الخوض في الأنساب بغير علم

[سعد بن بكر بن هوازن]

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
منْ أخطرِ علومِ الدُّنيا ما يتعلقُ بالأنسابِ ، فهو علمٌ مشابهٌ لعلومِ الفيزياء والكيمياءِ من حيثُ خطرهُ ، فعلومُ الفيزياءِ وعلومُ الذرةِ والكيمياءِ تؤدي إلى اكتشافاتٍ مذهلةٍ واختراعات قدْ تضرُّ بالإنسانِ بقدرِ ما تنفعهُ مثلُ القنابل الذريةِ والمتفجراتِ وغيرها مما يؤدي بحياةِ البشر.
وكذاك علمُ الأنسابِ فبقدرِ أهميتهِ إلا أنهُ يؤدي إلى زرعِ الفتنِ وبثَّ الأحقادِ بين المجتمعاتِ الإنسانيةِ لاسيما إذا امتهنهُ أناسٌ جاهلونَ لا يملكون من العلمِ شيئاً إلا ما تيسَّرَ لهمْ من فتاتِ الشبكةِ العنكبوتية أو ما استطاعوا الوصولَ إليهِ منْ مراجعَ السابقينَ وأفواهِ المخبرين.
ومنْ ضمنِ هؤلاء الجهلةِ بعلومِ الأنسابْ وما يتعلقُ بها من نواهي شرعية وأعراف قبلية أولائِك الذينَ ينتسبونَ لغيرِ آبائهمْ وذيهمْ ، وينقلونَ عشائرَهم منْ قبيلةٍ إلى أخرى ومنْ نسبٍ إلى آخر بدونِ تثبتٍ ولا رويةٍ ولا إسناد لقول عرفٍ أو دليلٍ سليم يعتمدُ عليهِ أهلُ النسبِ والحسب.
فعلمُ النسبِ لهُ هدفٌ واحدٌ لا غير ، ليس للتباهي أو التعالي أو استغلالهِ في تغيير أنسابِ الناسِ ، ونقلهم من نسبٍ إلى آخر بدونِ وجهِ حقٍّ أو دليلٍ واضحٍ يوافقُ عليه المنسوبِ أولاً وآخراً .
لذلك نرى أن الهدف الوحيد الذي من أجلهِ يشرعُ علم النسبِ ويجوزُ الخوضُ فيهِ هو ما وردَ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلّ .
قال اللهُ تعالى في محكمِ تنزيلهِ في سورةِ الحُجرات :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
يتبينَ لنا من خلالِ هذه الآية الكريمةِ أن الهدفَ من هذا العلمِ الجميل الشيّقِ الجاذبِ لكثيرٍ من الناسِ هو ( التعارف ) فقط لا غير.
وهذا الأمرُ مسؤليةٌ عظيمةٌ على عاتقِ الباحثين والعلماء المهتمين بتواريخِ البشرِ ومناطق سكناهم ومنابتِ أجدادهم ، ويقعُ عليهم إثمٌ كبيرٌ لو أنهم خالفوا حقائقَ الأمور وجعلوا أنساب الناسِ حقلاً لتجاربهم العلميةِ أو هدفاً لدراساتهم وتحقيقِ شهاداتٍ علمية أو شهرة يطلبونها من خلال هذا العلم المقرونُ بالأمانةِ والصدقِ.
وهناك من يبتغي الشهرةُ وتأخذهُ العزةُ بالإثم فيؤلفُ ويلوي أعناقَ النصوصِ ويزوِّرُ في الوثائقِِ ويبذلُ وقتهُ ومالَهُ من أجلِ تغييرِ نسبٍ أو نقلِِ فرعٍ من أصلٍ إلى أصلٍ آخر.

ولقد ثبتَ في الحديثِ الشريفِ الذي رواهُ البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أدعى إلى غيرِ أبيهِ وهو يعلمُ أنَّهُ غير أبيهِ فالجنةُ عليهِ حرام )
وقد روى الشيخانِ أيضاً من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليهِ وسلم : ( لا ترغبوا عن آبائكم فمنْ رغبَ عن أبيه فهو كافر ).
وقد روى أيضاً من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه : ( من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ) والله تعالى أعلم.
والتحذيرات عن الخوض في علم الأنسابِ بغير علمٍ أو شرطٍ كثيرةً وعديدةً سواء من الشرعِ أو من العرف الذي يعيبُ على الرجلِ أن ينتسبَ لغيرِ أبيهِ أو غير قومهِ وعشيرتهِ.
وقبيلة عتيبة مثلها مثل قبائل العرب الأخرى تستنكرُ كلُّ من يحاولُ الإنتسابُ لها بغيرِ وجهِ حقٍّ لا للإنتقاصِ منْ أحدٍ أو التقليلِ من شأن القبائلِ الأخرى ولكنْ لحفظِ الأنسابِ وعدم الخلط في تواريخِ البشرِ وتركيبهم الإجتماعي الذي تعارفوا عليه.
والله تعالى أعلم وأجل.