لماذا نريد أن نقرأ أحدا ما؟ هل يستطيع الآخرون قراءتنا؟ هل حدث معك أن قال لك أحدهم هذه العبارات: أنا أعرف جيدا بما تفكر؟ أعتقد انك تريد أن تفعل كذا ؟ أنت لا تصلح لتقوم بهذه المهمة ؟ أعتقد أنك لا يمكن أن تتحمل هذه المسؤولية؟ أنت لا توافقني في الرأي صح؟ تلك العبارات هي محاولة لقراءة الأفكار، و قراءة الأفكار هي : عبارة عن اصطلاح نفسي لتحليل العقل اللاواعي للإشارات غير الملفوظة كتعابير الوجه وحركات الرأس التي يستخدمها الناس للحكم على الحالات العاطفية لبعضهم البعض ، وهي حالة نقوم به جميعا كل الوقت بعقلنا اللاواعي دون أن ندرك. لكننا لسنا جميعا متساوين في القدرة على هذه القراءة فقراءة الأفكار نوع من أنواع الذكاء والفطنة التي لا يكتسبها سوى من شعر بأهميتها في حياته. ولعلنا نصادف أشخاصا في حياتنا وتفوتنا إشارات مهمة قد تنقذنا من أمر ما أو تدفعنا للجري وراء حلم ما لمجرد أننا لا نعلم كيف نتعامل مع فهم تلك الإشارات. السؤال المهم هل نحن بحاجة حقا لإجادة هذا الفن النفسي ؟ وهل يمكن أن يكون لنا رد فعل مناسب نستطيع به أن نقيم ما يصدره الآخرون علينا من أحكام؟ ولماذا تعتبر قراءة الأفكار مهمة؟
دعني أبدأ معك من إجابة السؤال الأخير و أخبرك بأن هناك اختلافا كبيرا في طريقة استقبال البشر لما يتلقونه من الآخرين . فهناك الشخصيات الضعيفة، والقوية، والمترددة ،والحالمة، والمتزنة وغيرها . وعندما يصدر أحد رأيا ما عنك لأنه يعتقد انه استطاع قراءة أفكارك فأنت تتقبل ما يقوله بحسب نوع شخصيتك وطريقة تفكيرك. فإن كنت شخصا مترددا هزتك الكلمات التي سمعتها، وإن كنت شخصا حالما ستطيل اتخاذ خطوة مهمة في حياتك ، لأنك ترى انك يجب أن تصل لمستوى تصوره، وإن كنت قويا رأيت الجانب الإيجابي من العبارات أو ما فيها من سلبية وانتقيت المناسب لك. و يستخدم البعض هذه القراءة بمهارة للتأثير في توجيه الآخرين لما يريدون أو حتى لإضعاف ثقتهم بأنفسهم . ويستخدمها البعض الآخر بإيجابية ليكافح ضعفا معينا في آخر ،ويعينه ليرى الجانب الممتلئ من الكأس. ولذلك نؤكد انه ليس عليك أن تخاف من قراءة الاخرين لك ولا تخاف من أن تقرأ أنت الاخرين لأنك في الحالتين الرابح ، فإما أن تعلم نوايا الشخص الآخر أو تدرك مدى تقديره لعلاقتكما.
على سبيل المثال إن قال لك أحدهم :أعتقد انك لا تستطيع إنجاز عمل ما دون أن يعطيك مبررات مقنعة لرأيه ، فأجبه بكل ثقة : لماذا بالتحديد تظن ذلك؟ بمعنى أن لا تترك له حرية التأثير على قرارك بل كن أنت اللامع في ظنك وحاول معرفة أسباب حكمه فربما أعانتك أفكاره على أمر أو ربما نبهتك إلى نوعية هذا الشخص وحقيقة ما يضمره لك من خير أو شر . وتذكر في كل مرة تجد نفسك في موقف تقرأ فيه أفكار الآخرين أو يقرأونك أن تختار السؤال المناسب وستجد ان طريقة تواصلك مع الآخرين تحسنت ،وأن قدرتك على الرد على التعليقات الغريبة والمفاجئة أصبحت أفضل .
على سبيل المثال: ان كنت تتحدث مع صديقك في موضوع ما وأخبرته عن مشاعرك وبدت تعابير وجهه غير مفهومة وهادئة ،فذلك إما لأنه يفكر كيف يساعدك برأي ، أو لأنه لا يريد التورط معك في حلولك . مثال آخر كنت في مقابلة شخصية لعمل ما ووجدت من يقوم بالمقابلة يتحرك كثيرا أثناء حديثك أو يستمر في تقليب بعض الأوراق أمامك وأنت تتحدث عن نفسك دون أن يركز في عينيك، فإما أن ما قلته عن نفسك لم يثر انتباهه أو أنه يريد أن يختبر قوة تركيزك فيما يفعل أو فيما تقول .ودعني أسوق لك مثالا واقعيا . كنت دوما أتعامل مع إحدى الشخصيات، وتبهرني قدرتها الدائمة على التغلب على أي قراءة سلبية لملامح وجهها أو كلماتها،فعندما أقول لها مثلا :أظنك مشتتة ذهنيا، أو: ربما تريدين ترك هذا العمل أو ما شابه . كانت كل مرة أصدر فيها حكما كهذا تستطيع أن تشعرني بأن قراءتي لأفكارها خاطئة لأنها دوما تخطط لروحها أن تكون أقوى من الظروف وكنت معجبة كثيرا بطريقتها في تناول التفاؤل في حياتها وابتسامتها الدائمة رغم ما تمر به من صعاب . أخبرك عزيزي القارئ هذا المثال لأفتح لك بابا خفيا يستطيع أي كان الدخول منه وقتل طموحك و هز ثقتك بنفسك لمجرد أنه يدعي انه قادر على قراءة أفكارك وهذا الباب هو محاولة امتلاك ردات فعلك وهذا ما يقوم به بعض الخبثاء . لهذا كان الاستماع الجيد أداة مهمة لفهم ما يدور في رؤوس الآخرين لأننا أحيانا ننشغل بالرد على ما نسمعه أو نقوم بنوع من المقارنة بين ما نسمع وبين أنفسنا وهو ما يعطل قدراتنا عن التركيز في تلك الإشارات الصامتة التي يصدرها عقل آخر.
لؤلؤة:
جميل أن نسامح من أخطأ في حقنا والأجمل أن نعرف كيف نجعله لا يكررها.
م
ر
و
ر
ي
معــــ كلــــ الودــ
التوقيع |
دنيــــا ومــن يـــــدري كلــــ شــــئ يصـــير فيهــــا |