الرئيسية التسجيل التحكم


اختيار تصميم الجوال

العودة   الهيـــــــــــــلا *** منتدى قبيلة عتيبة > المنتديات العامة > تاريخ قبائل الجزيرة العربية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: البيت لاعجبني اجاريه باحساس (آخر رد :الريشاوي)       :: كل عضو او شاعر يسجل بيتين غزل الفهاا من قصائده .. بشرط ان تكون غزليه فقط .. (آخر رد :الريشاوي)       :: ودي ولا ودي وابيهم ولا ابيه (آخر رد :الريشاوي)       :: واكتبي هذا أنا أنا ليلى العامرية (آخر رد :الريشاوي)       :: البيت لاعْجَبني اجاريه باحساس (آخر رد :الريشاوي)       :: أنـا لا تلوموني ولو ملـت كل الميل (آخر رد :الريشاوي)       :: اوافق .. واقول النفس صعبه مطالبها (آخر رد :الريشاوي)       :: الحب اقفى في ديانا ودودي (آخر رد :الريشاوي)       :: امير قبيلة المحاقنة قبل الدولة السعودية (آخر رد :متعب الوحيدب)       :: امير قبيلة المحاقنة قبل الدولة السعودية (آخر رد :متعب الوحيدب)      

إضافة رد
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
غير مقروء 30-Sep-2007, 07:11 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سبيع بن عامر
عضو فعال
إحصائية العضو





التوقيت


سبيع بن عامر غير متواجد حالياً

افتراضي العرب جاهلية واسلاما

بسم الله الرحمن الرحيم

موقع العرب وأقوامها

إن السيرة النبوية ـ على صاحبها الصلاة والسلام ـ هي في الحقيقة عبارة عن الرسالة التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشرى قولًا وفعلًا ، وتوجيها وسلوكًا ، وقلب بها موازين الحياة ، فبدل مكان السيئة الحسنة ، وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور ، ومن عبادة العباد إلى عبادة اللّه ، حتى عدل خط التاريخ وَغيَّر مجرى الحياة في العالم الإنساني ، ولا يتم إحضار هذه الصورة الرائعة إلا بعد المقارنة بين البيئة التي سبقت هذه الرسالة وبين ما آلت إليه بعدها ‏.‏ وهذا يقتضي تقديم فصول موجزة عن أقوام العرب وتطوراتها قبل الإسلام ، وعن تاريخ الحكومات والإمارات والنظم القبلية التي كانت سائدة في ذلك الزمان ، مع صور من الديانات والمِلَل والنِّحَل والعادات والتقاليد ، والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ‏.‏ وقد خصصنا لكل من ذلك هذا الباب ، وإليكم تلك الفصول‏:‏
موقع العرب

كلمة العرب تنبيء عن الصحارى والقِفَار ، والأرض المُجْدِبة التي لا ماء فيها ولا نبات‏ .‏ وقد أطلق هذا اللفظ منذ أقدم العصور على جزيرة العرب ، كما أطلق على قوم قَطَنُوا تلك الأرض واتخذوها موطنا لهم‏ .‏ وجزيرة العرب يحدها غربًا البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء ، وشرقًا الخليج العربى وجزء من بلاد العراق الجنوبية ، وجنوبًا بحر العرب الذي هو امتداد لبحر الهند ، وشمالًا بلاد الشام وجزء من بلاد العراق ، على اختلاف في بعض هذه الحدود ، وتقدر مساحتها ما بين مليون ميل مربع إلى مليون وثلاثمائة ألف ميل مربع ‏.‏ ولجزيرة العرب أهمية بالغة من حيث موقعها الطبيعي والجغرافي ؛ فإنها في وضعها الداخلي محاطة بالصحاري والرمال من كل جانب ؛ ولأجل هذا الوضع صارت الجزيرة حصنًا منيعًا لم يستطع الأجانب أن يحتلوها ويبسطوا عليها سيطرتهم ونفوذهم‏ .‏ ولذلك نرى سكان الجزيرة أحرارًا في جميع الشئون منذ أقدم العصور ، مع أنهم كانوا مجاورين لإمبراطوريتين عظيمتين لم يكونوا يستطيعون دفع هجماتهما لولا هذا السد المنيع ‏.‏ وأما بالنسبة إلى الخارج فإنها تقع بين القارات المعروفة في العالم القديم ، وتلتقى به برًا وبحرًا ، فإن ناحيتها الشمالية الغربية باب للدخول في قارة إفريقية ، وناحيتها الشمالية الشرقية مفتاح لقارة أوربا ، والناحية الشرقية تفتح أبواب العجم ؛ ومن ثم آسيا الوسطى وجنوبها والشرق البعيد ، وكذلك تلتقي كل قارة بالجزيرة بحرًا ، وترسى سفنها وبواخرها على ميناء الجزيرة رأسًا ‏.‏ ولأجل هذا الوضع الجغرافي كان شمال الجزيرة وجنوبها موئلًا للأمم ، ومركزًا لتبادل التجارة ، والثقافة ، والديانة ، والفنون ‏.‏
أقوام العرب

وأما أقوام العرب فقد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام ؛ بحسب السلالات التي ينحدرون منها ‏:‏

1 ـ العرب البائدة‏:‏ وهم العرب القدامى الذين انقرضوا تمامًا ولم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم ، مثل‏:‏ عاد ، وثمود ، وطَسْم ، وجَدِيس ، وعِمْلاق ، وأُمَيْم ، وجُرْهُم ، وحَضُور ، ووَبـَـار ، وعَبِيل ، وجاسم ، وحَضْرَمَوت ، وغيرها ‏.‏

2 ـ عرب الجنوب ‏:‏ وهم العرب المنحدرة من بلاد اليمن ، وتسمى بالعرب القحطانية‏.‏

3 ـ عرب الشمال ‏:‏ وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل عليه السلام، وتسمى بالعرب العدنانية‏.‏

أما عرب الجنوب ـ وهي شعب قحطان ـ فمَهْدُها بلاد اليمن ، وقد تشعبت قبائلها وبطونها من ولد سبأ ‏.‏ فاشتهرت منها قبيلتان‏:‏ حِمْيَر بن سبأ ، وكَهْلان بن سبأ ، وأما بقية بنى سبأ ـ وهـم أحـد عشـر أو أربعة عشـر بطنًا ـ فيقال لهم‏:‏ السبئيون ، وليست لهم قبائل دون سبأ‏ .‏

أ ـ فأما حمير فأشهر بطونها‏:‏

1 ـ قُضَاعة ‏:‏ على خلاف فيها ومنها بَهْراء وَبِلىٌّ والقَيْن وكَلْب وعُذْرَة ووَبَرَة‏.‏

2 ـ السَّكاسِك ‏:‏ وهـم بنو زيـد بـن وائلة بن حمير ، ولقب زيد ‏:‏ السكاسك ، وهي غير سكاسك كِنْدة الآتية في بنى كَهْلان ‏.‏

3 ـ زيــد الجمهــور ‏:‏ ومنها حمير الأصغر ، وسبأ الأصغر ، وحضور ، وذو أصبح ‏.‏
ب ـ وأما كَهْلان فأشهر بطونها‏:‏

هَمْدان ، وألْهَان ، والأشْعَر ، وطيئ ، ومَذْحِج ‏[ ‏ومن مذحج‏ :‏ عَنْس والنَّخْع ‏]‏ ، ولَخْم ‏[‏ ومن لخم‏ :‏ كندة ، ومن كندة‏ :‏ بنو معاوية والسَّكُون والسكاسك‏ ]‏، وجُذَام ، وعاملة ، وخَوْلان ، ومَعَافِر ، وأنمار ‏[‏ ومن أنمار ‏:‏ خَثْعَم وبَجِيلَةَ ، ومن بجيلة ‏:‏ أحْمَس ‏]‏ والأزْد، ‏[‏ومن الأزد‏:‏ الأوس، والخزرج ، وخُزَاعة ، وأولاد جَفْنَة ملوك الشام المعروفون بآل غسان‏]‏‏.‏

وهاجرت بنو كهلان عن اليمن ، وانتشرت في أنحاء الجزيرة ، يقال ‏:‏ كانت هجرة معظمهم قبيل سَيْل العَرِم حين فشلت تجارتهم لضغط الرومان وسيطرتهم على طريق التجارة البحرية ، وإفسادهم طريق البر بعد احتلالهم بلاد مصر والشام ‏.‏

ويقال ‏:‏ بل إنهم هاجروا بعد السيل حين هلك الحرث والنسل بعد أن كانت التجارة قد فشلت ، وكانوا قد فقدوا كل وسائل العيش ، ويؤيده سياق القرآن ‏{‏ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏ }‏ ‏[‏سورة سبأ‏:‏15‏:‏ 19‏]‏

ولا غرو إن كانت هناك ـ عدا ما تقدم ـ منافسة بين بطون كهلان وبطون حمير أدت إلى جلاء كهلان ، فقد يشير إلى هذا بقاء حمير مع جلاء كهلان‏.‏

ويمكن تقسيم المهاجرين من بطون كهلان إلى أربعة أقسام‏ :‏
1 ـ الأزْد‏ :‏

وكانت هجرتهم على رأى سيدهم وكبيرهم عمران بن عمرو مُزَيْقِياء، فساروا يتنقلون في بلاد اليمن ويرسلون الرواد ، ثم ساروا بعد ذلك إلى الشمال والشرق ‏.‏ وهاك تفصيل الأماكن التي سكنوا فيها بعد الرحلة نهائيًا‏ :‏

نزل عمران بن عمرو في عُمَان ، واستوطنها هو وبنوه ، وهم أزْد عُمَان ‏.‏

واستوطنت بنو نصر بن الأزد تُهامة ، وهم أزد شَنُوءة ‏.‏

وعَطَف ثَعْلَبة بن عمرو مزيقياء نحو الحجاز ، فأقام بين الثعلبية وذى قار ، ولما كبر ولده وقوى ركنه سار نحو المدينة ، فأقام بها واستوطنها ، ومن أبناء ثعلبة هذا‏ :‏ الأوس والخزرج ، ابنا حارثة بن ثعلبة‏.‏

وتنقل منهم حارثة بن عمرو ـ وهو خزاعة ـ وبنوه في ربوع الحجاز ، حتى نزلوا بمر الظهران ، ثم افتتحوا الحرم فقطنوا مكة وأجلوا سكانها الجراهمة‏.‏

وسار جَفْنَة بن عمرو إلى الشام فأقام بها هو وبنوه ، وهو أبو الملوك الغساسنة ؛ نسبة إلى ماء يعرف بغسان ، كانوا قد نزلوا بها أولًا قبل انتقالهم إلى الشام‏.‏

وانضمت البطون الصغيرة إلى هذه القبائل في الهجرة إلى الحجاز والشام ، مثل كعب بن عمرو ، والحارث بن عمرو ، وعوف بن عمرو‏.‏
2 ـ لَخْم وجُذَام ‏:‏

انتقلوا إلى الشرق والشمال ، وكان في اللخميين نصر بن ربيعة أبو الملوك المناذرة بالحيرة‏.‏
3 ـ بنو طَيِّئ ‏:‏

ساروا بعد مسير الأزد نحو الشمال حتى نزلوا بالجبلين أجأ وسلمى ، وأقاموا هناك ، حتى عرف الجبلان بجبلى طيئ وقيل ان هجرتهم قبل انهدام السد ‏.‏
4 ـ كِنْدة ‏:‏

نزلوا بالبحرين ، ثم اضطروا إلى مغادرتها فنزلوا بـ‏[‏حضرموت‏]‏، ولاقـوا هنـاك ما لاقوا بالبحرين ، ثم نزلوا نجدًا ، وكونوا هناك دولة كبيرة الشأن ، ولكنها سرعان ما فنيت وذهبت آثارها‏.‏

وهناك قبيلة من حمير مع اختلاف في نسبتها إليه ـ وهي قضاعة ـ هجرت اليمن واستوطنت بادية السماوة من مشارف العراق ، واستوطن بعض بطونها مشارف الشام وشمالي الحجاز‏.‏

وأما عرب الشمال ، فأصل جدهم الأعلى ـ وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام ـ من بلاد العراق ، من مدينة يقال لها‏:‏ ‏[‏أور‏]‏ على الشاطئ الغربي من نهر الفرات ، بالقرب من الكوفة ، وقد جاءت الحفريات والتنقيبات بتفاصيل واسعة عن هذه المدينة ، وعن أسرة إبراهيم عليه السلام ، وعن الأحوال الدينية والاجتماعية في تلك البلاد‏.‏

ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هاجر منها إلى حاران أو حَرَّان ، ومنها إلى فلسطين ، فاتخذها قاعدة لدعوته ، وكانت له جولات في أرجائها وأرجاء غيرها من البلاد ، وفي إحدى هذه الجولات أتى إبراهيم عليه السلام على جبار من الجبابرة ، ومعه زوجته سارة ، وكانت من أحسن النساء ، فأراد ذلك الجبار أن يكيد بها ، ولكن سارة دعت اللّه تعالى عليه فرد اللّه كيده في نحره ، وعرف الظالم أن سارة امرأة صالحة ذات مرتبة عالية عند اللّه ، فأخدمها هاجر اعترافًا بفضلها ، أو خوفًا من عذاب اللّه ، ووهبتها سارة لإبراهيم عليه السلام‏.‏

ورجع إبراهيم عليه السلام إلى قاعدته في فلسطين ، ثم رزقه اللّه تعالى من هاجر ابنه إسماعيل ، وصار سببًا لغيرة سارة حتى ألجأت إبراهيم إلى نفي هاجر مع ولدهـا الرضيـع ـ إسماعيل ـ فقدم بهما إبراهيم عليه السلام إلى الحجاز ، وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم الذي لم يكن إذ ذاك إلا مرتفعًا من الأرض كالرابية ، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله ، فوضعهما عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ورجع إلى فلسطين ، ولم تمض أيام حتى نفد الزاد والماء ، وهناك تفجرت بئر زمزم بفضل اللّه ، فصارت لهما قوتا وبلاغًا إلى حين‏ .‏ والقصة معروفة بطولها‏.‏

وجاءت قبيلة يمانية ـ وهي جُرْهُم الثانية ـ فقطنت مكة بإذن من أم إسماعيل ‏.‏ يقال‏ :‏ إنهم كانوا قبل ذلك في الأودية التي بأطراف مكة ، وقد صرحت رواية البخاري أنهم نزلوا مكة بعد إسماعيل ، وقبل أن يشب ، وأنهم كانوا يمرون بهذا الوادى قبل ذلك‏.‏

وكان إبراهيم عليه السلام يرتحل إلى مكة ليطالع تركته بها ، ولا يعلم بالضبط عدد هذه الرحلات ، إلا أن المصادر المعتمدة حفظت لنا أربعة منها‏ :‏

1 ـ فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه أرى إبراهيم في المنام أنه يذبح إسماعيل ، فقام بامتثال هذا الأمر‏ :‏ ‏{‏فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏103‏:‏ 107‏]‏

وقد ذكر في سِفْر التكوين أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة ، وسياق القصة يدل على أنها وقعت قبل ميلاد إسحاق ؛ لأن البشارة بإسحاق ذكرت بعد سرد القصة بتمامها‏.‏

وهذه القصة تتضمن رحلة واحدة ـ على الأقل ـ قبل أن يشب إسماعيل ، أما الرحلات الثلاث الأخر فقد رواها البخاري بطولها عن ابن عباس مرفوعًا ، وملخصها‏ :‏

2ـ أن إسماعيل عليه السلام لما شب تزوج من جُرْهُم ، وأنفسهم وأعجبهم زوجوه امرأة ثانية منهم ، وماتت أمـه ، وبدا لإبراهيم أن يطالع تركته ، فجاء بعد هذا الزواج ، فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما ، فشكت إليه ضيق العيش فأوصاها أن تقول لإسماعيل أن يغير عتبة بابه ، وفهم إسماعيل ما أراد أبوه ، فطلق امرأته تلك وتزوج امرأة أخرى ‏[ ‏وهي ابنة مُضَاض بن عمرو ، كبير جرهم وسيدهم على قول الأكثر‏ ]‏‏.‏

3 ـ وجاء إبراهيم عليه السلام مرة أخرى بعد أن تزوج إسماعيل هذه الزوجة الثانية ، فلم يجده فرجع إلى فلسطين بعد أن سأل زوجته عنه وعن أحوالهما ، فأثنت على اللّه بخير ، فأوصى إلى إسماعيل أن يُثَبِّتَ عَتَبَة بابه‏.‏

4 ـ ثم جاء إبراهيم عليه السلام بعد ذلك فلقى إسماعيل ، وهو يَبْرِى نَبْلا له تحت دوحة قريبًا من زمزم ، فلما رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ، وكان لقاؤهما بعد فترة طويلة من الزمن ، قلما يصبر فيها الأب الكبير الأواه العطوف عن ولده ، والوالد البار الصالح الرشيد عن أبيه ، وفي هذه المرة بنيا الكعبة ، ورفعا قواعدها ، وأذَّن إبراهيم في الناس بالحج كما أمره الله‏.‏

وقد رزق الله إسماعيل من ابنة مُضَاض اثنى عشر ولدًا ذكرًا ، وهم‏ :‏ نابت أو نبايوط ، وقَيْدار ، وأدبائيل ، ومِِبْشام ، ومِشْماع ، ودوما ، ومِيشا ، وحدد ، وتيما، ويَطُور ، ونَفيس ، وقَيْدُمان‏.‏

وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة من الزمان ، وكانت جل معيشتهم إذ ذاك التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر ، ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها ، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان ، إلا أولاد نابت وقيدار‏.‏

وقد ازدهرت حضارة الأنباط ـ أبْناء نابت ـ في شمال الحجاز ، وكونوا دولة قوية عاصمتها البتراء ـ المدينة الأثرية القديمة المعروفة في جنوب الأردن ، وقد دان لهذه الدولة النبطية من بأطرافها ، ولم يستطع أحد أن يناوئها حتى جاء الرومان وقضوا عليها‏.‏

وقد جنحت طائفة من المحققين من أهل العلم بالأنساب إلى أن ملوك آل غسان وكذا الأنصار من الأوس والخزرج إنما كانوا من آل نابت بن إسماعيل ، وبقاياهم في تلك الديار‏.‏

وإليه مال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه، فقد عقد بابًا عنوانه ‏:‏ ‏[‏ نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام ‏]‏، واستدل عليه ببعض الأحاديث ، ورجح الحافظ ابن حجر في شرحه أن قحطان من آل نابت بن إسماعيل عليه السلام‏.‏

وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة ، يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده مَعَدّ ، ومنه حفظت العرب العدنانية أنسابها ‏.‏ وعدنان هو الجد الحادى والعشرون في سلسة النسب النبوى ، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول‏ :‏ ‏( ‏كذب النسابون ‏)‏، فلا يتجاوزه ، وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان ؛ مضعفين للحديث المشار إليه ، ولكنهم اختلفوا في هذا الجزء من النسب اختلافا لا يمكن الجمع بين أقوالهم ، وقد مال المحقق الكبير العلامة القاضى محمد سليمان المنصورفورى ـ رحمه الله ـ إلى ترجيح ما ذكره ابن سعد ـ والذي ذكره الطبرى والمسعودى وغيرهما في جملة الأقوال ـ وهو أن بين عدنان وبين إبراهيم عليه السلام أربعين أبا بالتحقيق الدقيق ‏.‏ وسيأتى‏.‏

وقد تفرقت بطون مَعَدّ من ولده نَزَار ـ قيل ‏:‏ لم يكن لمعد ولد غيره ـ فكان لنزار أربعة أولاد ، تشعبت منهم أربعة قبائل عظيمة‏ :‏ إياد وأنمار وربيعة ومُضَر ، وهذان الأخيران هما اللذان كثرت بطونهما واتسعت أفخاذهما ، فكان من ربيعة‏ :‏ ضُبَيْعَة وأسد ، ومن أسد‏ :‏ عَنْزَة وجَدِيلة ، ومن جديلة ‏:‏ القبائل الكثيرة المشهورة مثل‏ :‏ عبد القيس ، والنَّمِر ، وبني وائل الذين منهم بكر وتَغْلِب ، ومن بنى بكر ‏:‏ بنو قيس وبنو شيبان وبنو حنيفة وغيرها ‏.‏ ومنهم آل سعود ملوك المملكة العربية السعودية‏.‏

وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين‏ :‏ قَيْس عَيْلان بن مضر ، وبطون إلياس ابن مضر ، فمن قيس عيلان‏ :‏ بنو سليم ، وبنو هوازن ، وبنو ثقيف على اختلاف فيها ، وبنو صَعْصَعَة ، وبنو غَطَفان ‏.‏ ومن غطفان‏ :‏ عَبْس ، وذُبْيان ، وأشْجَع ، وأعْصُر‏.‏

ومن إلياس بن مُضَر‏ :‏ تميم بن مر ، وهُذَيْل بن مُدرِكة ، وبنو أسد بن خزيمة ، وبطون كنانة بن خزيمة ، ومن كنانة قريش ، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة‏.‏

وانقسمت قريش إلى قبائل شتى ، من أشهرها‏ :‏ جُمَح وسَهْم وعَدِىّ ومخزوم وتَيْم وزُهْرَة ، وبطون قُصَىّ بن كلاب ، وهي‏ :‏ عبد الدار بن قصى ، وأسد بن عبد العزى بن قصى ، وعبد مناف بن قصى‏.‏

وكان من عبد مناف أربع فصائل‏ :‏ عبد شمس ، ونَوْفَل ، والمطلب ، وهاشم ، وبيت هاشم هو الذي اصطفي الله منه سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال صلى الله عليه وسلم‏ :‏ ‏( ‏إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفي من ولد إسماعيل بنى كنانة ، واصطفي من بنى كنانة قريشًا ، واصطفي من قريش بنى هاشم ، واصطفانى من بنى هاشم ‏)‏‏.‏

وعن العباس بن عبد المطلب قال‏ :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ :‏ ‏(‏إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين ، ثم تخير القبائل ، فجعلني من خير القبيلة ، ثم تخير البيوت ، فجعلني من خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا ‏)‏‏.‏ وفي لفظ عنه‏:‏ ‏( ‏إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا وخيرهم نفسًا‏ )‏‏.‏

ولما تكاثر أولاد عدنان تفرقوا في أنحاء شتى من بلاد العرب متتبعين مواقع القطر ومنابت العشب‏.‏

فهاجرت عبد القيس ، وبطون من بكر بن وائل ، وبطون من تميم إلى البحرين فأقاموا بها‏.‏

وخرجت بنو حنيفة بن على بن بكر إلى اليمامة فنزلوا بحُجْر ، قَصَبة اليمامة ، وأقامت سائر بكر بن وائل في طول الأرض من اليمامة إلى البحرين إلى سيف كاظمة إلى البحر ، فأطراف سواد العراق فالأُبُلّةُ فَهِيت‏.‏

وأقامت تغلب بالجزيرة الفراتية ، ومنها بطون كانت تساكن بَكْرًا‏ .‏ وسكنت بنو تميم ببادية البصرة‏.‏

وأقامت بنو سليم بالقرب من المدينة ، من وادي القرى إلى خيبر إلى شرقي المدينة إلى حد الجبلين ، إلى ما ينتهي إلى الحرة‏.‏

وسكنت بنو أسد شرقي تيماء وغربي الكوفة ، بينهم وبين تيماء ديار بُحْتُرٍ من طيئ ، وبينهم وبين الكوفة خمس ليال‏.‏

وسكنت ذبيان بالقرب من تيماء إلى حوران ، وبقى بتهامة بطون كنانة، وأقام بمكة وضواحيها بطون قريش ، وكانوا متفرقين لا تجمعهم جامعة حتى نبغ فيهم قصيِّ ابن كلاب ، فجمعهم ، وكون لهم وحدة شرفتهم ورفعت من أقدارهم‏.‏
الحكـم والإمـارة فـي العـرب

كان حكام جزيرة العرب عند ظهور دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين ‏:‏

1ـ ملوك مُتَوَّجُون ـ إلا أنهم في الحقيقة كانوا غير مستقلين‏.‏

2ـ رؤسـاء القبائـل والعشائر ـ وكـان لهم مـن الحكم والامتـياز مـا كـان للملـوك المتوجين ، ومعظم هـؤلاء كانـوا على تمـام الاستقـلال ، وربمـا كانت لبعضـهم تبعية لملك متـوج‏.‏

والملوك المتوجون هم‏:‏ ملوك اليمن ، وملوك مشارف الشام ‏[‏وهم آل غسان‏]‏ وملوك الحيرة ، وما عدا هؤلاء من حكام الجزيرة لم تكن لهم تيجان ‏.‏ وفيما يلى موجز عن هؤلاء الملوك والرؤساء‏.
الملك باليمن‏‏

من أقدم الشعوب التي عرفت باليمن من العرب قوم سبأ ، وقد عثر على ذكرهم في حفريات ‏[‏أور‏]‏ بخمس وعشرين قرنا قبل الميلاد ، ويبدأ ازدهار حضارتهم ونفوذ سلطانهم وبسط سيطرتهم بأحد عشر قرنا قبل الميلاد‏.‏

ويمكن تقسيم أدوارهم حسب التقدير الآتى‏:‏

1 ـ ما بين 1300 إلى 620 ق‏.‏م

عرفت دولتهم في هذه الفترة بالدولة المعينية ، ظهرت في الجَوْف ؛ أى السهل الواقع بين نجران وحضرموت ، ثم أخذت تنمو وتتسع وتسيطر وتزدهر حتى بلغ نفوذها السياسى إلى العُلا ومَعَان من شمالي الحجاز‏.‏

ويقال‏:‏ إن مستعمراتها وصلت إلى خارج بلاد العرب ، وكانت التجارة هي صلب معيشتهم ، ثم إنهم بنوا سد مأرب الذي له شأن كبير في تاريخ اليمن ، والذي وفر لهم معظم خيرات الأرض، ‏{‏حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا‏}‏ ‏[‏ الفرقان‏:‏18‏]‏

وكان ملوكهم في هذه الفترة يلقبون بـ ‏[‏مكرب سبأ‏]‏ وكانت عاصمتهم مدينة ‏[‏صِرْوَاح‏]‏ التي توجد أنقاضها على بعد 50 كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من مدينة ‏[‏مأرب‏]‏، وعلى بعد 142 كيلو مترًا شرقى صنعاء، وتعرف باسم ‏[‏خُرَيْبة‏]‏‏.‏ ويقدر عدد هؤلاء الملوك ما بين 22 و 26 ملكًا‏.‏

2 ـ ما بين 620 ق‏.‏ م إلى سنة 115 ق‏.‏ م

وعرفت دولتهم في هذه الفترة بدولة سبأ ، وقد تركوا لقب ‏[‏مكرب‏]‏ وعرفوا بـ‏[‏ملوك سبأ‏]‏، واتخذوا ‏[‏مأرب‏]‏ عاصمة لهم بدل ‏[‏صرواح‏]‏ وتوجد أنقاض مأرب على بعد 192 كيلو مترًا شرقي صنعاء‏.‏

3 ـ منذ سنة 115 ق‏.‏ م إلى سنة300 م

وعرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الأولى ؛ لأن قبيلة حمير غلبت واستقلت بمملكة سبأ ، وقد عرف ملوكها بـ‏[‏ملوك سبأ وذى ريدان‏]‏، وهؤلاء الملوك اتخذوا مدينة ‏[‏ريدان‏]‏ عاصمة لهم بدل مدينة ‏[‏مأرب‏]‏، و تعرف ‏[‏ريدان‏]‏ باسم ظفار ، وتوجد أنقاضها على جبل مدور بالقرب من ‏[‏يريم‏]‏‏.‏ وفي هذا العهد بدأ فيهم السقوط والانحطاط ، فقد فشلت تجارتهم إلى حد كبير لبسط الأنباط سيطرتهم على شمال الحجاز أولًا ، ثم لغلبة الرومان على طريق التجارة البحرية بعد نفوذ سلطانهم على مصر وسوريا وشمالى الحجاز ثانيًا ، ولتنافس القبائل فيما بينها ثالثًا ‏.‏ وهذه العناصر هي التي سببت في تفرق آل قحطان وهجرتهم إلى البلاد الشاسعة‏.‏

4 ـ منذ سنة 300م إلى أن دخل الإسلام في اليمن

عرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الثانية ، وعرف ملوكها بـ‏[‏ملوك سبأ وذى ريدان وحضرمـوت ويمـنت‏]‏، وقد توالت على هذه الدولة الاضطرابات والحوادث ، وتتابعت الانقلابات والحروب الأهلية التي جعلتها عرضة للأجانب حتى قضى على استقلالها‏ .‏ ففي هذا العهد دخل الرومان في عدن ، وبمعونتهم احتلت الأحباش اليمن لأول مرة سنة 340 م؛ مستغلين التنافس بين قبيلتى همدان وحمير ، واستمر احتلالهم إلى سنة 378 م ‏.‏ ثم نالت اليمن استقلالها ، ولكن بدأت تقع الثلمات في سد مأرب ، حتى وقع السيل العظيم الذي ذكره القرآن بسيل العرم في سنة 450م، أو 451 م ‏. ‏وكانت حادثة كبرى أدت إلى خراب العمران وتشتت الشعوب‏.‏

وفي سنة 523م قاد ذو نُوَاس اليهودى حملة منكرة على المسيحيين من أهل نجران ، وحاول صرفهم عن المسيحية قسرًا ، ولما أبوا خدّ لهم الأخدود وألقاهم في النيران ، وهذا الذي أشـار إلـيه القـرآن في سـورة الـبروج بقـوله‏ :‏ ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ‏}‏ الآيات ‏[‏ البروج‏:‏4‏]‏‏.‏

وكان هذا الحادث هو السبب في نقمة النصرانية الناشطة إلى الفتح والتوسع تحت قيادة أباطرة الرومان من بلاد العرب ، فقد حرضوا الأحباش، وهيأوا لهم الأسطول البحرى ، فنزل سبعون ألف جندى من الحبشة ، واحتلوا اليمن مرة ثانية ، بقيادة أرياط سنة 525 م ، وظل أرياط حاكمًا من قبل ملك الحبشة حتى اغتاله أبرهة بن الصباح الأشرم ـ أحد قواد جيشه ـ سنة 549م ، ونصب نفسه حاكمًا على اليمن بعد أن استرضى ملك الحبشة وأرضاه ، وأبرهة هذا هو الذي جند الجنود لهدم الكعبة ، وعرف هو وجنوده بأصحاب الفيل ‏.‏ وقد أهلكه الله بعد عودته إلى صنعاء عقب وقعة الفيل ، فخلفه على اليمن ابنه يَكْسُوم ، ثم الابن الثانى مسروق ، وكانا ـ فيما يقال ـ شرا من أبيهما ، وأخبث سيرة منه في اضطهاد أهل اليمن وقهرهم وإذلالهم‏.‏

أما أهل اليمن فإنهم بعد وقعة الفيل استنجدوا بالفرس ، وقاموا بمقاومة الحبشة حتى أجلوهم عن البلاد ، ونالوا الاستقلال في سنة 575 م بقيادة معديكرب سيف بن ذى يزن الحميرى ، واتخذوه ملكًا لهم ، وكان معديكرب أبقى معه جمعًا من الحبشة يخدمونه ويمشون في ركابه ، فاغتالوه ذات يوم ، وبموته انقطع الملك عن بيت ذى يزن ، وصارت اليمن مستعمرة فارسية تتعاقب عليها ولاة من الفرس ، وكان أولهم وهرز ، ثم المرزبان بن وهرز ، ثم ابنه التينجان ، ثم خسرو بن التينجان ، ثم باذان ، وكان آخر ولاة الفرس ، فإنه اعتنق الإسلام سنة 628م، وبإسلامه انتهي نفوذ فارس على بلاد اليمن‏.‏
الملك بالحيرة

كانت الفرس تحكم بلاد العراق وما جاورها منذ أن جمع شملهم قوروش الكبير ‏(‏557 ـ 529 ق‏.‏م ‏)‏ ولم يكن أحد يناوئهم ، حتى قام الإسكندر المقدونى سنة 326 ق‏.‏ م فهزم ملكهم دارا وبددهم وخضد شوكتهم ، حتى تجزأت بلادهم ، وتولاها ملوك عرفوا بملوك الطوائف ، وقد ظل هؤلاء الملوك يحكمون البلاد مجزأة إلى سنة 230م‏.‏ وفي عهد هؤلاء الملوك هاجر القحطانيون ، واحتلوا جزءًا من ريف العراق ، ثم لحقهم من هاجر من العدنانيين فزاحموهم حتى سكنوا جزءًا من الجزيرة الفراتية‏.‏

وأول من ملك من هؤلاء المهاجرين هو مالك بن فَهْم التَّنُوخى من آل قحطان ، وكان منزله الأنبار ، أو مما يلى الأنبار ، وخلفه أخوه عمرو بن فهم في رواية‏ .‏ وجَذِيمة بن مالك بن فهم ـ الملقب بالأبْرش والوَضَّاح ـ في رواية أخرى‏.‏

وعادت القوة مرة ثانية إلى الفرس في عهد أردشير بن بابك ـ مؤسس الدولة الساسانية سنة 226 م ـ فإنه جمع شمل الفرس ، واستولى على العرب المقيمين على تخوم ملكه ، وكان هذا سببا في رحيل قضاعة إلى الشام ، ولكن دان له أهل الحيرة والأنبار‏.‏

وفي عهد أردشير كانت ولاية جذيمة الوضاح على الحيرة وسائر مَنْ ببادية العراق والجزيرة من ربيعة ومضر ، وكأن أردشير رأى أنه يستحيل عليه أن يحكم العرب مباشرة ، ويمنعهم من الإغارة على تخوم ملكه ، إلا أن يملك عليهم رجلًا منهم له عصبية تؤيده وتمنعه ، ومن جهة أخرى يمكنه الاستعانة بهم على ملوك الرومان الذين كان يتخوفهم ، وليكون عرب العراق أمام عرب الشام الذين اصطنعهم ملوك الرومان ، وكان يبقى عند ملك الحيرة كتيبة من جنود الفرس ؛ ليستعين بها على الخارجين على سلطانه من عرب البادية ، وكان موت جذيمة حوالى سنة 268 م‏.‏

وبعد موت جذيمة ولى الحيرة والأنبار عمرو بن عدى بن نصر اللخمى ‏[‏ 268ـ 288م‏]‏ وهو أول ملوك اللخميين ، وأول من اتخذ الحيرة مقرًا له، وكان في عهد كسرى سابور بن أردشير، ثم لم يزل الملوك من اللخميين من بعده يتولون الحيرة حتى ولى الفرس قُبَاذ بن فيروز ‏[‏448ـ 531م‏]‏ وفي عهده ظهر مَزْدَك ، وقام بالدعوة إلى الإباحية ، فتبعه قباذ كما تبعه كثير من رعيته ، ثم أرسل قباذ إلى ملك الحيرة ـ وهو المنذر بن ماء السماء ‏[‏512ـ 554 م‏]‏ ـ يدعوه إلى اختيار هذا المذهب الخبيث ، فأبي عليه ذلك حمية وأنفة ، فعزله قباذ ، وولى بدله الحارث بن عمرو بن حجر الكندى بعد أن أجاب دعوته إلى المذهب المزدكى‏.‏

وخلف قباذ كسرى أنوشروان ‏[‏531ـ 578م‏]‏ وكان يكره هذا المذهب جدًا ، فقتل المزدك وكثيرًا ممن دان بمذهبه ، وأعاد المنذر إلى ولاية الحيرة ، وطلب الحارث بن عمرو ، لكنه أفلت إلى دار كلب ، فلم يزل فيهم حتى مات‏.‏

واستمر الملك بعد المنذر بن ماء السماء في عقبه حتى كان النعمان بن المنذر ‏[‏583 ـ605 م‏]‏ فإنه غضب عليه كسرى بسبب وشاية دبرها زيد بن عدى العبادى ، فأرسل كسرى إلى النعمان يطلبه ، فخرج النعمان حتى نـزل سـرا عـلى هانئ بن مسعود سـيد آل شيبان ، وأودعه أهله وماله، ثم توجه إلى كسرى ، فحبسه كسرى حتى مات‏ .‏ وولى على الحيرة بدله إياس بن قَبِيصة الطائى ، وأمره أن يرسل إلى هانئ بن مسعود يطلب منه تسليم ما عنده ، فأبي ذلك هانئ حمية ، وآذن الملك بالحرب ، ولم يلبث أن جاءته مرازبة كسرى وكتائبه في موكب إياس ، ودارت بين الفريقين معركة هائلة عند ذى قار ، انتصر فيها بنو شيبان وانهزمت الفرس هزيمة نكراء ‏.‏ وهذا أول يوم انتصرت فيه العرب على العجم ، وهو بعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

واختلف المؤرخون في تحديد زمن هذه المعركة ، فقيل ‏:‏ هو بعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بقليل ، وأنه صلى الله عليه وسلم ولد لثمانية أشهر من ولاية إياس بن قبيصة على الحيرة ‏.‏ وقيل ‏:‏ قبل النبوة بقليل ـ وهو الأقرب ‏.‏ وقيل‏ :‏ بعد النبوة بقليل ‏.‏ وقيل‏ :‏ بعد الهجرة‏.‏ وقيل ‏:‏ بعد بدر ‏.‏ وقيل غير ذلك ‏.‏

وولى كسرى على الحيرة بعد إياس حاكمًا فارسيًا اسمه آزادبه بن ماهبيان بن مهرابنداد، وظل يحكم 17 عاما‏[‏614ـ 631م‏]‏ ثم عاد الملك إلى آل لخم سنة 632م، فتولى منهم المنذر بن النعمان الملقب بالمعرور، ولكن لم تزد ولايته على ثمانية أشهر حتى قدم عليه خالد بن الوليد بعساكر المسلمين ‏.‏
الملك بالشام

في العهد الذي ماجت فيه العرب بهجرات القبائل سارت بطون من قضاعة إلى مشارف الشام وسكنت بها، وكانوا من بنى سُلَيْح بن حُلْوان الذين منهم بنو ضَجْعَم ابن سليح المعروفون باسم الضجاعمة، فاصطنعهم الرومان؛ ليمنعوا عرب البرية من العبث، وليكونوا عدة ضد الفرس، وولوا منهم ملكًا، ثم تعاقب الملك فيهم سنين، ومن أشهر ملوكهم زياد بن الهَبُولة، ويقدر زمنهم من أوائل القرن الثانى الميلادى إلى نهايته تقريبًا، وانتهت ولايتهم بعد قدوم آل غسان، الذين غلبوا الضجاعمة على ما بيدهم وانتصروا عليهم، فولتهم الروم ملوكًا على عرب الشام، وكانت قاعدتهم مدينة بصرى، ولم تزل تتوالى الغساسنة على الشام بصفتهم عمالًا لملوك الروم حتى كانت وقعة اليرموك سنة 13هـ، وانقاد للإسلام آخر ملوكهم جَبَلَة بن الأيهم في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏
الإمارة بالحجاز

ولي إسماعيل عليه السلام زعامة مكة وولاية البيت طول حياته، وتوفي وله 137 سنة، ثم ولى واحد، وقيل‏:‏ اثنان من أبنائه‏:‏ نابت ثم قَيْدار، ويقال العكس، ثم ولى أمر مكة بعدهما جدهما مُضَاض بن عمرو الجُرْهُمِىّ، فانتقلت زعامة مكة إلى جرهم، وظلت في أيديهم، وكان لأولاد إسماعيل مركز محترم؛ لما لأبيهم من بناء البيت، ولم يكن لهم من الحكم شيء‏.‏

ومضت الدهور والأيام ولم يزل أمر أولاد إسماعيل عليه السلام ضئيلًا لا يذكر، حتى ضعف أمر جرهم قبيل ظهور بُخْتُنَصَّر، وأخذ نجم عدنان السياسى يتألق في أفق سماء مكة منذ ذلك العصر، بدليل ما جاء بمناسبة غزو بختنصر للعرب في ذات عِرْق، فإن قائد العرب في الموقعة لم يكن جرهميًا، بل كان عدنان نفسه‏.‏

وتفرقت بنو عدنان إلى اليمن عند غزوة بختنصر الثانية ‏[‏سنة 587 ق‏.‏ م‏]‏ وذهب برخيا ـ صاحب يرمياه النبي الإسرائيلى بَمَعَدّ ـ إلى حران من الشام، فلما انكشف ضغط بختنصر رجع معد إلى مكة فلم يجد من جرهم إلا جَوْشَم بن جُلْهُمة، فتزوج بابنته مُعَانة فولدت له نزارًا‏.‏

وساء أمر جرهم بمكة بعد ذلك، وضاقت أحوالهم، فظلموا الوافدين إليها، واستحلوا مال الكعبة، الأمر الذي كان يغيظ العدنانيين ويثير حفيظتهم، ولما نزلت خزاعة بِمَرِّ الظَّهْران، ورأت نفور العدنانيين من الجراهمة استغلت ذلك، فقامت بمعونة من بطون عدنان ـ وهم بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة ـ بمحاربة جرهم، حتى أجلتهم عن مكة، واستولت على حكمها في أواسط القرن الثانى للميلاد‏.‏

ولما لجأت جرهم إلى الجلاء سدوا بئر زمزم، ودرسوا موضعها، ودفنوا فيها عدة أشياء، قال ابن إسحاق‏:‏ فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغزالى الكعبة، وبحجر الركن الأسود فدفنهما في بئر زمزم، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنًا شديدًا، وفي ذلك قال عمرو‏:‏

كأن لم يكن بين الحَجُون إلى الصَّفَا
أنيـس ولـم يَسْمُـر بمكـــة سامـــر

بلــى نحــن كــنا أهـلــها فأبـادنـا
صُرُوف الليالى والجُدُود العَوَاثِر

ويقدر زمن إسماعيل عليه السلام بعشرين قرنًا قبل الميلاد، فتكون إقامة جرهم في مكة واحدًا وعشرين قرنًا تقريبًا، وحكمهم على مكة زهاء عشرين قرنًا‏.‏

واستبدت خزاعة بأمر مكة دون بنى بكر، إلا أنه كان إلى قبائل مضر ثلاث خلال‏:‏
الأولى‏:‏ الدفع بالناس من عرفة إلى المزدلفة، والإجازة بهم يوم النفر من منى، وكان يلى ذلك بنو الغَوْث بن مرة من بطون إلياس بن مضر، وكانوا يسمون صُوفَة، ومعنى هذه الإجازة أن الناس كانوا لا يرمون يوم النفر حتى يرمى رجل من صوفة، ثم إذا فرغ الناس من الرمى وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة، فلم يجز أحد حتى يمروا، ثم يخلون سبيل الناس، فلما انقرضت صوفة ورثهم بنو سعد بن زيد مناة من تميم‏.‏

الثانية‏:‏ الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى، وكان ذلك في بنى عدوان‏.‏

الثالثة‏:‏إنساء الأشهر الحرم، وكان ذلك إلى بنى فُقَيْم بن عدى من بنى كنانة‏.‏

واستمرت ‏[‏ولاية‏]‏ خزاعة على مكة ثلاثمائة سنة‏.‏ وفي وقت حكمهم انتشر العدنانيون في نجد وأطراف العراق والبحرين، وبقى بأطراق مكة بطون من قريش وهم حُلُول وصِرْم متقطعون، وبيوتات متفرقون في قومهم من بنى كنانة، وليس لهم من أمر مكة ولا البيت الحرام شيء حتى جاء قصى بن كلاب‏.‏

ويذكر من أمر قصى‏:‏ أن أباه مات وهو في حضن أمه، ونكح أمه رجل من بنى عُذْرَة ـ وهو ربيعة بن حرام ـ فاحتملها إلى بلاده بأطراف الشام، فلما شب قصى رجع إلى مكة، وكان واليها إذ ذاك حُلَيْل بن حَبْشِيَّة من خزاعة، فخطب قصى إلى حليل ابنته حُبَّى، فرغب فيه حليل وزوجه إياها، فلما مات حليل قامت حرب بين خزاعة وقريش، أدت أخيرًا إلى تغلب قصى على أمر مكة والبيت‏.‏

وهناك ثلاث روايات في بيان سبب هذه الحرب‏:‏

الأولى‏:‏ أن قصيًا لما انتشر ولده وكثر ماله وعظم شرفه وهلك حليل رأى أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر، وإن قريشًا رءوس آل إسماعيل وصريحهم، فكلم رجالًا من قريش وبنى كنانة في إخراج خزاعة وبنى بكر عن مكة فأجابوه‏.‏

الثانية‏:‏ أن حليلًا ـ فيما تزعم خزاعة ـ أوصى قصيًا بالقيام على الكعبة وبأمر مكة، ولكن أبت خزاعة أن تمضى ذلك لقصى فهاجت الحرب بينهما‏.‏

الثالثة‏:‏ أن حليلًا أعطى ابنته حبى ولاية البيت، واتخذ أبا غُبْشان‏.‏ الخزاعي وكيلا لها، فقام أبو غبشان بسدانة الكعبة نيابة عن حبى، وكان في عقله شيء، فلما مات حليل خدعه قصى، واشترى منه ولاية البيت بأذواد من الإبل أو بزق من الخمر، ولم ترض خزاعة بهذا البيع، وحاولوا منع قصى عن البيت، فجمع قصى رجالًا من قريش وبنى كنانة لإخراج خزاعة من مكة، فأجابوه‏.‏

وأيا ما كان، فلما مات حليل وفعلت صوفة ما كانت تفعل أتاهم قصى بمن معه من قريش وكنانة عند العقبة، فقال‏:‏ نحن أولى بهذا منكم، فقاتلوه فغلبهم قصى على ما كان بأيديهم، وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصى، فبادأهم قصى وأجمع لحربهم، فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا، ثم تداعوا إلى الصلح فحكَّموا يَعْمُر بن عوف أحد بنى بكر، فقضى بأن قصيًا أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة، وكل دم أصابه قصى منهم موضوع يشدخه تحت قدميه، وما أصابت خزاعة وبنو بكر ففيه الدية، وأن يخلى بين قصى وبين الكعبة، فسمى يعمر يومئذ‏:‏ الشداخ‏.‏

وكانت فترة تولى خزاعة أمر البيت ثلاثمائة سنة، واستولى قصى على أمر مكة والبيت في أواسط القرن الخامس للميلاد سنة 440 م،وبذلك صارت لقصى ثم لقريش السيادة التامة والأمر النافذ في مكة، وصار قصى هو الرئيس الديني لهذا البيت الذي كانت تفد إليه العرب من جميع أنحاء الجزيرة‏.‏

ومما فعله قصى بمكة أنه جمع قومه من منازلهم إلى مكة، وقطعها رباعًا بين قومه، وأنزل كل قوم من قريش منازلهم التي أصبحوا عليها، وأقر النسأة وآل صفوان وعدوان ومرة بن عوف على ما كانوا عليه من المناصب؛ لأنه كان يراه دينًا في نفسه لا ينبغى تغييره‏.‏

ومن مآثر قصى‏:‏ أنه أسس دار الندوة بالجانب الشمالى من مسجد الكعبة، وجعل بابها إلى المسجد، وكانت مجمع قريش، وفيها تفصيل مهام أمورها، ولهذه الدار فضل على قريش؛ لأنها ضمنت اجتماع الكلمة وفض المشاكل بالحسنى‏.‏

وكان لقصى من مظاهر الرياسة والتشريف‏:‏

1 ـ رياسة دار الندوة‏:‏ ففيها كانوا يتشاورون فيما نزل بهم من جسام الأمور، وفيها كانوا يزوجون بناتهم‏.‏

2 ـ اللواء‏:‏ فكانت لا تعقد راية ولا لواء لحرب قوم من غيرهم إلا بيده أو بيد أحد أولاده، وفي هذه الدار‏.‏

3 ـ القيادة‏:‏ وهي إمارة الركب، فكانت لا تخرج ركب لأهل مكة في تجارة أو غيرها إلا تحت إمارته أو إمارة أولاده‏.‏

4 ـ الحجابـة‏:‏ وهي حجابة الكعبة،لا يفتح بابها إلا هو، وهو الذي يلى أمر خدمتها وسدانتها‏.‏

5 ـ سقاية الحاج‏:‏ وهي أنهم كانوا يملأون للحجاج حياضًا من الماء، يحلونها بشيء من التمر والزبيب، فيشرب الناس منها إذا وردوا مكة‏.‏

6 ـ رفادة الحاج‏:‏ وهي طعام كان يصنع للحاج على طريقة الضيافة، وكان قصى فرض على قريش خرجًا تخرجه في الموسم من أموالها إلى قصى، فيصنع به طعامًا للحاج، يأكله من لم يكن له سعة ولا زاد‏.‏

كان كل ذلك لقصى، وكان ابنه عبد مناف قد شرف وساد في حياته، وكان عبد الدار بكره‏.‏ فقال له قصى فيما يقال‏:‏ لألحقنك بالقوم وإن شرفوا عليك، فأوصى له بما كان يليه من مصالح قريش، فأعطاه دار الندوة واللواء والقيادة والحجابة والسقاية والرفادة، وكان قصى لا يخالف ولا يرد عليه شيء صنعه، وكان أمره في حياته وبعد موته كالدين المتبع، فلما هلك أقام بنوه أمره لا نزاع بينهم، ولكن لما هلك عبد مناف نافس أبناؤه بنى عمهم عبد الدار في هذه المناصب، وافترقت قريش فرقتين، وكاد يكون بينهم قتال، إلا أنهم تداعوا إلى الصلح، واقتسموا هذه المناصب، فصارت السقاية والرفادة والقيادة إلى بنى عبد مناف، وبقيت دار الندوة واللواء والحجابة بيد بنى عبد الدار‏.‏ وقيل‏:‏ كانت دار الندوة بالاشتراك بين الفريقين، ثم حكم بنو عبد مناف القرعة فيما أصابهم، فصارت السقاية والرفادة لهاشم والقيادة لعبد شمس، فكان هاشم بن عبد مناف هو الذي يلى السقاية والرفادة طول حياته، فلما مات خلفه أخوه المطلب بن عبد مناف، وولى بعده عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعـده أبنـاؤه حتى جـاء الإسلام والولاية إلى العبـاس‏.‏ ويقـال‏:‏ إن قصيًا هـو الذي قسم المناصب على أولاده، ثـم توارثـها أبناؤهـم حسـب التفصيل المذكور، والله أعلم‏.‏ وكانت لقريش مناصب أخرى سوى ما ذكرنا وزعوها فيما بينهم، وكونوا بها دويلة ـ بل بتعبير أصح‏:‏ شبه دويلة ديمقراطية ـ وكانت لهم من الدوائر والتشكيلات الحكومية مـا يشبه في عصرنـا هـذا دوائـر البرلمـان ومجالسها، وهاك لوحة من تلك المناصب‏:‏

1ـ الإيسار‏:‏ أي تولية قداح الأصنام للاستقسام، وكان ذلك في بني جُمَح‏.‏

2 ـ تحجير الأموال‏:‏ أي تنظيم القربات والنذور التي كانت تهدى إلى الأصنام، وكذلك فصل الخصومات والمرافعات‏.‏وكان ذلك في بني سهم‏.‏

3 ـ الشورى‏:‏ وكانت في بني أسد‏.‏

4 ـ الأشناق‏:‏ أي تنظيم الديات والغرامات، وكان ذلك في بني تَيْم‏.‏

5 ـ العقاب‏:‏ أي حمل اللواء القومى، وكان ذلك في بني أمية‏.‏

6 ـ القبة‏:‏ أي تنظيم المعسكر، وكذلك قيادة الخيل، وكان في بني مخزوم‏.‏

7 ـ السفارة‏:‏ وكانت في بني عدي‏.‏
الحكم في سائر العرب

قد تقدم ذكر هجرات القبائل القحطانية والعدنانية، وأنها اقتسمت البلاد العربية فيما بينها، فما كان من هذه القبائل بالقرب من الحيرة كانت تبعًا لملك العرب بالحيرة، وما كان منها في بادية الشام كانت تبعًا للغساسنة، إلا أن هذه التبعية كانت اسمية لا فعلية، وأما ما كان منها في البوادى في داخل الجزيرة فكانت حرة مطلقة‏.‏

والحقيقة أن هذه القبائل كانت تختار لأنفسها رؤساء يسودونها، وأن القبيلة كانت حكومة مصغرة، أساس كيانها السياسى الوحدة العصبية، والمنافع المتبادلة في حماية الأرض ودفع العدوان عنها‏.‏

وكانت درجة رؤساء القبائل في قومهم كدرجة الملوك، فكانت القبيلة تبعًا لرأي سيدها في السلم والحرب، لا تتأخر عنه بحال، وكان له من الحكم والاستبداد بالرأي ما يكون لدكتاتور قوى؛ حتى كان بعضهم إذا غضب غضب له ألوف من السيوف لا تسأله‏:‏ فيم غضب، إلا أن المنافسة في السيادة بين أبناء العم كانت تدعوهم إلى المصانعة بالناس من بذل الندى وإكرام الضيف والكرم والحلم، وإظهار الشجاعة والدفاع عن الغيرة، حتى يكسبوا المحامد في أعين الناس، ولاسيما الشعراء الذين كانوا لسان القبيلة في ذلك الزمان، وحتى تسمو درجتهم عن مستوى المنافسين‏.‏

وكان للسادة والرؤساء حقوق خاصة، فكانوا يأخذون من الغنيمة المِرْباع والصَّفي والنَّشيطة والفُضُول، يقول الشاعر‏:‏

لك المِرْبَاع فينـا والصَّفَايا
وحُكْمُك والنَّشِيطة والفُضُول

والمرباع‏:‏ ربع الغنيمة، والصفي‏:‏ ما كان يصطفيه الرئيس، أي يختاره لنفسه قبل القسمة، والنشيطة‏:‏ ما أصاب الرئيس في الطريق قبل أن يصل إلى بيضة القوم‏.‏والفضول‏:‏ما فضل من القسمة مما لا تصح قسمته على عدد الغزاة، كالبعير والفرس ونحوهما‏.‏
الحالة السياسية

بعد أن ذكرنا حكام العرب يجمل بنا أن نذكر جملة من أحوالهم السياسية حتى يتضح الوضع، فالأقطار الثلاثة التي كانت مجاورة للأجانب كانت حالتها السياسية في تضعضع وانحطاط لا مزيد عليه‏.‏فقد كان الناس بين سادة وعبيد، أو حكام ومحكومين، فالسادة ـ ولاسيما الأجانب ـ كان لهم كل الغُنْم، والعبيد عليهم كل الغُرْم، وبعبارة أوضح‏:‏إن الرعايا كانت بمثابة مزرعة تورد المحصولات إلى الحكومات، والحكومات كانت تستخدمها في ملذاتها وشهواتها، ورغائبها، وجورها، وعدوانها‏.‏أما الناس فكانوا في عمايتهم يتخبطون، والظلم ينحط عليهم من كل جانب، وما في استطاعتهم التذمر والشكوى، بل كانوا يسامون الخسف والجور والعذاب ألوانًا ساكتين، فقد كان الحكم استبداديا، والحقوق ضائعة مهدورة‏.‏

وأما القبائل المجاورة لهذه الأقطار فكانوا مذبذبين تتقاذفهم الأهواء والأغراض، مرة يدخلون في أهل العراق، ومرة يدخلون في أهل الشام‏.‏

وكانت أحوال القبائل داخل الجزيرة مفككة الأوصال، تغلب عليها المنازعات القبلية والاختلافات العنصرية والدينية، حتى قال ناطقهم‏:‏

وما أنا إلا من غَزَِّية إن غَوَتْ
غويت، وإن ترشد غزية أرشد

ولم يكن لهم ملك يدعم استقلالهم، أو مرجع يرجعون إليه، ويعتمدون عليه وقت الشدائد‏.‏

وأما حكومة الحجاز فقد كانت تنظر إليها العرب نظرة تقدير واحترام، ويرونها قادة وسَدَنة المركز الدينى، وكانت تلك الحكومة في الحقيقة خليطًا من الصدارة الدنيوية والحكومية والزعامة الدينية، حكمت بين العرب باسم الزعامة الدينية، وحكمت في الحرم وما والاه بصفتها حكومة تشرف على مصالح الوافدين إلى البيت، وتنفذ حكم شريعة إبراهيم، وكانت لها من الدوائر والتشكيلات ما يشابه دوائر البرلمان ـ كما أسلفنا ـ ولكن هذه الحكومة كانت ضعيفة لا تقدر على حمل العبء كما وضح يوم غزو الأحباش‏.‏
ديانات العـرب

كان معظم العرب يدينون بدين إبرهيم عليه السلام منذ أن نشأت ذريته في مكة وانتشرت في جزيرة العرب، فكانوا يعبدون الله ويوحدونه ويلتزمون بشعائر دينه الحنيف، حتى طال عليهم الأمد ونسوا حظًا مما ذكروا به، إلا أنهم بقى فيهم التوحيد وعدة شعائر من هذا الدين، حتى جاء عمرو بن لُحَيٍّ رئيس خزاعة، وكان قد نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين، فأحبه الناس ودانوا له، ظنًا منهم أنه من أكابر العلماء وأفاضل الأوليـاء‏.‏

ثم إنه سافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك وظنه حقًا؛ لأن الشام محل الرسل والكتب، فقدم معه بهُبَل وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله فأجابوه، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة؛ لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم‏.‏

وكان هبل من العقيق الأحمر على صورة إنسان، مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك، فجعلوا له يدًا من ذهب، وكان أول صنم للمشركين وأعظمه وأقدسه عندهم‏.‏

ومن أقدم أصنامهم مَناة، كانت لهُذَيْل وخزاعة، وكانت بالمُشَلَّل على ساحل البحر الأحمر حذو قُدَيْد، والمشلل‏:‏ ثنية جبل يهبط منها إلى قديد‏.‏ ثم اتخذوا اللات في الطائف، وكانت لثقيف، وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى، ثم اتخذوا العُزَّى بوادى نخلة الشامية فوق ذات عِرْق، وكانت لقريش وبني كنانة مع كثير من القبائل الأخرى‏.‏

وكانت هذه الأصنام الثلاثة أكبر أوثان العرب، ثم كثر فيهم الشرك، وكثرت الأوثان في كل بُقعة‏.‏

ويذكر أن عمرو بن لحي كان له رئى من الجن، فأخبره أن أصنام قوم نوح ـ ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا ـ مدفونة بجدة، فأتاها فاستثارها، ثم أوردها إلى تهامة، فلما جاء الحج دفعها إلى القبائل، فذهبت بها إلى أوطانها‏.‏

فأما ود‏:‏ فكانت لكلب، بجَرَش بدَوْمَة الجندل من أرض الشام مما يلى العراق، وأما سواع‏:‏ فكانت لهذيل بن مُدْرِكة بمكان يقال له‏:‏رُهَاط من أرض الحجاز، من جهة الساحل بقرب مكة، وأما يغوث‏:‏ فكانت لبني غُطَيف من بني مراد، بالجُرْف عند سبأ، وأما يعوق‏:‏فكانت لهمدان في قرية خَيْوان من أرض اليمن، وخيوان‏:‏ بطن من همدان، وأما نسر‏:‏فكانت لحمير لآل ذى الكلاع في أرض حمير‏.‏

وقد اتخذوا لهذه الطواغيت بيوتًا كانوا يعظمونها كتعظيم الكعبة، وكانت لها سدنة وحجاب، وكانت تهدى لها كما يهدى للكعبة، مع اعترافهم بفضل الكعبة عليها‏.‏

وقد سارت قبائل أخرى على نفس الطريق، فاتخذت لها أصنامًا آلهة وبنت لها بيوتًا مثلها، فكان منها ذو الخَلَصَة لدَوْس وخَثْعَم وبُجَيْلَة، ببلادهم من أرض اليمن، بتَبَالة بين مكة واليمن، وكانت فِلْس لبني طيئ ومن يليها بين جبلى طيئ سلمى وأجأ‏.‏وكان منها ريام، بيت بصنعاء لأهل اليمن وحمير، وكانت منها رضاء، بيت لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد، مناة بن تميم، وكان منها الكَعَبَات لبكر وتغلب ابني وائل، ولإياد بِسَنْدَاد‏.‏

وكان لدَوْس أيضًا صنم يقال له‏:‏ذو الكفين، ولبني بكر ومالك وملكان أبناء كنانة صنم يقال له‏:‏سعد، وكان لقوم من عذرة صنم يقال له‏:‏شمس، وكان لخولان صنم يقال له‏:‏عُمْيانِس‏.‏

وهكذا انتشرت الأصنام ودور الأصنام في جزيرة العرب، حتى صار لكل قبيلة ثم في كل بيت منها صنم، أما المسجد الحرام فكانوا قد ملأوه بالأصنام، ولما فتح رسول الله صلىالله عليه وسلم مكة وجد حول البيت ثلاثمائة وستين صنمًا، فجعل يطعنها بعود في يده حتى تساقطت، ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وحرقت، وكان في جوف الكعبة أيضًا أصنام وصور، منها صنم على صورة إبراهيم، وصنم على صورة إسماعيل ـ عليهما الصلاة والسلام ـ وبيدهما الأزلام، وقد أزيلت هذه الأصنام ومحيت هذه الصور أيضًا يوم الفتح‏.‏

وقد تمادى الناس في غيهم هذا حتى يقول أبو رجاء العُطاردى رضي الله عنه‏:‏ كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جُثْوَةً من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه، ثم طفنا به‏.‏

وجملة القول‏:‏إن الشرك وعبادة الأصنام كانا أكبر مظهر من مظاهر دين أهل الجاهلية الذين كانوا يزعمون أنهم على دين إبراهيم عليه والسلام‏.‏

أما فكرة الشرك وعبادة الأصنام فقد نشأت فيهم على أساس أنهم لما رأوا الملائكة والرسل والنبيين وعباد الله الصالحين من الأولياء والأتقياء والقائمين بأعمال الخير ـ لما رأوهم أنهم أقرب خلق الله إليه، وأكرمهم درجة وأعظمهم منزلة عنده، وأنهم قد ظهرت على أيديهم بعض الخوارق والكرامات، ظنوا أن الله أعطاهم شيئًا من القدرة والتصرف في بعض الأمور التي تختص بالله سبحانه وتعالى، وأنهم لأجل تصرفهم هذا ولأجل جاههم ومنزلتهم عند الله يستحقون أن يكونوا وسطاء بين الله سبحانه وتعالى وبين عامة عباده، فلا ينبغى لأحد أن يعرض حاجته على الله إلا بواسطة هؤلاء؛ لأنهم يشفعون له عند الله، وأن الله لا يرد شفاعتهم لأجل جاههم، كذلك لا ينبغى القيام بعبادة الله إلا بواسطة هؤلاء؛ لأنهم بفضل مرتبتهم سوف يقربونه إلى الله زلفي‏.‏

ولما تمكن منهم هذا الظن ورسخ فيهم هذا الاعتقاد اتخذوهم أولياء، وجعلوهم وسيلة فيما بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، وحاولوا التقرب إليهم بكل ما رأوه من أسباب التقرب؛ فنحتوا لمعظمهم صورًا وتماثيل، إما حقيقية تطابق صورهم التي كانوا عليها، وإما خيالية تطابق ما تخيلوا لهم من الصور في أذهانهم ـ وهذه الصور والتماثيل هي التي تسمى بالأصنام‏.‏

وربما لم ينحتوا لهم صورًا ولا تماثيل، بل جعلوا قبورهم وأضرحتهم وبعض مقراتهم ومواضع نزولهم واستراحتهم أماكن مقدسة، وقدموا إليها النذور والقرابين، وأتوا لها بأعمال الخضوع والطاعات، وهذه الأضرحة والمقرات والمواضع هي التي تسمى بالأوثان‏.‏

أما عبادتهم لهذه الأصنام والأوثان فكانت لهم فيها تقاليد وأعمال ابتدع أكثرها عمرو بن لحى، وكانوا يظنون أن ما أحدثه عمرو بن لحى فهو بدعة حسنة، وليس بتغيير لدين إبراهيم \، فكان من جملة عبادتهم للأصنام والأوثان أنهم‏:‏

1 ـ كانوا يعكفون عليها ويلتجئون إليها‏.‏‏.‏ ويهتفون بها، ويستغيثونها في الشدائد، ويدعونها لحاجاتهم، معتقدين أنها تشفع عند الله، وتحقق لهم ما يريدون‏.‏

2 ـ وكانوا يحجون إليها ويطوفون حولها، ويتذللون عندها، ويسجدون لها‏.‏

3 ـ وكانوا يتقربون إليها بأنواع من القرابين، فكانوا يذبحون وينحرون لها على أنصابها، كما كانوا يذبحون بأسمائها في أي مكان‏.‏

وهذان النوعان من الذبح ذكرهما الله تعالى في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏: ‏3‏]‏، وفي قوله‏:‏‏{‏وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏121‏]‏

4 ـ وكان من أنواع التقرب إلى هذه الأصنام والأوثان أنهم كانوا يخصون لها شيئا من مآكلهم ومشاربهم حسبما يبدو لهم، وكذلك كانوا يخصون لها نصيبا من حرثهم وأنعامهم، ومن الطرائف‏:‏أنهم كانوا يخصون من ذلك جزءًا لله أيضًا‏.‏وكانت عندهم عدة أسباب ينقلون لأجلها إلى الأصنام ما كان لله، ولكن لم يكونوا ينقلون إلى الله ما كان لأصنامهم بحال، قال تعالى‏:‏‏{‏وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏136‏]‏‏.‏

5 ـ وكان من أنواع التقرب إليها النذر في الحرث والأنعام قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ‏}‏ ‏[‏ الأنعام‏:‏138‏]‏‏.‏

6 ـ وكانت منها البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى‏.‏

قال سعيد بن المسيب‏:‏ البحيرة‏:‏ التي يمنع درها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس‏.‏والسائبة‏:‏ كانوا يسيبونها لآلهتهم، فلا يحمل عليها شىء‏.‏والوصيلة‏:‏ الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى، ليس بينهما ذكر‏.‏ والحامى‏:‏ فحل الإبل يضرب الضراب المعدود ‏[‏العشر من الإبل‏]‏ فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت، وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شىء وسموه الحامى‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ البحيرة بنت السائبة، هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهم ذكر، سيبت فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها، ثم خلى سبيلها مع أمها فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف، كما فعل بأمها، فهي البحيرة بنت السائبة‏.‏ والوصيلة‏:‏ الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهم ذكر جعلت وصيلة‏.‏ قالوا‏:‏ قد وصلت، فكان ما ولد بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم إلا أن يموت شىء فيشترك في أكله ذكورهم وإناثهم‏.‏ والحامى‏:‏ الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمى ظهره، فلم يركب، ولم يجز وبره، وخلى في إبله يضرب فيها، لا ينتفع منه بغير ذلك، وفي ذلك أنزل الله تعالى‏:‏‏{‏مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏103]‏، وأنزل‏:‏‏{‏وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء‏}‏ ‏[‏ الأنعام‏:‏139‏]‏، وقيل في تفسير هذه الأنعام غير ذلك‏.‏

وقد مر عن سعيد بن المسيب أن هذه الأنعام كانت لطواغيتهم‏.‏وفي الصحيحين أن النبي صلىالله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏رأيت عمرو بن عامر بن لحى الخزاعى يجر قَصَبَه ‏[‏أي أمعاءه ‏]‏ في النار‏)‏؛ لأنه أول من غير دين إبراهيم، فنصب الأوثان وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامى‏.‏

كانت العرب تفعل كل ذلك بأصنامهم معتقدين أنها تقربهم إلى الله وتوصلهم إليه،وتشفع لديه، كما في القرآن‏:‏ ‏{‏مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 3‏]‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏81]‏

وكانت العرب تستقسم بالأزلام، والزَّلَم‏:‏القدح الذي لا ريش له، وكانت الأزلام ثلاثة أنواع‏:‏

1 ـ نوع فيه ثلاثة أسهم، أحدها‏:‏‏[‏نعم‏]‏، وثانيها‏:‏ ‏[‏لا‏]‏، وثالثها‏:‏‏[‏غُفْل‏]‏، كانوا يستقسمون بها فيما يريدون من العمل؛ من نحو السفر والنكاح وأمثالهما‏.‏فإن خرج ‏[‏نعم‏]‏ عملوا به، وإن خرج ‏[‏لا‏]‏أخروه عامه ذلك حتى يأتوه مرة أخرى، وإن طلع ‏[‏غفل‏]‏ أعادوا الضرب حتى يخرج واحد من الأولين‏.‏

2 ـ ونوع فيه المياه والعقول والديات‏.‏

3ـ ونوع فيه ‏[‏منكم‏]‏ أو ‏[‏من غيركم‏]‏ أو ‏[‏ملصق‏]‏، فكانوا إذا شكوا في نسب أحدهم ذهبوا به إلى هبل، وبمائة درهم وجزور، فأعطوها صاحب القداح، فإن خرج ‏[‏منكم‏]‏ كان منهم وسيطًا، وإن خرج عليه ‏[‏من غيركم‏]‏ كان حليفًا، وإن خرج عليه ‏[‏ملصق‏]‏ كان على منزلته فيهم، لا نَسَب ولا حِلْف‏.‏

ويقرب من هذا الميسر والقداح، وهو ضرب من القمار، كانوا يقتسمون به لحم الجزور التي كانوا يتقامرون عليها؛ وذلك أنهم كانوا يشترون الجزور نسيئة فينحرونها ويقسمونها ثمانية وعشرين قسمًا، أو عشرة أقسام، ثم يضربون عليها بالقداح، وفيها ‏[‏الرابح‏]‏ و‏[‏الغفل‏]‏، فمن خرج له قدح ‏[‏الرابح‏]‏ فاز، وأخذ نصيبه من الجزور، ومن خرج له ‏[‏الغفل‏]‏ خاب وغرم ثمنها‏.‏

وكانوا يؤمنون بأخبار الكهنة والعرافين والمنجمين، والكاهن‏:‏ هو من يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل، ويدعى معرفة الأسرار ومن الكهنة من يزعم أن له تابعًا من الجن، ومنهم من يدعى إدراك الغيب بفهم أعطيه، ومنهم من يدعى معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا القسم يسمى عرافًا، كمن يدعى معرفة المسروق ومكان السرقة والضالة ونحوهما‏.‏والمنجم‏:‏من ينظر في النجوم أي الكواكب، ويحسب سيرها ومواقيتها، ليعلم بها أحوال العالم وحوادثه التي تقع في المستقبل‏.‏

والتصديق بأخبار المنجمين هو في الحقيقة إيمان بالنجوم، وكان من إيمانهم بالنجوم الإيمان بالأنواء، فكانوا يقولون‏:‏مطرنا بنوء كذا وكذا‏.‏

وكانت فيهم الطيرة ‏[‏بكسر ففتح‏]‏ وهي التشاؤم بالشىء، وأصله أنهم كانوا يأتون الطير أو الظبى فينفرونه، فإن أخذ ذات اليمين مضوا إلى ما قصدوا وعدوه حسنًا، وإن أخذ ذات الشمال انتهوا عن ذلك وتشاءموا، وكانوا يتشاءمون كذلك إن عرض الطير أو الحيوان في طريقهم‏.‏

ويقرب من هذا تعليقهم كعب الأرنب ، والتشاؤم ببعض الأيام والشهور والحيوانات والدور والنساء، والاعتقاد بالعدوى والهامة، فكانوا يعتقدون أن المقتول لا يسكن جأشه ما لم يؤخذ بثأره، وتصير روحه هامة أي بومة تطير في الفلوات، وتقول‏:‏صدى صدى أو اسقونى اسقونى، فإذا أخذ بثأره سكن واستراح‏.‏

كان أهل الجاهلية على ذلك وفيهم بقايا مـن ديــن إبراهيم ، لم يكونوا قد تركوه كلـه ـ مثـل تعظيم البيت ، والطـواف بـه ، والحـج ، والعمـرة ، والـوقوف بعرفة والمزدلفة ، وإهداء البدن ـ وإنما كانوا قد ابتدعوا في ذلك بدعًا ‏:‏

منها‏:‏أن قريشًا كانوا يقولون‏:‏نحن بنو إبراهيم وأهل الحرم، وولاة البيت وقاطنو مكة، وليس لأحد من العرب مثل حقنا ومنزلتنا ـ وكانوا يسمون أنفسهم الحُمْس ـ فلا ينبغى لنا أن نخرج من الحرم إلى الحل، فكانوا لا يقفون بعرفة، ولا يفيضون منها، وإنما كانوا يفيضون من المزدلفة وفيهم أنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏199]‏‏.‏

ومنها‏:‏ أنهم قالوا‏:‏ لا ينبغى للحمس أن يأقِطوا الأقِط ولا يسلأوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتًا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما داموا حرمًا‏.‏

ومنها‏:‏ أنهم قالوا‏:‏ لا ينبغى لأهل الحِلِّ أن يأكلوا من طعام جاءوا به من الحل إلى الحرم، إذا جاءوا حجاجا أو عمارًا‏.‏

ومنها‏:‏أنهم أمروا أهل الحل ألا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس، وكانت الحمس يحتسبون على الناس، يعطـى الرجـل الرجـل الثياب يطـوف فيها، وتعطى المرأة المرأة الثياب، تطوف فيها، فإن لم يجدوا شيئًا فكان الرجال يطوفون عراة، وكانت المرأة تضع ثيابها كلها إلا درعًا مفرجًا ثم تطوف فيه، وتقول‏:‏

اليوم يبدو بعضه أو كله
وما بدا منه فلا أحله

وأنزل الله في ذلك‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏31‏]‏ فإن تكرم أحد من الرجل والمرأة فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل ألقاها بعد الطواف ولا ينتفع بها هو ولا أحد غيره‏.‏

ومنها‏:‏ أنهم كانوا لا يأتون بيوتهم من أبوابها في حال الإحرام، بل كانوا ينقبون في ظهور البيوت نقبًا يدخلون ويخرجون منه، وكانوا يحسبون ذلك الجفاء برّا، وقد نهي عنه القرآن، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏189‏]‏ ‏.‏

كانت هذه الديانة ـ ديانة الشرك وعبادة الأوثان، والاعتقاد بالأوهام والخرافات ـ هي الديانة السائدة في جزيرة العرب، وقد وجدت اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئية سبلًا للدخول في ربوعها‏.‏
ولليهود دوران ـ على الأقل ـ مثلوهما في جزيرة العرب‏:‏

الأول‏:‏ هجرتهم في عهد الفتوح البابلية والآشورية في فلسطين، فقد نشأ عن الضغط على اليهود، وعن تخريب بلادهم وتدمير هيكلهم على يد الملك بُخْتُنَصر سنة 587 ق‏.‏م، وسبى أكثرهم إلى بابل أن قسمًا منهم هجر البلاد الفلسطينية إلى الحجاز، وَتَوطَّن في ربوعها الشمالية‏.‏

الدور الثاني‏:‏ يبدأ من احتلال الرومان لفلسطين بقيادة تيطس الرومانى سنة 70م، فقد نشأ عن ضغط الرومان على اليهود وعن تخريب الهيكل وتدميره أن قبائل عديدة من اليهود رحلت إلى الحجاز، واستقرت في يثرب وخيبر وتيماء، وأنشأت فيها القرى والآطام والقلاع، وانتشرت الديانة اليهودية بين قسم من العرب عن طريق هؤلاء المهاجرين، وأصبح لها شأن يذكر في الحوادث السياسية التي سبقت ظهور الإسلام، والتي حدثت في صدره‏.‏ وحينما جاء الإسلام كانت القبائل اليهودية المشهورة هي‏:‏ خيبر والنضير والمُصْطَلَق وقريظة وقينقاع، وذكر السمهودي أن عدد القبائل اليهودية التي نزلت بيثرب بين حين وآخر‏:‏ يزيد على عشرين‏.‏

ودخلت اليهودية في اليمن من قبل تُبَّان أسعد أبي كَرَب، فإنه ذهب مقاتلًا إلى يثرب واعتنق هناك اليهودية وجاء بحبرين من بني قريظة إلى اليمن، فأخذت اليهودية إلى التوسع والانتشار فيها، ولما ولى اليمن بعده ابنه يوسف ذو نُوَاس هجم على النصارى من أهل نجران ودعاهم إلى اعتناق اليهودية، فلما أبوا خدّ لهم الأخدود وأحرقهم بالنار، ولم يفرق بين الرجل والمرأة والأطفال الصغار والشيوخ الكبار، ويقال‏:‏ إن عدد المقتولين ما بين عشرين ألفًا إلى أربعين ألفًا‏.‏ وقع ذلك في شهر أكتوبر سنة 523 م‏.‏ وقد ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم في سورة البروج؛ إذ يقول‏:‏ ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ‏}‏ ‏[‏البروج‏: ‏4‏:‏ 7‏]‏‏.‏

أما الديانة النصرانية، فقد جاءت إلى بلاد العرب عن طريق احتلال الحبشة وبعض البعثات الرومانية، وكان أول احتلال الأحباش لليمن سنة340 م، ولكن لم يطل أمد هذا الاحتلال، فقد طردوا منها ما بين عامي370ـ 378 م، إلا أنهم شجعوا على نشر النصرانية وتشجعوا لها، وقد وصل أثناء هذا الاحتلال رجل زاهد مستجاب الدعوات وصاحب كرامات ـ اسمه فيميون ـ إلى نجران، ودعاهم إلى دين النصرانية فلبوا دعوته واعتنقوا النصرانية؛ لما رأوا من آيات صدقه وصدق دينه‏.‏

ولما احتلت الأحباش اليمن مرة أخرى عام 525م ـ كرد فعل على ما أتاه ذو نواس من تحريق نصارى نجران في الأخدود، وتمكن أبرهة الأشرم من حكومة اليمن ـ أخذ ينشر الديانة النصرانية بأوفر نشاط وأوسع نطاق، حتى بلغ من نشاطه أنه بني كعبة باليمن، وأراد أن يصرف حج العرب إليها ويهدم بيت الله الذي بمكة، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى‏.‏

وقد اعتنق النصرانية العرب الغساسنة وقبائل تغلب وطيئ وغيرهما لمجاورة الرومان، بل قد اعتنقها بعض ملوك الحيرة أيضًا‏.‏

أما المجوسية، فكان ما كان منها في العرب المجاورين للفرس، فكانت في عراق العرب وفي البحرين ـ الأحسا ـ وهَجَر وما جاورها من منطقة سواحل الخليج العربي، ودان لها رجال من اليمن في زمن الاحتلال الفارسي‏.‏

أما الصابئية ـ وهي ديانة تمتاز بعبادة الكواكب وبالاعتقاد في أنواء المنازل وتأثير النجوم وأنها هي المدبرة للكون ـ فقد دلت الحفريات والتنقيبات في بلاد العراق وغيرها أنها كانت ديانة قوم إبراهيم الكلدانيين، وقد دان بها كثير من أهل الشام وأهل اليمن في غابر الزمان، وبعد تتابع الديانات الجديدة من اليهودية والنصرانية، تضعضع بنيان الصابئية وخمد نشاطها، ولكن لم يزل في الناس بقايا من أهل هذه الديانة مختلطين مع المجوس أو مجاورين لهم في عراق العرب وعلى شواطئ الخليج العربي‏.‏ وقد وجد شيء من الزندقة في بعض العرب، وكانت وصلت إليهم عن طريق الحيرة، كما وجدت في بعض قريش لاحتكاكهم بالفرس عن طريق التجارة‏.‏
الحالة الدينية

كانت هذه الديانات هي ديانات العرب حين جاء الإسلام، وقد أصاب هذه الديانات الانحلال والبوار، فالمشركون الذين كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم كانوا بعيدين عن أوامر ونواهي شريعة إبراهيم، مهملين ما أتت به من مكارم الأخلاق‏.‏ وكثرت فيهم المعاصي، ونشأ فيهم على توالى الزمان ما ينشأ في الوثنيين من عادات وتقاليد تجرى مجرى الخرافات الدينية، وأثرت في الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية تأثيرًا بالغًا جدًا‏.‏

أما اليهودية، فقد انقلبت رياء وتحكمًا، وصار رؤساؤها أربابًا من دون الله، يتحكمون في الناس ويحاسبونهم حتى على خطرات النفس وهمسات الشفاه، وجعلوا همهم الحظوة بالمال والرياسة وإن ضاع الدين وانتشر الإلحاد والكفر، والتهاون بالتعاليم التي حض الله عليها وأمر كل فرد بتقديسها‏.‏

وأما النصرانية، فقد عادت وثنية عسرة الفهم، وأوجدت خلطًا عجيبًا بين الله والإنسان، ولم يكن لها في نفوس العرب المتدينين بهذا الدين تأثير حقيقي؛ لبعد تعاليمها عن طراز المعيشة التي ألفوها، ولم يكونوا يستطيعون الابتعاد عنها‏.‏

وأما سائر أديان العرب‏:‏ فكانت أحوال أهلها كأحوال المشركين، فقد تشابهت قلوبهم، وتواردت عقائدهم، وتوافقت تقاليدهم وعوائدهم‏.‏
صور من المجتمع العربي الجاهلي

بعد البحث عن سياسة الجزيرة وأديانها يجمل بنا أن نلقى شيئًا من الضوء على أحوالها الاجتماعية والاقتصادية والخلقية، وفيما يلي بيانها بإيجاز‏:‏
الحالة الاجتماعية

كانت في العرب أوساط متنوعة تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت علاقة الرجل مع أهله في الأشراف على درجة كبيرة من الرقى والتقدم، وكان لها من حرية الإرادة ونفاذ القول القسط الأوفر، وكانت محترمة مصونة تُسَلُّ دونها السيوف، وتراق الدماء، وكان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في معظم أوقاته إلا المرأة، وربما كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، ومع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نزاع رئيس الأسرة وصاحب الكلمة فيها، وكان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها، ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم‏.‏

بينما هذه حال الأشراف، كان هناك في الأوساط الأخرى أنواع من الاختلاط بين الرجل والمرأة، لا نستطيع أن نعبر عنه إلا بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة‏.‏ روى البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها‏.‏

إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء‏:‏ فنكاح منها نكاح الناس اليوم؛ يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر‏:‏ كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها‏:‏ أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نَجَابة الـولد، فكان هـذا النكاح ‏[‏يسمى‏]‏ نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر‏:‏ يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت، ووضعت ومر‏[‏ت‏]‏ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، ‏[‏فـ‏]‏ تقول لهم‏:‏ قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، ‏[‏فـ‏]‏ تسمى من أحبت ‏[‏منهم‏]‏ باسمه، فيلحق به ولدها‏.‏ لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل،ونكاح رابع‏:‏يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها،وهن البغايا،كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطته به، ودعى ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث ‏[‏الله‏]‏ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح ‏[‏أهل‏]‏ الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم‏.‏

وكانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، وأسنة الرماح، فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن الأولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم‏.‏

وكان من المعروف في أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه، حتى حددها القرآن في أربع‏.‏ وكانوا يجمعون بين الأختين، وكانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها حتى نهى عنهما القرآن ‏{‏وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء‏:‏ 22، 23]‏ وكان الطلاق والرجعة بيد الرجال، ولم يكن لهما حد معين حتى حددهما الإسلام‏.‏

وكانت فاحشة الزنا سائدة في جميع الأوساط، لا نستطيع أن نخص منها وسطًا دون وسط، أو صنفًا دون صنف إلا أفرادًا من الرجال والنساء ممن كان تعاظم نفوسهم يأبى الوقوع في هذه الرذيلة، وكانت الحرائر أحسن حالًا من الإماء، والطامة الكبرى هي الإماء، ويبدو أن الأغلبية الساحقة من أهل الجاهلية لم تكن تحس بعار في الانتساب إلى هذه الفاحشة، روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ قام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله، إن فلانًا ابني، عاهرت بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش وللعاهر الحَجَر‏)‏، وقصة اختصام سعد بن أبي وقاص وعبد بن زَمْعَة في ابن أمة زمعة ـ وهو عبد الرحمن بن زمعة ـ معروفة‏.‏

وكانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى، فمنهم من يقول‏:‏

إنمـــا أولادنـــا بيننــا
أكبادنا تمشى على الأرض

ومنهم من كان يئد البنات خشية العار والإنفاق، ويقتل الأولاد خشية الفقر والإملاق‏:‏‏{‏قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 151‏]‏ ولكن لا يمكن لنا أن نعد هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة، فقد كانوا أشد الناس احتياجًا إلى البنين ليتقوا بهم العدو‏.‏

أما معاملة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته فقد كانت موطدة قوية، فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية ويموتون لها، وكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية، وكان أساس النظام الاجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم، وكانوا يسيرون على المثل السائر‏:‏ ‏(‏انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا‏)‏ على المعنى الحقيقي من غير التعديل الذي جاء به الإسلام؛ من أن نصر الظالم كفه عن ظلمه، إلا أن التنافس في الشرف والسؤدد كثيرًا ما كان يفضى إلى الحروب بين القبائل التي كان يجمعها أب واحد، كما نرى ذلك بين الأوس والخزرج، وعَبْس وذُبْيان، وبَكْر وتَغْلِب وغيرها‏.‏

أما العلاقة بين القبائل المختلفة فقد كانت مفككة الأوصال تمامًا، وكانت قواهم متفانية في الحروب، إلا أن الرهبة والوجل من بعض التقاليد والعادات المشتركة بين الدين والخرافة ربما كان يخفف من حدتها وصرامتها‏.‏ وأحيانًا كانت الموالاة والحلف والتبعية تفضى إلى اجتماع القبائل المتغايرة‏.‏ وكانت الأشهر الحرم رحمة وعونًا لهم على حياتهم وحصول معايشهم‏.‏ فقد كانوا يأمنون فيها تمام الأمن؛ لشدة التزامهم بحرمتها، يقول أبو رجاء العُطاردي‏:‏ إذا دخل شهر رجب قلنا‏:‏ مُنَصِّلُ الأسِنَّة؛ فلا ندع رمحًا فيه حديدة ولا سهمًا فيه حديدة إلا نزعناه، وألقيناه شهر رجب‏.‏ وكذلك في بقية الأشهر الحرم‏.‏

وقصارى الكلام أن الحالة الاجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية، فالجهل ضارب أطنابه، والخرافات لها جولة وصولة، والناس يعيشون كالأنعام، والمرأة تباع وتشترى وتعامل كالجمادات أحيانا، والعلاقة بين الأمة واهية مبتوتة، وما كان من الحكومات فجُلُّ همتها ملء الخزائن من رعيتها أو جر الحروب على مناوئيها‏.‏
الحالة الاقتصادية

أما الحالة الاقتصادية، فتبعت الحالة الاجتماعية، ويتضح ذلك إذا نظرنا في طرق معايش العرب‏.‏ فالتجارة كانت أكبر وسيلة للحصول على حوائج الحياة، والجولة التجارية لا تتيسر إلا إذا ساد الأمن والسلام، وكان ذلك مفقودًا في جزيرة العرب إلا في الأشهر الحرم، وهذه هي الشهور التي كانت تعقد فيها أسواق العرب الشهيرة من عُكاظ وذي المجَاز ومَجَنَّة وغيرها‏.‏

وأما الصناعات فكانوا أبعد الأمم عنها، ومعظم الصناعات التي كانت توجد في العرب من الحياكة والدباغة وغيرها كانت في أهل اليمن والحيرة ومشارف الشام، نعم، كان في داخل الجزيرة شيء من الزراعة والحرث واقتناء الأنعام، وكانت نساء العرب كافة يشتغلن بالغزل، لكن كانت الأمتعة عرضة للحروب، وكان الفقر والجوع والعرى عامًا في المجتمع‏.‏
الأخلاق

لا شك أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا ورذائل وأمور ينكرها العقل السليم ويأباها الوجدان، ولكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة ما يروع الإنسان ويفضى به إلى الدهشة والعجب، فمن تلك الأخلاق‏:‏

1 ـ الكرم‏:‏ وكانوا يتبارون في ذلك ويفتخرون به، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم بين ممتدح به ومُثْنٍ على غيره، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع وليس عنده من المال إلا ناقته التي هي حياته وحياة أسرته، فتأخذه هزة الكرم فيقوم إليها، فيذبحها لضيفه‏.‏ ومن آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائلة والحمالات المدهشة، يكفون بذلك سفك الدماء، وضياع الإنسان، ويمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء والسادات‏.‏

وكان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يتمدحون بشرب الخمور ، لا لأنها مفخرة في ذاتها ؛ بل لأنها سبيل من سبل الكرم ، ومما يسهل السَّرَف على النفس ، ولأجل ذلك كانوا يسمون شَجَرَ العنب بالكَرْم ، وخَمْرَه بِبِنْتِ الكرم ‏.‏ وإذا نظرت إلى دواوين أشعارالجاهلية تجد ذلك بابًا من أبواب المديح والفخر ، يقول عنترة بن شداد العبسي في معلقته‏:‏

ولقد شَرِبْتُ من المُدَامَة بَعْدَ ما
رَكَــد الهَواجـِرُ بالمَشـُوفِ المُعْلـِم

بزُجَـاجَـةٍ صـَفْــراء ذات أســـِرَّة
قُرنَـتْ بأزهــرَ بالشِّمَــال مُفــَدَّمِ

فــإذا شـَرِبتُ فإننــــى مُسْتَهْلـِك
مالى وعِرْضِى وافِــرٌ لم يُكْلـَـمِ

وإذا صَحَوْتُ فما أُقَصِّرُ عن نَدَى
وكمــا عَلمـت شمائلــى وَتَكَرُّمـِى

ومن نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر، فإنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم؛ لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين؛ ولذلك ترى القرآن لا ينكر نفع الخمر والميسر وإنما يقول‏:‏ ‏{‏وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏219‏]‏

2 ـ الوفاء بالعهد‏:‏ فقد كان العهد عندهم دينًا يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أولادهم، وتخريب ديارهم، وتكفي في معرفة ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني، والسَّمَوْأل بن عاديا، وحاجب بن زرارة التميمي‏.‏

3 ـ عزة النفس والإباء عن قبول الخسف والضيم‏:‏ وكان من نتائج هذا فرط الشجاعة وشدة الغيرة، وسرعة الانفعال، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان إلا قاموا إلى السيف والسنان، وأثاروا الحروب العوان، وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل‏.‏

4 ـ المضي في العزائم‏:‏ فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد والافتخار، لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله‏.‏

5 ـ الحلم، والأناة، والتؤدة‏:‏ كانوا يتمدحون بها إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود؛ لفرط شجاعتهم وسرعة إقدامهم على القتال‏.‏

6 ـ السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة ومكائدها‏ :‏ وكان من نتائجها الصدق والأمانة ، والنفور عن الخداع والغدر‏.‏

نرى أن هذه الأخلاق الثمينة ـ مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة إلى العالم ـ كانت سببًا في اختيار الله عز وجل إياهم لحمل عبء الرسالة العامة، وقيادة الأمة الإنسانية، وإصلاح المجتمع البشرى؛ لأن هذه الأخلاق وإن كان بعضها يفضى إلى الشر، ويجلب الحوادث المؤلمة إلا أنها كانت في نفسها أخلاقًا ثمينة، تدر بالمنافع العامة للمجتمع البشرى بعد شيء من الإصلاح، وهذا الذي فعله الإسلام‏.‏

ولعل أغلى ما عندهم من هذه الأخلاق وأعظمها نفعًا ـ بعد الوفاء بالعهد ـ هو عزة النفس والمضي في العزائم؛ إذ لا يمكن قمع الشر والفساد وإقامة نظام العدل والخير إلا بهذه القوة القاهرة وبهذا العزم الصميم‏.‏ ولهم أخلاق فاضلة أخرى دون هذه التي ذكرناها، وليس قصدنا استقصاءها‏.‏
النسب والمولد والنشأة
نسب النبي صلى الله عليه وسلم
نسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أجزاء‏:‏ جزء اتفق عليه كافة أهل السير والأنساب، وهو الجزء الذي يبدأ منه صلى الله عليه وسلم وينتهي إلى عدنان‏.‏

وجزء آخر كثر فيه الاختلاف، حتى جاوز حد الجمع والائتلاف، وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم عليه السلام فقد توقف فيه قوم، وقالوا‏:‏ لا يجوز سرده، بينما جوزه آخرون وساقوه‏.‏ ثم اختلف هؤلا المجوزون في عدد الآباء وأسمائهم، فاشتد اختلافهم وكثرت أقوالهم حتى جاوزت ثلاثين قولًا، إلا أن الجميع متفقون على أن عدنان من صريح ولد إسماعيل عليه السلام‏.‏

أما الجزء الثالث فهو يبدأ من بعد إبراهيم عليه السلام وينتهي إلى آدم عليه السلام، وجل الاعتماد فيه على نقل أهل الكتاب، وعندهم فيه من بعض تفاصـيل الأعمـار وغيرهـا ما لا نشك في بطلانه، بينما نتوقف في البقية الباقية‏.‏

وفيما يلى الأجزاء الثلاثة من نسبه الزكى صلى الله عليه وسلم بالترتيب ‏:‏ الجزء الأول ‏:‏ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ واسمه شَيْبَة ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن قُصَىّ ـ واسمه زيد ـ بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فِهْر ـ وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة ـ بن مالك بن النَّضْر ـ واسمه قيس ـ بن كِنَانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكة ـ واسمه عامـر ـ بن إلياس بن مُضَر بن نِزَار بن مَعَدّ بن عدنان‏.‏

الجزء الثانى ‏:‏ ما فوق عدنان، وعدنان هو ابن أُدَد بن الهَمَيْسَع بن سلامان بن عَوْص بن بوز بن قموال بن أبي بن عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حَمْدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد ابن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار ابن إسماعيل بن إيراهيم عليهما السلام‏.‏

الجزء الثالث ‏:‏ ما فوق إبراهيم عليه السلام، وهو ابن تارَح ـ واسمه آزر ـ بن ناحور بن ساروع ـ أو ساروغ ـ بن رَاعُو بن فَالَخ بن عابر بن شَالَخ بن أرْفَخْشَد بن سام بن نوح عليه السلام بن لامك بن مَتوشَلخَ بن أَخْنُوخ ـ يقال ‏:‏ هو إدريس النبي عليه السلام ـ بن يَرْد بن مَهْلائيل بن قينان بن أنُوش بن شِيث بن آدم ـ عليهما السلام‏.‏
الأسرة النبوية

تعرف أسرته صلى الله عليه وسلم بالأسرة الهاشمية ـ نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف ـ وإذن فلنذكر شيئًا من أحوال هاشم ومن بعده ‏:‏
1 ـ هاشم ‏:‏

قد أسلفنا أن هاشمًا هو الذي تولى السقاية والرفادة من بني عبد مناف حين تصالح بنو عبد مناف وبنو عبد الدار على اقتسام المناصب فيما بينهما، وكان هاشم موسرًا ذا شرف كبير، وهو أول من أطعم الثريد للحجاج بمكة، وكان اسمه عمرو فما سمى هاشمًا إلا لهشمه الخبز، وهو أول من سن الرحلتين لقريش، رحلة الشتاء والصيف، وفيه يقول الشاعر ‏:‏

عمرو الذي هَشَمَ الثريدَ لقومه
قَــومٍ بمـكــة مُسِْنتِيــن عِجَــافِ

سُنَّتْ إليه الرحلتان كلاهـمــا
سَفَرُ الشتاء ورحلة الأصياف

ومن حديثه أنه خرج إلى الشام تاجرًا، فلما قدم المدينة تزوج سلمى بنت عمرو أحد بني عدى بن النجار وأقام عندها، ثم خرج إلى الشام ـ وهي عند أهلها قد حملت بعبد المطلب ـ فمات هاشم بغزة من أرض فلسطين، وولدت امرأته سلمى عبد المطلب سنة 497 م، وسمته شيبة؛ لشيبة كانت في رأسه، وجعلت تربيه في بيت أبيها في يثرب، ولم يشعر به أحد من أسرتـه بمكـة، وكان لهاشم أربعة بنين وهم‏:‏ أسد وأبو صيفي ونضلة وعبد المطلب‏.‏ وخمس بنات وهن‏:‏ الشفاء، وخالدة، وضعيفة، ورقية، وجنة‏.‏
2 ـ عبـد المطلب ‏:‏

قد علمنا مما سبق أن السقاية والرفادة بعد هاشم صارت إلى أخيه المطلب بن عبد مناف ‏[‏وكان شريفًا مطاعًا ذا فضل في قومه، كانت قريش تسميه الفياض لسخائه‏]‏ لما صار شيبة ـ عبد المطلب ـ وصيفًا أو فوق ذلك ابن سبع سنين أو ثماني سنين سمع به المطلب‏.‏ فرحل في طلبه، فلما رآه فاضت عيناه، وضمه، وأردفه على راحلته فامتنع حتى تأذن له أمه، فسألها المطلب أن ترسله معه، فامتنعت، فقال ‏:‏ إنما يمضى إلى ملك أبيه وإلى حرم الله فأذنت له، فقدم به مكة مردفه على بعيره، فقال الناس‏:‏ هذا عبد المطلب، فقال‏:‏ ويحكم، إنما هو ابن أخى هاشم، فأقام عنده حتى ترعرع، ثم إن المطلب هلك بـ ‏[‏دمان‏]‏ من أرض اليمن، فولى بعده عبد المطلب، فأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون لقومهم،وشرف في قومه شرفًا لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم‏.‏

ولما مات المطلب وثب نوفل على أركاح بد المطلب فغصبه إياها، فسأل رجالًا من قريش النصرة على عمه، فقالوا‏:‏ لا ندخل بينك وبين عمك، فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتًا يستنجدهم، فسار خاله أبو سعد بن عدى في ثمانين راكبًا، حتى نزل بالأبطح من مكة، فتلقاه عبد المطلب، فقال‏:‏ المنزل يا خال، فقال‏:‏ لا والله حتى ألقى نوفلًا، ثم أقبل فوقف على نوفل، وهو جالس في الحجر مع مشايخ قريش، فسل أبو سعد سيفه وقال‏:‏ ورب البيت، لئن لم ترد على ابن أختى أركاحه لأمكنن منك هذا السيف، فقال‏:‏ رددتها عليه، فأشهد عليه مشايخ قريش، ثم نزل على عبد المطلب، فأقام عنده ثلاثًا، ثم اعتمر ورجع إلى المدينة‏.‏ فلما جرى ذلك حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم‏.‏ ولما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب قالوا‏:‏ نحن ولدناه كما ولدتموه، فنحن أحق بنصره ـ وذلك أن أم عبد مناف منهم ـ فدخلوا دار الندوة وحالفوا بني هاشم على بني عبد شمس ونوفل، وهذا الحلف هو الذي صار سببًا لفتح مكة كما سيأتى‏.‏
ومن أهم ما وقع لعبد المطلب من أمور البيت شيئان‏:‏
حفر بئر زمزم ووقعة الفيل

وخلاصة الأول‏:‏ أنه أمر في المنام بحفر زمزم ووصف له موضعها، فقام يحفر، فوجد فيه الأشياء التي دفنها الجراهمة حين لجأوا إلى الجلاء، أي السيوف والدروع والغزالين من الذهب، فضرب الأسياف بابًا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين صفائح من ذهب، وأقام سقاية
زمزم للحجاج‏.‏

ولما بدت بئر زمزم نازعت قريش عبد المطلب، وقالوا له ‏:‏ أشركنا‏.‏قال‏:‏ ما أنا بفاعل، هذا أمر خصصت به، فلم يتركوه حتى خرجوا به للمحاكمة إلى كاهنة بني سعد هُذَيْم، وكانت بأشراف الشام، فلما كانوا في الطريق، ونفد الماء سقى الله عبد المطلب مطرًا، م ينزل عليهم قطرة، فعرفوا تخصيص عبد المطلب بزمزم ورجعـوا، وحينئذ نذر عبد المطلب لئن آتاه الله عشرة أبناء، وبلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة‏.‏

وخلاصة الثانى‏:‏ أن أبرهة بن الصباح الحبشى، النائب العام عن النجاشى على اليمن، لما رأي العرب يحجون الكعبة بني كنيسة كبيرة بصنعاء، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، وسمع بذلك رجل من بني كنانة، فدخلها ليلًا فلطخ قبلتها بالعذرة‏.‏ ولما علم أبرهة بذلك ثار غيظه، وسار بجيش عرمرم ـ عدده ستون ألف جندى ـ إلى الكعبة ليهدمها، واختار لنفسه فيلا من أكبر الفيلة، وكان في الجيش 9 فيلة أو 13 فيلا، وواصل سيره حتى بلغ المُغَمَّس، وهناك عبأ جيشه وهيأ فيله، وتهيأ لدخول مكة، فلما كان في وادى مُحَسِّر بين المزدلفة ومنى برك الفيل، ولم يقم ليقدم إلى الكعبة، وكانوا كلما وجهوه إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق يقوم يهرول، وإذا صرفوه إلى الكعبة برك، فبيناهم كذلك إذ أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول‏.‏ وكانت الطير أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر ثلاثة أحجار؛ حجر في منقاره، وحجران في رجليه أمثال الحمص، لا تصيب منهم أحدًا إلا صارت تتقطع أعضاؤه وهلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يموج بعضهم في بعض، فتساقطوا بكل طريق وهلكوا على كل منهل، وأما أبرهة فبعث الله عليه داء تساقطت بسببه أنامله، ولم يصل إلى صنعاء إلا وهو مثل الفرخ، وانصدع صدره عن قلبه ثم هلك‏.‏

وأما قريش فكانوا قد تفرقوا في الشعاب، وتحرزوا في رءوس الجبال خوفًا على أنفسهم من معرة الجيش، فلما نزل بالجيش ما نزل رجعوا إلى بيوتهم آمنين‏.‏

وكانت هذه الوقعة في شهر المحرم قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين يومًا أو بخمسة وخمسين يومًا ـ عند الأكثر ـ وهو يطابق أواخر فبراير أو أوائل مارس سنة 571 م، وكانت تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته؛ لأنّا حين ننظر إلى بيت المقدس نرى أن المشركين من أعداء الله استولوا على هذه القبلة مرتين بينما كان أهلها مسلمين، كما وقع لبُخْتُنَصَّر سنة 587 ق‏.‏م، والرومان سنة 70 م، ولكن لم يتم استيلاء نصارى الحبشة على الكعبة وهم المسلمون إذ ذاك، وأهل الكعبة كانوا مشركين‏.‏

وقد وقعت هذه الوقعة في الظروف التي يبلغ نبؤها إلى معظم المعمورة المتحضرة إذ ذاك‏.‏ فالحبشة كانت لها صلة قوية بالرومان، والفرس لا يزالون لهم بالمرصاد، يترقبون ما نزل بالرومان وحلفائهم؛ ولذلك سرعان ما جاءت الفرس إلى اليمن بعد هذه الوقعة، وهاتان الدولتان كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الوقت‏.‏ فهذه الوقعة لفتت أنظار العالم ودلته على شرف بيت الله، وأنه هو الذي اصطفاه الله للتقديس، فإذن لو قام أحد من أهله بدعوى النبوة كان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة، وكان تفسيرًا للحكمة الخفية التي كانت في نصرة الله للمشركين ضد أهل الإيمان بطريق يفوق عالم الأسباب‏.‏

وكان لعبد المطلب عشرة بنين، وهم‏:‏ الحارث، والزبير، وأبو طالب، وعبد الله، وحمزة، وأبو لهب، والغَيْدَاق، والمُقَوِّم، وضِرَار، والعباس‏.‏ وقيل‏:‏ كانوا أحد عشر، فزادوا ولدًا اسمه‏:‏ قُثَم، وقيل ‏:‏ كانوا ثلاثة عشر، فزادوا‏:‏ عبد الكعبة وحَجْلًا، وقيل‏:‏ إن عبد الكعبة هو المقوم، وحجلا هو الغيداق، ولم يكن من أولاده رجل اسمه قثم، وأما البنات فست وهن ‏:‏ أم الحكيم ـ وهي البيضاء ـ وبَرَّة، وعاتكة، وصفية، وأرْوَى، وأميمة‏.‏
3ـ عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

أمـه فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يَقَظَة بـن مـرة، وكـان عبد الله أحسن أولاد عبد المطلب وأعفهم وأحبهم إليه، وهو الذبيح؛ وذلك أن عبد المطلب لمـا تم أبناؤه عشرة، وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه، فقيل ‏:‏ إنه أقـرع بينهم أيهم ينـحـر ‏؟‏ فطـارت القرعــة على عـبد الله، وكــان أحـب النـاس إليه‏.‏فقال‏:‏اللهم هو أو مائة من الإبل‏.‏ثم أقرع بينه وبين الإبل فطارت القرعة على المائة من الإبل، وقيل‏:‏إنه كتب أسماءهم في القداح،وأعطاها قيم هبل، فضرب القداح فخرج القدح على عبد الله، فأخذه عبد المطلب، وأخذ الشفرة،ثم أقبل به إلى الكعبة ليذبحه،فمنعته قريش،ولاسيما أخواله من بني مخزوم وأخوه أبو طالب‏.‏ فقال عبد المطلب ‏:‏ فكيف أصنع بنذري‏؟‏ فأشاروا عليه أن يأتى عرافة فيستأمرها، فأتاها، فأمرت أن يضرب القداح على عبد الله وعلى عشر من الإبل، فإن خرجت على عبد الله يزيد عشرًا من الإبل حتى يرضى ربه، فإن خرجت على الإبل نحرها، فرجع وأقرع بين عبد الله وبين عشر من الإبل، فوقعت القرعة على عبد الله، فلم يزل يزيد من الإبل عشرًا عشرًا ولا تقع القرعة إلا عليه إلى أن بلغت الإبل مائة فوقعت القرعة عليها، فنحرت ثم تركت، لا يرد عنها إنسان ولا سبع، وكانت الدية في قريش وفي العرب عشرًا من الإبل، فجرت بعد هذه الوقعة مائة من الإبل، وأقرها الإسلام، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏أنا ابن الذبيحين‏]‏ يعنى إسماعيل، وأباه عبد الله‏.‏

واختار عبد المطلب لولده عبد الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهي يومئذ تعد أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وأبوها سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا، فزوجه بها، فبني بها عبد الله في مكة، وبعد قليل أرسله عبد المطلب إلى المدينة يمتار لهم تمرًا، فمات بها، وقيل ‏:‏ بل خرج تاجرًا إلى الشام، فأقبل في عير قريش، فنزل بالمدينة وهو مريض فتوفي بها، ودفن في دار النابغة الجعدى، وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه يقول أكثر المؤرخين، وقيل ‏:‏ بل توفي بعد مولده بشهرين أو أكثر‏.‏ ولما بلغ نعيه إلى مكة رثته آمنة بأروع المراثى، قالت ‏:‏

عَفَا جانبُ البطحاءِ من ابن هاشم
وجاور لَحْدًا خارجـًا في الغَـمَاغِـــم

دَعَتْـه المنــايا دعــوة فأجـابـــهـا
وما تركتْ في الناس مثل ابن هاشـم

عشيـة راحـوا يحملــون سريـره
تَعَاوَرَهُ أصـحـابــه في التزاحــــم

فإن تـك غـالتـه المنـايا ورَيْبَهـــا
فقـد كـان مِعْطــاءً كـثير التراحم

وجميع ما خلفه عبد الله خمسة أجمال، وقطعة غنم، وجارية حبشية اسمها بركة وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنـة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
المولد وأربعون عامًا قبل النبوة
المولـــد

ولـد سيـد المرسلـين صلى الله عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الاثنين التاسع مـن شـهر ربيـع الأول، لأول عـام مـن حادثـة الفيـل، ولأربعـين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك عشرين أو اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان ـ المنصورفورى ـ رحمه اللـه‏.‏

وروى ابــن سعــد أن أم رســول الله صلى الله عليه وسلم قالــت ‏:‏ لمــا ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت لـه قصـور الشام‏.‏ وروى أحمد والدارمى وغيرهمـا قريبـًا مـن ذلك‏.‏

وقد روى أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبرى والبيهقى وغيرهما‏.‏ وليس له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم مع قوة دواعى التسجيل‏.‏

ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده،فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له‏.‏ واختار له اسم محمد ـ وهذا الاسم لم يكن معروفًا في العرب ـ وخَتَنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون‏.‏

وأول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صلى الله عليه وسلم بأسبوع ـ ثُوَيْبَة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له‏:‏ مَسْرُوح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي‏.‏
في بني سعد

وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم ابتعادًا لهم عن أمراض الحواضر؛ ولتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربى في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم المراضع، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث، وزوجها الحارث ابن عبد العزى المكنى بأبي كبشة من نفس القبيلة‏.‏

وإخوته صلى الله عليه وسلم هناك من الرضاعة ‏:‏ عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو جذامة بنت الحارث ‏[‏وهي الشيماء؛ لقب غلب على اسمها‏]‏ وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمه حمزة بن عبد المطلب مسترضعًا في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا وهو عند أمه حليمة،فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية‏.‏

ورأت حليمة من بركته صلى الله عليه وسلم ما قضت منه العجب، ولنتركها تروى ذلك مفصلًا ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ كانت حليمة تحدث ‏:‏ أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء‏.‏ قالت ‏:‏ وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا، قالت ‏:‏ فخرجت على أتان لى قمراء، ومعنا شارف لنا، والله ما تَبِضّ ُبقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أذَمَّتْ بالركب حتى شق ذلك عليهم، ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها‏:‏ إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول‏:‏ يتيم‏!‏ وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيرى، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى‏:‏ والله، إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه‏.‏ قال ‏:‏ لا عليك أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة‏.‏ قالت‏:‏ فذهبت إليه وأخذته،وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره، قالت‏:‏ فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته في حجرى أقبل عليه ثديأي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت‏:‏ يقول صاحبى حين أصبحنا‏:‏ تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت‏:‏ فقلت‏:‏ والله إنى لأرجو ذلك‏.‏ قالت‏:‏ ثم خرجنا وركبت أنا أتانى، وحملته عليها معى، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شىء من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لى‏:‏ يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك‏!‏ أرْبِعى علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها‏؟‏ فأقول لهن‏:‏ بلى والله، إنها لهي هي، فيقلن‏:‏ والله إن لها شأنًا، قالت‏:‏ ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح علىَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لُبَّنـًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم‏:‏ ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعًا لبنًا‏.‏ فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا‏.‏ قالت‏:‏ فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها‏:‏ لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت‏:‏ فلم نزل بها حتى ردته معنا‏.‏

وهذا ألموضوع الثري يتحدث عن ألعرب واقوامها وهوا يتحدث عن تاريخ وأخبار ألأمه على مر العصور فأحسن ما قرأت كتاب إسمه من كتاب الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري المتوفى سنة 282هـ 895 م وهذا ألكتاب هو واحد من أهم مؤلفات أبي حنيفة الدينوري ،وقد أصل هذا الكتاب وضاع عبر القرون أكثر من مرة ،شأنه في ذلك شأن كثير من الكتب التي ضاعت أصولها ثم عثرعليها ، وكتاب ألأخبارألطوال فيه ذكر ملوك ألأرض من لدن أدم - عليه السلام إلى إنقضاء ملك يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز إلى آخر ايام المعتصم ولاادري هل اطلعت عليه أم لأ . ونقلت منه ( عن مولد ألرسول - صلى ألله عليه وسلم بقصد ألمشاركه فقط - يقول وولد رسول ألله - صلى الله عليه وسلم في آخر ملك أنوشروان ، فاقام بمكة إلى أن بعث بعد أربعين سنة ، منها سبع سنين بقيت من ملك أنوشروان ، وتسع عشرة سنة ملكها هرمز بن كسرة أنوشروان ، وبعث وقد مضى من ملك كسرى أبرويز ست عشرة سنة ،فأقام بمكة في نوبته - صلى ألله عليه وسلم وعلى عترته _ثلاثة عشرة سنة ، وهاجر إلى المدينة ،وقد مضى من ملك أبرويز تسع وعشرون سنة ،فأقام بالمدينة عشر سنين ، وتوفي - صلى ألله عليه وسلم وعلى آله وسلم تسليما - بعد موت كسرى أبرويز فكان عمره - صلى ألله عليه وسلم - ثلاثا وستين سنة - منقول بتصرف وانتم سالمون وغانمون والسلام















آخر تعديل سبيع بن عامر يوم 30-Sep-2007 في 07:19 PM.
رد مع اقتباس
غير مقروء 30-Sep-2007, 07:58 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
نواف العصيمي
مشرف عــام

الصورة الرمزية نواف العصيمي

إحصائية العضو






التوقيت


نواف العصيمي غير متواجد حالياً

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى نواف العصيمي
افتراضي


لاهنت ولاهان نقلك الرائع

موضوع لم أنتهي منه لكن رائع من أول نظره

..
دام إبداعك وتميزك

ولك التقدير والإحترام

..















التوقيع
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
رد مع اقتباس
غير مقروء 30-Sep-2007, 08:36 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
سبيع بن عامر
عضو فعال
إحصائية العضو





التوقيت


سبيع بن عامر غير متواجد حالياً

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نواف العصيمي مشاهدة المشاركة

لاهنت ولاهان نقلك الرائع

موضوع لم أنتهي منه لكن رائع من أول نظره

..
دام إبداعك وتميزك

ولك التقدير والإحترام

..
اخي الكريم نواف العصيمي بعد السلام شكرا لمرورك الكريم ومن قال ماهان والديم الله وتقبل شكري واحترامي مع اطيب الامنيات والسلام















رد مع اقتباس
غير مقروء 30-Sep-2007, 08:40 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الجوراسي
عضو مميــز

الصورة الرمزية الجوراسي

التميز 
إحصائية العضو






التوقيت


الجوراسي غير متواجد حالياً

افتراضي

لا هنت على هذه الكتب القيمة


التي تنقها بين الفينة والاخرى لمنتدانا


وفعلا تتغنى الباحث عناء البحث عنها في المكتبات















رد مع اقتباس
غير مقروء 30-Sep-2007, 09:26 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ضنا ال شايب
موقوف لمخالفة الأنظمة
إحصائية العضو





التوقيت


ضنا ال شايب غير متواجد حالياً

افتراضي

الله لايهينك يالعصيمي
انت ذكرت ان اسماعيل تزوج من جرهم الثانيه وهذا غير صحيح

اسماعيل تزوج من جرهم البائده وهم من العرب البائده وليسو من العرب العاربه

تحياتي















رد مع اقتباس
غير مقروء 02-Oct-2007, 12:56 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
سبيع بن عامر
عضو فعال
إحصائية العضو





التوقيت


سبيع بن عامر غير متواجد حالياً

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجوراسي مشاهدة المشاركة
لا هنت على هذه الكتب القيمة


التي تنقها بين الفينة والاخرى لمنتدانا


وفعلا تتغنى الباحث عناء البحث عنها في المكتبات
الجوارسي شكرا لمرورك الكريم ومن قال ماهان وانت سالم والسلام















رد مع اقتباس
غير مقروء 04-Oct-2007, 12:46 AM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
سبيع بن عامر
عضو فعال
إحصائية العضو





التوقيت


سبيع بن عامر غير متواجد حالياً

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضنا ال شايب مشاهدة المشاركة
الله لايهينك يالعصيمي
انت ذكرت ان اسماعيل تزوج من جرهم الثانيه وهذا غير صحيح

اسماعيل تزوج من جرهم البائده وهم من العرب البائده وليسو من العرب العاربه

تحياتي
[B][size=4][align=center]ضنا ال شايب بعد السلام السبيعي ماهو بعصيمي من غير قصور باخواننا العصمة والعرب العاربة هم بني اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام ولاتقول غير صحيح حتى تتاكد من الصحيح واليك ماكتبه ابناء ابيك في منتداهم
................................................















رد مع اقتباس
غير مقروء 04-Oct-2007, 09:24 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
سبيع بن عامر
عضو فعال
إحصائية العضو





التوقيت


سبيع بن عامر غير متواجد حالياً

افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

خير الشهادة ماشهدت به الاعداء

نسب العرب (قحطان وعدنان) والعبريين والآراميين

ان المستشرقين قد تاهوا في تحديد المعنى الدقيق والصلة الوثيقة بين الاديان والشعوب ، ولم يفطنوا الى ان التعابير والتسميات للبشر كانت تتعلق بدورهم ونتقلاتهم ، منها كلمة (عبري) التي اطلقت على العرب الذين عبروا من الجزيرة العربية الى افريقيا .

(( يقول الدكتور ويلفنسون : ان بين كلمتي عربي وعبري ارتباط لغوي متين فهما مشتقتان من مصدر ثلاثي واحد هو ( عبر ) بمعنى قطع او اجتاز وهذا الفعل تبدال فاصبح ( عرب ) ، وفي اللغة العربية نفسها كثير من الكلمات المترادفة الدالة على معنى واحد وليس بينها اختلاف الا بترتيب الاحرف مثل يئس وايس ، ويقول ان الفعلين عبر وعرب يؤديان معنى واحد ويدلان على حياة البداوة الصحراوية التي لا تستقر في مكان بل ترحل من بقعة الى بقعة اخرى بإبلها وماشيتها للبحث عن الماء والمرعى ))-(1)

وكلمة عبر تفيد في اللغة العربية التنقل والرحيل من مكان الى مكان ان التاريخ الحديث يؤكد العلاقة بين اللفظتين لكن المهم في طرح هكذا موضوع هو بحثه مفصلا ، خاصة بعد ان قمت بمقارنة كلمة ( ارام - التي اصلها اراب )، في سياق هذه المقارنة بحيث يتبين بشكل واضح ان هذه الشعوب التاريخية الثلاثة شعب واحد ( وهم سكان جزيرة العرب و البلاد المحيطة بها ) وتم لنا فهم الغموض الذي اكتنف استعمال هذه الكلمات في التوراة ، فتارة يكون ابراهيم عبري ، وتارة يكون آرامي ( اربي=عربي). وهذه المقارنة تجعل الارامي هو نفسه العربي وهو نفسه العبري بعد انتقاله الى عبر البحر ، مهما حاول المؤرخون الفصل بينهم .

يختلف عدد من العلماء في اسبقيت كل من هذه الشعوب ، ويعزون هذا الى ان الكتاب المقدس تارة يكون ارامي وتارة يكون عبري ( فابراهيم هو ارامي او عبري ) و موسى عبري .

الشعوب السامية في الاصل شعب واحد: أّذا من الحقائق التاريخية المقررة ان هذه الشعوب الثلاثة العرب و العبرييين و الاراميين في الاصل شعبا واحدا تاريخا ولغة ، فالتاريخ يقوال ان ابراهيم كان اراميا جنسا ولغة ووطنا ، وان العبرانيين كانوا احفاده ، اما العرب العدنانيين ( بالمفهوم الحديث ) فهم من ذرية اسماعيل بن ابراهيم ( اي انهم ايضا احفاده ) اما العرب القحطانيين فينسبون الى عابر الذي انقسم احفاده الى فصيلتين اقامت الاولى في ( اور كلدن ، حسب تقسيم المؤرخين التوراتيين ) وارتحلت الثانية الى بلاد العرب وهم بنو يقطان ( يقطن ، الفعل المضارع من معنى قطن -سكن ) -( او بنو قحطان ، حسب المؤرخين العرب ، من لفظ قحط ) . مهما كان من امر فان جميع المؤرخين يدورون حول نفس النقطة ، منهم الدكتور اوليري الذي يقول (( الاراميون فرع من العرب ))، وعلى ضوء هذا التحليل التاريخي يمكننا ان نؤكد ان الشعوب الثلاثة شعب واحد في الاصل انقسموا جغرافيا في مرحلة تاريخية معينة ، فسكن الاراميون في الشمال من مكة ( ام القرى ) والعرب في الجنوب منها والعبريين في الغرب منها في عبر البحر الاحمر( في ارتريا واثيوبيا ) .

إن المقارنة اللفظية بين ( أرام ) و ( أرمن – ارمينيا ) تجعلنا نقول هذا ايضا عن الشعب الارمني ( المعروف بانه من اقدم الشعوب الهندية الاوروبية ) فنحول بالابدال اللفظي الميم الى باء ( ارمن =اربن - عربا ، بالتنوين )، فتكون بذلك اقدم شعوب الهندية الاوروبية المتفق على قدمها ، قد رحلت الى ارمينيا كقبيلة عربية ، و انها سكنت في العربية قبل رحيلها وكان آدم اول من انطقه الله بالعربية ( وعلمه الاسماء ) فانتشرت هذه الاسماء العربية في ارام و ارمينيا على حد سواء . لذلك فان ( اراب ) أو عرب وارمن ( اربان - عرباً ) هم في الاصل شعب واحد ايضا ، مما يجعل جميع الشعوب التي استوطنت بلاد ارمينيا و فارس و افغان ستان و باك ستان وصولا الى كل بلاد الشرق من اصل واحد ، و لا بد لنا من الذكر أن الفرزيين الذين ورد ذكرهم في التوراة هم الفارسيين ، و العمونيين هم العمانيين ، أما اليبوسيين فهم بني قحطان ( من مصدر يباس القحط ) ، وهم الذين أعطوا اسمهم الى يبوس ( اثيوبيا ) عند ارتحالهم اليها – لذلك نرى أن تاريخ العرب يجعل من القحطانيين سكان اليمن و اثيوبيا على حد سواء .

اللغة الارامية :

يعتقد كثيرون ان اللغة الارامية هي اللغة التي تكلم بها المسيح عليه السلام ، ويحتسبون ذلك على ااساس ان هذه اللغة هي التي كانت تنتشر في طول هذه البلاد وعرضها منذ القرن الثامن قبل الميلاد والتي استمرت بعد ميلاد المسيح بمئتي عام على الاقل ، وتقول كتب التاريخ ان هذه اللغة انتشرت من الهند الى مصر يتمثل ذلك في الشبه بلفظ الكلمات بين الهيراطيه والهيروغليفية واليونانية مقارنة مع الارامية ( ونحن نعتقد انها وصلت الى فرنسا مرورا بالمغرب العرب واسبانيا ) (( في نحو عام 500 ق.م. اصبحت الارامية التي كانت لغة تجارة لاحدى الجماعات السورية ليس فقط اللغة العامة للتجارة والحضارة والحكومة في بلاد الهلال الخصيب كلها بل اللغة التي يستعملها سكان تلك البلاد في كلامهم .... وقبل ان يسمى الاراميين بهذا الاسم كانوا قبائل رحل في بادية شمالي الجزيرة العربية))-(2) ان اسم الاراميين لا تستقيم قراءته بشكل صحيح الا اذا استعملنا الابدال اللفظي بين الباء والميم الذي كان حاصلا عند احد الشعوب الشقيقة للاراميين في ذلك الزمن وهم ( الاشوريين ) فيصبح اسمهم ( الارابيين ) ، في عام 1100 ق. م. اكتسبت هذه القبائل اسمها من التسمية التي اطلقها عليها تغلات فيلاسر حيث ذكرهم هو وحلفاؤه في حملاته في منطقة اسماها ( مات اريمي )، مما جعل المؤرخين يطلقون عليها اسم بلاد الاراميين الاصلية، وبالابدال تصبح ( بات اريبي ) وهو ما معناه بلغة اهل البلاد ( بيت العرب- بيت عريبي) ولقد وصفهم تغلات فيلاسر بقوله (( لقد زحفت الى وسط ( الاكلامي الاراميين )اعداء الاله (اشور) سيدي ))- واللفظ الصحيح لهذه الكلمات هو ( الاكلابي الارابيين- و هم العرب من بني كلاب ) وهذا يعطينا فكرة واضحة ان الاختلاف بين الاشوريين و الاراميين لم يكن في اللغة بل في الاعتقاد والدين ، حيث ان الاراميين ( ومنهم المسيح ) كانوا دائما في حرب مستمرة مع الوثنيين الذين يسكنون في طول البلاد وعرضها و يبدو ان الاشوريين كانوا من هؤلاء الوثنيين ، وعبارة ( مات اريمي ) التي وردت في حولياته قد يفهم منها ان الاشوريين هاجموا ( البيت الحرام ) اذا فهمناها على اساس ( بيت حريمي ) علما ان لفظ ( بيت حريبي ) يفيد المعنى من مصدر ( محراب وحوريب التي هي محرام وحوريم ومعناها جميعها المقدس ).

لقد انتشرت لفظة ارام في هذا القرن على ايدي المستشرقين الذين وجدوا في عمق التاريخ مناطق عديدة تنسب الى ارام مثل -ارام النهرين وارام دمشق وغيرها ، لكننا لا نستطيع ان نفهم هذا العدد الكبير من المدن والقرى الارامية الا اذا قمنا بقارنة ذلك على الشعوب العربية في القرن العشرين حيث يوجد الاف القرى التي تنسب الى جماعات القبائل العربية القاطنة فيها مثل - عرب اللقلوق وعرب شكا وعرب وادي خالد وعرب الدنادشة ...الخ . وندرك بعدها ان هذه التسمية كانت تطلق على القبائل الارامية ( العربية ) التي كانت تقطن هذه المدن للتفريق بينها وبين القبائل التي استقرت في هذه المدن منذ زمن اطول لتشكل منها السكان الاصليين للمدن فتفرق بينهم وبين السكان المرتحلون اليها حديثا . يذكر التوراة ان العبريين ايضا هم من اصول ارامية حيث يقول عن ابراهيم ( آراميا تائها كان ابي فتغرب في مصر واصبح امة كبيرة) ، والتوراة مليئة بالقصص عن ابوة الاراميين لكل العبريين ، وبالتالي فان عروبة اسماعيل و ( اراميته ارابيته ) تعود الى ابيه ابراهيم . وهذا يطابق الواقع حيث ان ابراهيم واولا ده اسماعيل واسحق سكنوا في ( بيت الله الحرام ) لمدة غير معروفة من الزمن يتبين لنا الان ان الاراميين احتفظوا بلهجتهم زمنا طويلا جدا جدا يمتد الى عصرنا الحاضر في اللغة العربية ( بلهجة قريش ) وهذا يجعل التاريخ الديني مطابقا للتاريخ العلمي ولا يبقى في انبياء الله شك الا عند كل مستكبر عنيد . ان انتشار اللغة الارامية في الالف الثانية قبل الميلاد وفي اللالف الاولى قبله وعند ميلاد المسيح ثم ان انتشار العربية بعد الاسلام امر واحد لا ينفصل يتمثل في تلك النفحات الالهية والنبوة المتجددة .

انتشار الارامية
لقد وصلت اللغة الاارامية كما يقول المؤرخون الى الهند و ارمينيا ، وهذا الامر نراه بشكل جديد وواضح في اسماء ارامية وعربية موجودة في الهند مثل اسم ( بيرام ) ، وهذا الاسم الهندي هو صيغة محرفة لـ ( ابراهيم ) حيث يمكننا ن نرده الى ( بي راحم ) ابو الارحام الذي هو ابراهيم خليل الله ، وديانة الهند ايضا كما نعلم ليست سوى اقتباس اما للدين الابراهيمي الحنيف اوللمسيحية ، وناخذ طائفة تسمى ( السيخ ) وهي صيغة محرفة لكلمة ( النسيخ ) وهي تتمثل في عقيدة التناسخ ، وكهنة هذه الديانة يسمونهم (الخلسا ) وهي من مصدر كلمة ( الخلصاء ) العربية وهم يمثلون الصورة الحقيقية للمؤمنين (( حيث تمتزج الواجبات الدينية والاجتماعية بالسياسة ايضا في نظام واحد هو نظام - الخلسا )) -تسمى معابد السيخ (( جور دوارا )) ومعنناها الادوار المجاورة حيث يلتقي الخلسا بالسيخ وهم عامة الشعب حيث يقوموا بقراءة كتبهم المقدسة ،(3) ويلفت نظرنا ايضا اسم ذلك النهر ( يا مونا ) الذي احرقت جثة غاندي عند ضفته ، وهذا تعبير عربي صرف لكلمة بحرنا ( يمنا ) ، ناهيك ان هذا التعبير موجود في بحيرات وانهار وبرك وبحار في كل البلاد العربية بدا من اليمن ( يما - بالتنوين ) في اقصى الجنوب وصولا الى بركة اليمونة في لبنان الشام ( الشمال) على الساحل السوري. ان المسافة بين الهند وسوريا والجزيرة العربية واليمن ، ثم المسافة بين كل شعوب الارض تختصرها تلك اللغة المقدسة ( الارامية- الاربية - العربية ) لقد لفظ غادي كلمة اخيرة قبل موته هي ( اي رام ) يعتبرها الهنود نداء الى الله ، ويطابق لفظها لفظ اجداد غاندي من الاراميين العرب بعد الابدال الجائز في اللغات السامية بين الميم و الباء لتصبح ( اي راب ) ومعناها ( يا رب ).

يقول الاب اسحق سكا في معنى التسميات للشعوب السامية وفي تاكيد رايه ان الاراميون هم السريان (( ضبط اللفظ : الاراميون السريانيون قبائل سامية شمالية ترتقي في نسبها الى ارام واشور ابني سام بن نوح ))-(4) ويقول (( ان لفظ ارام بالعبرية معناه ( المرتفع) و كان الااراميون مثل العرب يتالفون من قبائل ))- لقد سلط الاب سكا الضوء في هذه المقولة على كلمة ( مرتفع ) مما جعلنا نستدرك اصلها في كلمة ( رابية = رامية - رامة ) وفي هذا الابدال تنتقل الكلمة العبرية الى العربية ، وفي العلاقة بين كلمة ( سام ) و( مرتفع ) و بين كلمة إسراء و بين رام و رب التي تعني العالي ايضا . (( لقد اثبت ابن حزم ان العربية والسريانية والعبرية كانت في قديم الزمان لغة واحدة ، وعن طريق الهجرة تفرق الشعب السامي في بلاد شتى ، وبتاثير البيئة كانت لغة كل قبيلة تتعرض للتغيير الا انها بقيت متقاربة لفظا ومعنى فالعربي والعبراني والارامي كانوا يتفاهمون بدون واسطة ولا ترجمان بما يشبه حال ( اللهجات ) العربية العامية المنسوبة الى الفصحى في عصرنا الحاضر)) (5)

الحاميون الشرقيون - العرب الذين استوطنوا وادي النيل (6) يقول جرجي زيدان في كتابه ( طبقات الامم والسلائل البشرية ) الصادر عن دار التراث بيروت وهو يصف بعض الاجناس البشرية (( الحاميون الشرقيون هم المصريين القدماء وبقاياهم الاقباط . والبجة بين النيل والبحر الاحمر والدناقيل بين الحبشة وخليج عدن والصومال والغالا والماساي والواهوما او وهيمة المنبثون بين البانتو حول خط الاستواء ))- ص 225 ويقول ان كل هذه الشعوب هي من الجنس القوقازي الذي ينتشر في غرب اسيا وشرق افريقيا واوروبا ، و هذا ما يؤكد ان الاراميين اجداد هؤلاء الشعوب هم الجنس القوقازي نفسه ، بل مما يؤكد ايضا نسبهم جميعهم الى آدم .

(( اما البجة ومنهم الهدندوة والبشارون والاشراف والعبابدة وغيرهم فيقال انهم قدماء قد سماهم هيرودوتس ماكروبي ( مك- ربي ) لاحظ الشبه في التسمية يبن مكارب في اليمن الذين يصح ان نقول عنهم ان اصلهم من مكة او ( المقربين- وما كان يطلق على اهل مكة في العصور القديمة - مكروبي ) ، مما يدل ان هيرودوتس كان دقيقا في نقله للاخبار حين قال (( والمكروبي هم بدو رحل يطوفون الجبال ويحرسون القوافل او يقطعون السابلة من قديم الزمان....ملامحهم اوروبية لونهم برونزي بلون الشوكولاته الفاتح شعورهم جعدة طويلة يقضون ساعات في تصفيفها ))-ص 226- وهذا اللون البرونزي هو الذي ادرج عليهم وعلى جيرانهم في حوض البحر الاحمر اسم ( الحمر ) او ( الاموريين ) ، ومنها حمير و قان ( قانن ) وقينان وكنان ( كنعان ) وكينيا وبونيقي ( بوني ) او فونيقي او فينيقي في عصر مجاورتهم لليونان . (( والدناقيل ( لاحظ الشبه بينها وبين ادنى او داني بمعنى المنخفض ) ...يقيمون بين البجة والصومال والغالا في الجنوب وكلاهما من الجنس القوقازي اللطيف ولعل بعض ملامح هذه الامة الحامية قد خالطها من الدم العربي او الزنجي ....الانف مستقيم اعقف قليلا الجبهة مستديرة والعيون كبيرة نوعا ما مع غور قليل وهم قوقاسيون رغم سواد بشرتهم ))..(( والغالا اكثر عددا من سائر الشعوب الحامية الان ويعدهم اهل البحث ارقى عقلا وادبا من الصوماليين والدناقيل ( صمويل ودان ) ونسب اليهم بعض الباحثين دينا توحيديا تخالطه الخرافات ))....(( وقد انتشر الاسلام والنصرانية بينهم تغشاها خرافات الارواح والميثولوجيا وعبادة الاشجار والحيوانات والارواح )) - ص 227 (( وكذلك الماساي ( قد يكون اسمهم نسبة الى موسى ) لكن عبادتهم ارقى قليلا وهم بدو يتنقلون في الجبال المنبسطة بين بحيرة فكتوريا نيانزا ووادي ( وهاد ) الرفت العظيم يخالط معتقداتهم اسماء بعض اباء التوراة ، كقايين وهابيل وابراهيم )) - ص 227 (( المصريون القدماء قوقاسيون اسسوا في وادي النيل اقدم تمدن... والاقباط خلفاء المصريين وقد تعربوا بعد الاسلام ( كما يقول) واحتفظوا بنصرانيتهم على مذهب الطبيعة الواحدة ( بل يمكننا ان نقول اليوم بعد ابحاث الباحثين في العصر الحديث انهم كانوا وما زالوا عربا مع بعض العجمة في لغتهم وما زالوا في مكانهم مع احتفاظهم بنصرانيتهم وطقوسهم حيث ان المسلمين لم يجبروهم على تغيير اي شيء من معتقداتهم ) ........)) -ص 225 ان لباس وازياء سكان الصعيد المصري والسودان وقسم من ارتريا والحبشة انما تذكرنا بموسى عليه السلام وعصاه وتجعلنا نعتبرهم من اولاد ابراهيم ( الارامي ) ومن العرب ( الارام -الاراب ) الذين تغربوا في مصر كما تذكرنا بقول التوراة عن ابراهيم عليه السلام مرة جديدة (( اراميا تائها كان ابي فتغرب في مصر واصبح ا مة كبيرة)) .

ان بعض العلماء يعتبر اهل المغرب العربي امتدادا لانتشار اهل الجزيرة واليمن في شمال افريقيا وقسمها الشرقي وهذ يفسر العلاقة المستمرة بين الحضارة الفينيقية التي انتشرت في شرق المتوسط وشمال افريقيا والاندلس ، كما يؤمن البعض ان الاراميين انتشروا من الهند الى غرب اوروبة وهذا ايضا يجعل نقطة الانتشار لكل الشعوب ( العربية = الارابية = الارامية) من الجزيرة العربية ويجعل امتدادها الى كل اوروبا وشمال افريقيا وايران والهند وتركستان ، كما يجعل كل هذه الشعوب بما لها من ملامح مختلطة تلك التي اطلق عليها العلماء اسم ( الجنس القوقازي ) وهو الذي يسميه الرسول الكريم ( الاحمر أو الابيض ) فمن هذا النوع الانساني يشتد سواد الذين سكنوا في حر الشمس ( والحميم ) ليطلق عليهم اسم ابناء ( حام ) ، ومنهم ايضا يشتد بياض الذين سكنوا في ظل الشمس بعد هجرتهم من الجزيرة العربية الى القطب الشمالي و سكنهم لفترة من الزمن غير محدودة ( في القطب الشمالي ) حيث اطلق عليهم اسم ابناء يافث ( وهي من مصدر هافت او خافت للدلالة على العرق الاصفر ، فصغر حجم عيونهم و تغير لون بشرتهم ) ثم عادوا واستوطنوا شرق اسيا فاختلط اللون الاصفر الذي اكتسبوه بعدم تعرضهم للشمس خلال فترة سكنهم عند القطب بلون لفحة الشمس الذي اكتسبوه بعد هجرتهم الى المناطق الدافئة. من هنا يمكننا التوصل الى تفسير علمي دقيق لما جاءت به الكتب المقدسة ولما اورثتنا اياه الانبياء والعلماء من تقسيم لابناء نوح ( ابو البشر الثاني ) سام ، حام ، يافث .

من هنا ايضا نفهم ان اسم سام الذي يعني ( شام ) او الشمال وهو عكس ( يمن ) التي تعني الجنوب ولا ندري اي المعنى اسبق اهو معنى ( يماً - يممن بالتنوين لمعنى البحر ) ام هو معنى الجنوب خاصة وان سكان اليمن وعمان ( عوما-بالتنوين ايضا من عام يعوم ) هم ( شعوب وسط البحر) مما يطابق اسمهم على الصفة التي كانت تطلق عليهم قديما شعوب وسط البحر لان بلادهم تقع في شبه جزيرة العرب التي يحيطها البحر من جوانبها ، وبالتالي فان كلمة سام ( شام ) قد تكون معنى جديد و حديث ايضا لما يسمى الشمال نظرا لوجود ابناء سام في المنطقة الشمالية من الجزيرة العربية وبالنسبة لاخوه حام .

واذا حللنا تاريخ الشرق القديم وقارناه مع قصص العرب القدماء وجدنا الاراميون هم العرب العاربة ( المرتحلة لرعي الماشية ) واليقطانيين و القحطانيين و الفينيقيون ( الكنعانيون ) هم العرب المستعربة ( الذين ارتحلوا بسبب القحط ) ، كما ان ارام ويقطان في الكتاب المقدس يمثلان مجتمعي البدو والحضر فارام هو التسمية للناس المتنقلون - ويقطان هو تسمية للقاطنين المستقرين في القرى ، كما ان ( قنعان ) هو من المستقرين القانعين في بلادهم و مدنهم ، فالاراميون ( الارابيون- العرب ) المتنقلون مع مواشيهم في طول البلاد وعرضها عبر الجزيرة العربية الى سوريا وصولا الى ايران ( البختياريون ) وعرب بخارى في وسط اسيا في الشمال ووصولا الى ارمينيا و من جهة اخرى وصولا الى ارتريا ومصر والسودان والحبشة و كينيا عبر بوابة وادي الرفت العظيم في الجنوب . اما يقطان فكان يمثل كل القاطنين في القرى والمدن من الذين تخلوا عن الترحال والتجول واعتمدوا صيد البحر والبر والتجارة . وكما ان عدنان هم سكان المنطقة العدنانية ( الخضرة ) من المقيمين فيها للزراعة والمتجولين سعيا وراء الخضرة للرعي، فان قحطان يمثل اولئك الذين يقطنون في القرى التي تقع على حدود القحط والتي تعيش في اغلب اوقاتها على الصيد ( البري والبحري) . بالتالي فان ابناء سام وابناء حام اقوام عديدة منهم العدناني ومنهم القحطاني ومنهم القنعاني ومنهم اليقطاني وجميعهم في الاصل هم الاراميون ( الارابيون ) المتنقلون في اول عهدهم قبل الاستقرار .

عرب البادية :

وعرب البادية كما يسمونهم الناس هم عرب ( البادئة ) او التي كانت في البدء والاوائل ، أما بالنظر الى قحطان وعدنان هناك مفارقة لا بد من ذكرها ان هذه التسمية تطلق على عرب الشمال وعرب الجنوب بالتوالي وهذا مطابق للواقع تقول كتب التاريخ عنهم (( تنسب القبائل العدنانية الى عدنان المتحدر من اسماعيل بن ابراهيم الخليل )) وهذا التحديد يجعل سكان الواحات والخضرة ( العدنانيين ) ينتسبون الى اسماعيل والحقيقة انهم ينتسبون جغرافيا هم واسماعيل الى ( عدنان ، بمعنى الخضرة ) حيث ان سكنهم في المنطقة المخضرة من البلاد وهم يمثلون تلك القبائل التي كلنت تتجول في المنطقة الممتدة من مشارف الشام الى اليمن مرورا بتهامة و الحجاز وايضا في مصر والسودان وارتريا حيث ان ابناء اسماعيل ايضا في التاريخ ينتمون الى مصر مما يجعل لقب العدنانية نسبة الى خصوبة المرعى اكثر مما هو الى نسب الى رجل معين . ان كلمة ادونيس ( ادوني ) التي اخذت لقب السيد في بعض الحقبات التاريخية المظلمة من التاريخ في العصر اليهودي لا تبعد عن ذلك التحديد الذي جعل من العدنانيين اسيادا وجعل من سواهم عبيدا ، واستمر في كثير من الحقبات كالقول (( من عتق كذا من ولد اسماعيل )) وكأن اسماعيل عبدا مملوكا وليس نبيا رسولا ، مما جعلني اقول ان هذا القول قول مقحم في تاريخ الاسلام مشكوكا بصحته او لا اساس له من الصحة الا بعض الموروثات من عصبية اليهود في محاولة لتاكيد ان اسماعيل وابناءه ( العرب) انما هم من العبيد الذين لا تحق لهم السيادة على الناس . اما في الكتاب المقدس فهناك مايؤكد ان كلمة عدنان ( واصلها عدناً او عدن بالتنوين ) فيقول (( ان الله خلق ادم وحواء ووضعهما في عدن ( عدنا - عدن بالتنوين ) الواقعة في المشرق والتي يسقيها نهر يتفرع منه اربعة انهر هي فيشون وجيحون وحداقل والفرات )) و عدن معناها تماماً الجنة و المكان الاخضر من الارض وقد حقق كمال سليمان الصليبي هذا المكان في كتابه ( التوراة جاءت من جزيرة العرب ) شرق مكة في موقع قرب الطائف يسمى الجنينة ، وقد ذكر الكتاب المقدس جنة ( عدن شرق) لان هناك منطقة ( عدن غرب ) في مصر والسودان وارتريا وكان الفاصل بينها بحر العبور التاريخي البحر الاحمر.

نسب العرب :

ينسب المؤرخين العرب في اخبارهم و في العصر الحديث الى يعرب بن قحطان ، كما يؤكدون انه جد العرب اليمنيين القحطانيون ويسمونهم المتعربة ، اي الذين اقتبسوا اللغة العربية من العرب البائدة ( واصلها الصحيح البادئة ). وهذا التعريف لا يخلو من التسهيل والتبسيط لتلك العلاقة بين اهل اليمن وباقي بلاد العرب ، كونهم ( اي اهل اليمن ) يسكنون على حدود القحط ، حضرموت -( حضر -موت ، سكان الموت ) او ( سكان القحط) . والتاريخ يقول إن يعرب هو اول ملوك الدولة القحطانية التي استوطنت اليمن وحضرومت وامتد ملكها الى كل الجزيرة العربية ، وان يعرباً قسم البلاد على اخوته العشرة ، فكانت الحجاز من نصيب ( جرهم ) والشحر من نصيب ( عاد بن قحطان ) وجبال الشحر من نصيب ( حضر موت بن قحطان ) وعمان من نصيب (عمان بن قحطان ) ، وهذه التسميات تدل انها من وضع المؤرخين عبر العصور القديمة لتسهيل التعريف بين المناطق الجغرافية لمملكة يعرب . لا بد من المقارنة بين قصة( يعرب بن قحطان ) و يربعام ( يعربا ً) الذي استقل بالمملكة الشمالية واسس دولة اسرائيل ( التي تعني السراة و ايضا قد تعني القبائل الرحل من مصدر – سار – العربي ومعناها رحل ) حيث تقول القصة ان يربعام الذي استقل بالقسم الشمالي من مملكة سليمان هو واخوته العشرة الاسباط وتغلب على قوم عاد ( عاد و ثمود جنوب الجزيرة العربية ) وانه تغلب على العمالقة وولى اخوته العشرة( الاسباط ) على المناطق . ولا بد من لفت النظر ان (عاد هم سكان شرق اليمن ) وان ( العمالقة هو لقب سكان الحجاز القدماء). وندرك بعد ذلك ان الاخين من الاسباط الذين بقيا في الجزء الجنوبي من مملكة سليمان هما يهوذا ( وهي تسمية ايضا لسكان الواديان - الوهاد - وهو لقب ينطبق على ارتريا و جيبوتي- جيء بوتي- وقسم من الحبشة ) و بنيمين ( وهو لقب بني يمن او سكان اليمن او المتحدرين من اليمن) . من هنا ندرك ان مملكة يهوذا انما كانت في ارتريا، موكدين ان ما اطلق عليه العرب في العصور الغابرة اسم ( مملكة اليمن وذي ريدان ) انما هو في الحقيقة تسمية ل ( مملكة اليمن وذي يردان ) او مملكة اليمن وعبر البحر الاحمر، مما يعني الحبشة واليمن او ( يهوذا وبنيامين ).

(( ان الجغرافيا دائما محايدة لك او عليك يحدد ذلك البشر انفسهم )) –(7) لذلك نجد في تسمية حائط المبكى التي لا تزال اليوم قائمة لها اسماءها و اسبابها في اليمن – باب المندب- بالاضافة الى قصص تتحدث عن قمران التي تقع في الممر المائي ( ريدان - يردان ) - يقول مصطفى نبيل في استطلاع عن اليمن (( تنقلنا الطائرة من الصحراء الى حائط من الجبال الخشنة . والتي تنتهي بنا الى بحر له شخصية خاصة ...على الجانب الاخر يقع القرن الافريقي الزاخر بالتوتر ، وهذه البوابة هي التي تصل البحر الاحمر بخليج عدن ....جزيرة ميون ...تشطر الممر المائي الى قسمين ( القسم الشرقي ) .. والذي لا يتجاوز عرضه ثلاثة كيلو متر ات وعمقه اقل من مئة قدم اما الممر الغربي بين ميون وجيبوتي فيبلغ عرضه 20 كيلو متر وعمقه يقرب من الف قدم ... مفاتيح بوابة الدموع ومفاتيح باب المندب موزعة على عدد من الجزر والنقاط الاستراتيجية وتعتبر ميون اهمها جميعا يشاركها جزيرة قمران ... سميت قمران لان ظل القمر يظهر في بحرها كانه قمران وليس قمرا واحدا ... وكانت محجرا صحيا للحجاج ))- (8) وهذا يذكرنا بما كان يفعله ( يوحنا المعمدان ) يحي من عمادة الناس في قمران فيقوم بغسلهم و تطهيرهم قبل ذهابهم الى الحج ، والعمادة لا تصح الا في الماء لذلك نجد في جزيرة قمران الواقعة غرب اليمن موضعاً يمكننا القول فيه انه المكان الذي كان يقوم يوحنا بالعمادة فيه . إن الايات القرآنية التي تتحدث عن مريم (( فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا ، فأجاءها المخاض الى جزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ، فكلي و اشربي )) إنما تتحدث عن المكان الذي ذهبت اليه مريم من عمران في اليمن الى الشرق الى خليج صوقرة ( صوغر مدينة النخل ) حيث أن هناك ينبت نوع خاص من النخيل و هو ( النارخيل – النارجيل ) جوز الهند ، مما يبرر انها أكلت و شربت من هذا الثمر الذي يحوي الماء في داخله . إن العبارة التوراتية التي تقول عن ( صوغر ) أنها مدينة النخل إنما يبينها أن هذه المنطقة تحوي هذا النوع من النخل الذي لا يوجد مثله في أي مكان آخر في جزيرة العرب .

عربية إسماعيل :

يقول المؤرخون ان اسماعيل عليه السلام هو اول من نطق بالعربية ، وهذا لا يمكننا فهمه الا اذا اخذنا انه اول من نطق بلهجة قريش التي كانت تتكلمها ، واننا نقول ذلك لان اسم اسماعيل هو صيغة عربية لمفهوم لغوي ومعنى دقيق ومحدد يذكره القرآن الكريم بوضوح مفسرا معنى اسم اسماعيل ( الله سميع ) ((الحمد لله الذي وهب لي على الكبر اسماعيل واسحق ان ربي لسميع الدعاء )) ، ومن هنا ندرك ان العربية التي قصد منها ان اسماعيل اول من نطق بها هي مفهوم مغاير للعربية التي يتكون اسم اسماعيل منها ، اذا فقبل اسماعيل كانت العربية و بعده اصبحت عربية ذات مدلول ادق . لقد سمى هؤلاء العرب العربية القديمة التي سبقتهم ( بالسريانية الذي معناه بالارامية =الارابية) حين قالوا ان آدم عليه السلام كان ينطق بالسريانية لان علمهم لم يستطع ان يحدد النقطة التي تتمحور عليها هذه السريانية والتي نسميها بالعربية الفصحى (الاولى من مصدر فصح بمعنى بدأ ) . لقد تحدث العديد من المؤرخين القدامى عن اسماعيل بينما لم يتحدث عنه المؤرخون الجدد لانهم لا يعترفون بامكانية الاخذ باراء هؤلاء المؤرخين ، بينما نحن نقول ان المؤرخين القدماء لم ينفردوا برايهم عندما عرضوا لمسائل مثل هذه بل اوردوا اراء كل الناس مما ادخل اعتماد اخبارهم الى دائرة الظن والشك ، ولكننا اليوم بعد ايضاح هذه الامور ووضعها ضمن دائرة الضوء لم يعد من خوف في ايراد مقولاتهم ونقضها بشرح علمي او اعتمادها بادلة علمية.

من هذه المقولات التي لا بد لنا من وضعها ضمن دائرة الضوء وتبيان امرها هو الامر الذي عرضنا له من ان اسماعيل هو اول من نطق بالعربية الامر الذي لا يطابق الواقع الا اذا اعتبرنا ان العربية التي نطق بها اسماعيل هي لسانه و لهجته ( في ذلك العصر ). من هنا فان الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( اول ما فتق لسانه بالعربية المتينة ) فنسب اليه نوعا من العربية و لم يجعله مطلقا . لقد ذكر الطبري(*) في كتابه تاريخ الملوك والامم نسب اسماعيل على اوجه مختلفة لا يصح اعتماد اي منها بشكل علمي دقيق لانه اوردها على سبعة اشكال فقال انه جد العرب :

1-(لسبعة ) عدنان بن ادد بن ايتحب بن ايوب بن قيذر بن اسماعيل

2- (لعشرة )عدنان بن ادد بن مقوم بن ناحور بن تيراح بن يعرب بن يشجب بن نايت بن اسماعيل.

3-(لثمانية )عدنان بن ادد بن يرى بن اراق الثرى بن يعرب بن يشجب بن نايت بن اسماعيل.

4-(لتسعة )عدنان بن ادد بن زند بن يرى بن اعلااق الثرى بن يعرب بن يشجب بن نايت بن اسماعيل.

5-(لتسعة مختلفة ) عدنان بن ادد بن الهميسع بن نبت بن اعراق الثرى بن يعرب بن يشجي بن نايت بن اسماعيل.

6-(لعشرة مختلفة ) عدنان بن يدع بن منيع بن مجهول بن كعب بن يشجب بن الهميسع بن قيذار بن اسماعيل.

7-(لواحد واربعون ) ولا مجال لذكرهم نظرا لورود اسماء كثيرة فيها. وهذا الامر انما يدل على ان الطريقة التي كتب بها بني اسرائيل تاريخهم لا تختلف كثيرا عن الطريقة التي اورد بها العرب قصصهم ، لذلك اتى القرآن الكريم ليقص على هذه الشعوب والقبائل العربية و الارامية والعبرية قصصم العلمية الصحيحة التي يستطيع بواسطتها وعن طريق القرآن ، ان يصل الباحث العلمي الى ادلة علمية دامغة لامور دينية وتاريخية على حد سواء.

لماذا يـنسب العرب إلى يعرب ؟

إلى من يجب ان ننسب العرب ( بمفهومها المطلق كاهل البادية والرعاة المتنقلون ) الى يعرب بن قحطان ام الى ادم ؟ وان اسم يعرب هو صيغة المضارع من عرب ومعناها عربي ، ونحن اذا نظرنا الى الجدول التاريخي الذي وضعه العلماء للقبائل العربية نرى انهم جميعهم ينسبون الى ( البائدة ) و ( العدنانية ) و( القحطانية) وهذا ترتيب انما هو جغرافي كما اسلفنا وبالتالي فالبائدة او ما يقال عنهم عرب الشمال ، فهم في الحقيقة ( البادئة- مع بعض التغيير في موضع الحروف وهو شائع عند العرب) وهم ايضا ما يطلق عليهم لقب الاميين ( وهي الاوائل من مصدر ام ) ، والمعنى انهم اول العرب ( واول الناس بمعنى البادئة) والعرب العدنانية وهم ايضا سكان الشمال ويسكنون في ( حويلة= خولان ) شمالي اليمن و( شور= ثور) وهذه الارض تشمل حسب المؤرخين الحجاز ونجد وتهامة ومديان وسيناء ، وقد اطلق على العرب في سفر التكوين اسم الاسماعيليين نسبة الى اسماعيل بن ابراهيم الخليل ، واطلق عليهم لقب بني المشرق لانهم يسكنون في شرق بلاد اليهود بالنسبة للبحر الاحمر ( حيث ان بلاد اليهود التي دخلها يوشع بعد موسى هي ارتريا وجيء بوتي وقسم من الحبشة كما سياتي معنا ) . والقحطانيون وهم العرب المستعربة وهم يسكنون ايضا في الشرق من اليمن وصولا الى الخليج العرب او قسما مما يمسى بلاد عمان . من هنا نستطيع تسمية العاربة ( المتنقلين الذين يرعون الابل والماشية بالفطرة) والمستعربة الذين اصبحوا عربا ، ( الذين اصبحوا يرعون الابل والماشية بعد ارتحالهم من بلادهم ).

ان جميع هذه القبائل تنسب ايضا الى ابراهيم الخليل ( الارامي ) الذي تغرب في مصر واصبح امة عظيمة.

العدنانيون ، القحطانيون ، الاميون

العرب الاميون ، هم العرب البادئة ( نسبة الى أم ) . العرب العدنانيون هم العرب الاميون الذين يسكنون في منطقة ( العدنة ) والقحطانيون هم العرب الاميون الذين يسكنون في منطقة ( القحط ) وبالتالي فان قحطان ليس جد العرب بل ان هذه مقولة صادرة عن اليهود في عهد ( رحبعام ) فانهم نسبوا الى يعرباً ( الذي هو يربعام ) عدة اكذوبات سياسية واجتماعية ودينية ، شانهم دائما ، فقالوا ان يربعام ( يعرباً ) الذي سكن في ارض المشرق لا يحق له الملك لانه من ابناء قحطان اي انه ليس من ابناء ( عدنان - ادوني السيد ) فهو اذا عبد مملوك لا يحق له السيادة . وهذا لا يبعد كثيرا عن التفريق الذي اخترعه اليهود للتفريق بين الكنعاني ( كناني من كنانة او مصر والسودان وارتريا والحبشة ) وبين ( ادوني - العدناني السيد ) من هنا فان القحطاني ايضا هو ابن الجارية بالنسبة لهم تم اختراعه في عهد يربعام ( يعربا). فالعداء الذي ناصبوه لكل الشعوب الكنعانية ( القنعانية ) و القحطانية في بداية عهدهم هو نفسه العداء الذي ناصبوه لقسم من اخوتهم بعد ذلك ، بالاختيار المطلق لفرع من الفروع لتكون له السيادة دون سواه ، ونسبوه الى اله لم يكن سوى اداة سياسية لتنفيذ سياستهم في ذلك الزمن . فكان تعيين الحاكم من المحكوم يتم من قبل احبارهم الذين بالتالي ينسبون الى الههم انه اختار هذا السبط من بين الابناء.

لذلك نرى ان حضرموت و عمان ويعرب وعاد وجرهم وسبا وحمير وكهلان ، وهي القبائل التي ذكرتها التوراة باسم الشعوب العمونيين ( واصلها الشعوب العمانية ) اما الشعوب الكنعانية ( كنانيين من كنانة ) فهم اولئك المتحدرون من مصر والسودان وارتريا أو من القانعين في ارضهم لا يرتحلون عنها . ولا بد لنا من ان نذكر أن القنزيون الذين ورد ذكرهم في التوراة هم ( قنص - وهي قبيلة متفرعة من معد ).

لذلك نقول ان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام عندما قال ( ليست العربية منكم باب أو ام انما هي اللسان ) كان يرد على اولئك الذين ينسبون العربية الى اسماعيل او الى يعرب بينما هي اللسان الذي نطق به ابراهيم و اسماعيل و كل سكان البوادي من قبائل ( عربية - أرامية ) منتشرة في الجزيرة العربية وسوريا ومصر والسودان وصولا الى عمق افريقيا وغربها ، كما انها منتشرة في ايران و وسط اسيا( قبائل البختياري والارمن التي اصلها أرباً بالتنوين والابدال ) وصولا الى كل القارات بالتالي عبر الاطلسي منذ اقدم العصور. ان كل هذه القبائل و الشعوب كانت تجمعها اللغة و اللسان والتاريخ المشترك لادم ونوح وابراهيم .

ان هذه القبائل الامية كانت كما اسلفنا ترحل من قلب الجزيرة العربية ( من أم القرى و من سرة الارض ومركزها - وادي مكة ) وتنتشر شعوبا منها العدنانية التي تسعى وراء المرعى ومنها القحطانية التي تهرب من شدة الجفاف ،من الجنوب من شواطيء( اليمن - وحضر موت وعمان ) الى شاطيء البحر المتوسط ومن حورا ( قرية في اليمن ) الى حوران ( قرية في سوريا) . لقد اطلق على ( اور كلدان) لقب كلدان ( و اصلها عروق الكدن ) تفريقا لها عن ( حور الكنعانية- الكنانية التي تقع في بحر الجليل ( من جل مرتفع ) قرب قانا ( قرية في اليمن ). أما اور كلدان التي انطلق منها ابراهيم و اهله فهي في و سط الجزيرة العربية الى جهة الجنوب و الشرق و تسمى الى يومنا هذا ( العروق ) او ( العروق المعترضة ) أو بتسميتها القديمة ( عروق الكدن ) ، لاحظ كيف تحور اسمها الى ( اور كالدان ).

أما بما يختص بقبيلة قريش فان المؤرخين يجهلون نسب قريش واصولها وتاريخها بالتحديد ، لكنهم يقولون ان قصيا جمع شملها وشتاتها ووطنها في مكة حيث تولت امور الكعبة ( وهنا ندرك ان السبب الذي جعل قصيا ياتى بقريش الى مكة هو كعبة الله المشرفة ) في القرن الرابع الميلادي حسب المؤرخين ، واصبح مركز قريش مرموقا على الصعيدين الديني والسياسي والتجاري ، و لقب قبيلة قريش يعني أهل القرية بلهجة الشنشنة المعروفة في لهجات العرب .

ينتسب الى هذه القبيلة بني هاشم او الهاشميون ابناء هاشم الجد الاعلى للنبي ( عليه الصلاة والسلام ) -ويمكن ان نطلق عليهم اسم (بني هـ-شم ) او ( اشم ) وهم الذين جبروا قريشا فاصبح لقبهم الجبوريين . ( اهم فروع قبيلة قريش ، هاشم - امية - نوفل - وزهرة ومخزوم واسد وجمح وسهم وتميم وعدي )- (9) عندما نقوم بمقارنة التوراة و التاريخ العربي القديم ناخذ الفقرة التوراتية من سفر التكوين التي تتحدث عن ( انوشي هشم ) او ( اهالي هشم ) تقول التوراة باللفظ العبري الاتي :

ا- ويهي كي-هحل هادم لروب عل-فني هادمه ، وبنوت يلدو لهم
- ب- ويراو بني-هالوهيم ات-بنوت هادم كي طوبوت هنه ويقحو لهم نشيم ، مكول اشر بحرو
ج – ويامر يهوه ، لوا يدون روحي بادم لعولم ، بشجم هوا بشر، ويهيو يميو ماه وعشريم شنه.
د- هنفليم هيو بارص ، بيميم ههم ، وجم احرو-كن اشر يبواو بني هالوهيم ال-بنوت هادم ، ويلدوا لهم : همه هجبوريم اشر معولم ، انشي هشم

وترجمتها العربية هي الاتية :
ا- وها هو الذي حصل أدم يربو على افناء (وجه) الاديمة ، و يولد لهم بنات
ب- ويري بني ( هؤلاء ) ان بنات ادم طيبات هناك وياخذوا لهم نساء من كل الذي يختاروا
ج- ويامر (يقول اياه ) لن تدوم الروح بادم الى الابد ، بكونه بشر ( من لحم ) وها هي ايامه مئة و عشرين سنة .
د – (بني نوفل ) كانوا بالارض بتلك الايام وايضا اخرين من الذين وجدوا ، وبني هؤلاء و بنات ادم ولد لهم (ابناء) ، الذين هم (الجبارين) الذين سيبقوا الى الابد بني هاشم .

أما ترجمتها التوراتية المعتمدة فهي كالتالي :

( وحدث لما ابتدا الناس يكثرون في الارض وولد لهم بنات ان بني (هـ ء ل هـ ـي م) ابناء الالهة- و تصحيحها هؤلاء ( والمقصود اولاد نوفل - يترجمها التوراتيون ابناء الالهة ) راوا بنات ادم انهن حسناوات فاتخذوا لانفسهم نساء من كل ما اختاروا ،وقال ( لء دون روحي بءدم ل علم ) او ( لا يدوم روحي بعدن ل علن ) ( بشجم هو ) وايامه مئة وعشرون سنة . وكان ( هـ نفليم ) في تلك الايام . وبعد ذلك دخل ابناء ( هـ ءلهيم - يترجمها التوراتيون ابناء الالهة بينما هي تعني ابناء هؤلاء ) هؤلاء على بنات ادم وولدن لهم اولادا هم ( هـ جبوريم ) الذين منذ ذلك الوقت ( انوشي هشم ) ....)- لقد تم ترجمة كلمة (هـءلهيم) على اساس انها تعني الالهة ، ونحن نفسرها بكلمة ( هؤلاء - بالجمع العبري و المقصود ابناء نوفل ) لا بد من لفت النظر الى تقارب هذه الاسماء التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس( بشكل متشابه للاسماء التاريخية عند العرب ) في الفقرة في سفر التكوين مما تجعل اصول قبيلة قريش وبني هاشم تعود ادم و الى نوح عليه السلام ، و هذا ويؤكد انها من العرب البائدة كما يقول المؤرخون ( البادئة) ويتحقق لنا كونهم اميين ( من مصدر ام فهم من الاحفاد الذين يعودون الى نوح مباشرة ) ويذكرنا هذا ايضا بالمراة الاممية ( الامية - بتشديد الميم ) التي تحدث معها المسيح عليه السلام في محاورة تلفت نظر الناس الى وجود خلاف على مكان بيت لله الحرام الذي يحج اليه الناس ، فيتحقق لنا وجود البيت ( الهيكل ) الذي يعتقده بني اسرائيل و البيت الذي تعتقد فيه هذه المراة الاممية ( الامية ) .

ان التسميات التي اطلقها الكتاب المقدس والانجيل والقران على الاماكن والاشخاص انما هي سجل تاريخي جغرافي للامكنة التي تواجد فيها الانبياء ، فالتشابه موجود ولكن علينا ان نكون حذرين فلا يتم الخلط بينها بدون اساس ، فاننا من خلال اللغة العربية بمنظورها التاريخي نستطيع وضع الاحتمال الاخر الذي يحدد معنى الاسم اذا وجد المكان والمبرر ( مثلا نستطيع ان نقول ان لقب مريم ابنة عمران - هو نسب بانها من مدينة عمران في اليمن ، التي قد تكون منسوبة الى والد مريم ايضا (عمران) او الى فرع من فروع البشرية ، ويوسف النجار يمكننا نسبه الى نجران ، كما ان يسوع الناصري ( نازري - نازاريت ) الىقبيلة نزار ، وبالتالي ينسب هؤلاء كلهم الى اليمن ، ان موسى ينسب ايضا الى عمران ويظن العلماء ان ( عمران ) هو اسم ابوه وقد يكون من هذه القرية نفسها التي ظهر بها المسيح ايضا ، واذا قلنا ان عمران هي القرية التي تقع في جبال اليمن والتي هاجر ابو موسى منها الى ( عبر البحر الاحمر ) وهناك اصبح من امة ( عبرانية - اي عبرت البحر لتصل الى مصر ) ، فتعرضت لضغوط فرعون الذي كان يمنع العبرانيات من انجاب الاولاد الذكور خوفا من تكاثر بني اسرائيل - المرتحلون الى مصر .) فان عودة موسى الى المكان عينه الذي انطلق منه ابوه و ذلك قبل عبور بني اسرائيل الى ارتريا و مصر مرة جديدة تصبح مفهومة بشكل دقيق و ذلك يجعلنا ندرك سبب عودته .

لقد تعرض ابن خلدون وغيره لمثل هذه التفسيرات فلفت النظر الى ان التوراة تحكي عن ابناء نوح الثلاثة ، لكن اليهود نسبوا الى حام الزنوج مع ان التوراة لم تذكر انهم الزنوج ، من هنا يتبين لنا ان اسئلة عديدة عند علماء التاريخ القديم والحديث تبقى عرضة لاحتمالاات الخطا والصواب ( عن قصد أو عن غير قصد) ، لقد درج التاريخ عليها فكان من السهل على البسطاء فهم امور التاريخ على هذا الشكل المبسط .

ان موضوع التفرقة العرقية بين حام وسام ويافث ليس الا مقولة سياسية في زمن رديء استغلت الفرق بين الوان البشر لتنسب هذا التقسيم الى ثلاثة اشخاص اسم كل منهم يطابق صفة لونه وحدود سكنه على الارض وابن خلدون تنبه الى ذلك ولكنه لم يخرج عن الحقيقة الثابتة الواحدة.

لقد قسم ابن خلدون الكرة الارضية الى سبعة اقاليم مناخية وجغرافية ، الاقليم الاوسط والذي يتوسط الارض جعله قسمين ( الاول والثاني ) ثم الثالث والرابع شمالا وهكذا حتى نصل الى الاقليم السابع وهو الاشد برودة ثم بنفس الترتيب جنوبا حتى نصل الى الاقليم السابع ، وعلل ان خير الامور اوسطها فالشمس اكثرها والرطوبة اعلاها لان البحار تحيط بها من كل جانب وتخمتها من الاكل اقلها وصفاء ذهنها اصفاها ولغتها انقاها . لقد حاول ابن خلدون ان يعلل الامور بشكل جغرافي حتى لا يبقى عالقا في التعليل الديني لابناء نوح ، ففتح الباب امام كل مؤرخ اذا وجد اسسا جديدة ان يجدد طرح مسالة من المسائل دون حرج طالما ان النقاش بين الفكر والعقل .

الهوامش

(1) - العربي عدد 91- صفحة 146

(2) - فيليب حتي-تاريخ سوريا ص 174 -

(3) - العربي عدد 416-اب 1995 ص 45

(4) - العربي عدد91- صفحة 48

(5) - عن التمدن الاسلامي ص24-العربي-عدد91- صفحة 145

(6) - جرجي زيدان ( طبقات الامم والسلائل البشرية )

(7) - - العربي عدد 261 -صفحة 70

(8) - العربي عدد 261 -صفحة 78-79

(9) – هنري عبودي - معجم الحضارات السامية - صفحة 684

(*) - الطبري - تاريخ الملوك والامم

نسب العرب (قحطان وعدنان) والعبريين والآراميين
بقلم محمد رشيد ناصر ذوق
الجمعة ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
منقول وانتم سالمون وغانمون والسلام















رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن »04:35 PM.


 Arabization iraq chooses life
Powered by vBulletin® Version 3.8.2
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
اتصل بنا تسجيل خروج   تصميم: حمد المقاطي