عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 19-Aug-2009, 08:46 PM رقم المشاركة : 110
معلومات العضو
متعب العصيمي
مشرف سابق
إحصائية العضو






التوقيت


متعب العصيمي غير متواجد حالياً

افتراضي

الحديث الثاني والتسعون

عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏(‏دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ، إلا ما أخذته من ماله بغير علمه‏.‏ فهل عليَّ في ذلك من جناح‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك‏)‏ متفق عليه‏.‏

أخذ العلماء من هذا الحديث فقهاً كثيراً‏.‏ سأشير إلى ما يحضرني‏.‏

منه، أن المستفتى والمتظلم يجوز أن يتكلم بالصدق فيمن تعلق به الاستفتاء والتظلم، وليس من الغيبة المحرمة، وهو أحد المواضع المستثنيات من الغيبة‏.‏ ويجمع الجميع، الحاجة إلى التكلم في الغير؛ فإن الغيبة المحرمة ذكرك أخاك بما يكره‏.‏ فإن احتيج إلى ذلك – كما ذكرنا وكما في النصيحة الخاصة، أو العامة، أو لا يعرف إلا بلقبه – جاز ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود‏.‏

ومنه‏:‏ أن نفقة الأولاد واجبة على الأب، وأنه يختص بها، لا تشاركه الأم فيها ولا غيره‏.‏

وكذلك فيه‏:‏ وجوب نفقة الزوجة، وأن مقدار ذلك الكفاية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك‏)‏ وأن الكفاية معتبرة بالعرف بحسب أحوال الناس‏:‏ في زمانهم ومكانهم، ويسرهم وعسرهم، وأن المنفق إذا امتنع أو شحَّ عن النفقة أصلاً أو تكميلاً، فلمن له النفقة أو يباشر الإنفاق أن يأخذ من ماله، ولو بغير علمه‏.‏ وذلك لأن السبب ظاهر‏.‏ ولا ينسب في هذه الحالة إلى خيانة‏.‏ فلا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا تخن من خانك‏)‏‏.‏

وهذا هو القول الوسط الصحيح في مسألة الأخذ من مال من له حق عليه بغير علمه بمقدار حقه‏.‏ وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد، أنه لا يجوز ذلك، إلا إذا كان السبب ظاهراً، كالنفقة على الزوجة والأولاد والمماليك ونحوهم‏.‏ وكحق الضيف‏.‏

ومنه أن المتولي أمراً من الأمور يحتاج فيه إلى تقدير مالي، يقبل قوله في التقدير؛ لأنه مؤتمن، له الولاية على ذلك الشيء‏.‏

ومنه‏:‏ أن المستفتى فتوى لها تعلق بالغير إذا غلب على ظن المسؤول صدقه‏:‏ لا يحتاج إلى إحضار ذلك الغير‏.‏ وخصوصاً إذا كان في ذلك مفسدة، كما في هذه القضية؛ فإنه لو أحضر أبا سفيان لهذه الشكاية لم يؤمن أن يقع بينه وبين زوجه ما لا ينبغي‏.‏

وليس في هذا دلالة على الحكم على الغائب؛ فإن هذا ليس بحكم‏.‏ وإنما هو استفتاء ‏.‏ والله أعلم‏.‏