8
8
************
هل يوجد عاقل يبحث عن فتنة يكون هو أحد أطرافها؟ هل يمكن للفتنة أن تكون شعار المؤمنين بأخلاقيات آخر الرسالات؟ هل بين البشر من يؤمن بأسمى الرسالات ويعتقد أن الفتنة هي طريق نشر تلك الرسالة والتبشير بها من أجل أن تعم على البشرية كلها؟ هل ثمة من يعتقد أن لغة التهديد و التشنج و الإرعاد و الإزباد هي ما يوصل إلى الحقائق وإلى الغلبة و النصر؟
هل بين العقلاء من يعتقد أن الوصول إلى الحق يمر بطرق ملتوية؟ هل ثمة من يصدق أن الكذب و النفاق والدسائس و الكيد توصل إلى الحقائق؟ وهل ثمة من يصدق أن التماهي في المواقف و الأقوال و الأفعال، مع خلاف ما يؤمن به، ستوصل إلى بر الأمان؟ وهل يعقل أن يكون تبنى مواقف الغرباء ضد أهل الدار يمكن أن يكون وسيلة الغلبة الحقيقية؟ وهل يمكن للغريب أن يكون أكثر حرصا على الإسلام من أبنائه و المنتمين إليه؟ وهل يعقل أن يكون من يدعي مساندتك وهو فعلا يساند عدوك حريصا على ما بين يديك من فكر وتراث و موارد؟ كالسرقة التي هي فعل منفر لكل ذي خلق سوي، وكالكذب الذي لا يقبله ذوو خلق كريم، وكالنفاق الذي ينبذه كل ذي فكر سليم، وكسفك الدماء البريئة التي لا يمكن أن تبرر لأي كان ممن حافظ على إنسانيته، ككل ذلك فالفتنة لا يمكن أن تتسق مع أي خلق سوي، ولا مع أي خلق كريم، ولا مع أي فكر سليم، ولا مع أي فرد تتمثل الإنسانية فيه. بل إن الفتنة لا يمكن لها أن تقارن لا مع الكذب ولا مع السرقة ولا مع النفاق ولا حتى مع القتل، لأن الفتنة أشد من القتل.
مع كل هذا، فالبعض ممن يحسبون على العقلاء والكثير ممن يرفعون شعار الحق و العدالة و الإيمان هم حاملون و مسوقون لمسببات الفرقة والفتنة من حيث لا يدرون أو من حيث يدرون. وهناك من يعمل كأنه محطة تقوية لإعادة إرسال ما استقبله من أماكن بعيدة. فتصريح في أقصى الدنيا، ومقال في إحدى الوسائل، و حدث في أي بلد، لا يحظى الا بالقدر الذي يمثله في تداوله بين من يعنيهم الأمرهناك، ينقل الينا على أنه الحدث العالمي الأبرز. يحدث ذلك لأنه يوجد من يصنع من تلك الحبة قبة في نقل تلك المادة وتحويرها لتخرج وكأنها حدث عالمي كبير لعدم تقديره بأن نقله ذاك أو إيمانا أن هذا النقل يدفع للفتنة بين الأشقاء. وعلى أساس ما نقل، تخلق اصطفافات، و تبنى المواقف للنيل من التعايش و التحاب و التآخي. وبعد أن تذهب السكرة، تأتي الفكرة، ليتبين لهؤلاء أنهم مخدوعون، فما نقل كان مفبركا ولا أساس له.
هؤلاء السماعون لهم هم من يمهد للفرقة و الفتنة بين العقلاء المختلفين. ففتنة الأغراب لا يمكن أن تجد طريقا لها في المجتمعات بدون أن يوجد في تلك المجتمعات من تحرك غرائزه أقوال و أفعال و أطماع الأجنبي ذاك. حبائلهم كثيرة، ووسائلهم لا تنتهي، و دسائسهم متواصلة. وكما العلم الذي برع فيه بعضهم و الذي نشهد ثوراته المتلاحقة، كذلك حبائلهم ومكائدهم تشهد رواجا كبيرا وتنوعا كبيرا في الوسائل التي يتبنونها
منذ بدايات الرسالة الإسلامية وكان لأعدائها، ومن بينهم المنافقون، دور في التبشير بالفتن. وبمؤازرة ذلك كان هناك من يسمع لهم، والى يومنا هذا حيث الأعداء والسامعون لهم والمبشرون بما يسمعون كثر . لكن الحق دوما أصلب من أن يكسر وأعظم من أن ينال منه، وأنصع من أن يشوبه التلفيق، وأقوى من أن يغلبه الباطل. ولكي لا يكون كلامنا حديث المتمني، لا بد وأن يوجد من يجسد الحق والعقل والحكمة وأن يكون السمة الأساس التي يوصف بها المجتمع المنتمي لذاك الحق. ومع ذلك فإنه لا يمكن لنا أن نمنع من التبشير بالفتنة، لكن يمكن لنا أن نسد آذاننا عن الفتنة وتلفيق الأحداث فإرادتهم تفتقر لمن يسمع لهم.
ومـع انـعدام السامعيـن لهـم، تنقطع حبائـل الفـتن التي يبغوننا. ذاك ما يقـوله قـرآننا « يبـغونكم الفـتنة وفيكم سماعون لهم» فهل نعي ما يحاك لنا.
م
ر
و
ر
ي
معــــ كلـــــــ الودــ