معالم الهـــــدايـة في رمــضــان
الحلقة السادسة
أيها الأخوة الكرام :
إننا بحاجة إلى مراجعة لبرامج حياتنا وطريقة تفكيرنا ، وأسلوب علاقاتنا ، إننا بحاجة إلى أن نفكر ثم نخطط ثم ننفذ ، فكلنا يدعى أنه حر وأنه مسؤول عن أعماله وأنه هو الذي اختارها بنفسه ثم نجده ينساق وراء المجتمع الذي ربما قاده جاهل أو سفيه أو مغرض ، وليت الأمر يقتصر على ما يدور في مجتمعنا وينبع من ثقافتنا ولكن الأمر يتعدى ذلك إلى الاقتباس من مجتمعات كافرة ومنحلة لا تقيم للقيم وزنا ، بل يهمها أن تصدر إلينا كل ما يفسد عقولنا وأخلاقنا .
إننا بحاجة إلى أن يقف كل واحد منا مع نفسه مذكرا لها ومحاسبا ، ويستعرض ما ذا عمل في رمضان في العام الماضي ( هو وأسرته ومن حوله ) وهل كان على الوجه المطلوب ، فإن كان الأمر كذلك أعاده هذا العام ، وإن كان الأمر لا يسره وقف مع نفسه ليضع برنامج هذا العام مكتوبا على الورق ومتفقا عليه مع أفراد الأسرة أو المجموعة أو الحي ، وسعى قدر استطاعته على تنفيذه ، مستعينا بهذه المعالم الكثيرة للهداية في رمضان ، واضعا نصب عينيه أنه يريد تحقيق التقوى التي جعلها الله غاية من غايات الصوم ، وأنه يسعى إلى تزكية نفسه من خلال تلك الشعائر التي تتجمع له في هذا الشهر الكريم ، وربما لا تجتمع بهذا الشكل في غير هذا الشهر .
فأول هذه المعالم في هذا الشهر الكريم :
1- الصيام :
إن الله كتب علينا الصيام لتحقيق التقوى ، فالتقوى هي الحكمة من الصيام وما لأجله شرع ، فالصوم يعدل القوى الطبيعية التي هي داعية إلى المعاصي ليرتقي المسلم بالصوم من حضيض الانغماس في المادة إلى أوج العالم الروحاني ، فهو وسيلة للارتياض بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية . وفي الحديث ( الصوم جُنة ) رواه البخاري ومسلم أي وقاية من الوقوع في المآثم ووقاية من الوقوع في عذاب الآخرة ، وإذا تعاملت مع هذه الحقيقة من منطلق الإيمان فهذه النصوص الشرعية تؤكد لك أن الصوم يفعل هذا ، ولديك الثقة الكاملة بمن صدرت منه هذه النصوص فلا شيء يقف في طريقك لتحقيق الفائدة الكبرى من الصوم ، فأنت تؤمن حقا أن الصوم يحقق التقوى , وأنت تؤمن حقا أن الصوم جُنة , وأنت تؤمن حقا أن الصوم لله وهو الذي يجزي به ، وكل هذه الأمور تجعل من الصوم أعظم مصدر للتزكية النفسية ، وأكبر محضن للتربية الإيمانية ، فاجعل هذه الأمور نصب عينيك وحديث نفسك ، واملأ بها فؤادك تجد أثر هذا عليك وعلى من حولك ممن يحتكون بك ويخالطونك .
واعلم أن الصيام هو أحد الطرق التي يستطيع الإنسان من خلالها تغيير حالته النفسية وشعوره ونظرته إلى الحياة فلذلك لا بد من الاستفادة منه في تربية أنفسنا وأبنائنا ومن هم إلى نظرنا مستفيدين من هذه الميزة للصوم ، فالتحدث عن الحالة النفسية التي يحدثها الصوم غير تجربتها على الواقع ، فالصائم يشعر بهذه الميزة للصوم ولذلك لديه من الاستعداد لتحمل عبادات أخرى والرغبة فيها أكثر من غيره ، وهذا ما يفسر تزايد الأعمال الصالحة لدى الصائمين أكثر من غيرهم ، لذلك وأنت تعيش هذه التجربة المهمة عليك تلحظ هذا الأثر الذي يتركه الصوم في نفسك فتنميه بكثرة الأعمال الصالحة التي بدورها تساهم مساهمة فعالة في تربيتك وتهذيبك وتزكيتك وتحقيق التقوى التي هي مناط الصوم وعلته .
الصوم جنة يقود إلى الجنة ، وحصن حصين يقي من النار . إنه امتناع مشروع ، وتأديب بالجوع ، وخشوع لله وخضوع ، يستثير في النفوس الكريمة الشفقة ، ويحض على الصدقة ، ويكسر الكبر ، ويعلم الصبر ، ويسن خلال البر . هيمنة على سلطان الغرائز ، وتغلب على نزاعات الشهوات . الصيام لجام المتقين ، وجنة الصالحين ورياض الأبرار المتقين . تركوا محبوبات النفوس لمحبة الله ورضاه : (( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ))
إذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله عز وجل في موضع لا يطلع عليه إلا الله كان ذلك برهان صحة إيمانها وقوة تقواها ، ونور الوازع لديها ، من أجل هذا كان الصيام سرا بين العبد وبين ربه ، وخصه الرب بنسبته إليه في الحديث القدسي حين قال ( الصوم لي ) وجعل ثوابه لا يدخل تحت عد : ( وأنا أجزي به ) رواه البخاري ومسلم