عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 21-Apr-2011, 03:47 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبو عمر الأسعدي

رابطة محبي الهيلا


الصورة الرمزية أبو عمر الأسعدي

إحصائية العضو






التوقيت


أبو عمر الأسعدي غير متواجد حالياً

Post

ودحض بروينلش هذا الدليل ؛ لأنّ نظم الشعر لا يرتبط بالحضارة ولا بالثقافة والظروف الاجتماعية ، وهناك فطريون أو بدائيون لهم شعر كثير مثل الإسكيمو().
وإذا تركنا المستشرقين إلى العرب المحدثين والمعاصرين وجدنا أديب العربية مصطفى صادق الرافعي يعرض هذه القضية : قضية الانتحال في الشعر الجاهلي عرضاً مفصّلاً في كتابه : "تاريخ آداب العرب" الذي نشره في سنة 1911م ، ولكنه لا يتجاوز في عرضه - غالباً سرد ما لاحظه القدماء .
وخلف مصطفى صادق الرافعي الدكتور طه حسين فدرس القضيّة دراسة مستفيضة في كتابه : "الشعر الجاهلي" الذي أحدث به رجّة عنيفة أثارت كثيرين من المحافظين والباحثين فتصدوا للردّ عليه. ولم يلبث أنْ ألّف مصنفه: "في الأدب الجاهلي" الذي نشره في سنة 1927م ، وفيه بسط القول في القضية بسطاً أكثر سعة وتفصيلاً () .
ونتيجة بحثه في هذا الكتاب يلخصها بقوله: "إنّ الكثرة المطلقة ممّا نسميه أدباً جاهليّاً ليست من الجاهلية في شيء ، وإنما هي منتحلة بعد ظهور الإسلام ، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثّل حياة الجاهليين . وأكاد أشك في أنّ ما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جدّاً ، لا يمثل شيئاً ولا يدل على شيء ، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي"() .
ومضى طه حسين يبسط الأسباب التي تدفع الباحث إلى الشك في الأدب الجاهلي واتهامه ، وردّها إلى أنّه لا يصور حياة الجاهليين الدينيّة والعقلية والسياسيّة والاقتصادية ، كما أنه لا يصوّر لغتهم وما كان فيها من اختلاف اللهجات ، وتباينها بلهجاتها من اللغة الحميرية.
يقول الدكتور شوقي ضيف معقباً: "والحق أنّ الشعر الجاهلي فيه موضوع كثير ، غير أنّ ذلك لم يكن غائباً عن القدماء ، فقد عرضوه على نقد شديد ، تناولوا به رواته من جهة، وصيغه وألفاظه من جهة ثانية. أو بعبارة أخرى عرضوه على نقد داخلي وخارجي دقيق . ومعنى ذلك أنهم أحاطوه بسياج محكم من التحري والتثبت ، فكان ينبغي أن لا يبالغ المحدثون من أمثال مرجليوث وطه حسين في الشك فيه مبالغة تنتهي إلى رفضه ، إنّما نشك حقّاً فيما يشك فيه القدماء ونرفضه ، أما ما وثقوه ورواه أثباتهم من مثل أبي عمرو بن العلاء والمفضل الضبّي والأصمعي وأبي زيد فحريٌّ أنْ نقبله ما داموا قد أجمعوا على صحته. ومع ذلك ينبغي أنْ نخضعه للامتحان وأنْ نرفض بعض ما رووه على أسس علميّة منهجية لا لمجرّد الظن ، كأنْ يُرْوَى لشاعر شعرٌ لا يتصل بظروفه التاريخية ، أو تجري فيه أسماء مواضع بعيدة عن موطن قبيلته، أو يضاف إليه شعر إسلامي النزعة ، ونحو ذلك مما يجعلنا نلمس الوضع لمساً"() .
ونقول نحن : لو قارنّا بين ما أثاره طه حسين وبعض المستشرقين أمثال مرجليوث ونولدكه ؛ لوجدنا أنّ هناك تقارباً بل اتفاقاً ملحوظاً ؛ وهذا مما يؤكّد لنا أنّ كلام طه حسين هو كلام هؤلاء المستشرقين إنْ لم يكن قد تشبع به بفضل دراسته على أيديهم وتتلمذه على كتبهم وأبحاثهم فضلاً عن ترجمته لكلامهم ونقله إلينا بلسانه العربيّ المبين ؟!!
وخطورة الأمر: أنّ هؤلاء المستشرقين وأذنابهم حين أثاروا هذه القضيّة كانوا يرمون إلى مرمى خبيث ؛ حيث عرفوا مكانة الشعر الجاهلي ، وأدركوا أنّ علماء المسلمين منذ الصدر الأول للإسلام قد شعروا بحاجتهم إلى الشعر العربيّ ؛ للاستعانة به في فتح مغاليق الألفاظ والأساليب الغريبة الموجودة في القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية الشريفة ؛ فأكبوا عليه يروونه ويحفظونه ويدرسون أساليبه ومعانيه وما يدور فيه من ذكر لأيام العرب ووقائعهم . ولولا هذا الباعث الديني ؛ لاندثر الشعر الجاهلي، ولم يصل إلينا منه شيء () .
يقرّر هذه الحقيقة أبو حاتم الرازي ؛ فيقول: "ولولا ما بالناس من حاجة إلى معرفة لغة العرب ، والاستعانة بالشعر على العلم بغريب القرآن ، وأحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، والصحابة والتابعين ، والأئمة الماضين ؛ لبطل الشعر ، وانقرض ذكر الشعراء ، ولعضَّ الدهر على آثارهم ، ونسي الناس أيامهم" () .
ويقول ابن عباس - رضي الله عنه - : "إذا سألتموني عن غريب القرآن ، فالتمسوه في الشعر ؛ فإن الشعر ديوان العرب" () .
من هنا ؛ أدرك المستشرقون هذه الحقيقة ؛ فعملوا على رفضه ؛ حتى يغلقوا علينا باباً من أهم الأبواب لفهم كتاب الله المجيد !















رد مع اقتباس