ذنب لا يكفره الاستغفار و لا تكفره التوبــــــة

[د/ نايف العتيبي]

ذنب لا يكفره الاستغفار و لا تكفره التوبــــــة

الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبة :

وبعد أخوتي الكرام :

يقرر علماء أهل السنة والجماعة أن كافة الذنوب مهما عظمت فيما بين العبد وبين ربه لها مكفرات كثيرة كالتوبة النصوح والاستغفار وكثير من الأعمال الصالحة كالصلاة كالحج والعمرة والوضوء ، وبالجملة إن العبد مفتوح له باب التوبة ما لم يغرغر وما لم تطلع الشمس من مغربها ، جاء في الحديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) رواه الترمذي وابن ماجة ، وخرج ابن ماجة من حديث ابن مسعود مرفوعا ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) .
وقيل للحسن : ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود فقال : ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا فلا تملوا من الاستغفار .أ.هـ
باب التوبة مفتوح لمن بادر بالتوبة و تاب مهما عمل قال تبارك وتقدس : {وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } (153) سورة الأعراف ، وقال تعالى :{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (82) سورة طـه وقال سبحانه {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران ، وقال جل ذكره {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (60) سورة مريم ، وقال تبارك وتقدس {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (70) سورة الفرقان إلى غير ذلك من الآيات الدالة على قبول توبة التائب من الذنب الذي بينه وبين الله مهما عظم .

ولكن هناك ذنوب لا تكفرها المكفرات السابقة ألا وهي ظلم الناس وحقوق الخلق والمظالم فهذه لا تكفرها التوبة والاستغفار ولا الأعمال الصالحة فقد جاء في كثير من النصوص الصريحة والصحيحة ما يدل على أنه لا بد من رد المظالم والحقوق لأهلها حتى تقبل التوبة كما قال تعالى :{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (42) سورة إبراهيم . وقال تعالى :{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} (42) سورة الشورى ، وقال سبحانه : {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (227) سورة الشعراء
و ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( من كانت له مَظْلَمَةٌ لأحد من عِرْضِهِ أو شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه الْيَوْمَ قبل أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ إن كان له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لم تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ من سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه ) .
وفي الحديث الصحيح عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلى أَهْلِهَا يوم الْقِيَامَةِ حتى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ من الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ) .
وثبت أيضا في صحيح مسلم عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( اتَّقُوا الظُّلْمَ فإن الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يوم الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فإن الشُّحَّ أَهْلَكَ من كان قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ على أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ).
وفيه أيضا من حديث ا بن عُمَرَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يوم الْقِيَامَةِ ) .
وحديث عن أبي مُوسَى في الصحيح قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ عز وجل يملى لِلظَّالِمِ فإذا أَخَذَهُ لم يُفْلِتْهُ ثُمَّ قَرَأَ : (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) .
و ثبت في صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( أَتَدْرُونَ ما الْمُفْلِسُ قالوا الْمُفْلِسُ فِينَا من لَا دِرْهَمَ له ولا مَتَاعَ فقال إِنَّ الْمُفْلِسَ من أُمَّتِي يَأْتِي يوم الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قد شَتَمَ هذا وَقَذَفَ هذا وَأَكَلَ مَالَ هذا وَسَفَكَ دَمَ هذا وَضَرَبَ هذا فَيُعْطَى هذا من حَسَنَاتِهِ وَهَذَا من حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قبل أَنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ من خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عليه ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ )

وقال تعالى : {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} (71) سورة الفرقان ، وقال سبحانه {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} (67) سورة القصص ، ومن العمل الصالح الذي يصدق التوبة رد المظالم والحقوق لأهلها وهذا لابد أن يكون مع التوبة حيث قرن العمل الصالح بها هو والإيمان إذ كيف تائبا حقا يعمل صالح وذمته مشغولة بحقوق الناس لم يتحلل منها ثبت في صحيح البخاري عن خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمْ النَّارُ يوم الْقِيَامَةِ ) .

قال النووي رحمه الله عند حديثه عن التوبة في شرح صحيح مسلم :
أن لها ثلاثة أركان – أي التوبة - الانقلاع والندم على فعل تلك المعصية والعزم على أن لايعود إليها أبدا فان كانت المعصية لحق آدمى فلها ركن رابع وهو التحلل من صاحب ذلك الحق وأصلها الندم وهو ركنها الأعظم واتفقوا – أهل العلم - على أن التوبة من جميع المعاصى واجبة وأنها واجبة على الفور .
قال الشاعر :

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا *** فالظلم يرجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلــوم منتبه *** يدعو عليك وعيـن الله لم تنـــم

جعلنا الله وإياكم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

كتبه د . نايف بن محمد العصيمي
9/2/1432هـ

التوقيع

[ولدعساف]

جزاك الله خير وجعله بموازين حسناتك

التوقيع

قال أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - ( الموت أهون مما بعده، و أشدّ مما قبله ) حسبي الله ونعم الوكيل كتبت وقد أيقنت يوم كتابتي .. بأن يدي تفنى ويبقى كتابها فإن كتبت خيراً ستجزى بمثله .. وإن كتبت شرا عليها حسابها

[((ابو حمزة ))]

أثابك الله

[د/ نايف العتيبي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ولدعساف

جزاك الله خير وجعله بموازين حسناتك

الأخ العزيز / ولد عساف شكرا لمرورك


تقبل تحيتي وتقديري

[د/ نايف العتيبي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ((ابو حمزة ))

أثابك الله

الأخ العزيز / ابو حمزة ، وأنت أيضا ، وشكرا لمرورك


تقبل تحيتي وتقديري

[بعيـد المرامع]

جزاك الله خير يادكتور نايف..

وبودي سؤالك عن اليمين الغموس..

هل هي من الذنوب للتي لا تكفر ام لها كفاره!!

التوقيع

تنويه ..وتنبيه ..مرامعي.. لوحظ في بعض المنتديات و من بعض الاخوه هداهم الله ..سرقة بعض مواضيعي في منتدى الهيلا..ونشرها في منتدياتهم ..بمعرف "بعيد المرامع" ..لإيهام القارئ والمتصفح ..بأنه صاحب الموضوع..والكاتب بعيد المرامع لذا أود التنويه .. بأني ..انا يا بعيد المرامع..ليس لدي اي معرف اخر..خارج موقع منتديات عتيبه الهيلا إطلاقاً.. B3EED_MRAM3@HOTMAIL.COM

[خـ الهيلا ـالد]

اللة يرحم والديك

[ابوتميم الرائد]

فضيلة الشيخ نايف العصيمي .............
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فائده جليله تشكر عليها ... لا احرمك الله الاجر والثواب وجعل ذلك في ميزان حسناتك
لا تحرمنا من هذه الفوائد بين الفينه والاخرى بارك الله فيك .... تقبل مرور و خالص دعائي والسلام

[عالي المراقيب]

جعله الله في موازين حسناتك