عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 26-Apr-2008, 07:43 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
عبدالله الجريسي

رابطة محبي الهيلا


الصورة الرمزية عبدالله الجريسي

إحصائية العضو





التوقيت


عبدالله الجريسي غير متواجد حالياً

افتراضي

تعذيب المستضعفين

منع الله عز وجل وحمى رسوله الكريم ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بعمه أبي طالب ، وأما المستضعفون السابقون للإسلام فقد نالهم عذاب قريش ، لا لشيء إلا لأنهم قالوا: لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، هؤلاء لم تكن لهم عشائر تحميهم ، وليست لهم قوة يمنعون بها أذى المشركين لذلك وثبت كل قبيلة على من فيها منهم ، فجعلت تحبسهم وتضربهم ، وتمنع عنهم الطعام والشراب وتصليهم النار ، وتجعل بعضهم على الرمضاء {1} ، ومع ذلك فقد استقر الإيمان في قلوبهم ومن هؤلاء المستضعفين : عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه: الذي كان أول من جهر بالقرآن الكريم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا : والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط ، فمن رجل يقوم بهذه المهمة ؟؟ فقال عبد الله بن مسعود : أنا . فقالوا : إنا نخشاهم عليك ، إنما نريد رجلا له عشيرة ، يمنعونه من القوم إن أرادوه ، قال : دعوني فإن الله سيمنعني. فقام ابن مسعود حتى أتى المشركين في الضحى ، وبدأ يقرأ بصوت مرتفع

الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان 2

فسمع المشركون وتأملوه وجعلوا يقولون : ماذا قال ابن أم عبد ؟ ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد ، فقاموا إليه وجعلوا يضربونه على وجهه وهو يقرأ دون توقف ، إلى أن جاء أبو جهل فلطمه فشق أذنه وأدماه ، فانصرف عبد الله وعينه تدمع . فلما رآه الرسول الكريم ،صلى الله عليه وآله وسلم ، رق قلبه ، وأطرق رأسه مغموما ، فإذا جبريل قد جاء ضاحكا . فقال له : "يا جبريل أتضحك وابن مسعود يبكي " فقال جبريل : الأذن بالأذن والرأس زيادة . وفي بدر ذبح عبد الله بن مسعود أبا جهل وقطع أذنه وأخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . الذي يقول عنه : " من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا فليقرأه على ابن أم عبد {3} " . ومن هؤلاء الذين صبروا على أذى وتعذيب المشركين لهم ، والذين ورغم الوحشية التي عوملوا بها ، ظل قلبهم العامر بالإيمان يخفق بذكر الله سبحانه وتعالى : بلال بن رباح الحبشي وأمه حمامة : الذي كان عبدا لأمية بن خلف الجمحي ، والذي كان يلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتلقى على ظهره وصدره ويقول له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تترك هذا الدين الذي جاء به صاحبك وتعبد اللات والعزى فيقول بلال رضي الله عنه : أحد ، أحد . إلى أن مر به يوما أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه وهو يعذب فقال ألا تتقي اللع في هذا المسكين . فقال أمية : أنت أفسدته فأنقذه . ووجدها أبو بكر ، فرصة سانحة فاشتراه منه وأطلق سراحه ، وبلال رضي الله عنه أول من أسلم من العبيد ن إذ هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وقتل سيده أمية بن خلف . ومن هؤلاء أيضا : عمار ووالده ياسر وأمه سمية : الذين أسلموا في أوائل الدعوة الإسلامية ولاقوا على يد أبي جهل مر العذاب ، إذ كان يخرجهم إلى الصحراء عندما تتوسط الشمس قرص السماء ، فتلتهب الرمال ، ثم يلقيهم فوقها دون أن يستر جسدهم شيء ، أما النبي ،صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان يتمزق ألما وحزنا كلما رآهم وكان يقول لهم : " صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة " . أما ياسر فكان يردد كلام الله عز وجل ويقول

سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله 4 إلى أن مات ياسر رضي الله عنه تحت وطأة العذاب ، أما زوجته سمية رضي الله عنها فقد رفعت صوتها غاضبة في وجه أبي جهل ، فطعنها بحربة فقتلها ، فهي أول شهيدة في الإسلام ، كما أن زوجها ياسر ، أول شهيد في الإسلام ، أما عمار ، فقد ضوعف له العذاب وشدد ، وأقسم المشركون بأوثانهم ، قاتلهم الله ، قائلين لعمار : سنظل نعذبك حتى تترك دينك أو تسب محمدا ، وتمدح آلهتنا وتقول فبها خيرا ، ففعل عمار تحت وطأة التعذيب فتركوه ، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، باكيا ، وقص له ما جرى وما قال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " فكيف تجد قلبك " ، قال عمار ك أجده مطمئنا بالإيمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " يا عمار إن عادوا فعد . فأنزل الله تعالى

إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان 5

أما خباب بن الأرت: فقد أسلم بعد سبعة رجال ، وناله العذاب الشديد كما نال غيره من المؤمنين الصابرين ، فكان المشركون يجردونه من ثيابه ويلقونه فوق الرمال المحرقة ، أو يضعون فوقه الحجارة المحماة بالنار ، دون أن يجيبهم إلى ما يريدونه ، إلى أن أفتدى نفسه من سيده ، سباع بن عبد العزى . ومن هؤلاء المؤمنين الأوائل : صعيب بن سنان المعروف بالرومي ، وذلك أن الروم أسروه صغيرا ثم باعوه فنسب إليهم ، وكان يعذب في الله عذابا شديدا بعد إسلامه ، ولما أراد الهجرة إلى المدينة ، منعته قريش ، فافتدى نفسه بماله كله ، فرارا بدينه ومحبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنهم أيضا: عامر بن فهيرة الذي كان مستضعفا يعذب ي الله ، فلم يرجع عن دينه ، إلى أن اشتراه أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، فأعتقه ، ولما هاجر النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، كان عامر معهما يحاول إخفاء آثار أقدامهما بالغنم الذي كان يرعاه . وفي معركة " بئر معونة " . استشهد عامر فقال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة : فزت ورب الكعبة . ومنهم أيضا : أبو فكيهة واسمه أفلح ، كان عبدا لصفوان بن أمية بن خلف ، أسلم مع بلال ، فأخذه أمية بن خلف وربط في رجله حبلا وجره حتى ألقاه فوق الرمال التي تتلظى نارا ، ومر به حيوان يدعى "جعل " {6} فقال له أمية ساخرا : أليس هذا ربك ؟ . فقال أبو فكيهة : الله ربي وربك ورب هذا ، فخنقه خنقا شديدا ، ومعه أخوه أبي بن خلف يقول له : زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره ، ومر به أبو بكر ، رضي الله عنه ، فاشتراه وأعتقه ، وحتى النساء لم تفلت من أذى المشركين وتعذيبهم ومن بين هؤلاء اللواتي صمدن رغم العذاب الشديد امرأة يقال لها : زنيرة ، فقد عذبت حتى عميت ، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى قد فعلا بك ذلك ، فقالت : إن اللات والعزى لا يدريان من يعبدهما ، ولكن هذه إرادة الله عز وجل ، وإن شاء رد بصري ، فلما أصبحت زنيرة رد الله بصرها ، فقالت قريش : هذا سحر من محمد ، ثم اشتراها أبو بكر رضي الله عنه ، فأعتقها ، وفيها وفي أمثالها يقول أبو جهل: ألا تعجبون لهؤلاء وأتباعهم ، لو كان ما أتى به محمد خيرا ما سبقونا إليه ، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد فأنزل الله تعالى ردا على قوله

وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليهم 7

وهناك عزيزي القارىء ، غير هؤلاء ممن عذب في الله ، اكتفينا بذكر أشهرهم ، لتعرف أن ما ملأ الإيمان قلبه لن يضل أبدا







الهجرة الأولى


رأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ما يتعرض له أصحابه من الأذى والبلاء وما هو فيه من العافية ، لمكانته من الله عز وجل ، ولحماية عمه أبي طالب وأنه عليه الصلاة والسلام ، لا يستطيع دفع البلاء عنهم ، رق لحالهم وأشفق عليهم ، ورأى أن يخلصهم مما هم فيه . فقال لهم : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة ، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه " . فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى أرض الحبشة ، مخافة الفتنة ، وفرارا إلى الله بدينهم . فكانت هذه الهجرة أول هجرة في الإسلام . ومن بين هؤلاء الذين فروا بدينهم إلى الحبشة : عثمان بن عفان رضي الله عنه وزوجته رقية بنت رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، والزبير بن العوام بن خويلد ، ومصعب بن عمير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو سلمة بن عبد الأسد وأمرأته ، أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ، وجعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس ، وعمرو بن سعيد بن العاص وأمرأته فاطمة بنت صفوان ، وعبد الله بن جحش وأخوه عبيد الله بن جحش وأمرأته حبيبة بنت أبي سفيان ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم حتى بلغ عدد المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين ما عدا أولادهم الصغار الذين خرجوا مع ذويهم : اثنا عشر رجلا ، وأربع نساء





إسلام عمر بن الخطاب


قويت شوكة المسلمين ، وفرحوا فرحا عظيما بنصرة النجاشي للمهاجرين إليه ، وخاصة بعد أن أسلم عمر بن الخطاب ، وكان رجلا قويا صلدا لا يخشى أحدا ، وبعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحبشة ، جهر كثير من المسلمين وأصبحوا يصلون في الكعبة ، ولم يكن يستطيعون من قبل أن يصلوا عند الكعبة ، فلما أسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه ، وبإسلام عمر ، رضي الله عنه ، استجاب الله عز وجل لدعاء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو ابن هشام " . أما سبب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فهو أنه كان شديدا على المسلمين كثير العذاب لهم ، يتعرض لهم بالسوء أينما وجدهم . وحدث أن أخته فاطمة بنت الخطاب قد أسلمت ، وأسلم زوجها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر ، وكان نعيم بن عبد الله النحام قد أسلم أيضا ، وكان يستخفي بإسلامه خوفا من قومه ، وكان خباب بن الأرت يذهب إلى فاطمة بنت الخطاب ، يقرئها القرآن ، فخرج عمر يوما متوحشا سيفه يريد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ورهطا {1} من أصحابه ، قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، ومع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عمه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين ، وعدد من المسلمين ، ممن لم يخرجوا إلى أرض الحبشة ، فصادفه نعيم بن عبد الله فقال له : أين تريد يا عمر ؟ فقال عمر: أريد محمدا هذا الصابىء {2} ، الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله . فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر . أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيهم أمرهم {3} ؟ . فقال عمر : وأي أهل بيتي ؟ قال نعيم : صهرك وابن عمك سعيد بن زيد ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد أسلما وتابعا محمدا على دينه ، فعليك بهما . عاد عمر قاصدا صهره وأخته ، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها "طـه" يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر ، نهض خباب واختبأ في ركن من البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة وخبأتها ، وكان عمر قد سمع حين دنا من البيت قراءة خباب عليهما . فلما دخل قال : ما هذا الكلام الذي سمعته ؟ ! قالا : ما سمعت شيئا . فقال عمر : بلى والله ، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه . ثم ضرب صهره سعيد بن زيد ، فقامت أخته فاطمة لتمنعه عن زوجها فضربها عمر وشجها {4} . فلما فعل ذلك قالت له أخته وصهره : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك . فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ، ندم على ما صنع ، ورجع إلى رشده ، وقال لأخيه : أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤونها ، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد . فقالت له أخته : إنا نخشاك عليها . فقال عمر : لا تخافي ، وحلف لها بآلهته ، ليردنها إذا قرأها إليها . فطمعت فاطمة في إسلامه وقالت له : يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر فاغتسل ، فأعطته الصحيفة قرأها فلما قرأ منها شيئا قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! عندئذ خرج خباب إليه وقال له : يا عمر ، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو ابن هشام " . فقال عمر عند ذلك : فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ن فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا ، ومعه رهط من أصحابه ، فانطلق عمر متوشحا سيفه إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فضرب عليهم الباب ، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فنظر من شق الباب فرآه متوشحا السيف ، فرجع إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو فزع وقال : هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف . فقال حمزة بن عبد المطلب : دعه يدخل ، فإن كان يريد خيرا بذلناه له ، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه ، فلما دخل ، نهض إليه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذ بجمع ردائه ، ثم جبذه {5} جبذة شديدة . وقال : ما جاء بك يا ابن الخطاب ؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة {6} . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، جئتك لأؤمن بالله ورسوله ، وبما جاء من عند الله فكبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أن عمر قد أسلم . فتفرق أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم من مكانهم ، وقد أخذتهم العزة في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة ، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أسلم بعد تسع وثلاثين رجالا ، وثلاثة وعشرين امرأة ، وذلك في السنة السادسة من البعثة النبوية




انشقاق القمر


بعد أن رأى المشركون أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يستجيب إلى مطالبهم التي عرضوها عليه كما رأينا في القصة السابقة ، ورغم العذاب الذي لحق أصحابه والأذى الذي لحقه هو نفسه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، دخلوا عليه من باب آخر ولجؤوا إلى أسلوب التعجيز فطلبوا منه آيه أو برهانا على صدق دعوته وقالوا: إن كنت صادقا في دعواك ، فأتنا بآية نطلبها منك ، وهي أن تشق لنا القمر فرقتين ، فأعطاه الله تعالى هذه المعجزة وانشق القمر فرقتين ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : " اشهدوا " . وقد ذكر القرآن خبر انشقاق القمر إذ قال سبحانه وتعالى

اقتربت الساعة وانشق القمر 7

وعندما رأى المشركون المعاندون هذه المعجزة الكبرى قالوا: لقد سحركم ابن أبي كبشة فأنزل الله تعالى قوله فيهم

وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر 8

ولكن كيف يرجى الإيمان ممن قالوا

اللهم إن كان هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب أليم 9
ولو كان فيهم خيرا لقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق فاهدنا إليه





الهجرة الثانية إلى الحبشة


لما عجزت قريش عن مقاومة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالحجة والبراهين ، لجأت إلى تصعيد العنف والقوة ضد المسلمين وخاصة منهم هؤلاء الذين عادوا إلى مكة قادمين من الحبشة بعد أن سمعوا بإسلام حمزة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، كما أنهم سمعوا أن أهل مكة قد أسلموا ، فعادوا فرحين بإسلام قومهم ، إلا أنهم عرفوا باطل ما سمعوا عندما وصلوا إلى مشارف مكة المكرمة . وكان النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم قد جلس مع المشركين فأنزل الله سبحانه وتعالى عليه

والنجم إذا هوى (1) ، ما ضل صاحبكم (2) وما غوى ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحي علمه شديد القوى ذو مرة (3) فاستوى (4) وهو بالأفق الأعلى 5

وتابع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم فأكملها فسجد وسجد معه كل من كان هناك من المسلمين والمشركين ، فظن بعضهم أن المشركين قد أسلموا ، وعندما رأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ما حل بالمسلمين من أصحابه من سوء العذاب ، أمرهم أن يهاجروا إلى الحبشة . فقال له عثمان بن عفان ، رضي الله عنه وكان من العابدين : يا رسول الله هاجرنا المرة الأولى ، وهذه المرة الثانية إلى النجاشي ، ولست معنا . فأجابه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : " أنتم مهاجرون إلى الله وإلي فلكم هاتان الهجرتان جميعا " فقال عثمان : فحسبنا يا رسول الله





رسولا قريش إلى النجاشي


غضبت قريش لما رأت أن أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم قد هاجروا وتركوا مكة إلى الحبشة حيث وجدوا الأمن والاطمئنان وأصابوا الدار والقرار ، فاجتمع رؤوس الكفر والشرك فيها وقرروا أن يبعثوا رجلين من قريش قويين جلدين إلى النجاشي ملك الحبشة ، الذي كان يدين بالنصرانية ، ليحاولوا إعادة المسلمين إلى مكة ويخرجوهم من دارهم التي أطمأنوا بها وسكنوا إليها فأرسلوا عبد الله بن أبي ربيعة {6} وعمر بن العاص بن وائل ، وجمعوا لهما هدايا ثمينة للنجاشي ، ثم بعثوهما إليه . وعن رسولي قريش هذين ن تروي لنا المهاجرة أم سلمة بنت أبي أمية التي تزوجها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قصتهما فتقول : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه ، فلما بلغ ذلك قريشا ن ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين منهم جلدين ، وأن يهدوا النجاشي هدايا ثمينة من متاع مكة فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق من بطارقة النجاشي هديته ن قبل أن تكلما النجاشي فيهم ، ثم قدما إلى النجاشي هداياه ، ثم اسألاه أن يسلم المسلمين إليكما قبل أن يكلمهم . ففعل الرسولان مثل ما أمرا وقالا لكل بطريق منهم : إنه قد لجأ إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاؤوا بدين مبتدع ، لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك أشراف قومهم لنردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم ، فاشيروا عليه أن يسلمهم إلينا . فقالوا لهما : نعم ثم أن الرسولين قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه وقالا له : أيها الملك ، إنه قد لجأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاؤوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لنردهم إليهم . فقالت بطارقة الملك : صدقا أيها الملك العظيم ، فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم . فغضب النجاشي وقال : لا والله لا أسلمهم إليهما ، فقد جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم . ثم أرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما جاءهم رسوله ، اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للملك إذا جئتموه ؟ قالوا: نقول ما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وليكن من شأننا ما يكون ، فلما وقفوا أمام النجاشي ، سألهم فقال ك ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ، ولا في دين أحد ؟ فقال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه : أيها الملك كنا في الجاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي بالفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونترك ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم {7} ، وحسن الجوار ن والكف عن المحارم ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله ، لكن قومنا عذبونا ، وحاولوا ردنا عن ديننا ، إلى عبادة الأوثان ، فلما اشتد عذابهم لنا ولم يبق لنا حيلة في أمرنا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك . فقال النجاشي : هل معك شيء مما جاءكم به رسولكم ؟؟ قال جعفر بن أبي طالب : نعم . فقال له النجاشي : فاقرأه علي . فقرأ جعفر عليه شيئا من سورة مريم . والنجاشي يصغي حتى أسبلت عيناه بالدموع وابتلت لحيته . ثم قال لهم : إن هذا والذي جاء به عيسى لمن كلام الله تعالى ، انطلقوا فلا والله لا أسلمكم لأحد أبدا . ثم حاول رسولا قريش أن يوغروا صدر النجاشي ، بما يقوله المسلمون عن عيسى عليه الصلاة والسلام ، من أنه عبد من عباد الله ، أرسله هاديا للناس ، فلم يلتفت إليهما النجاشي وخرجا من عنده مطرودين . هذا وبعد الهجرة إلى الحبشة وعودة من عادوا بدأت قريش خطة جديدة في مقاومة النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي ثبت مع أصحابه وقاوم إغراءات قريش وأساليبها الوحشية ، إلى أن أعلنت قريش عن فرض المقاطعة التامة وكتبت في ذلك صحيفة علقتها على أستار الكعبة















رد مع اقتباس