رد على موضوع / العدنانية أصل العرب للباحث ضمير الكايف

[العقبي]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هذا ليس رداً بل هو تسليط للضوء على ثغرات في موضوع نشر على موقع الهيلا بعنوان (العدنانية أصل العرب / وليسو مستعربة) للباحث ضمير كايف المحترم
.................................................
كنت أتصفح النت بحثاً عن موضوع معين ووقعت على هذا الموضوع في منتداكم الكريم .. وقرأته وأعجبني أسلوب الكاتب في البحث والتقصي والتفنيد وطرقه للموضوعات التي تعتبر من المسلمات ، وتعرضه لها بالبحث والتمحيص وهذا يدل على شخصية متميزة وذات ثقافة مستقلة واعية غير منساقة أو منقادة.
أحبائي القراء .. عزيزي كاتب الموضوع المحترم .. إنه ليسعدني المشاركة في مواضيع جادة من هذا النوع من الأطروحات .. ولقد قرأت موضوعك بعناية فوجدتك قد تعبت وحققت واستطردت وداعي عملك الخير وتصحيح فكرة ترى أنها مغلوطة تفتقر إلى أسس الصواب.
نعم عزيزي .. إنه لمن دواعي سروري نهوض فكر غير منغلق يبحث في الموروث ويحاول تفنيد أخطاءه وكشف اللثام عن سقطاته .
وبخصوص الموضوع الذي تطرقت إليه وحتى لا أطيل عليك فقد لاحظت أنه قد فاتك أمر مهم والتبس عليك أمر أهم .. جعلك ربما تخلط الحابل بالنابل وتعود بعد جهدك المشكور كحاطب ليل ..
عزيزي كاتب الموضوع أو ناقله:
لقد تكلمت وأسهبت عن تقسيم العرب كعاربة ومستعربة وادعيت أن كلمة مستعربة تم وضعها للحط من قدر رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وهذا يا صديقي كلام لا يقع في خلد إنسان عاقل إلا مَن كان (وأعيذك من هذا) عنصرياً متعصباً لعنصر العرب .. فالمتعصب هو وحده من يرى أو يظن أن العرب هم خير جنس على وجه البسيطة ، وهذا كلام لم يقله الله ولا رسوله الأكرم بل قال جل شأنه " كنتم خير أمة أخرجت للناس" فالعرب أمة من الخلق فيهم الحسن وفيهم القبيح .. أعزهم الله بالإسلام ومَنَّ عليهم بخصال الشرف من كرم ونجدة وحميَّة وغَيرةٍ فسَمَوا بها ولم يمنع الله سبحانه هذه الأخلاق والخصال عن باقي الأمم فمن فعلها أو كانت فيه من أي أمة كان وكان مسلماً كان له من الشرف ما للعربي.
وأنت بطرحك هذا تقع في مزلق كبير ألا وهو مدح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من جهة وذم باقي الأنبياء من غير العرب من جهة أخرى (وأعيذك أيضاً من هذا) فبزعمك يجب أن يكون كل الأنبياء من العرب حتى لا تنالهم المنقصة التي فرضتها وادَّعيتها!!
وأنا شخصياً وعامة المسلمين مثلي والله أعلم لا أرى في كون النبي صلى الله عليه وسلم من العرب المستعربة (كما يقولون) لا أرى فيه منقصة كما ادعيتَ وفرضتَ بل على العكس تماماً فلو قدَّر الله وشاء أن يكون النبي الكريم من غير العرب وجاء برسالته العامة الخاتمة لاتبعناه من أي أمة كان أو جنس.
ثانياً:
لقد خلطت خلطاً عجيباً بين موضوعين مختلفين ألا وهما موضوع المستعربة لغتاً والمستعربة نسباً .. فالمستعربة لغةً شيء .. والمستعربة نسباً شيءٌ آخرٌ تماماً .. فالعرب مستعربة وعاربة (هذا التقسيم جاء به من جاء ) بقصد التفريق في النسب لا اللغة .. وأما أنت فقد خلطت الأمور ببعضها وحاولت إثبات اللغة وليس النسب وحتى موضوع اللغة فلو صح أن إسماعيل عليه السلام هو أول من تكلم العربية لكان بذلك أول عربيٍّ من حيث النطق لا النسب .. ولكان أولى أن ينزل القرآن عليه .. ولكن تأكد أن العربية لغة لم تنزل من السماء بل هي لغة مرت في مراحل طويلة من التخيُّر والتنميق والتطور حتى كان العصر الجاهلي الثاني (الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم) وكانت العربية وقتها قد نمت وتطورت ووصلت ذروتها من النضوج والرِّقي فجاء القرآن الكريم في هذا العصر تحدِّياً لمتكلِّميها .. وقولك أن من كانوا قبل إسماعيل عليه السلام كانوا يتكلمون العبرية ما هو إلا من تخاريف بني إسرائيل فكيف يتكلم مَن هم قبل إسماعيل لغة لم تكن موجودة أصلاً فمعلوم أنَّ العبرية نزلت على نبي الله إسرائيل وهو كما تعلم ابن إسحاق النبي ابن إبراهيم الخليل عليه صلوات الله وسلامه وإسماعيل ابن إبراهيم الخليل فكيف تكلم العرب لغة نزلت بعد نزول لغتهم على إسماعيل (بحد زعمك) وهو قبل إسرائل صاحب العبرية!! وأما العرب فأمة كانت قبل يعقوب قال تعالى "وجاء بكم من البدو" يقصد قبيلة جذام وهم كما روى الرواة من العاربة.
ثالثاً وهو الأهم :
إن نظرية وجود عرب عاربة ومستعربة نظرية ضعيفة واهية ومنذ القدم ذكر بعض المؤرخين ضعف هذه النظرية وقد ارتكز معضمهم على حديث صحيح للرسول صلى الله عليه وسلم وهو " ارموا بني اسماعيل فإن أباكم كان رامياً " وكان كلامه صلى الله عليه وسلم موجَّهاً لفتيانٍ من الأنصار .. والأنصارُ كما هو معلوم من الأزد وهم من العاربة (كما أصطلح على تسميتها) !! لقد توقف المؤرخون كثيراً عند هذا الحديث وتكلم فيه بعض المفسرين بكلام غير مقنع وإلى يومنا لم أقع على أحدٍ استطاع فك سر هذا الحديث الشريف مع اليقين عندالكثيرين وأنا منهم أن تقسيم العرب إلى عاربة ومستعربة هو تقسيم ضعيف جملة وتفصيلا .. ولكن وللأسف لم يستطع أحد من الباحثين (بحد علمي البسيط) إلى اليوم وضع نظرية مقنعة تحل محل النظرية السائدة (من أن العرب عاربة ومستعربة) وقناعتي الشخصية هي أن العرب جميعاً هم أبناء نسب واحد عاربتهم ومستعربتهم وأن ثلاث أرباع تاريخنا وتراثنا العربي محض تزوير وتلفيق للأسف.
مع تحياتي لك وأرجو منك أن لا تتوقف عن البحث والشك في المُسلَّم فيه ومحاولة إماطة الأغطية عن تراثنا القديم .. فإن لديك عقلية باحثة متميزة
وبارك الله فيك وبنظرتك ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
...........................
العُقْبي