موتوا بغيظـــكم .... إنهم شــــهداء!!!

[د/ نايف العتيبي]

موتوا بغيظكم .. نحسبهم شهداء

قال تبارك وتقدس : {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (32) سورة الزخرف


أثار حفيظتي ما قرأته في أحد الصحف الإلكترونية من تصريح مدير قناة العربية حول تحفظهم أو ما يمنعهم على إطلاق وصف أو تسمية قتلى المسلمين في غزة أنهم شهداء حيث علل أن المانع مهنيا ليس إلا !!
حيث ذكر على حد تعبير صحيفة سبق بتارخ 9/1/2009 ("ليست وظيفة الاعلام ان يعطي وصف شهيد او غير شهيد. نحن نستخدم التسمية المهنية قتلى او ضحايا لاسباب مهنية بحتة". )

كما كتب أحدهم في الصفحة الأخيرة على موقع العربية الإلكتروني مقالة بعنوان -فلان... "قتيل" أم "شهيد"؟-
شبيهة تقريبا من مقالة شبكشي في نفس اليوم الأثنين 15/1/1430هـ... وكأنه تواطئ !!
وفيها دفاعا مستميتا وبالأدلة الشرعية عن مدير القناة الذي كأن لسان حاله يقول : ( موتوا بغيظكم لن نصفهم بأنهم شهداء )!!! وفي مقالته دفاعا عن منهج القناة الذي سارت عليه وهو الإثارة وبحث المخالفة وإغاظة المسلمين !!

ثم سطر كاتب آخر- حسين شبكشي- في صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادراليوم الأثنين 15/1/1430هـ (بعنوان : الشهادة لله)
وذكر شيئا من الحق ، والله أعلم بمراده من ذلك ولكنه في مضمون كلامه يدافع عن مدير القناة المأفونة من حيث المهنية في تجرد الصحافة حيث أن كلمة الشهداء أو وصف قتلى المسلمين في غزة بأنهم قتلى لها دلالة شرعية ونصية أقوى من كلمة شهداء واستدل على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم !!!
والمثير في تلك المقالة أنه قال (والقارئ المسلم لكتاب الله عز وجل لا يجد آية واحدة شريفة تصف من يقتل في سبيل الله بأنهم شهداء)!!!
ونرد على هذه العبارة بقولنا : ماذا تقول في الآيات التالية :

{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (140) سورة آل عمران . ما معنى "ويتخذ منكم شهداء" هنا وكيف تكون الشهادة؟!! ومنهم هم ؟ إنهم قتلى أحد الذين قتلوا في سبيل الله!!

{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (69) سورة النساء. منهم الشهداء هنا ؟ ارجع لكلام المفسرين هنا وقد أخذت من كلام القرطبي ما يعجبك !!!

{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } (69) سورة الزمر . منهم الشهداء هنا يا شبكشي ؟

{ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (19) سورة الحديد منهم الشهداء هنا ؟!
{وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا} (72) سورة النساء ما معنى الشهيد هنا؟

ونقول له كيف تصنع بقوله تبارك وتقدس : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} (154) سورة البقرة . ماذا تقول لمن وماذا تسمي من قتل في سبيل الله ؟



وقد وردت كلمة (شهداء ، و، الشهداء) في القرآن الكريم على اختلاف معانيها ومدلولاتها تسعة عشر مرة ، ووردت كلمة "شهيد" فيه أيضا أكثر من ثلاثين مرة على اختلاف معناها ومدلولها أيضا !


ولست بصدد الحديث عن جواز إطلاق كلمة شهيد على شخص بعينه من عدمه فهذه مسألة خلافية عند أهل العلم ، وقد فصل العلماء في هذه المسألة حيث أن موجز الكلام فيها أن بعض أهل العلم ومنهم البخاري وتبعه ابن حجر وابن عثيمين وغيرهم رحمهم الله قالوا بالمنع أي لا نقطع لأحد بأنه شهيد بعينه إلا من سلف في خبره بالوحي ، ومنهم من جوز إطلاق وصف الشهيد على من قتل في الإسلام في سبيل الله إطلاقا على ظاهر حاله لا الحكم له بالجنة مع رجاء أن يناله ثواب الشهداء من الله وقالوا ولكننا نرجو أن يكون شهيدا ويناله أجر الشهداء ، وأن جملة وعامة من يموتون في سبيل الله ويقتلون في سبيله وعلى أيدي أعدائهم هم شهداء بإذن الله على العموم . فاهذين قولين مشهورين عند أهل العلم ، وإن كنت أنا أميل إلى الجواز لقناعتي بأدلة المجوزين ولإمكان الرد على المخالفين رحمهم الله تعالى ، كما أن هذا رأي شيخي الإسلام ابن تيمية وابن باز رحمهما الله تعالى .


إنما المدهش في هذا الموضوع والمثير لكثير من الشكوك هو تسخير هذه الأقلام وفي هذه الأوقات العصيبة على إخواننا بلمزهم أو استنقاصهم والتقليل من دورهم في جهادهم والإعراض عن حسناتهم .
وهنا تتوارد عشرات الأسئلة لهؤلاء الثلة :
- أفي هذا الوقت تكتبون وتشغلون الصحف ضد إخوانكم هذا إن كنتم تؤمنون بأخوة الدين ولوازمها؟
- سلم منكم الأعداء ولم يسلم منكم الأخوة ؟
- أين هي جهودكم في هذه المحن وأين مناصرتكم؟
- أين الأولويات في ما تكتبون؟
- منْ الأولى بتوجيه سهامكم واتهاماتكم آالأعداء أم الأصدقاء وفي هذا الوقت بالذات؟
- منْ الذي يأجج المعارك الداخلية؟
- هل يوجد في قواميسكم ( شهداء )؟ ومنهم ؟
- ما مفهوم الشهادة في موازينكم؟
- لما تظهرون في أوقات الفتن وتثيرون البلابل والقلاقل؟
- لما تجلبون بخيلكم ورجلكم على أهل السنة والملة وأهل الفضيلة بين كل حين وآخر؟
- ما سر تكاتفكم ضد وثوابت ديننا وعلمائنا والناصحين من أهل الدعوة والفضل؟

- لما استكثرتم إطلاق كلمة شهداء غزة على قتلى المسلمين الذين يقتلون في أبشع صور على أيدي اليهود وبآلات اليهود والنصارى الحربية بحجة أننا لا نقطع لهم بالجنة أو بحجة لا نعلم نياتهم ؟!!


هاهنا مجموعة أدلة يمكن من خلالها معرفة معنى الشهيد ومن هو .
أما معنى (( شهيد )) فنقول : الشهيد هو :

كما قال ابن الجوزي في كشف المشكل : والشهيد القتيل في سبيل الله .

وقال علي بن محمد بن علي الجرجاني ت 816هـ في كتابه التعريفات : الشهيد هو كل مسلم طاهر بالغ قتل ظلما ولم يجب بقتله مال ولم يرتث أي لم يصبه شيء من مرافق الحياة .

وقال العيني في عمدة القاري : والشهيد عندنا من قتله المشركون أو وجد في المعركة وبه أثر لجراحه أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب بقتله دية ، وعند مالك والشافعي وأحمد الشهيد هو الذي قتله العدو غازيا في المعركة .
قلت : من خلال تتبع الأدله في وصف الشهيد ومن يسمى شهيدا عليه أقول أن المسلمين الذي يقتلون على أيدي أعدائهم وأعوان أعدائهم الخونة في فلسطين والعراق وأفغانستان وكل بلاد المسلمين المضطهدة التي يقع على المسلمين فيها ظلم فهم شهداء وهذه التسمية مشروعة لهم ونرجو الله أن لا يحرمهم فضائل الشهداء وخصالهم في الآخرة .


إليكم من هو الشهيد كما يظهر لنا من حاله :

في صحيح البخاري ومسلم عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (من قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ )
شهداء أمته محمد صلى الله عليه وسلم :

ثبت في صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ من قُتِلَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قال إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ قالوا فَمَنْ هُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ قال من قُتِلَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ في الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ في الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ قال بن مِقْسَمٍ أَشْهَدُ على أَبِيكَ في هذا الحديث أَنَّهُ قال وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ).

وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل ) .

وفي رواية أخرى حسنه أن (من قتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ) .

وفي رواية عند الحاكم وصححها : (من فصل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد أو وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة ) .

أعود لمقولة تلك القناة ومديرها وكتابه حيث أن عذرهم ذلك ممجوج ويؤيد دحضه ما يتناولونه في قناتهم وكتاباتهم من استهتار لمشاعر المسلمين ومن استهتار بشعار الإسلام وتعاليمه وذلك يتضح في نشرهم للأفلام المعادية للدين وأهله ونشرهم للرذيلة وما يخدش الحياء ومن تعظيمهم للنصارى في كل حين ، إذا فهم على أقل تقدير لا يعنيهم تعظيم دين الله ولا احترام مشاعر المسلمين الدينية !!

أما من حيث مقولة أننا لا نقطع لأحد بالجنة غير من حكم له بالوحي فهذا صحيح ولكن ذلك لا يمنع لا يعطل استخدام كلمة "شهيد" أو " شهداء " حيث أن أمة محمد فيها شهداء ودينهم يحثهم على طلب الشهادة إلى يوم القيامة ونصوص أوصاف الشهداء وما أكرمهم وخصهم الله به من فضله في الجنة عن سائر أهلها كل ذلك ثابت وهو من عقيدتنا ومن عقيدتنا أننا نعرف كيف يكون الشهيد ونرجو له أجر وثواب الشهداء بما مات عليه وإن كنا لا نستطيع أن نخص أحدا بعينه مالم ينص عليه دليل قطعي ولكننا نعتقد أن الجهاد ماضي إلى يوم القيامة وأن هذه الأمة فيها شهداء وفيها من يطلب سبل الشهادة ونشير إلى من مات بأحد أوصاف الشهادة كما الأدلة الثابتة فهي بمثابة وصف حاله وأمره لله فنحن شهود الله في أرضه ، فنقول لمن مات في سبيل الله ومن قتله العدو نحسب أنه شهيد بإذن بحسب ما ظهر لنا من حاله ، بل إن الامتناع عن وصف من هذا حاله بأن مات شهيدا خلاف السنة فيما يظهر لي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من هذا حاله عندما مات بأنه شهيد كما هو ثابت .
هذا ما اجتهدت في بيانه فإن من صواب فهو من الله وحده وله الحمد والمنة ، وإن من خطأ فهو من نفسي والشيطان واستغفر الله وأتوب إليه ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .

التوقيع