مصايد الإرهاب . . الانترنت

[الانباري]

مصايد الإرهاب . . الانترنت

الشيخ الدكتور محمد بن عمر بازمول

تعريف الإرهاب :

قد صدر في تحديده بيان عن مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في دورته السادسة عشرة , المنعقدة في شوال من عام 1423هـ, حيث حدَّدوا الإرهاب بتحديد سبقوا به جهات عالمية عديدة غالطت في معناه ودلالاته , وجاء في بيانهم أن :

"الإرهاب هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه , ودمه , وعقله , وماله , وعرضه , ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق , وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق , وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي, ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس, أو ترويعهم بإيذائهم, أو تعريض حياتهم, أو حريتهم, أو أمنهم, أو أقوالهم للخطر, ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد مرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة , أو تعريض أحد الموارد الوطنية , أو الطبيعية للخطر.

فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله – سبحانه تعالى – المسلمين عنها قال تعالى :{وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } (القصص : 77)"اهـ([1]).

كيف يقع الشاب في الإرهاب :

قضية الإرهاب معقدة جداً من جهة النظر في أسبابها المباشرة وغير المباشرة، لكن هناك أموراً تشكل المزلق الأول الذي ورّط هذا الشاب أو ذاك في الإرهاب من حيث لا يشعر! هذه الأمور هي التي عبرت عنها بـ مصايد الإرهاب؛

منها الانترنت.

منها المخدرات.

منها القنوات الفضائية.

منها التطرف والغلو.

منها العاطفة والحماس غير المنضبط بالشرع.

منها الجهل والبدعة.

منها التحزب .
وفي هذه الورقات سأبدأ الحديث عن الانترنت، فأقول مستعيناً بالله:

الانترنت:

أصبح العالم قرية صغيرة، يستطيع فيه الشخص أن يعلم بما يجري في شرق الدنيا وغربها وشمالها وجنوبها، في ساعة وقوع الحدث.

يستطيع أن يتحدث مع غيره ويراه في شتى أرجاء المعمورة.

كما يشاهد ثقافات الأمم والمجتمعات في بلدان العالم البعيدة.

كل ذلك وهو جالس في بيته بهدوء .

فقد قربت وسائل الاتصالات البعيد.

وفتح الانترنت (الشبكة العنكبوتية = الشبكة الضوئية) بوابة عالم يتواصل المبحرون فيه، بكل حرية، لا يعيقهم بعد المسافة، و لا غرابة الفكر، ولا الجنسية، يتكلمون، يتحاورون ويتناقشون، ويتبادلون المعلومات.

هذا الواقع فتح مجالا رحباً أمام أصحاب الاتجاهات والأفكار أن ينشرون أفكارهم وتجاربهم، ويتواصلون مع أتباعهم، في شتى بقاع الدنيا، بل ويضربون من يخالفهم ويردون عليه بدون أي ضابط، فيوهمون أتباعهم أنهم أصحاب حجة وبرهان ودليل، ويتصيدون من خلال ذلك أتباعا جدداً، يشربونهم أفكارهم ويطوعونهم لمبادئهم!

من هنا كان الانترنت مصيدة!

أذكر قصة شاب قابلته في جلسات المناصحة، كان يتبنى فكر التكفير، ثم تبين له الحق، وتراجع عما كان عليه، قلت له: الآن وقد هداك الله وتيقنت خطأ الفكر الذي كنت عليه، أخبرني كيف وصل إليك؟

قال لي: أنا كنت أعمل في جدة، معي زوجتي وأولادي، ثم جاء نقل لي إلى المنطقة الشرقية، ولم استطع أن أنقل زوجتي وعيالي معي إلى هناك لأسباب، فقلت لهم: أنا أذهب وكل أسبوعين آتي إليكم، إلى أن تستقر أوضاعي أنقلكم معي، وذهبت إلى المنطقة الشرقية، واستأجرت سكناً سكنت فيه بمفردي، وداومت في عملي، وبعد نهاية الدوام اليومي أرجع إلى سكني، أصبحت لدي مساحة واسعة من الفراغ، زوجتي ليست معي، وأولادي معها، فصرت اشغل نفسي بتصفح الانترنت، ومن موقع إلى موقع ومن رابط إلى رابط، استهوتني المواقع الدينية، التي كنت دائماً افتحها وأتصفحها وأقرأ المناقشات والحوارات، وما يكتب فيها، يقول: في الأول صدمت لمّا قرأت مسائل التكفير، ولكن إدماني التصفح، والحوارات والنقاشات، وظني أن هذا هو الحق، جعلني بعد فترة لمّا أقرأ في مواقع أخرى ما يخالف الكلام الذي قرأته هناك أعلق عليه بالأجوبة التي في ذهني من تصفحي للمواقع التكفيرية، وأحياناً أضع روابط للرد، بالإحالة إلى تلك المواقع التي تقرر مسائل التكفير! وهكذا مشيت حتى انتهيت إلى هذا الفكر التكفيري، الذي أنقذني الله عزوجل منه، و الحمد لله!

طبعاً أكثر المواقع التي كان يتصفحها كانت مقفلة، ولكنه كان يكسر (البروكسي) ببرامج أو روابط يتلقفها من هنا وهناك .

وهذه قصة شاب آخر تبنى الفكر الجهادي، من خلال مشاهدته لمقاطع الأفلام التي تبث في بعض المواقع على الانترنت.

قلت له: أتعلم أن أغلب هذه الأفلام مفبرك؟

والله يا شيخ الآن لمّا أتذكر ما كنت أشاهده أقول: إن هذا الكلام صحيح! أذكر مرّة كنت أشاهد فيلماً جهادياً، تظهر فيه صورة طائرة أمريكية تدمر مسجداً في العراق، وحصلت مشكلة في العرض استدعت أن أعيد المشاهد بالبطيء، وإذا تظهر صورة دمار المسجد قبل ما الطائرة تكون فوقه وتلقي المتفجرات، وهذا يدل أن الصورة مركبة، و ليست حقيقية.

فقلت له : إن أعداء الإسلام استغلوا عاطفة الشباب وحماسهم وحبهم للجهاد، لتحقيق مقاصدهم، إن الفوضى التي تعم تلك الأماكن هي من مصلحتهم، فهم يريدون استمرارها، فصاروا يبثون الصور والأفلام التي تحرك الشباب تجاه الأعمال القتالية في هذا البلد أو ذاك، حتى تستمر الفوضى، بل ويزعزعوا الاستقرار والأمن الذي ننعم به في بلادنا.

إن الانترنت وسيلة علمية للاتصالات مثل السكين إن استعملتها فيما ينفعك، كانت مفيدة، وإن أسأت استعمالها ضرتك؛ لذلك كان من المهم تجنب مواقع الفتنة، والالتزام بتوجيهات المسؤولين الذين اغلقوا هذه المواقع، والرجوع إلى أهل العلم عند الوقوف على هذه الشبه.

إن العالم الافتراضي الذي يشكله الانترنت أصبح ملاذاً لأصحاب الفكر الضال والاتجاهات الهدامة، يتصيدون فيه، ويلقون شباكهم بصور شتى، والسيطرة عليه صعبة جداً، لذا لابد من المشاركة فيه بفكر مضاد، ينير السبيل أمام التائهين في تلك المواقع، ويرد على أباطيل أصحاب الفكر الضال، ويدفع شبههم بصورة قوية ومقنعة.



([1]) ينظر البيان الصادر من مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة في دورته 16, المنشور في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية .

[الشيباني محمد]

لك الشكر اخي الكريم