التفضيل الخاص؛ كقوله -سبحانه وتعالى- في أهل بيعة الرضوان: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾(4) قال -صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَلِجُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»(5)، وقال -صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ؛ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»(6)، وغالب أهل بدر هم من أهل بيعة الرضوان، فتجتمع لهم الفضيلتان، ومن التفضيل الإجمالي: تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على من جاء بعدهم، وأصح وأحسن ما قيل في تفسير السابقين: أنهم من آمن وأنفق من قبل الفتح الذي هو صلح الحديبية.، ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾(7)، فالسابقون الأولون هم الذين آمنوا وأنفقوا وقاتلوا قبل صلح الحديبية، وجميع أهل بيعة الرضوان هم من السابقين، هم ممن أنفق وقاتل قبل صلح الحديبية، وهم الذين بايعوا تحت الشجرة.
موقع جامع بن تيميه : عبد الرحمن البراك
آخر تعديل أبو عبد المحسن يوم 22-Sep-2013 في 05:59 PM.