الرئيسية التسجيل التحكم


اختيار تصميم الجوال

العودة   الهيـــــــــــــلا *** منتدى قبيلة عتيبة > المنتدى الإسلامي > شريعة الإسلام

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: البيت لاعجبني اجاريه باحساس (آخر رد :الريشاوي)       :: كل عضو او شاعر يسجل بيتين غزل الفهاا من قصائده .. بشرط ان تكون غزليه فقط .. (آخر رد :الريشاوي)       :: ودي ولا ودي وابيهم ولا ابيه (آخر رد :الريشاوي)       :: واكتبي هذا أنا أنا ليلى العامرية (آخر رد :الريشاوي)       :: البيت لاعْجَبني اجاريه باحساس (آخر رد :الريشاوي)       :: أنـا لا تلوموني ولو ملـت كل الميل (آخر رد :الريشاوي)       :: اوافق .. واقول النفس صعبه مطالبها (آخر رد :الريشاوي)       :: الحب اقفى في ديانا ودودي (آخر رد :الريشاوي)       :: امير قبيلة المحاقنة قبل الدولة السعودية (آخر رد :متعب الوحيدب)       :: امير قبيلة المحاقنة قبل الدولة السعودية (آخر رد :متعب الوحيدب)      

إضافة رد
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
غير مقروء 16-Apr-2007, 08:23 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
سعود المغيري
عضو ماسي
إحصائية العضو






التوقيت


سعود المغيري غير متواجد حالياً

افتراضي

سعيد بن عامر

العظمة تحت الاسمال



أيّنا سمع هذا الاسم، وأيّنا سمع به من قبل..؟

أغلب الظن أن أكثنا، ان لم نكن جميعا، لم نسمع به قط.. وكأني بكم اذ تطالعونه الآن تتساءلون: ومن يكون عامر هذا..؟؟

أجل سنعلم من هذا السعيد..!!



**



انه واحد من كبار الصحابة رضي الله عنهم، وان لم يكن لاسمه ذلك الرنين المألوف لأسماء كبار الصحابة.

انه واحد من كبار الأتقياء الأخفياء..!!

ولعل من نافلة القول وتكراره، أن ننوه بملازمته رسول الله في جميع مشاهده وغزواته.. فذلك كان نهج المسلمين جميعا. وما كان لمؤمن أن يتخلف عن رسول الله في سلم أو جهاد.

أسلم سعيد قبيل فتح خيبر، ومنذ عانق الاسلام وبايع الرسول، أعطاهما كل حياته، ووجوده ومصيره.

فالطاعة، والزهد، والسمو.. والاخبات، والورع، والترفع.

كل الفضائل العظيمة وجدت في هذا الانسان الطيب الطاهر أخا وصديقا كبيرا..

وحين نسعى للقاء عظمته ورؤيتها، علينا أن نكون من الفطنة بحيث لا نخدع عن هذه العظمة وندعها تفلت منا وتتنكر..

فحين تقع العين على سعيد في الزحام، لن ترى شيئا يدعوها للتلبث والتأمل..

ستجد العين واحدا من أفراد الكتيبة الانمية.. أشعث أغبر. . ليس في ملبسه، ولا في شكله الاخرجي، ما يميزه عن فقراء المسلمين بشيء.!!

فاذا جعلنا من ملبسه ومن شكله الخارجي دليلا على حقيقته، فلن نبصر شيئا، فان عظمة هذا الرجل أكثر أصالة من أن تتبدى في أيّ من مظاهر البذخ والزخرف.

انها هناك كامنة مخبوءة وراء بساطته وأسماله.

أتعرفون اللؤلؤ المخبوء في جوف الصدف..؟ انه شيء يشبه هذا..



**



عندما عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب معاوية عن ولاية الشام، تلفت حواليه يبحث عن بديل يوليه مكانه.

وأسلوب عمر في اختيار ولاته ومعاونيه، أسلوب يجمع أقصى غايات الحذر، والدقة، والأناة.. ذلك أنه كان يؤمن أن أي خطأ يرتكبه وال في أقصى الأرض سيسأل عنه الله اثنين: عمر أولا.. وصاحب الخطأ ثانيا..

ومعاييره في تقييم الناس واختيار الولاة مرهفة، ومحيطة،وبصيرة، أكثر ما يكون البصر حدة ونفاذا..

والشام يومئذ حاضرة كبيرة، والحياة فيها قبل دخول الاسلام بقرون، تتقلب بين حضارات متساوقة.. وهي مركز هام لتجارة. ومرتع رحيب للنعمة.. وهي بهذا، ولهذا درء اغراء. ولا يصلح لها في رأي عمر الا قديس تفر كل شياطين الاغراء أمام عزوفه.. والا زاهد، عابد، قانت، أواب..

وصاح عمر: قد وجدته، اليّ بسعيد بن عامر..!!

وفيما بعد يجيء سعيد الى أمير المؤمنين ويعرض عليه ولاية حمص..

ولكن سعيجا يعتذر ويقول: " لا تفتنّي يا أمير المؤمنين"..

فيصيح به عمر:

" والله لا أدعك.. أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي.. ثم تتركوني"..؟؟!!



واقتنع سعيد في لحظة، فقد كانت كلمات عمر حريّة بهذا الاقناع.

أجل. ليس من العدل أن يقلدوه أمانتهم وخلافتهم، ثم ينركوه وحيدا..واذا انفض عن مسؤولية الحكم أمثال سعيد بن عامر، فأنّى لعمر من يعينه على تبعات الحكم الثقال..؟؟

خرج سعيد الى حمص ومعه زوجته، وكانا عروسين جديدين، وكانت عروسه منذ طفولتها فائقة الجمال والنضرة.. وزوّده عمر بقدر طيّب من المال.

ولما استقرّا في حمص أرادت زوجته أن تستعمل حقها كزوجة في استثمار المال الذي زوده به عمر.. وأشارت هليه بأن يشتري ما يلزمهما من لباس لائق، ومتاع وأثاث.. ثم يدخر الباقي..

وقال لها سعيد: ألا أدلك على خير من هذا..؟؟ نحن في بلاد تجارتها رابحة، وسوقها رائجة، فلنعط المال م يتجر لنا فيه وينمّيه..

قالت: وان خسرت تجارته..؟

قال سعيد: سأجعل ضمانا عليه..!!

قالت: فنعم اذن..

وخرج سعيد فاشترى بعض ضروريات غعيشه المتقشف، ثم فرق جميع المال في الفقراء والمحتاجين..



ومرّت الأيام.. وبين الحين والحين تسأله زوجه عن تجارتهما وأيّان بلغت من الأرباح..

ويجيبها سعيد: انها تجارة موفقة.. وان الرباح تنمو وتزيد.

وذات يوم سألته نفس السؤال أمام قريب له كان يعرف حقيقة الأمر فابتسم. ثم ضحك ضحكة أوحت الى روع الزوجة بالشك والريب، فألحت عليه أن يصارحها الحديث، فقا لها: لقد تصدق بماله جكيعه من ذلك اليوم البعيد.

فبكت زوجة سعيد، وآسفها أنها لم تذهب من هذا المال بطائل فلا هي ابتاعت لنفسها ما تريد، والا المال بقي..

ونظر اليها سعيد وقد زادتها دموعها الوديعة الآسية جمالا وروعة.

وقبل أن ينال المشهد الفاتن من نفسه ضعفا، ألقى بصيرته نحو الجنة فرأى فيها أصحابه السابقين الراحلين فقال:

" لقد كان لي أصحاب سبقوني الى الله... وما أحب أن أنحرف عن طريقهم ولو كانت لي الدنيا بما فيها"..!!



واذ خشي أن تدل عليه بجمالها، وكأنه يوجه الحديث الى نفسه معها:

" تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان، ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءتها جميعا، ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا.. فلأن أضحي بك من أجلهن، أحرى أولى من أن أضحي بهن من أجلك"..!!

وأنهى حديثه كما بدأه، هادئا مبتسما راضيا..

وسكنت زوجته، وأدركت أنه لا شيء أفضل لهما من السير في طريق سعيد، وحمل النفس على محاكاته في زهده وتقواه..!!



**



كانت حمص أيامئذ، توصف بأنها الكوفة الثانية وسبب هذا الوصف، كثرة تمرّد أهلها واختلافهم على ولاتهم.

ولما كانت الكوفة في العراق صاحبة السبق في هذا التمرد فقد أخذت حمص اسمها لما شابهتها...

وعلى الرغم من ولع الحمصيين بالتمرّد كما ذكرنا، فقد هدى الله قلوبهم لعبده الصالح سعيد، فأحبوه وأطاعوه.

ولقد سأله عمر يوما فقال: " ان أهل الشام يحبونك".؟

فأجابه سعيد قائلا:" لأني أعاونهم وأواسيهم"..!

بيد أن مهما يكن أهل حمص حب لسعيد، فلا مفر من أن يكون هناك بعض التذمر والشكوى.. على الأقل لتثبت حمص أنها لا تزال المانفس القوي لكوفة العراق...

وتقدم البعض يشكون منه، وكانت شكوى مباركة، فقد كشفت عن جانب من عظمة الرجل، عجيب عجيب جدا..

طلب عمر من الزمرة الشاكية أن تعدد نقاط شكواها، واحدة واحدة..

فنهض المتحدث بلسان هذه المجموعة وقال: نشكو منه أربعا:

" لا يخرج الينا حت يتعالى النهار..

وا يجيب أحدا بليل..

وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما الينا ولا نراه،

وأخرى لا حيلة له فيها ولكنها تضايقنا، وهي أنه تأخذه الغشية بين الحين والحين"..

وجلس الرجل:

وأطرق عمر مليا، وابتهل الى الله همسا قال:

" اللهم اني أعرفه من خير عبادك..

اللهم لا تخيّب فيه فراستي"..

ودعاه للدفاع عن نفسه، فقال سعيد:

أما قولهم اني لا أخرج اليهم حتى يتعالى النهار..

" فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب.. انه ليس لأهلي خادم، فأنا أعجن عجيني، ثم أدعه يختمر، ثم اخبز خبزي، ثم أتوضأ للضحى، ثم أخرج اليهم"..

وتهلل وجه عمر وقال: الحمد للله.. والثانية..؟!

وتابع سعيد حديثه:

وأما قولهم: لا أجيب أحدا بليل..

فوالله، لقد كنت أكره ذكر السبب.. اني جعلت النهار لهم،والليل لربي"..

أما قولهم: ان لي يومين في الشهر لا أخرج فيهما...

" فليس لي خادم يغسل ثوبي، وليس بي ثياب أبدّلها، فأنا أغسل ثوبي ثم أنتظر أن يجف بعد حين.. وفي آخر النهار أخرج اليهم ".

وأما قولهم: ان الغشية تأخذني بين الحين والحين..

" فقد شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، وحملوه على جذعه، وهم يقولون له: أحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى..؟ فيجيبهم قائلا: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة..

فكلما ذكرت ذلك المشهد الذي رأيتهو أنا يومئذ من المشركين، ثم تذكرت تركي نصرة خبيب يومها، أرتجف خوفا من عذاب الله، ويغشاني الذي يغشاني"..

وانتهت كلمات سعيد التي كانت تغادر شفتيه مبللة بدموعه الورعة الطاهرة..

ولم يمالك عمر نفسه ونشوه، فصاح من فرط حبوره.

" الحمد للله الذي لم يخيّب فراستي".!

وعانق سعيدا، وقبّل جبهته المضيئة العالية...

**



أي حظ من الهدى ناله هذا الطراز من الخق..؟

أي معلم كان رسول الله..؟

اي نور نافذ، كان كتاب الله..؟؟

وأي مدرسة ملهمة ومعلمة، كان الاسلام..؟؟

ولكن، هل تستطيع الأرض أن تحمل فوق ظهرها عددا كثيرا من هذا الطراز..؟؟

انه لو حدث هذا، لما بقيت أرضا، انها تصير فردوسا..

أجل تصير الفردوس الموعود..

ولما كان الفردوس لم يأت زمانه بعد فان الذين يمرون بالحياة ويعبرون الأرض من هذا الطراز المجيد الجليل.. قللون دائما ونادرون..

وسعيد بن عامر واحد منهم..

كان عطاؤه وراتبه بحكم عمله ووظيفته، ولكنه كان يأخذ منه ما يكفيه وزوجه.. ثم يوزع باقيه على بيوت أخرى فقيرة...

ولقد قيل له يوما:

" توسّع بهذا الفائض على أهلم وأصهارك"..

فأجاب قائلا:

" ولماذا أهلي وأصهاري..؟

لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة"..



وطالما كان يقال له:

" توسّع وأهل بيتك في النفقة وخذ من طيّبات الحياة"..

ولكنه كان يجيب دائما، ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه:

" ما أنا بالنتخلف عن الرعيل الأول، بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجمع الله عز وجل الناس للحساب، فيحيء فقراء المؤمنين يزفون كما تزف الحامام، فيقال لهم: قفوا للحساب، فيقولون: ما كان لنا شيء نحاسب عليه.. فيقول الله: صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس"..



**



وفي العام العشرين من الهجرة، لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة، وأتقى ما يكون قلبا، وأنضر ما يكون سيرة..

لقد طال شوقه الى الرعيل الأول الذي نذر حياته لحفظه وعهده، وتتبع خطاه..

أجل لقد طال شوقه الى رسوله ومعلمه.. والى رفاقه الأوّابين المتطهرين..

واليوم يلاقيهم قرير العين، مطمئن النفس، خفيف الظهر..

ليس معه ولا وراءه من أحمال الدنيا ومتاعها ما يثقل ظهره وكاهله،،

ليس معه الا ورعه، وزهده، وتقاه، وعظمة نفسه وسلوكه..

وفضائل تثقل الميزان، ولكنها لا تثقل الظهور..!!

ومزايا هز بها صاحبها الدنيا، ولم يهزها غرور..!!



**



سلام على سعيد بن عامر..

سلام عليه في محياه، وأخراه..

وسلام.. ثم سلام على سيرته وذكراه..

وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يتبع..















رد مع اقتباس
غير مقروء 16-Apr-2007, 08:25 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
سعود المغيري
عضو ماسي
إحصائية العضو






التوقيت


سعود المغيري غير متواجد حالياً

افتراضي

حمزة بن عبد المطلب

أسد الله وسيّد الشهداء



كانت مكة تغطّ في نومها، بعد يوم مليء بالسعي، وبالكدّ، وبالعبادة وباللهو..

والقرشيون يتقلبون في مضاجعهم هاجعين.. غير واحد هناك يتجافى عن المضجع جنباه، يأوي الى فراشه مبركا، ويستريح ساعات قليلة، ثم ينهض في شوق عظيم، لأنه مع الله على موعد، فيعمد الى مصلاه في حجرته، ويظل يناجي ربه ويدعوه.. وكلما استيقظت زوجته على أزير صدره الضارع وابتهالاته الحارّو الملحة، وأخذتها الشفقة عليه، ودعته أن يرفق بنفسه ويأخذ حظه من النوم، يجيبها ودموع عينيه تسابق كلماته:

" لقد انقضى عهد النوم يا خديجة"..!!

لم يكن أمره قد أرّق قريش بعد، وان كان قد بدأ يشغلا انتباهها، فلقد كان حديث عهد بدعوته، وكان يقول كلمته سرا وهمسا.

كان الذين آمنوا به يومئذ قليلين جدا..

وكان هناك من غير المؤمنين به من يحمل له كل الحب والاجلال، ويطوي جوانحه على شوق عظيم الى الايمان به والسير في قافلته المباركة، لا يمنعه سوى مواضعات العرف والبيئة، وضغوط التقاليد والوراثة، والتردد بين نداء الغروب، ونداء الشروق.

من هؤلاء كان حمزة بن عبد المطلب.. عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.



**



كان حمزة يعرف عظمة ابن أخيه وكماله.. وكان على بيّنة من حقيقة أمره، وجوهر خصاله..

فهو لا يعرف معرفة العم بابن أخيه فحسب، بل معرفة الأخ بالأخ، والصديق بالصديق.. ذلك أن رسول الله وحمزة من جيل واحد، وسن متقاربة. نشأ معا وتآخيا معا، وسارا معا على الدرب من أوله خطوة خطوة..



ولئن كان شباب كل منهما قد مضى في طريق، فأخذ حمزة يزاحم أنداده في نيل طيبات الحياة، وافساح مكان لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش.. في حين عكف محمد على اضواء روحه التي انطلقت تنير له الطريق الى الله وعلى حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الحياة الى التأمل العميق، والى التهيؤ لمصافحة الحق وتلقيه..

نقول لئن كان شباب كل منهما قد اتخذ وجهة مغايرة، فان حمزة لم تغب عن وعيه لحظة من نهار فضائل تربه وابن أخيه.. تلك الفضائل والمكارم التي كانت تحلّ لصاحبها مكانا عليّا في أفئدة الناس كافة، وترسم صورة واضحة لمستقبله العظيم.

في صبيحة ذلك اليوم، خرج حمزة كعادته.

وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتها فجلس معهم، يستمع لما يقولون..

وكانوا يتحدثون عن محمد..

ولأول مرّة رآهم حمزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه.. وتظهر في أحاديثهم عنه نبرة الحقد، والغيظ والمرارة.

لقد كانوا من قبل لا يبالون، أو هم يتظاهرون بعدم الاكتراث واللامبالاة.

أما اليوم، فوجوههم تموج موجا بالقلق، والهمّ، والرغبة في الافتراس.

وضحك حمزة من أحاديثهم طويلا.. ورماهم بالمبالغة، وسوء التقدير..



وعقب أبو جهل مؤكدا لجلسائه أن حمزة أكثر الانس علما بخطر ما يدعو اليه محمد ولكنه يريد أم يهوّن الأمر حتى تنام قريش، ثم تصبح يوما وقد ساء صاحبها، وظهر أمر ابن أخيه عليها...

ومضوا في حديثهم يزمجرون، ويتوعدون.. وحمزة يبتسم تارّة، ويمتعض أخرى، وحين انفض الجميع وذهب كل الى سبيله، كان حمزة مثقل الرأس بأفكار جديدة، وخواطر جديدة. راح يستقبل بها أمر ابن أخيه، ويناقشه مع نفسه من جديد...!!!



**



ومضت الأيام، ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد همهمة قريش حول دعوة الرسول..

ثم تتحوّل همهمة قريش الى تحرّش. وحمزة يرقب الموقف من بعيد..

ان ثبات ابن أخيه ليبهره.. وان تفانيه في سبيل ايمانه ودعوته لهو شيء جديد على قريش كلها، برغم ما عرفت من تفان وصمود..!!

ولو استطاع الشك يومئذ أن يخدع أحدا عن نفسه في صدق الرسول وعظمة سجاياه، فما كان هذا الشك بقادر على أن يجد الى وعي حمزة منفا أو سبيلا..

فحمزة خير من عرف محمدا، من طفولته الباكرة، الى شباب الطاهر، الى رجولته الأمينة السامقة..

انه يعرفه تماما كما يعرف نغسه، بل أكثر مما يعرف نفسه، ومنذ جاءا الى الحياة معا، وترعرعا معا، وبلغا أشدّهما معا، وحياة محمد كلها نقية كأشعة الشمس..!! لا يذكر حمزة شبهة واحدة ألمّت بهذه الحياة، لا يذكر أنه رآه يوما غاضبا، أو قانطا، أو طامعا،أو لاهيا، أو مهزوزا...

وحمزة لم يكن يتمتع بقوة الجسم فحسب، بل وبرجاحة العقل، وقوة اارادة أيضا..

ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابهة انسان يعرف فيه كل الصدق وكل الأمانة.. وهكذا طوى صدره الى حين على أمر سيتكشّف في يوم قريب..



**



وجاء اليوم الموعود..

وخرج حمزة من داره،متوشحا قوسه، ميمّما وجهه شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة، ورياضته الأثيرة، الصيد.. وكان صاحب مهارة فائقة فيه..

وقضى هناك بعض يومه، ولما عاد من قنصه، ذهب كعادته الى الكعبة ليطوف بها قبل أن يقفل راجعا الى داره.

وقريبا من الكعبة، لقته خادم لعبدالله بن جدعان..

ولم تكد تبصره حتى قالت له:

" يا أبا عمارة.. لو رأيت ما اقي ابن أخيك محمد آنفا، من أبي الحكم بن هشام.. وجده جالسا هناك ، فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره"..

ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله..

واستمع حمزة جيدا لقولها، ثم أطرق لحظة، ثم مد يمينه الى قوسه فثبتها فوق كتفه.. ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الطعبة راجيا أن يلتقي عندها بأبي جهل.. فان هو لم يجده هناك، فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه..

ولكنه لا يكاد يبلغ الكعبة، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش..

وفي هدوء رهيب، تقدّم حمزة من أبي جهل، ثم استلّ قوسه وهوى به على رأس أبي جهل فشجّه وأدماه، وقبل أن يفيق الجالسون من الدهشة، صاح حمزة في أبي جهل:

" أتشتم محمدا، وأنا على دينه أقول ما يقول..؟! الا فردّ ذلك عليّ ان استطعت"..



وفي لحظة نسي الجالسون جميعا الاهانة التي نزلت بزعيمهم أبي جهل والدم لذي ينزف من رأسه، وشغلتهم تلك الكلمة التي حاقت بهم طالصاعقة.. الكلمة التي أعلن بها حمزة أنه على دين محمد يرى ما يراه، ويقول ما يقوله..

أحمزة يسلم..؟

أعزّ فتيان قريش وأقواهم شكيمة..؟؟

انها الطامّة التي لن تملك قريش لها دفعا.. فاسلام حمزة سيغري كثيرين من الصفوة بالاسلام، وسيجد محمد حوله من القوة والبأس ما يعزز دعوته ويشدّ ازره، وتصحو قريش ذات يوم على هدير المعاول تحطم أصنامها وآلهتها..!!

أجل أسلم حمزة، وأعلن على الملأ الأمر الذي كان يطوي عليه صدره، وترك الجمع الذاهل يجترّ خيبة أمله، وأبا جهل يلعق دماءه النازفة من رأسه المشجوج.. ومدّ حمزة يمينه مرّة أخرى الى قوسه فثبتها فوق كتفه، واستقبل الطريق الى داره في خطواته الثابتة، وبأسه الشديد..!



**



كان حمزة يحمل عقلا نافذا، وضميرا مستقيما..

وحين عاد الى بيته ونضا عنه متاعب يومه. جلس يفكر، ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من قريب..

كيف أعلن اسلامه ومتى..؟

لقد أعلنه في لحظات الحميّة، والغضب، والانفعال..

لقد ساءه أن يساء الى ابن اخيه، ويظلم دون أن يجد له ناصرا، فيغضب له، وأخذته الحميّة لشرف بني هاشم، فشجّ رأس أبي جهل وصرخ في وجهه باسلامه...

ولكن هل هذا هو الطريق الأمثل لك يغدار الانسان دين آبائه وقومه... دين الدهور والعصور.. ثم يستقبل دينا جديدا لم يختبر بعد تعاليمه، ولا يعرف عن حقيقته الا قليلا..

صحيح أنه لا يشك لحظة في صدق محمد ونزاهة قصده..

ولكن أيمكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا، بكل ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات، في لحظة غضب، مثلما صنع حمزة الآن..؟؟؟



وشرع يفكّر.. وقضى أياما، لا يهدأ له خاطر.. وليالي لا يرقأ له فيها جفن..

وحين ننشد الحقيقة بواسطة العقل، يفرض الشك نفسه كوسيلة الى المعرفة.

وهكذا، لم يكد حمزة يستعمل في بحث قضية الاسلام، ويوازن بين الدين القديم، والدين الجديد، حتى ثارت في نفسه شكوك أرجاها الحنين الفطري الموروث الى دين آبائه.. والتهيّب الفطري الموروث من كل جيد..



واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة، وآلهاها وأصنامها... وعن الأمجاد الدينية التى أفاءتها هذه الآلهة المنحوتة على قريش كلها، وعلى مكة بأسرها.

لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الجديدة التي يحمل ابن أخيه لواءها..

ولكن اذا كان مقدورا له أن يكون أح أتباع هذه الدعوة، المؤمنين بها، والذائدين عنها.. فما الوقت المناسب للدخول في هذا الدين..؟

لحظة غضب وحميّة..؟ أم أوقات تفكير ورويّة..؟

وهكذا فرضت عليه استقامة ضميره، ونزاهة تفكيره أن يخضع المسألأة كلها من جديد لتفكر صارم ودقيق..



وبدأ الانسلاخ من هذا التاريخ م\كله.. وهذا الدين القديم العريق، هوّة تتعاظم مجتازها..

وعجب حمزة كيف يتسنى لانسان أن يغادر دين آبائه بهذه السهولة وهذه السرعة.. وندم على ما فعل.. ولكنه واصل رحلة العقل.. ولما رأى أن العقل وحده لا يكفي لجأ الى الغيب بكل اخلاصه وصدقه..

وعند الكعبة، كان يستقبل السماء ضارعا، مبتهلا، مستنجدا بكل ما في الكون من قدرة ونور، كي يهتدي الى الحق والى الطريق المستقيم..

ولنضع اليه وهو يروي بقية النبأ فيقول:

".. ثم أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي.. وبت من الشك في أمر عظيم، لا أكتحل بنوم..

ثم أتيت الكعبة، وتضرّعت تاة الله أن يشرح صدري للحق، ويذهب عني الريب.. فاستجاب الله لي وملأ قلبي يقينا..

وغدوت الى رسول الله صلى الل عليه وسلم فأخبرته بما كان من أمري، فدع الله أن يثبت قلبي على دينه.."

وهكذا أسلم حمزة اسلام اليقيم..



**



أعز الله الاسلام بحمزة..ز ووقف شامخا قويا يذود عن رسول الله، وعن المستضعفين من أصحابه..

ورآه أبو جهل يقف في صفوف المسلمين، فأدرك أنها الحرب لا محالة، وراح يحرّض قريشا على انزال الأذى بالرسول وصحبه، ومضى يهيء لحرب أهليّة يشفي عن طرقها مغايظة وأحقاده..

ولم يستطع حمزة أن يمنع كل الأذى ولكن اسلامه مع ذلك كان وقاية ودرعا.. كما كان اغراء ناجحا لكثير من القبائل التي قادها اسلام حمزة أولا. ثم اسلام عمر بن الخطاب بعد ذلك الى الاسلام فدخلت فيه أفواجا..!!

ومنذ أسلم حمزة نذر كل عافيته، وبأسه، وحياته، لله ولدينه حتى خلع النبي عليه هذا اللقب العظيم:

"أسد الله، وأسد رسوله"..

وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء عدو، كان أميرها حمزة..

وأول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة..

ويوم التقى الجمعان في غزوة بدر، كان أسد الله ورسوله هناك يصنع الأعاجيب..!!



**



وعادت فلول قريش من بدر الى مكة تتعثر في هزيمتها وخيبتها... ورجع أبو سفيان مخلوع القلب، مطأطئ ال{اس. وقد خلّف على أرض المعركة جثث سادة قريش، من أمثال أبي جهل.. وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأميّة بن خلف. وعقبة بن أبي معيط.. والأسود بن عبدالله المخزومي، والوليد بن عتبة.. والنفر بن الحارث.. والعاص بن سعيد.. وطعمة ابن عديّ.. وعشرات مثلهم من رجال قريش وصناديدها.

وما كانت قريش لتتجرّع هذه الهزيمة المنكرة في سلام... فراحت تعدّ عدّتها وتحشد بأسها، لتثأر لنفسها ولشرفها ولقتلاها.. وصمّمت قريش على الحرب..



**



وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش على بكرة أبيها، ومعها حلفاؤها من قبائل العرب، وبقيادة أبي سفيان مرة أخرى.

وكان زعماء قريش يهدفون بمعركتهم الجديدة هذه الى رجلين اثنين: الرسول صلى اله عليه وسلم، وحمزة رضي الله عنه وأرضاه..

أجل والذي كان يسمع أحاديثهم ومؤامراتهم قبل الخروج للحرب، يرى كيف كان حمزة بعد الرسول بيت القصيد وهدف المعركة..



ولقد اختاروا قبل الخروج، الرجل الذي وكلوا اليه أمر حمزة، وهو عبد حبشي، كان ذا مهارة خارقة في قذف الحربة، جعلوا كل دوره في المعركة أن يتصيّد حمزة ويصوّب اليه ضربة قاتلة من رمحه، وحذروه من أن ينشغل عن هذه الغاية بشيء آخر، مهما يكن مصير المعركة واتجاه القتال.

ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته..
.................................



انتهاء.. ارجوكم لاتنسونا من الدعاء..




::::مودتي::::















رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن »11:35 PM.


 Arabization iraq chooses life
Powered by vBulletin® Version 3.8.2
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
اتصل بنا تسجيل خروج   تصميم: حمد المقاطي