منعت القيادة السورية نائب الرئيس فاروق الشرع من مغادرة البلاد, وذلك في إطار إزاحة "الحرس القديم" من دوائر صنع القرار, بسبب وقوفه عقبة أمام طريق المصالحة العربية وسياسة الانفتاح على العالم العربي التي قرر الرئيس بشار الأسد انتهاجها منذ أشهر عدة.
وفي معلومات خاصة ل¯"السياسة", فإن القيادة السورية اتخذت قراراً نهائياً بإزاحة الشرع, الذي يوصف بأنه "خريج مدرسة الرئيس الراحل حافظ الأسد السياسية والفكرية" ولعب الدور الأبرز في توتير العلاقات السورية -السعودية من خلال تصريحاته النارية في العامين 2006 و2007, فضلاً عن قيادته معسكر المتشددين ضد عدد من الدول العربية الأخرى وفي مقدمها مصر ودول خليجية.
وعممت المخابرات العسكرية على المنافذ الجوية والبرية والبحرية, الخميس الماضي, قراراً بمنع الشرع من مغادرة البلاد, بعد تلقيها معلومات عن سعيه للحصول على اللجوء إلى قطر حيث يعمل ابنه طيارا مدنيا.
وأفادت المعلومات أن خلافاً نشب بين الشرع والمستشارة السياسية والإعلامية للرئيس بثينة شعبان بشأن تعيين زوجها خليل جواد سفيراً في دولة أوروبية الصيف الماضي, حيث اعترض نائب الرئيس لدى الأسد كون خليل جواد عراقي الأصل, فضلاً عن أن زوجته تتصل عبر قنوات جانبية مع الأميركيين, ما أسفر عن سحب مرسوم التعيين.
ودفعت هذه الخطوة بثينة شعبان إلى تقديم تقارير عن اتصال الشرع بجهات في دولة أجنبية كان يعمل فيها, عبر سكرتيرة مصرية (م.ح) يرتبط بعلاقة عاطفية معها وتعمل في السفارة السورية لدى نفس الدولة الأوروبية التي كان سيعين فيها خليل جواد.
وأفضى الخلاف بين الشرع وشعبان النافذة في دوائر صنع القرار, إلى تغييب الأول عمداً خلال الأسابيع الماضية, وحجب أخباره عن وسائل الإعلام الرسمية, إلا أن ما يؤكد استبعاده من السلطة أمران جوهريان: الأول كف يده عن الملف اللبناني, والثاني منعه من الإدلاء بتصاريح عن الشؤون العربية, وهو صاحب التصريحين الشهيرين, في ديسمبر 2006 وأغسطس 2007, اللذين هاجم فيهما السعودية بشكل لاذع وغير مسبوق آنذاك.
وكان واضحاً غياب الشرع عن المصالحة العربية - العربية عموماً والسعودية - السورية بشكل خاص, حيث لم يصطحبه الأسد خلال زيارتيه الأخيرتين إلى المملكة في 23 سبتمبر 2009 للمشاركة في افتتاح "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية", وفي 13 يناير الجاري حيث عقد محادثات هامة مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تناولت مجمل الملفات العربية والاقليمية, وتكللت بالنجاح والرضى من قبل الإدارة السعودية.
وإذا كان الشرع قد حضر إلى قمة الكويت الاقتصادية في يناير 2009 عندما أطلق خادم الحرمين مبادرته الشهيرة للمصالحة العربية, فإن لذلك ما يبرره كون خطوة العاهل السعودي كانت مفاجئة وغير متوقعة, وما يؤكد استبعاده عن التدخل في العلاقات مع الدول العربية, تغييبه المقصود عن القمة الرباعية التي عقدت بالرياض في 11 مارس 2009, والتي جمعت إلى العاهل السعودي والرئيس السوري, سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد, والرئيس المصري حسني مبارك.
ويؤكد مطلعون على خبايا الأمور في دمشق أن إزاحة الشرع خطوة أولى, قد تتبعها خطوة ثانية بحق بثينة شعبان نفسها, في إطار إطاحة كل عناصر "الحرس القديم", كونه يشكل عائقاً أمام السياسة التي ينتهجها الأسد وتحظى بتقدير سوري وعربي, وهي انطلقت من رغبة خادم الحرمين والرئيس السوري في تحقيق تضامن عربي أفضل يشمل مناحي سياسية واقتصادية عدة, وتحركا مشتركا ينسجم مع منطق عادل يزاوج بين متطلبات المجتمع الدولي ومصالح العالم العربي التي باتت واضحة ولايتطلب تحقيقها أكثر من إبعادها عن دول اقليمية تريد أن تستفيد من نفوذها في بعض الدول العربية لتحسين أوراق تفاوضها مع الدول الكبرى.
وأثار تحرك الرئيس السوري المصحوب باختيار مساعدين أكثر روية من أولئك الذين تصوروا أن سورية يمكن أن تكون وحدها عصية على الآخرين, ارتياحاً في الجبهة الداخلية التي باتت تشعر أن هذا المسار سيؤدي إلى استقرار يصحبه نمو اقتصادي, سيشكلان عامل جمع بين الشعب والقيادة على أساس الاحترام لا الخوف.
منقول