عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 15-Nov-2011, 03:59 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
د/ نايف العتيبي
إدارة القسم الإسلامي
(دكتوراه في الإدارة التربوية والتخطيط - باحث في العلوم الشرعية والتراث الإسلامي)

الصورة الرمزية د/ نايف العتيبي

إحصائية العضو






التوقيت


د/ نايف العتيبي غير متواجد حالياً

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى د/ نايف العتيبي
افتراضي " في خــبــر كان " مقالي الجديد في سبق

في خبر كان




ما كان قط بظني أن ترحلوا عن ناظري ... وتتركوني معنى معثر الخطـــــــــــوات
كان الحمى يجمعنا فديت أيام الحمى ... ليـــلات كنا وكنتم يا طيبها ليــــــلات
ليلات أنس كانت ألذ من طيب الكرا... البين مشغول عنا والوقت في غفلات
من يوم ودعتموني ودعت لذات الهوى... وقلت للنفس صوني قد ماتت اللذات
لم يبق للعيش معنى من بعدكم وحياتكم... أنس الخلايق وحشة والاجتماع شتات



سامح الله هذا الشاعر الذي أوجع المسامع وعكر الذائقة بـ(كان) وما حدث بعدها. إن (كان) هنا كلها حسرات؛ توجد على وقت غابر جميل ذهب وانقضى، وصحبة جميلة تولت، وأنس انقطع ولم يبقَ منه شيء. ذهبت اللذة، وبقيت الحسرة والوَجَد!!
(كان) مثل (لو) نسبياً في تعاطي الخبر الماضي الفائت الذي لا يمكن أن يعود، وأخشى أنها في هذه الحالة تفتح عمل الشيطان "بالحسرات".
أما ترى أنها جاءت مع (لو) كما في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» رواه مسلم.

أهل اللغة يقولون إن خبر (كان) يشبه الفاعل من حيث الرفع، ولكنهم يقولون أيضاً إنه وإن شُبِّه بالفاعل في ارتفاعه فليس في الحقيقة فاعلاً!!

عندما يُفتخر بأمجاد الماضي بـ(كان) والحاضر بئيس فإن (كان) واقعياً ليس لها محل من الإعراب!!
وعندما نستخدم (كان) لشحذ الهمة فإنها ترفع اسمها وتقرِّب الخبر، وما أجملها حينئذ!
وفي ذلك يقول القائل:

لَسْنَا وإنْ أَحْسَابُنَا كَرُمَتْ... أبدا عَلَى الأحساب نَتّكِلُ
نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أوائلُنا تبني... ونفعل مثل مَا فَعَلُوا


إن النطق بـ (كان) الماضي لا يسعف الحال عند مأزق الحاضر!
يتندر الناس أحياناً من شيء عند خرابه وزواله بعبارة أنه ذهب (في خبر كان)، أي أن خبرها ليس مرفوعاً ذكره بل مخفوضاً.. وهذا جيد، ويدعو للتأمل!!
ما أعجز الكع – والكع والكاع الجبان العاجز - الذي يسهل عليه دائماً التغني بــ (كان) بلسان الحال القائل:
كان أبي كرما وسودا
يلقى على ذي اللبد الحديدا

وما أسهل أن يرد عليه بقول القائل:

ليس الفتى بفتى لا يستضاء به... ولا يكون له في الأرض آثار


ليس من قبيل الأسى على الماضي مثل قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ..}الآية (213) سورة البقرة، ولكنها لرفع الهمة والبشارة لما سيكون في عهد جديد من بعثة الأنبياء للحنيفية، وهي الميل عن ماضي الناس البئيس إلى حاضر مشرق بتنوير العقول والأفئدة وصرفها إلى عبودية الله وحده ونبذ الشركاء، فكان الناس في حين من الزمن على الشرك وقد خلقهم الله حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم، وأغرقت عقولهم وأمالتهم ميلاً عظيماً؛ لتصرف أفئدتهم إلى الركض وراء الدنيا، ونسوا إرادة ربهم بهم {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} (27) سورة النساء.
إن من أبلغ العجز أن ترى الناس في أحيان كثيرة يستخدمون (كان) لتمجيد الماضي وتلميعه واستحضار مآثر الآباء والأجداد؛ لسداد الخلل الحاضر، وقد يعملونها للترغيب والترهيب، وهذا يكون جميلاً بشهادة الحاضر الحسن وسلامة الطريق والمنهج، أما إن كان حاضرهم باهتاً وطريقه للمستقبل منحدراً فإنهم حتماً سيصبحون في خبر كان. والله المستعان.

المصدر ( للمشاركة بالتعليق ) :



http://sabq.org/sabq/user/articles.do?id=846
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدكتور/ نايف بن محمد العصيمي















التوقيع
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
رد مع اقتباس