عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 26-Apr-2008, 07:41 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عبدالله الجريسي

رابطة محبي الهيلا


الصورة الرمزية عبدالله الجريسي

إحصائية العضو





التوقيت


عبدالله الجريسي غير متواجد حالياً

افتراضي

القرآن المعجز


ضاقت الحيل بالمشركين ، وباءت محاولاتهم في ثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عما جاء به بالفشل الذريع ، ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بعث ليبشر الناس بالدين الجديد ، وليحطم أصنامهم ويبدل عاداتهم وتقاليدهم المنافية للإسلام ، فهو ماض في ذلك ، لا تزعزع عزيمته حيلة أو تعذيب أو اضطهاد ، يعنيه الله عز وجل ، لتتم كلمة الله سبحانه وتعالى ، ولينشر الأمن والسلام ، ويعم الإسلام أرجاء المعمورة ، فما كان من المشركين إلا أن ازدادوا جبروتا وعنادا وأخذوا يصبون جام غضبهم وحقدهم على المسلمين ، وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحاولوا الإساءة إليه بما وصفوه من أوصاف ، كانوا هم أنفسهم يشكون في صحة نسبتها إليه ، وذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما حاولوا التشكيك بالقرآن الكريم ، الذي كانوا إذا سمعوه خشعت قلوبهم وشخصت أبصارهم ، وحاوت عقولهم ، فهم أهل بلاغة وفصاحة ، ولم يسمعوا من قبل بهذا الكلام المعجز ، وها هو الوليد بن الغيرة أحد رؤوس الكفر والشرك ، يجتمع إليه نفر من قريش فيقول لهم: يا معشر قريش ، إنه قد حضر الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم إليكم ، ولا بد أنهم سمعوا بأمر صاحبكم ، فوحدوا فيه رأيكم ولا تختلفوه فيكذب بعضكم بعضا . فقالوا : نقول كاهن . قال الوليد : لا والله ماهو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بكلامهم ولا سجعهم . فقالوا : نقول مجنون . قال الوليد : ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه . فقالوا : نقول شاعر . قال الوليد : ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله ، فما هو بالشعر . فقالوا : نقول ساحر . قال الوليد : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم . فقالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس . قال الوليد والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق {1} ، وما أنتم بقائلين من هذا الشيء إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه ، أن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر ، يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته . ثم أمرهم أن يشيعوا هذا بين الناس ، فجعلوا يجلسون بسبل {2} الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره . فأنزل الله سبحانه وتعالى في الوليد بن المغيرة الآيات التالية

ذرني (3) ومن خلقت وحيدا . وجعلت له مالا ممدودا (4) . وبنين شهودا (5) . ومهدت له تمهيدا . ثم يطمع أن أزيد . كلا إنه كان لآياتنا عنيدا . سأرهقه صعودا (6) . إنه فكر وقدر . فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر . ثم نظر ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر . فقال إن (7) هذا إلا سحر يؤثر . إن هذا إلا قول البشر 8



كما أنزل الله سبحانه وتعالى في النفر الذين كانوا مع الوليد بن المغيرة ، والذين تفننوا في وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

كما أنزلنا على المقتسمين . الذين جعلوا القرآن عضين (9) . فو ربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون 10





استمرار العداوة


اشتد أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأغروا به سفهاءهم فكذبوه وآذوه ، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مظهر لأمر الله عز وجل ، كاره لآلهتهم ، مسفه لأحلامهم ، ولذلك فهم لم يدخروا جهدا في محاولة الطعن به ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال قائلهم في مجتمع لهم : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم . فبينما هم في مجتمعهم هذا ، إذ مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، طائفا بالبيت ، فلما مر بهم غمزوه وطعنوا به بالأقوال البذيئة فظهر أثر هذا في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم مر بهم ثانية فغمزوه وألقوا إليه كلاما قبيحا ، وكذلك فعلوا عندما مرة بهم للمرة الثالثة ، فوقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : " أتسعون يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده ، لقد جئتكم بالذبح {1} " . فران الصمت عليهم عندما سمعوا قوله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخذتهم رجفة وخوف . حتى قال أحدهم : انصرف يا أبا القاسم ، فو الله ما كنت جهولا . وفي اليوم التالي ، اجتمع المشركون ، فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ، وأحاطوا به ، يقولون : أنت الذي تقول كذا وكذا . فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " نعم أنا الذي أقول ذلك " فقام أحدهم وأمسك بمجمع ردائه . فقام إليه أبو بكر ، رضي الله عنه ، وهو يبكي ويقول : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله





عروض قريش



لجأت قريش إلى أساليب مختلفة ، في محاولة منها لإسكات صوت الحق والإيمان ، الذي حمل لواءة سيد المرسلين ، محمد ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وها هي تلجأ إلى أسلوب جديد ، عله يفيد في إطفاء نور الهدى والإيمان ، والله عز وجل يريد لنوره أن يتم ويعم البشرية كلها ، وها هو زعيم من زعماء قريش ، وهو عتبة بن ربيعة ، يقف في نادي قريش قائلا : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكمله ، وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ . فقالوا: بلى يا أبا الوليد ، قم إليه فكلمه . فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : يا بن أخي ، إنك منا حيث قد علمت من الشرف والرفعة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها . فسمع إله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمره أن يعرض ما جاء به . فقال عتبة : با ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا ، فجمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك {2} علينا حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا {3} تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك {4} منه . حتى إذا فرغ عتبة من كلامه . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اسمع مني

حـم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة (5) مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر (6) ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون 7

ومضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرؤها عليه . فلما سمعها عتبة أنصت ، وألقي يديه خلف ظهره ، ثم انتهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك . ثم انصرف عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فآعتزلوه ، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه لنبأ عظيم ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر {8} على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به . فقالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه . وقريش ما لجأت إلى هذا الأسلوب الجديد ، إلا عندما ازدادت قوة المسلمين ، وأخذوا يزيدون ويكثرون ، وخاصة بعد أن دخل في الأسلام ، أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة وعزيمة : حمزة بن عبد المطلب






قريش تطلب البراهين


أخذ الإسلام ينتشر ويشيع بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء ، وقريش تحبس من استطاعت على حبسه ، وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين ، لكن قريشا أفزعها خطر المسلمين ، وهالها انتشارهم وكثرة عددهم ، فاجتمع رؤساء قريش بعد غرب الشمس قرب الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه ، فبعثوا إليه : إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فأتهم . فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريعا ، وهو يظن أن ما كلمهم به عتبة بن ربيعة قد أثر فيهم فعدلوا عن رأيهم . وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويخشى ضلالهم فقالوا له ك يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك ، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب ، أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وشتمت الآلة ، وسفهت الأحلام ، وفرقت الجماعة ، فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك . ثم عرضوا عليه ما عرضه عليه عتبة بن ربيعة من قبل . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما بي ما تقولون ، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل علي كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم . فقالوا له : يا محمد ، فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك ، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ، ولا أقل ماء ، ولا أشد عيشا منا ، فسل لنا ربك الذي بعثك ، فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليفجر لنا فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، فنسألهم عما تقول : أحق هو أم باطل ، فإن لم تستطع ، فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة ، يغنيك بها عما نراك تبتغي ، فإنك تقوم بالأواق ، كما نقوم ، وتلتمس المعاش كما نلتمسه ن حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك ، إن كنت رسولا كما تزعم ، فلما أجابهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكد لهم أنه ما بعث إلا بشيرا ونذيرا ، قالوا : فأسقط السماء علينا كسفا . كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ، فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل ما طلبناه منك وقال قائلهم ك نحن لا نعبد إلا الملائكة ، وهي بنات الله ، وقال آخر : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة . لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام عنهم وانصرف يصحبه عبد الله بن أبي أمية الذي قال له : يا محمد . عرض عليك قومك ما عرضوا ، فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ، ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل ، ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ، ومنزلتك من الله فلم تفعل ، ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب ، فلم تفعل فوالله لا أومن بك أبدا ، حتى تتخذ إلى السماء سلما ، ثم ترقى فيه وأنا انظر إليك حتى تأتيها ، ثم تأتي معك أربعة من الملائكة ، يشهدون لك أنك كما تقول ، والله , لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حزينا أسفا ، على قومه الذين كان يأمل أن يلبوا دعوته ويؤمنوا بالله ورسوله . فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام أبو جهل وقال : يا معشر قريش ، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من غيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا ، وسب آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته شققت به رأسه ، فافعلوا بي بعد ذلك ما تشاؤون فقالوا له : والله لا نفعل بك شيئا ، ولا نسلمك لأحد . فلما أصبح أبو جهل ، أخذ حجرا ، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما كان يغدو . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وقبلته إلى الشام فقام يصلي ، وقريش تنتظر ما أبو جهل فاعل ، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه ، حتى إذ دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه {1} مرعوبا قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده ، وقامت {2} إليه رجال قريش ، فقالوا له ك ماللك يا أبا الحكم ؟ . قال : قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، لا والله ما رأيت مثل هامته {3} ولا مثل أنيابه ، فهم بي أن يأكلني فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بما كان أبو جهل ينوي فعله قال : ذلك جبريل عليه السلام ، لو دنا لأخذه





قريش تسأل أحبار اليهود


لما سمعت قريش ما قاله أبو جهل ، وقف النضر بن الحارث أحد مشركي مكة ، يقدم النصيحة إلى قومه قائلا: يا معشر قريش ، انظروا في شأنكم ، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم ، عندئذ ، أرسلت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة وقالوا لهما : أسألوهما عن محمد ، وصفا لهم صفته ، وأخبراهم بقوله ، فهم أهل كتاب ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا فسألا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووصفا لهم أمره ، فقال لهم الأحبار : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل كاذب . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وسلوه عن الروح ما هي ؟ فأقبل الرجلان على قريش وقالا : يا معشر قريش قد جئناكم بما يفصل بينكم وبين محمد ، ثم ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا : يا محمد أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، وعن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أخبركم بما سألتم عنه غدا " ولم يقل إن شاء الله ، فمكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، خمس عشرة ليلة لا يأتيه الوحي حتى أخذ القوم يتحدثون ويقولون: وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، فحزن رسول الله عليه وآله وسلم ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه الوحي بسورة أصحاب الكهف ، فيها عتاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل والطواف والروح ، ففي الفتية قال تعالى

أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا 4

وفي الرجل الطواف قال تعالى

ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا . إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا 5
وفي أمر الروح قال سبحانه وتعالى

ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي 6

وأخيرا انظر عزيزي القارىء إلى قوله عز وجل الذي يرد فيه على هؤلاء الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل أمورا طلبوها منه ليصدقوه

وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا . أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا (7) أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (8) . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا 9






إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


لم يكتف المشركون بمخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإيذائه بألسنتهم الخبيثة واتهامه بالسحر والجنون ، وبما كانوا يلقونه على مسامعه من كلام مقذع ، بل حاولوا المكيدة له ، صلى الله عليه وآله وسلم ، للتخلص منه ، على الرغم من أن أبا طالب ، كان يحاول جاهدا أن يمنع الأذى عن ابن أخيه ، ويحميه من غدرهم ، يسانده في ذلك قومه من بني هاشم وبني عبد المطلب . ومن صور الإيذاء التي تعرض لها رسول الرحمة والإنسانية ، والتي لم تزعزع من إيمانه ولم تثبط من عزيمته ، بل مضى غير عابىء بالأهوال والمصاعب ، يدعو قومه إلى الإيمان وإلى خيرهم في الدنيا والآخرة ، صلى الله عليه وآله وسلم . فبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الكعبة يصلى ، وجمع من قريش في مجالسهم إذ قال قائلهم : ألا تنظرون إلى هذا المرائي ؟ أيكم يقوم إلى هذا الجزور {1} فيعمد إلى أمعئها ودمها فيجيء بها ثم يمهله حتى إذا سجد وضع ذلك بين كتفيه ؟ فأنبعث أشقاهم عقبة بن أبي معيط ، فأتي النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ساجد فوضع هذه الأقذار بين كتفيه . أما الرسول ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد ثبت على سجوده ، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض ، وأخبرت فاطمة ابنته فجاءت تسعى حتى وصلت إليه ، فألقت الأقذار عليهم وبدأت تسبهم ، فلما انتهى من صلاته ، صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الهم عليك بقريش" ثم سمى رجالها فقال: " اللهم عليك بعمرو بن هشام ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمارة بن الوليد " . وقد سقط هؤلاء جميعهم صرعى يوم بدر . ومن صور التهكم والسخرية برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبما جاء به ، قول عبد العزى بن عبد المطلب المعروف بأبي لهب : يعدني محمد أشياء لا أراها ، يزعم أنها كائنة بعد الموت ، فماذا وضع في يدي بعد ذلك ، ثم ينفخ في يديه ويقول : تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد ، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه

تبت (2) يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته (3) حمالة الحطب في جيدها (4) حبل من مسد (5) . صدق الله العظيم 6

أما امرأته فلم تكن بأقل من زوجها غيظا على الرسول الكريم ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد سماها الله سبحانه وتعالى : حمالة الحطب ، لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يمر ، وعندما سمعت أم جميل : حمالة الحطب ، بما أنزل الله سبحانه وتعالى فيها وفي زوجها من القرآن الكريم ، أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وفي يدها حجر يملأ كفها ، فلما دنت منهما أخذ الله عز وجل ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم تر إلا أبا بكر ، فقالت: يا أبا بكر ، أين صاحبك ، فقد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الحجر فاه {7} . ثم انصرفت ، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني " كذلك كان أمية بن خلف إذا رأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم همزة ولمزة ، فأنزل الله تعالى فيه

ويل لكل همزة (8) ولمزة (9) ، الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا ليبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدودة 10

أما العاص بن وائل السهمي ، فقد كان يسخر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومما وعده ووعد المسلمين من جنات النعيم ، وحدث أن العاص هذا ، اشترى من صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : خباب بن الأرث سيوفا عملها له ، فجاءه خباب يطلب منه ثمن السيوف فقال له : يا خباب أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه ، أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب ، أو فضة ، أو ثياب ، أو خدم . قال خباب : بلى . فقال العاص : فأنظرني {11} إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأعيد هناك حقك ، فو الله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند الله مني ، ولا أعظم حظا في ذلك ، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه

أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ، أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا 12

أما أبو جهل ابن هشام ، فقد لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له : والله يا محمد ، لتتركن سب آلهتنا ، أو لنسبن آلهك الذي تعبد فأنزل تعالى فيه

ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ، فيسبوا الله عدوا بغير علم 13

فكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن سب آلهتهم ، وجعل يدعوهم إلى الله عز وجل . وإليك عزيزي القارىء ، صورا أخرى من صور إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي تحمل من أهله وعشيرته ما تنوء {14} عن حمله الجبال الراسيات ، ومع ذلك فقد مضى صلى الله عليه وآله وسلم ، غير يائس يدعو أهله وعشيرته إلى الله عز وجل . فها هو النضر بن الحارث ن كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مجلسا ودعا فيه إلى الله تعالى وتلا فيه القرآن ، وحذر فيه قريشا ما أصاب الأمم الخالية ، خلفه في مجلسه إذا قام ، فحدثهم عن رستم وأسفنديار {15} ثم يقول : والله ما محمد بأحسن حديثا مني ، وما حديثه إلا أساطير الأولين ، اكتتبها . فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه

وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ، قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما 16

كما نزل فيه

ويل لكل أفاك أثيم ، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم 17

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس يحاور عددا من المشركين بينهم الوليد بن المغيرة والنضر بن حارث فأفحمهم جميعا وغلبهم في الحوار ، ثم تلا عليهم قوله تعالى

إنكم وما تعبدون من دون الله حصب (18) جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون 19

ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأقبل عبد الله ابن الزبعرى حتى جلس ، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزبعرى : والله ما استطاع النضر بن الحارث أن يفحم ابن عبد المطلب ، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم فقال عبد الله بن الزبعرى : أما والله لو وجدته لخصمته {2.} ، فسلوا محمدا ، أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ؟ فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا {21} ، والنصارى تعبد عيسى ابن مريم _ عليهما السلام _ فعجب الوليد ، ومن كان معه في المجلس كيف فاتتهم هذه الفكرة ، ورأوا أنها حجة دامغة ، فنذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : " إن كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده ، إنهم إنما يعبدون الشياطين " ، فأنزل الله سبحانه وتعالى

إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون 22

وقد حسد المشركون ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حسدا عظيما ، فهذا الوليد بن المغيرة يقول: أينزل القرآن على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها ؟ ! . ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين ! فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه

وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم 23

انظر عزيزي القارىء إلى الجهلة ، وما يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يطوف بالكعبة ، إذ اعترضه الأسود بن المطلب ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل السهمي ، فقالوا : يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد ، كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد ، كنت قد أخذت بحظك منه ، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم

قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين 24




ZOM
مشاهدة الملف الشخصي
البحث عن المزيد من المشاركات التي كتبت بواسطة ZOM

20/04/2008, 11:05 AM #6
ZOM
زعيــم جديــد



تعذيب المستضعفين

منع الله عز وجل وحمى رسوله الكريم ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بعمه أبي طالب ، وأما المستضعفون السابقون للإسلام فقد نالهم عذاب قريش ، لا لشيء إلا لأنهم قالوا: لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، هؤلاء لم تكن لهم عشائر تحميهم ، وليست لهم قوة يمنعون بها أذى المشركين لذلك وثبت كل قبيلة على من فيها منهم ، فجعلت تحبسهم وتضربهم ، وتمنع عنهم الطعام والشراب وتصليهم النار ، وتجعل بعضهم على الرمضاء {1} ، ومع ذلك فقد استقر الإيمان في قلوبهم ومن هؤلاء المستضعفين : عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه: الذي كان أول من جهر بالقرآن الكريم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا : والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط ، فمن رجل يقوم بهذه المهمة ؟؟ فقال عبد الله بن مسعود : أنا . فقالوا : إنا نخشاهم عليك ، إنما نريد رجلا له عشيرة ، يمنعونه من القوم إن أرادوه ، قال : دعوني فإن الله سيمنعني. فقام ابن مسعود حتى أتى المشركين في الضحى ، وبدأ يقرأ بصوت مرتفع

الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان 2

فسمع المشركون وتأملوه وجعلوا يقولون : ماذا قال ابن أم عبد ؟ ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد ، فقاموا إليه وجعلوا يضربونه على وجهه وهو يقرأ دون توقف ، إلى أن جاء أبو جهل فلطمه فشق أذنه وأدماه ، فانصرف عبد الله وعينه تدمع . فلما رآه الرسول الكريم ،صلى الله عليه وآله وسلم ، رق قلبه ، وأطرق رأسه مغموما ، فإذا جبريل قد جاء ضاحكا . فقال له : "يا جبريل أتضحك وابن مسعود يبكي " فقال جبريل : الأذن بالأذن والرأس زيادة . وفي بدر ذبح عبد الله بن مسعود أبا جهل وقطع أذنه وأخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . الذي يقول عنه : " من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا فليقرأه على ابن أم عبد {3} " . ومن هؤلاء الذين صبروا على أذى وتعذيب المشركين لهم ، والذين ورغم الوحشية التي عوملوا بها ، ظل قلبهم العامر بالإيمان يخفق بذكر الله سبحانه وتعالى : بلال بن رباح الحبشي وأمه حمامة : الذي كان عبدا لأمية بن خلف الجمحي ، والذي كان يلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتلقى على ظهره وصدره ويقول له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تترك هذا الدين الذي جاء به صاحبك وتعبد اللات والعزى فيقول بلال رضي الله عنه : أحد ، أحد . إلى أن مر به يوما أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه وهو يعذب فقال ألا تتقي اللع في هذا المسكين . فقال أمية : أنت أفسدته فأنقذه . ووجدها أبو بكر ، فرصة سانحة فاشتراه منه وأطلق سراحه ، وبلال رضي الله عنه أول من أسلم من العبيد ن إذ هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وقتل سيده أمية بن خلف . ومن هؤلاء أيضا : عمار ووالده ياسر وأمه سمية : الذين أسلموا في أوائل الدعوة الإسلامية ولاقوا على يد أبي جهل مر العذاب ، إذ كان يخرجهم إلى الصحراء عندما تتوسط الشمس قرص السماء ، فتلتهب الرمال ، ثم يلقيهم فوقها دون أن يستر جسدهم شيء ، أما النبي ،صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان يتمزق ألما وحزنا كلما رآهم وكان يقول لهم : " صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة " . أما ياسر فكان يردد كلام الله عز وجل ويقول

سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله 4 إلى أن مات ياسر رضي الله عنه تحت وطأة العذاب ، أما زوجته سمية رضي الله عنها فقد رفعت صوتها غاضبة في وجه أبي جهل ، فطعنها بحربة فقتلها ، فهي أول شهيدة في الإسلام ، كما أن زوجها ياسر ، أول شهيد في الإسلام ، أما عمار ، فقد ضوعف له العذاب وشدد ، وأقسم المشركون بأوثانهم ، قاتلهم الله ، قائلين لعمار : سنظل نعذبك حتى تترك دينك أو تسب محمدا ، وتمدح آلهتنا وتقول فبها خيرا ، ففعل عمار تحت وطأة التعذيب فتركوه ، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، باكيا ، وقص له ما جرى وما قال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " فكيف تجد قلبك " ، قال عمار ك أجده مطمئنا بالإيمان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " يا عمار إن عادوا فعد . فأنزل الله تعالى

إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان 5

أما خباب بن الأرت: فقد أسلم بعد سبعة رجال ، وناله العذاب الشديد كما نال غيره من المؤمنين الصابرين ، فكان المشركون يجردونه من ثيابه ويلقونه فوق الرمال المحرقة ، أو يضعون فوقه الحجارة المحماة بالنار ، دون أن يجيبهم إلى ما يريدونه ، إلى أن أفتدى نفسه من سيده ، سباع بن عبد العزى . ومن هؤلاء المؤمنين الأوائل : صعيب بن سنان المعروف بالرومي ، وذلك أن الروم أسروه صغيرا ثم باعوه فنسب إليهم ، وكان يعذب في الله عذابا شديدا بعد إسلامه ، ولما أراد الهجرة إلى المدينة ، منعته قريش ، فافتدى نفسه بماله كله ، فرارا بدينه ومحبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنهم أيضا: عامر بن فهيرة الذي كان مستضعفا يعذب ي الله ، فلم يرجع عن دينه ، إلى أن اشتراه أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، فأعتقه ، ولما هاجر النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، كان عامر معهما يحاول إخفاء آثار أقدامهما بالغنم الذي كان يرعاه . وفي معركة " بئر معونة " . استشهد عامر فقال وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة : فزت ورب الكعبة . ومنهم أيضا : أبو فكيهة واسمه أفلح ، كان عبدا لصفوان بن أمية بن خلف ، أسلم مع بلال ، فأخذه أمية بن خلف وربط في رجله حبلا وجره حتى ألقاه فوق الرمال التي تتلظى نارا ، ومر به حيوان يدعى "جعل " {6} فقال له أمية ساخرا : أليس هذا ربك ؟ . فقال أبو فكيهة : الله ربي وربك ورب هذا ، فخنقه خنقا شديدا ، ومعه أخوه أبي بن خلف يقول له : زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره ، ومر به أبو بكر ، رضي الله عنه ، فاشتراه وأعتقه ، وحتى النساء لم تفلت من أذى المشركين وتعذيبهم ومن بين هؤلاء اللواتي صمدن رغم العذاب الشديد امرأة يقال لها : زنيرة ، فقد عذبت حتى عميت ، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى قد فعلا بك ذلك ، فقالت : إن اللات والعزى لا يدريان من يعبدهما ، ولكن هذه إرادة الله عز وجل ، وإن شاء رد بصري ، فلما أصبحت زنيرة رد الله بصرها ، فقالت قريش : هذا سحر من محمد ، ثم اشتراها أبو بكر رضي الله عنه ، فأعتقها ، وفيها وفي أمثالها يقول أبو جهل: ألا تعجبون لهؤلاء وأتباعهم ، لو كان ما أتى به محمد خيرا ما سبقونا إليه ، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد فأنزل الله تعالى ردا على قوله

وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليهم 7

وهناك عزيزي القارىء ، غير هؤلاء ممن عذب في الله ، اكتفينا بذكر أشهرهم ، لتعرف أن ما ملأ الإيمان قلبه لن يضل أبدا







الهجرة الأولى


رأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ما يتعرض له أصحابه من الأذى والبلاء وما هو فيه من العافية ، لمكانته من الله عز وجل ، ولحماية عمه أبي طالب وأنه عليه الصلاة والسلام ، لا يستطيع دفع البلاء عنهم ، رق لحالهم وأشفق عليهم ، ورأى أن يخلصهم مما هم فيه . فقال لهم : " لو خرجتم إلى أرض الحبشة ، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه " . فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى أرض الحبشة ، مخافة الفتنة ، وفرارا إلى الله بدينهم . فكانت هذه الهجرة أول هجرة في الإسلام . ومن بين هؤلاء الذين فروا بدينهم إلى الحبشة : عثمان بن عفان رضي الله عنه وزوجته رقية بنت رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، والزبير بن العوام بن خويلد ، ومصعب بن عمير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو سلمة بن عبد الأسد وأمرأته ، أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ، وجعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس ، وعمرو بن سعيد بن العاص وأمرأته فاطمة بنت صفوان ، وعبد الله بن جحش وأخوه عبيد الله بن جحش وأمرأته حبيبة بنت أبي سفيان ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم حتى بلغ عدد المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين ما عدا أولادهم الصغار الذين خرجوا مع ذويهم : اثنا عشر رجلا ، وأربع نساء





إسلام عمر بن الخطاب


قويت شوكة المسلمين ، وفرحوا فرحا عظيما بنصرة النجاشي للمهاجرين إليه ، وخاصة بعد أن أسلم عمر بن الخطاب ، وكان رجلا قويا صلدا لا يخشى أحدا ، وبعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحبشة ، جهر كثير من المسلمين وأصبحوا يصلون في الكعبة ، ولم يكن يستطيعون من قبل أن يصلوا عند الكعبة ، فلما أسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه ، وبإسلام عمر ، رضي الله عنه ، استجاب الله عز وجل لدعاء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو ابن هشام " . أما سبب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فهو أنه كان شديدا على المسلمين كثير العذاب لهم ، يتعرض لهم بالسوء أينما وجدهم . وحدث أن أخته فاطمة بنت الخطاب قد أسلمت ، وأسلم زوجها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر ، وكان نعيم بن عبد الله النحام قد أسلم أيضا ، وكان يستخفي بإسلامه خوفا من قومه ، وكان خباب بن الأرت يذهب إلى فاطمة بنت الخطاب ، يقرئها القرآن ، فخرج عمر يوما متوحشا سيفه يريد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ورهطا {1} من أصحابه ، قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، ومع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عمه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين ، وعدد من المسلمين ، ممن لم يخرجوا إلى أرض الحبشة ، فصادفه نعيم بن عبد الله فقال له : أين تريد يا عمر ؟ فقال عمر: أريد محمدا هذا الصابىء {2} ، الذي فرق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله . فقال له نعيم : والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر . أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيهم أمرهم {3} ؟ . فقال عمر : وأي أهل بيتي ؟ قال نعيم : صهرك وابن عمك سعيد بن زيد ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد أسلما وتابعا محمدا على دينه ، فعليك بهما . عاد عمر قاصدا صهره وأخته ، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها "طـه" يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر ، نهض خباب واختبأ في ركن من البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة وخبأتها ، وكان عمر قد سمع حين دنا من البيت قراءة خباب عليهما . فلما دخل قال : ما هذا الكلام الذي سمعته ؟ ! قالا : ما سمعت شيئا . فقال عمر : بلى والله ، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه . ثم ضرب صهره سعيد بن زيد ، فقامت أخته فاطمة لتمنعه عن زوجها فضربها عمر وشجها {4} . فلما فعل ذلك قالت له أخته وصهره : نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك . فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ، ندم على ما صنع ، ورجع إلى رشده ، وقال لأخيه : أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤونها ، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد . فقالت له أخته : إنا نخشاك عليها . فقال عمر : لا تخافي ، وحلف لها بآلهته ، ليردنها إذا قرأها إليها . فطمعت فاطمة في إسلامه وقالت له : يا أخي ، إنك نجس على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر فاغتسل ، فأعطته الصحيفة قرأها فلما قرأ منها شيئا قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! عندئذ خرج خباب إليه وقال له : يا عمر ، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : عمر بن الخطاب أو عمرو ابن هشام " . فقال عمر عند ذلك : فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم ن فقال له خباب : هو في بيت عند الصفا ، ومعه رهط من أصحابه ، فانطلق عمر متوشحا سيفه إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فضرب عليهم الباب ، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فنظر من شق الباب فرآه متوشحا السيف ، فرجع إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو فزع وقال : هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف . فقال حمزة بن عبد المطلب : دعه يدخل ، فإن كان يريد خيرا بذلناه له ، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه ، فلما دخل ، نهض إليه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذ بجمع ردائه ، ثم جبذه {5} جبذة شديدة . وقال : ما جاء بك يا ابن الخطاب ؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة {6} . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، جئتك لأؤمن بالله ورسوله ، وبما جاء من عند الله فكبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أن عمر قد أسلم . فتفرق أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم من مكانهم ، وقد أخذتهم العزة في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة ، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أسلم بعد تسع وثلاثين رجالا ، وثلاثة وعشرين امرأة ، وذلك في السنة السادسة من البعثة النبوية




انشقاق القمر


بعد أن رأى المشركون أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يستجيب إلى مطالبهم التي عرضوها عليه كما رأينا في القصة السابقة ، ورغم العذاب الذي لحق أصحابه والأذى الذي لحقه هو نفسه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، دخلوا عليه من باب آخر ولجؤوا إلى أسلوب التعجيز فطلبوا منه آيه أو برهانا على صدق دعوته وقالوا: إن كنت صادقا في دعواك ، فأتنا بآية نطلبها منك ، وهي أن تشق لنا القمر فرقتين ، فأعطاه الله تعالى هذه المعجزة وانشق القمر فرقتين ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : " اشهدوا " . وقد ذكر القرآن خبر انشقاق القمر إذ قال سبحانه وتعالى

اقتربت الساعة وانشق القمر 7

وعندما رأى المشركون المعاندون هذه المعجزة الكبرى قالوا: لقد سحركم ابن أبي كبشة فأنزل الله تعالى قوله فيهم

وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر 8

ولكن كيف يرجى الإيمان ممن قالوا

اللهم إن كان هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب أليم 9
ولو كان فيهم خيرا لقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق فاهدنا إليه





الهجرة الثانية إلى الحبشة


لما عجزت قريش عن مقاومة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالحجة والبراهين ، لجأت إلى تصعيد العنف والقوة ضد المسلمين وخاصة منهم هؤلاء الذين عادوا إلى مكة قادمين من الحبشة بعد أن سمعوا بإسلام حمزة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، كما أنهم سمعوا أن أهل مكة قد أسلموا ، فعادوا فرحين بإسلام قومهم ، إلا أنهم عرفوا باطل ما سمعوا عندما وصلوا إلى مشارف مكة المكرمة . وكان النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم قد جلس مع المشركين فأنزل الله سبحانه وتعالى عليه

والنجم إذا هوى (1) ، ما ضل صاحبكم (2) وما غوى ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحي علمه شديد القوى ذو مرة (3) فاستوى (4) وهو بالأفق الأعلى 5

وتابع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم فأكملها فسجد وسجد معه كل من كان هناك من المسلمين والمشركين ، فظن بعضهم أن المشركين قد أسلموا ، وعندما رأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ما حل بالمسلمين من أصحابه من سوء العذاب ، أمرهم أن يهاجروا إلى الحبشة . فقال له عثمان بن عفان ، رضي الله عنه وكان من العابدين : يا رسول الله هاجرنا المرة الأولى ، وهذه المرة الثانية إلى النجاشي ، ولست معنا . فأجابه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : " أنتم مهاجرون إلى الله وإلي فلكم هاتان الهجرتان جميعا " فقال عثمان : فحسبنا يا رسول الله





رسولا قريش إلى النجاشي


غضبت قريش لما رأت أن أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم قد هاجروا وتركوا مكة إلى الحبشة حيث وجدوا الأمن والاطمئنان وأصابوا الدار والقرار ، فاجتمع رؤوس الكفر والشرك فيها وقرروا أن يبعثوا رجلين من قريش قويين جلدين إلى النجاشي ملك الحبشة ، الذي كان يدين بالنصرانية ، ليحاولوا إعادة المسلمين إلى مكة ويخرجوهم من دارهم التي أطمأنوا بها وسكنوا إليها فأرسلوا عبد الله بن أبي ربيعة {6} وعمر بن العاص بن وائل ، وجمعوا لهما هدايا ثمينة للنجاشي ، ثم بعثوهما إليه . وعن رسولي قريش هذين ن تروي لنا المهاجرة أم سلمة بنت أبي أمية التي تزوجها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قصتهما فتقول : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه ، فلما بلغ ذلك قريشا ن ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي رجلين منهم جلدين ، وأن يهدوا النجاشي هدايا ثمينة من متاع مكة فبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق من بطارقة النجاشي هديته ن قبل أن تكلما النجاشي فيهم ، ثم قدما إلى النجاشي هداياه ، ثم اسألاه أن يسلم المسلمين إليكما قبل أن يكلمهم . ففعل الرسولان مثل ما أمرا وقالا لكل بطريق منهم : إنه قد لجأ إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاؤوا بدين مبتدع ، لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك أشراف قومهم لنردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم ، فاشيروا عليه أن يسلمهم إلينا . فقالوا لهما : نعم ثم أن الرسولين قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه وقالا له : أيها الملك ، إنه قد لجأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاؤوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لنردهم إليهم . فقالت بطارقة الملك : صدقا أيها الملك العظيم ، فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم . فغضب النجاشي وقال : لا والله لا أسلمهم إليهما ، فقد جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم . ثم أرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما جاءهم رسوله ، اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للملك إذا جئتموه ؟ قالوا: نقول ما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وليكن من شأننا ما يكون ، فلما وقفوا أمام النجاشي ، سألهم فقال ك ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ، ولا في دين أحد ؟ فقال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه : أيها الملك كنا في الجاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي بالفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونترك ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم {7} ، وحسن الجوار ن والكف عن المحارم ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله ، لكن قومنا عذبونا ، وحاولوا ردنا عن ديننا ، إلى عبادة الأوثان ، فلما اشتد عذابهم لنا ولم يبق لنا حيلة في أمرنا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك . فقال النجاشي : هل معك شيء مما جاءكم به رسولكم ؟؟ قال جعفر بن أبي طالب : نعم . فقال له النجاشي : فاقرأه علي . فقرأ جعفر عليه شيئا من سورة مريم . والنجاشي يصغي حتى أسبلت عيناه بالدموع وابتلت لحيته . ثم قال لهم : إن هذا والذي جاء به عيسى لمن كلام الله تعالى ، انطلقوا فلا والله لا أسلمكم لأحد أبدا . ثم حاول رسولا قريش أن يوغروا صدر النجاشي ، بما يقوله المسلمون عن عيسى عليه الصلاة والسلام ، من أنه عبد من عباد الله ، أرسله هاديا للناس ، فلم يلتفت إليهما النجاشي وخرجا من عنده مطرودين . هذا وبعد الهجرة إلى الحبشة وعودة من عادوا بدأت قريش خطة جديدة في مقاومة النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي ثبت مع أصحابه وقاوم إغراءات قريش وأساليبها الوحشية ، إلى أن أعلنت قريش عن فرض المقاطعة التامة وكتبت في ذلك صحيفة علقتها على أستار الكعبة















رد مع اقتباس