السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأمانة .. الصفة العظيمة التي ظهرت على الوجود، حيث أمرنا الله جل في علاه أن نؤديها حق أدائها ، في جميع شؤون حياتنا وخصوصياتنا ، حيث ذكرها الله تعالى في مواضع عديدة من بين قصص القرآن المختلفه ، إلى مواضيع عامة ونصائح ربانية منهجية ؛ فهي الميزان الذي يستعمله المجتمع للتعامل مع من يؤدي الحقوق والواجبات سواء على المستوى الدنيوي والديني ، فالأمين هو من تحققت فيه هذه الصفة القوية ويتمتع بها ؛ لما يقوم من أداء حقوق فوق طاقته ، وأنه الوحيد القادر على أداءها دون أن يقوم بتضييع حقوق الآخرين .
ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، حينما جاءنا معلماً لنا الأخلاق ، حيث بين لنا أن كل صفة من صفات الخير مرتبطة بالأمانة ، فمتى ما حافظ الانسان على صلواته حق الحفاظ والقيام ، فهو بذلك أمين على ما أمره الخالق في علاه ، ومتى ما قام الإنسان من نشر الخصال الحميدة فهو بذلك أمين ، حيث آثر وقته وعمله في نشر الخصال ولم يقل أن هذه وتلك من اختصاص غيري .
والأمانة من الصفات التي تقوِّم الفرد على مستوى مجتمعه ، فإنها تقوم المجتمعات بين بعضها البعض ، فالدول متى ما قامت بالمحافظة على نظامها ، وتطبيقها والسير على منهج التشريع الرباني ، فإنها بذلك تسمو للمعالي ينظر إليها كل المجتمعات على أنها المثال الحي لأمة عظيمة ، وفي المقابل متى ما ضيعت الدول النظام ومزقتها شر تمزيق فهي بذلك خائنة ومضيعة للحقوق ، فتهوي نحو الدركات والحفر ، فينظر إليها نظرة الاحتقار والإزدراء ..
والأمانة متصلة بالصدق ؛ لأنهما صفتان متلازمتان فمتى ما كان المرء أميناً فهو صادق في أفعاله وأقواله ، شهادة خرجت من أفواه قريش عندما وصفوا النبي عليه الصلاة والسلام بـ (الصادق الأمين ) ، تلك المدرسة النبوية التي بينت هذه الصفة الربانية ، وهذا الخلق العظيم حيث استطاع النبي الكريم من تجسيده في أصحابه وأمته ، ويكفي قول أحد المستشرقين عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال : ( عجبت من أصحاب محمد ينقلون الكلم بعدد كلماته وحروفه ، فلا يزيدون على ما سمعوا من فم نبيهم شيئا..) ، فالأمانة في كل حال من أحوال حياتنا .. فمنها :
الأمانة الفكرية والثقافية : فالصدق في القول والنقل هو ما يميز المرء الصادق من الكاذب ، كل ما تكتبه يداك فأنت مؤتمن على ذلك ، وكل ما تقرأه من كتاب ، فأنت مؤتمن على ذلك، وما تنقله للسامع فهو أشد أمانة ومحاسب على ذلك ، فما يضيع الأمة من ذهاب الجهود وتفرقها ؛ هي نسبة الأقوال ونقل الأفعال لغير منتسبيها ، فالجهد يتفرق وتضيع الحقوق ، وهذا يرى جهد سنينه وأيامه ولحظاته تذهب ليأخذه شخص بكل سهول .. ولنا في المحدثين وناقلوا الأحاديث أسوة حسنة ، حيث نقلوا لنا أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام من أجيال لأجيال ، ومن أمم لأمم فلم يزيدوا على ذلك حرفاً واحداً !! لماذا إنها الأمانة في النقل .
حيث كثر في الآونة الأخيرة من اغتصاب الجهود على مستوى العالم الثقافي ، حيث البحث عن الشهرة والانتماء إلى ركب المعالي ، فكما يقال ( أحسن يحسن إليك ) فلتنظر إلى قلمك الذي سيقف يوماً يسألك عما يمليه خيالك إلى أين يذهب .. أو عن الألفاظ التي خرجت منك هل أنت مؤتمن عليها .
ومن الأمانة الفكرية حقوق الطبع: فالتأليف والكتابة لم يأتيا من فراغ ، بل جاء من جهد السنين ، والجلد والمرارة ، فهي إنتاج لمجهود مشكور ، ثم تحذف هذه الجهود لتأتي مكانه جهود غيره ، عندها أين الذي يلجأ إليه ، وأين من يعيد حقه الضائع ، فإن لم يكن في الأرض من يحميه ، فإن من في السماء الله جل في علاه سينصره وآخذ بحقه .
وعدِّد من الأمانة في حياتنا الكثير والكثير .. لذا فلنكن أمناء في عبادتنا ، وأقوالنا ، وأفعالنا بل وما تخطه أيدينا ، وما نسمعه بآذاننا ونرى بأعيننا .
فكلما كنت ( صادقاً وأمينا ) اتخذك الناس مثلاً في المبادئ الحسنة ، أما غير ذلك فأنت داخل في قوائمهم السوداء .
منقول للفائده
