ومنا مَن يُعين عدونا علينا .. [ حسين بن محمود ] - الهيـــــــــــــلا *** منتدى قبيلة عتيبة

ابو ضيف الله · 30-Oct-2003, 11:11 PM

ومنا مَن يُعين عدونا علينا .. [ حسين بن محمود ]

على مدى شهور وأنا أراقب المشاركات والمناقشات في الساحات والمنتديات .. وعلمت من مصادر عدة بأن كثيراً من المشاركين في هذه النقاشات من الشباب المثقف ومن طلبة العلم أو ممن بدأوا مشوارهم العلمي ( الشرعي أو غيره ) ، ومن مختلف الأعمار والتخصصات والتوجهات ..

هذه المنتديات نعمة من الله إنْ أحسنا استغلالها وعرفنا كيف نوظفها لصالح العمل الدعوي والجهادي في الأمة : ففيها يصب الشباب أفكارهم وآرائهم ويتواصون بالحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. وتُنقل فيها فتاوى ومقالات علماء المسلمين .. وفيها تبْلغ الرسالة الواحدة مشارق الأرض ومغاربها .. وفيها من الأخبار ما تُغني عن القنوات الإعلامية الكافرة والمنافقة .. وفيها المواضيع الجادة والآراء المتميزة التي يصلح بعضها ليكون من الخطوط العريضة للعمل على نهضة الأمة .. وفيها ردود أفعال الشباب على الفتاوى والقرارات ، وهذه مادة دسمة للإحصائيات لمن تتبعها .. وفيها مقاييس كثيرة لمن تتبع الكتابات تحكي مدى وعي شباب الأمة ونضجهم الفكري ..

ولكن للأسف ، بعض الإخوة - هداهم الله - لا يُحسنون استغلال مثل هذه النعم التي تتحول إلى نقم لسوء الاستخدام !

وأسباب سوء الاستخدام كثيرة ، أذكر منها على سبيل المثال :
- عدم نضج بعض الشباب وفهمهم للواقع من حولهم .
- عدم القدرة على التفريق بين الكلمات التي تُنقل للخاصة والتي تُنشر للعامة . روي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال : " ليس كل ما يُعقل يُقال ، ولا كل ما يقال حضر أوانه ، ولا كل ما حضر أوانه حضر رجاله " .
- سلبية بعض الشباب ، وقصر نظرهم ، وتسرعهم في الحكم على الأمور .
- التجرّؤ على الفتيا بغير علم ، والتثاقل في النقل عن الأئمة الثقات .
- مشاركة الدخلاء والعملاء والمنافقين وأصحاب الأهواء والمخربين الذين يهمهم التفريق بين المسلمين .

هذه بعض الأمور التي يجب أن ندرسها , ونحاول إيجاد حلول لها , حتى يتسنى لنا الاستفادة المُثلى من هذه النعمة العظيمة ..

أما هذه المقالة فهي محاولة لتوجيه تلك الفئة المثقفة التي تحيد بعض الأحيان عن الجادة لتدخل في متاهات وفرعيات استطرادية تصرفها عن القضايا الكلية المصيرية فتسبح في بحر من التيه والانشغال وكأنه لا يعنيها ما يحصل على كوكب الأرض .

سوف أتكلم اليوم دون تحفظات ، وربما ذكرت أسماء أعيان أو جماعات لتوضيح الأفكار وربطها بالواقع دون قصد تجريح أو نيل من معيّن لذاته . وقد يكون في طيات الكلمات بعض التوبيخ الذي هو في حقيقته عتاب أخوي ، أسأل الله أن تتسع له الصدور .

إن المراقب للأحداث يرى بأن الأعداء يعاملون هذه الأمة على أساس أنها كيان واحد : فلا فرق عندهم بين " سنّي " و " بدعيّ " ، ولا بين " سلفي " و " صوفي " ، ولا بين " منافق مستتر " و " مستقيم ظاهر الاستقامة " ، ولا بين مَن كفّر الطواغيت وبين مَن توقف في تكفيرهم أو اتخذ لهم الأعذار ، ولا بين مَن أفتى بجواز الموسيقى وبين مَن حرمها ، ولا بين مَن أفتى بجواز كشف الوجه وبين مَن حرّمه ، ولا بين مَن أفتى بتحريك السبابة وبين مَن ثبتها ! الكل عندهم سواسية .. أما عندنا نحن معاشر المسلمين : فهذه جماعات التقائها من رابع المستحيلات ، بل ومن خامسها وسادسها !
وكل ما تناقله وسائل الإعلام الغربية من مصطلحات للجماعات الإسلامية ( وهابية ، أصولية ، مستنيرة .. ) إنما هي من باب التفريق بين المسلمين لا التمييز في نظر الغربيين .

غريب أمرنا معاشر المسلمين ! العدو على وشك دخول بلادنا - بل دخلوها - ونحن لا زلنا مشغولين بـ " الدمج " و بـ " تركي الحمد " ، و " عبد الباري عطوان " ، و" المالكي " ، وبـ " قناة الجزيرة " ( أيهودية أم عميلة أم عظيمة ) ، المرأة تقود السيارة ، هل يجوز للمرأة خلافة المسلمين ! أفتى الشيخ العلامة مجدد الأمة وأوحد المسلمين وحيد دهره ونجم عصره ، البحر المحيط الذي لا يُدرك ساحله ، الولي التقي النقي المجاهد العابد الزاهد المحدث المفسر الفقيه الأصولي الحافظ الحُجّة اللغوي النحوي الصادع بالحق ، وارث النبوّة ، المهديّ بلا مهديّة ... إلى آخره ، بأن : فلان بن فلان من الزنادقة المارقين عن الدين ، وبايعه على ذلك أتباعه المخلصين !

التتار دخلوا بغداد يا خليفة المسلمين : والخليفة يلاعب الحمام ، والغواني يرقُصْن له ويُغنّين !
التتار أحاطوا بالقصر يا أمير المؤمنين : والخليفة يلاعب الحمام ، والغواني يرقصن له ويغنّين !
التتار دخلوا القصر وهتكوا العرض يا أمير المؤمنين : والأمير المسكين مشغول عن العالمين !

يا معاشر المسلمين :

إلى متى وأنتم نائمون ؟!
إلى متى وأنتم في الأحلام غارقون ؟!
عدوكم صام النهار عن الملاهي ، وقام الليل يخطط لكسر شوكتكم ولفض جموعكم وتفريق شملكم ، وأنتم بغفلتكم قانعون ؟!

ألا يكفي أن البلاد قد سُلبت ؟! ألا يكفي أن البيوت قد هُدّمت ؟! ما لكم لا تفقهون ؟! علوج النصارى قد استقرت جيوشهم بجوار منازلكم .. أتنتظرون أن يدخلوا عليكم بيوتكم ليهتكوا أعراضكم أمام أعينكم وأنتم تنظرون .. أفي كل موقف لا تعقلون ؟!

الخلافة سقطت ، بلادكم احتُلّت ، فلسطين سُلبت وأنتم بين حزبية وجماعية ومذهبية ! أفغانستان ، داغستان ، الشيشان ، قابردى ، قراتشاي ، اوستيار ، البوسنة ، تركستان الشرقية ، السودان ، أريتريا ، الهند ، الصومال ، تركيا ، كردستان ، السنة في إيران ، بورما ، الفلبين ، أندونيسيا ، طاجيكستان ، أوزبكستان ، كازاخستان ، قرغيزيا ، بشكيرستان ، تاتارستان ، أودمورتيا ، الموردوف ، مارى يوشكاراولا ، اودمورتيا ، سيبيريا ، كشمير ، كوسوفا ، ألبانيا ، مقدونيا ، سلوفينيا ، صربيا ، وبلغاريا ، أثيوبيا ، مصر ، ليبيا ، الجزيرة ، الشام ، ، العراق ، الجزائر ، تونس ، المغرب ، السنغال ، وغمبيا ، غينيا ، سيراليون ، ساحل العاج ، توغو ، بنين ، تشاد ، الكمرون ، الكونغو ، جمهورية أفريقيا الوسطى ، تنزانيا ، النيجر ، جيبوتي ، بساو .. في كل هذه البلاد مآسي ومآسي تحكي قصة انشغال المسلمين بكل شيء إلا العمل من أجل هذا الدين !

إذا أراد عدونا الكيد لنا , فرش خريطة الأرض , ورسم خطين عموديين ؛ أولها في غرب الصين , والآخر في غرب المغرب , ووصلهما بخطين أفقيين ؛ أولهما في شمال تركيا , والآخر في جنوب تنزانيا ، ثم يقول : هذا هو الهدف ! أما نحن ، فإذا أردنا الكيد بأعدائنا التفتنا إلى دار جارنا !

لما كانت الفتنة بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع هرقل الجموع لغزو بلاد المسلمين ( لما رآهم يقتتلون في صفين ) ، فأرسل له كاتب الوحي الصحابي الجليل والسياسي العبقري الخطير معاوية - رضي الله عنه - رسالة يقول فيها " بسم الله الرحمن الرحيم .. من معاوية بن أبي سُفيان إلى هرقل كلب الروم : والله لترجعن يا خسيس ، أو لأضعن يدي في يد ابن عمي ، ثم لآتينّك بجيشٍ أوّله عندك وآخره بدمشق ، ولأُمزقنّ ملكك ولأقتلنك شرّ قِتلة " .. أين نحن من هذا !

إلى متى يا مسلمون ؟!

إلى متى هذا الهوان والذل والانشغال بسفاسف الأمور عن عظامها ؟! إلى متى هذه النظرة الضيقة للأمور ؟! متى تقومون بهذا العبء الذي وضعه الله على ظهر هذه الأمة ؟! أتريدون أن يستبدلكم الله بغيركم ثم لا يكونوا مثلكم ؟!
لا يكفي الأمة أنها تفرقت وتشرذمت وتنازعت عبر التاريخ حتى يأتينا أقوام ليفرقوا المتفرق ويؤججوا نار التنازع ويزيدوا التشرذم تفرقاً ..

ولنأخذ مثال يطبطب عليه بعض المغرضين والجهال هذه الأيام : " السلفية " : هذه السلفية التي قُطعت عن باقي الأمة ( أو قُطِع باقي الأمة عنها ) أصبحت صورة يبترها الجهلاء والدخلاء من أطرافها حتى لا يبقى من السلفية إلا من يحمل في يده ذلك المقص الخبيث : سلفية إخوانية ، سلفية دعوية ، سلفية علمية ، سلفية تبليغية ، سلفية جامية ، سلفية سرورية ، سلفية شُعيبية ، سلفية حزبية ، سلفية قُطْرية ، سلفية وهابية ، سلفية بازية ، سلفية صوفية ، سلفية أشعرية ، سلفية تكفيرية ، سلفية خارجية ، سلفية سلفية .. " كل حزبٍ بما لديهم فرٍحون " ! ولا أستبعد أن يأتينا غداً من يقول بالسلفية " العطوانية " و السلفية " الجزيرية " ( نسبة إلى قناة الجزيرة ) !
سلفية جهادية : [ وقد بدأ الإعلام العربي المنافق يدندن - هذه الأيام - على نغمة " السلفية الجهادية " ، وهذا من المكر الخبيث , وفيه خطر عظيم على الأمة , حيث يقوم عملاء أمريكا بملاحقة الشباب المجاهد بتهمة الانتماء إلى " السلفية الجهادية " وفي هذا العمل رسالة مفادها أن اتّباع السلف والجهاد خروج على الدين ! والغريب أن بعض الدعاة - هداهم الله - لا يأبهون بمثل هذه الأمور الخطيرة ، فتجدهم يقرّون للمنافقين بهذه التسميات فيستخدمونها في كلامهم ومقالاتهم فيكونون بذلك عوناً للمنافقين في نشر دعايتهم للتفريق بين المسلمين ! ]

يقول الله : " واعتصموا " , وبعض الإخوة - هداهم الله - يستميتون ليتفرّقوا ! يقول الله : " , ولا تفرَّقوا " وهؤلاء يفترقون ليتمايزوا ! يقول الله : " إنما المؤمنون إخوة " , وهؤلاء يسجلون على إخوانهم كل كبوة ! يقول الله : " ولا تنابزوا بالألقاب " , وهؤلاء ينتقون من الأوصاف أقبح الألقاب ! يقول الله : " وأعدوا لهم " , وهؤلاء لا يُعدّون إلا لإخوانهم !

التقاط سقط المتاع !

والغريب الذي لا أجد له تفسيراً مقنعاً من خلال متابعتي للكتابات والمداخلات هو ذلك الاهتمام الشديد بمواضيع وأمور في غاية السذاجة والتفاهة وترك ما هو مؤصّل وعلمي رزين ! فتجد بعضهم يلقي كلمة لا يأبه بها ، أو يكتب عنواناً ظريفاً أو مُبهماً فيتقاطر القراء على تلك الكلمات كالنمل بين ناقد ومنظر ومفتي ! وتجد المقالات المطولة ، والجهود المضنية في الرد والتفنيد ، ويدخل الشباب في جدال ونقاش واستطراد يؤدي إلى التشاحن والتنابذ والتخاصم والتنابز بالألقاب ، كل هذا من أجل كلمة ألقاها مَن لا يزن كلامه ، أو أنه يزنه ولكن قصد به استثارة الشباب ، وكان له ذلك !

هناك من الكتاب مَن يتفنن في صناعة مثل هذه القنابل الموقوتة , فيزرع ألغاماً في حقول المنتديات ، أو يلقي بسنارته المطعمة بدودة " التشتيت " ليصطاد بها الأسماك التي لا تفرق بين الطُعم والطعام ! وهؤلاء الكتاب إمّا أن يكونوا جهالاً لا يدركون خطر هذا العمل الذي فيه صرف الناس عمَّا هو أولى ، أو أنهم منافقون أو أعداء مأجورون من قِبَلِ جهات معينة لإشغال الشباب وصرفهم عن الدعوة والجهاد .

أيها الأحبة :

الأمم الأوروبية على اختلافها اجتمعت ، والدول الأمريكية على بغضها وتناحرها اتفقت ، والدول الآسيوية على اختلاف مللها وما بينها من الأحقاد تجمّعت .. والمسلمون على وحدة دينهم وقرآنهم يتفرقون شذر مذر ، ولأسباب هي أتفه من أن تُذكر !

العقل العقل .. الزموا غرزة نبيكم ، أأمر الجاهلية وسنته بين أظهركم ؟! " إن هذه أمتكم أمة واحدة " ، وربكم واحد ، ودينكم واحد ، وقرآنكم واحد .. أين معاني الأُخوة ؟! في أي منطق يكون تناحر الإخوان قوة تواجه اتفاق الأعداء ؟!

لو أنك فكرت للحظة واحد ، وسألت نفسك : في مصلحة مَن تصب هذه الفرقة ؟ مَن المستفيد الأول والأخير من هذا التشاحن بين المسلمين ؟! مِن المستفيد من اشتغال الشباب بكل شيء إلا ما يفيد الدين ؟! إذا علمت هذا فعليك بالحذر في ما تكتب " فلا تكونن ظهيراً للكافرين " ( القصص: 86 )

اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..

كتبه : حسين بن محمود
الأربعاء 18 رجب 1423 هـ

التوقيع

قال الشافعي رحمه الله: أركان الرجولة أربع: الديانة والأمانة والصيانة والرزانة.

قال الخليل ابن أحمد: التواني إضاعة, والحزم بضاعة, والإنصاف راحة, واللجاجة وقاحة.