--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: [ يسألونك عن الخمر والميسر ، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ، وإثمهما أكبر من نفعهما ] (البقرة 219 ) وقال جل وعلا: [ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ] (المائدة 90)
لقد حرم الله سبحانه وتعالى شرب الخمر بالتدريج حتى حرمت نهائيا و لو كانت على سبيل الـدواء، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " وقال: " لا تداووا بالمحرم " رواه أبو داود، وروى أيضا عن أبي الدرداء أنه صلى الله عليه وسلـم قال: " إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتـداووا ولا تتداووا بحرام". كما روى أبو داود عن سويد بن طارق أنـه "سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه، فقال له: يا نبي الله إنها دواء، فقال: لا ولكنها داء"
وحكمة الله سبحانه وتعالى في تحريمه للخمر واضحة جلية، فهي خبيثة في ذاتها ـ كما يقول الإمام "ابن القيم"ـ مضرة للبدن وللعقل جدا، وضررها بالرأس شديد، لأنها تسرع في الارتفـاع إليه وترفع معها الأخلاط الرديئة الموجودة في البدن، لذلك فهي ضارة بالذهن جدا ومتلفة للأعصاب" وتعريف الخمر في الإسلام : أنها كل مادة مسكرة. وقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" . وفيما رواه أبو داود قال صـلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمر، وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها " .
أثر الخمر على الجهاز العصبي للإنسان :
يقرر العلم الحديث أن مخ الإنسان يتكون من مراكز مختلفة، وأعلى المراكز في مخ الإنسان هي التي تختص بالإرادة وضبط النفس والسلوك الاجتماعي، ثم تأتي أسفل منها مراكز العقل والتفكير، ثم مراكز الحكم على الأشياء، ثم مراكز الذاكرة، ثم المراكز المسيطرة على العواطف والأحاسيس، ولأن مفعول الخمر يسري في المخ من أعلى إلى أسفل، فإنها تؤثر على الوظائف الأرقى في المخ ثم الأقل، لذا فإننا نجد أن أول شئ يتأثر في الإنسان بشرب كمية قليلة من الخمر هو الإرادة وضبط النفس والسلوك الاجتماعي، فإذا زادت الكمية تأثرت قدرته على التركيز الذهني وهكذا.
وقد جاء في تقرير المجلس الوطني لمكافحة الخمور في بريطانيا أن شرب الخمر لمدة طويلة يؤدي إلى تحلل الشخصية، ويسبب ضعف الإرادة وشرود الذهن، وأن مـدمن الخمر لا يمكن الثقة بأقواله أو بوعوده حتى في صحوته، كما أنه لا يمكن الاعتماد عليه في المسائل القيادية أو ضبط المسائل المالية، وقد تأثر كثير من البريطانيين بهذا التقرير، ولكن لم يقلع منهم عن الخمر إلا القليل، ذلك لأنهم رأوا أن الأسباب التي ساقها المجلس الوطني قد تحتمل الصحة أوالخطأ.أما المسلمون فعندما قال الله تعالى لهم: [ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون] فكان جواب صحابـة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور: انتهينا يا ربنا،
وفاضت شـوارع المدينة المنورة بالخمر بعد أن سكبه المسلمون في الطرقات استجابة لأمر الله تعالى.
أثر الخمر على أعضاء الجسم الأخرى :
في كتابه " الطب الوقائي في الإسلام " يقول الدكتور أحمد شوقي الفنجري : لو أنـك أحضرت خلية حية نشيطة الحركة مثل الأميبا، ونظرت إليها تحت الميكروسكوب وهي تتحـرك وتأكـل في الوسـط المائي، ثم أضفت بعد ذلك الكحول بنسبـة 1 % فإنه يقل نشاطها وتمتنع عن الطعام ، وإذا زيدت كمية الكحول عن هذه النسبة فإنها تصاب بالتسمم وتموت، وهذا تماما ما يحدث في خلايا أجسامنا مع استمرار شرب الكحول.
على القلب والأوعية الدموية : يتسبب الكحول بنسبة1 % في زيادة نبضات القلب 10 نبضـات في الدقيقة عن المعتاد مما يجهد عضلات القلب، وإذا زادت عن هذا الحد أحدثت تسمما في عضلات القلب وقد تؤدي إلى الذبحة القلبية.
على خلايا الدم : إذا وضعت قطرة كحول في الماء بنسبة 1% على نقطة دم فإن الكرات الحمراء ـ المسئولة عن حمل الأوكسجين لخلايا الجسم وطرد ثاني أكسيد الكربون ـ تتحول إلى صفراء، ويقل امتصاصها جدا للأوكسجين فتصاب الخلايا بما يشبه الاختناق وتتعب العضلات بسرعة. كما أن خلايا الدم البيضاء يقل نشاطها جدا فتقل مقاومة الجسم لشتى أنواع الأمراض.
على الكبـد : يتسبب الكحول في المرض المعروف بـ (تليف الكبد الكحولي) وهو مرض منتشر فـي أوروبا بينما نراه نادر الوجود في البلاد التي تحرم شرب الكحوليات، وهذا المرض عبارة عن موت عدد كبير من خلايا الكبد الحية بتأثير الكحول حيث تتحول إلى نسيج ليفي، وإذا كانت نسبة التليف كبيرة فالوفاة تكون هي أقرب الاحتمالات ، وقد أجرى أحد العلماء النمساويين بحثا على نسبة الوفيات في أوروبا وأمـريكا من حالات تليف الكبد، فوجد أن هذه النسبة قد قلت إلى النصف خلال سنوات الحرب العالمية الثانية عندما كانت الخمور شحيحة ولا توزع إلا ببطاقات التموين!!
على نقص الفيتامينات : يصاحب الخمر نقص شديد في الفيتامينات في الجسم خصوصا فيتامين (أ)، وفيتامين (ب) بأنواعه المختلفة وفيتامين (جـ) وهذا يؤدي إلى ظهور أمراض خطيرة مثل "البلازما" ومرض "البري بري" الذي قد يسبب تورما وهبوطا في القلب، ومرض الإسقربوط أيضا الذي يتسبب في جفاف الجلد والعشي الليلي والتهاب الفم واللسان، والتهاب قرنية العين.
آثار خطيرة أخرى للخمر : ينتج عن تعاطي الخمور نقص كبير في الزنك في جسم الإنسان، مما يسبب كثيرا من الأمراض الجلدية. يـؤدي تعاطي الخمور إلى تفاقم المرض الجلدي المعروف باسم "البورفيريا" الذي يجعل الجلد شديد الحساسية لأشعة الشمس.
هناك علاقة وطيدة بين الخمر والطفح الجلدي الناتج عن احتكاك الجلد والضغط عليه بالملابس، حيث جرت الأبحاث وتأكد للخبراء أن هذه الحالات تتحسن كثيرا بامتناع أصحابها عن شرب الخمور.
وللخمر تأثير خطير على الكليتين، فهو يصيبهما بتحول دهني، كما أنه يؤدي إلى إصابتها بمرض "الدوزيما" الذي يؤدي إلى التسمم البولي ومن ثم إلى الوفاة.
تؤدي الخمر إلى هبوط القدرة الجنسية لشاربها إلى مستوى متدن حتى ينتهي أمره عادة بالاسترخاء التام، وذلك نتيجة رد فعل شديد في أعصاب المراكز العليا والسفلى في الجسم، كما أثبتت الأبحاث أن الخمر تحدث ضمورا شديدا في الخصية، وأن إدمانها يجعل الحيوانات المنوية نادرة الإفراز.
الخمر يحدث التهابات كثيرة بمنطقة الحلق والحنجرة إما حادة أو مزمنة، فضلا عما تحدثه من الالتهابات التي تسبب ضيقا في البلعوم، فيعاني متعاطيها من حالات الاختناق المتكررة.
الخمر والأثر الاجتماعي :
للخمر دور هدام خطير في المجتمع، فمتعاطي الخمر الذي يظن أنه بتعاطيها سيصبح اجتماعيا مرحا ودودا، سرعان ما يكتشف أن هذا كان في البداية فقط، نتيجة تخدير العقل الواعي الذي تحدثه الخمر، ثم لا يلبث أن يتحول الإنسان إلى الانعزال والانطواء مع تلاشي هذا الوهم، وكثيرا ما يتحول مدمن الخمر إلى شخص عدواني ناقم على المجتمع شديد الحقد، كما أن قدرته على العمل والإنتاج تتضاءل جدا حتى يصبح عالة حقيقية على مجتمعه.
هناك مشكلة اجتماعية أخرى تسببها الخمور، فأولاد المدمنين يكونون عادة معتلي الجسم، ناقصي العقل، ذوي ميل فطري إلى الإجرام ودوافع معقدة لارتكاب الخطيئة. وهكذا نرى أن الأجيال التي تنشأ في جو عام يبيح شرب الخمر تكون أجيالا فاسدة لا يمكن أن يعهد إليها ببناء مجتمع قوي ولا حتى بيت سليم.
أيضا هناك أثر خطير لشرب الخمر على قيادة السيارات والمركبات، فقد أثبتت مجموعة من العلماء البريطانيين أن حوادث المرور سببها الرئيسي شرب الخمر، وأنه من الممكن تجنب وقوع الكثير فيها لو تم التشديد على منع مدمني الخمور من قيادة السيارات.
*
يحكي (س.أ) من إحدى البلدان العربية: " كنت أشعر دائما بفتور تام في علاقاتي مع كل من حولي حتى والدي، وكان يلفني شعور دفين بالإحباط وعدم الفهم، كانت قدرتي على التركيز تكاد تكون منعدمة، فإذا أردت قراءة مقالة كان علي أن أعيد قراءة السطر مرات ومرات، وعندما أتحدث مع الناس كنت لا أتذكر ما كنت قد قلته قبل قليل، كما كنت أحس بضعف شديد في عضلات جسمي مع بذل أي مجهود"
" ذهبت إلى الطبيب النفسي دون علم والديّ، واحتار في أمري فهو صديق أبي، وتعجب كيف لم يلحظ والديّ كل هذه التغيرات التي حدثت لي في الشهور الأخيرة، حاصرني بأسئلته ولم يكن هناك بد من الاعتراف له بأني أدمنت الخمر، فوجئت به يقول أنه توقع ذلك ولكنه أرادني أن أعترف لنبدأ طريق العلاج"
" أول نصيحة نصحني بها الطبيب الذي وعدني أن يبقى الأمر سرا أن أقنع صاحبي الذي علمني شرب الخمر أن يأتي هو الآخر للعلاج مجانا، فهمت أنه يخشى أن يعيدني صاحبي إلى الخمر بعد أن أهجرها، سخرت في نفسي من تصوره أني سأقلع عن الخمر، إنها الشيء الوحيد الذي أرى أن له معنى ودورا جميلا في الحياة"
"جاء صديقي وأخذ الطبيب في إقناعه بترك الخمر وعلاج آثارها في جسده، وادعـى صديقي موافقته، وما إن خرجنا من عند الطبيب حتى رحنا نضحك في هستيريا شديـدة من هذا الطبيب الساذج، كيف يطلب منا هذا ؟ كيف يجرؤ أن يتخيل أننا نستطيع أن نحيا بدونها ؟ وانطلقنا سويا في سيارتي الجديدة إلى الفندق الذي يعتلـي أحد الجبال في مدينتنا والذي تعودنا الشرب فيه، وعند عودتنا قرب الفجر كانـت ضحكاتنا تشق الظلام بدويها الرنان، وتذكرت فجأة تحذيرات الطبيب لنا وكلماته المؤلمة عن الخمر، ومر شريط الذكريات في عقلي المنهك سريعا، رأيتني وأنا أمد يدي إلى نقود والديّ دون علمهما، وأنا أسرق شيئا من مصوغات أمي ، وهي تضرب الخادمة الصغيرة بقسوة حتى تخبرها عن مكان المسروقات، لم أشعر إلا بالسيارة تنحرف أثناء دوراني في أحد المنحنيات الحادة ناحية الهاوية، والحمد لله لم تكن السرعة كبيرة فقفزت منها وكذلك فعل صاحبي من قبلي. وقد أكد لي صديقي ونحن نلقي نظرة أخيرة من أعلى على سيارتي المشتعلة أنه صاح بي أن أنتبه ولكني لم أسمعه تماما" .
" وفي إحدى مصحات علاج مدمني الخمور أرقد الآن، أقسمت لوالدي أني لن أقربها ثانية، وذلك بعد أن علما بحكايتي مع الخمر كاملة، وأنا على يقين بإذن الله من أني سأفي بقسمي، فإن رؤية الموت والخوف من لقاء الله يفعلان في النفس ما لا تفـعله الكلمات والنصائح، وهناك سبب آخر يجعلني أكره الخمر طول عمري، فقد مات صديقي زياد في نفس اللحظة التي كنا ننظر فيها إلى سيارتي المحترقة ، وقال الأطباء إنه أصيب بهبوط مفاجئ في القلب نتيجة انفعال شديد، أما أنا فأقول لا ليس الخـوف أو الانفعال هو سبب موت زياد ، وإنما هي إرادة الله لأظل طول عمري أشعر بأني السبب في موته."