مناهج التعليم بين حادثتي نيويورك وبوسطن

[أبو عبد الملك الرويس]

بسم الله الرحمن الرحيم



المقال :

بعد تفجير أبراج التجارة العالمي في نيويورك صوّبت أمريكا ممثلة في سياسييها وإعلامها سهام نقدها تجاه المناهج التعليمية في المملكة، متهمة إياها بتنمية الإرهاب وغرسه في عقول الناشئة من خلال النصوص الدينية، وبذلت جهودا على المستوى الرسمي والإعلامي والأكاديمي للبحث في مكونات المناهج التعليمية لاقتناص كلمة هنا أو هناك يمكن أن تستخدم لإثبات ادعاء أن من فجّر المباني ما كان لهم أن يفعلوا هذا الفعل لولا التربية والتعليم اللذين تلقوهما في المدارس. وشكّل الكونجرس الأمريكي حينها لجنة خاصة لهذا الغرض، وكتبت تقريراً تناولت فيه المناهج الدراسية، ضمّنته بعض الآيات والأحاديث النبوية الشريفة بغرض الاستشهاد بها على تطرف مناهجنا في المملكة، واستمر الإعلام الأمريكي والسياسيون يشنون حملة شعواء على هذه المناهج، حتى أن بعض القوم صدقوهم وساروا على نهجهم وحملوا راية الهجوم على المناهج. وعقب حادثة نيويورك حدثت أحداث إرهابية في أمريكا ولا تزال؛ إذ إن المدن الأمريكية وشوارعها تشهد عمليات قتل جماعي، ومن هذه الأعمال ما حدث في أوكلاهوما في المركز الحكومي، وحينها، وبعد الحادث مباشرة وجهت أصابع الاتهام للعرب والمسلمين وتعرضوا لمضايقات واعتداءات حتى تكشف الأمر ليكون الفاعل أمريكيًّا أصليا، وليس بالتجنس. وتوالت الأحداث في المدارس والجامعات والأماكن العامة، وما إن تنتهي صدمة الحدث في أيامه الأولى حتى يطوى الحدث وينسى ولا يجيء ذكر للمناهج في الولايات المتحدة، ولا الثقافة العامة، وتنشئة العقول التي تتم من خلال الإعلام، ببرامجه وأفلامه المولدة للعنف. أمريكا التي فيها آلاف الجامعات، ورواد في أصول التربية ومناهجها وطرائقها لم يتطرق أحد منهم لاحتمالية أن يوجد في مكونات التربية الأمريكية ما يحفّز على العنف والإرهاب. هل الأمريكان واثقون من سلامة مناهجهم وصفائها، أم أنهم لا يريدون فتح هذا الموضوع؛ لأن هناك من هو مستفيد من الثقافة السائدة، وما يعرض من برامج وأفلام في دور السينما وعلى الشاشات الفضية؟!


عندما حدث تفجير بوسطن بدأ الإعلام في تسريب أخبار كاذبة من أن وراء الحدث سعوديين، وتلقفت بعض وسائل الإعلام لدينا هذا الخبر وروجت له كقناة ''العربية''، لكن أحداً لم يتوقف عند فيلم الكرتون، الذي عرض على قناة ''فوكس'' قبل شهر من الحادث، والذي يتحدث عن تفجير ماراثون بوسطن، أليس هذا الفيلم وغيره من محفزات الإرهاب من خلال الإيحاء؟ أم أن هذا الفيلم الكرتوني ذو طابع ترويحي ولا يخشى من آثاره السلبية؟! قد يقول قائل هذا الشيء، لكن الحقيقة أنه وغيره من مواد إعلامية، وكذلك الثقافة العامة بما فيها من حرية مطلقة في بعض الأمور، وحمل سلاح وتعاط للمسكرات والمخدرات كلها عوامل قد تشكل بيئة مواتية لنمو الإرهاب.

الهرب من قِبل الأمريكان من اكتشاف واقعهم وتشخيص تربيتهم وثقافتهم العامة لا يخفي الحقيقة، ولا يصمد أمام أحداث الإرهاب التي تحدث في كل لحظة كبرت هذه الأحداث أم صغرت حتى لو لجأوا إلى إلصاقها بغيرهم كما حدث أخيراً حين ربط التفجير بالشابين الشيشانيين.

المناهج الأمريكية ليست بريئة، وقد تبين من ندوة عقدناها في كلية التربية في جامعة الملك سعود عام 1424هـ ودرسنا فيها مناهج 16 دولة أن المناهج الدراسية في أمريكا وغيرها من الدول بما فيها العدو الصهيوني مليئة بما يغرس كراهية واحتقار الآخر، وحق الاعتداء عليه، بما في ذلك سلبه حياته والقضاء عليه، فهل يدرك إعلاميونا هذه الحقيقة؟ وهل يكلّفون أنفسهم الاطلاع على بحوث الندوة وينطلقون من حقائقها بدلاً من نقل ما يصدر من وسائل إعلام الآخرين والسير خلف السراب؟!

وأخيراً..
هل من طالب بقتل السعوديين درس في مدارسنا ووفق مناهجنا؟!
هل من حرق القرآن على الملأ وأمام كاميرات التلفزيون درس في مدارسنا ووفق مناهجنا؟!
وهل من طالب بضرب الكعبة وتدميرها درس في مدارسنا ووفق مناهجنا؟! هذه تساؤلات لمن يرغب في الإجابة عنها.



عبد الرحمن الطريري.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


* التعليق :


فقط ، أسبّح القائل : (( ولن ترضى عنك اليهودُ ولا النصارى حتى تتّبع ملتهم )).