عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 19-Aug-2009, 08:43 PM رقم المشاركة : 106
معلومات العضو
متعب العصيمي
مشرف سابق
إحصائية العضو






التوقيت


متعب العصيمي غير متواجد حالياً

افتراضي

الحديث الثامن والثمانون

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق‏.‏ ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلمها‏)‏ متفق عليه‏.‏

الحسد نوعان‏:‏ نوع محرم مذموم على كل حال، وهو أن يتمنى زوال نعمة الله عن العبد – دينية أو دنيوية – وسواء أحب ذلك محبة استقرت في قلبه، ولم يجاهد نفسه عنها، أو سعى مع ذلك في إزالتها وإخفائها‏:‏ وهذا أقبح؛ فإنه ظلم متكرر‏.‏

وهذا النوع هو الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب‏.‏

والنوع الثاني‏:‏ أن لا يتمنى زوال نعمة الله عن الغير، ولكن يتمنى حصول مثلها له، أو فوقها أو دونها‏.‏

وهذا نوعان‏:‏ محمود وغير محمود‏.‏

فالمحمود من ذلك‏:‏ أن يرى نعمة الله الدينية على عبده، فيتمنى أن يكون له مثلها‏.‏ فهذا من باب تمني الخير‏.‏ فإن قارن ذلك سعى وعمل لتحصيل ذلك، فهو نور على نور‏.‏

وأعظم من يغبط‏:‏ من كان عنده مال قد حصل له من حِلَّه، ثم سُلّط ووفق على إنفاقه في الحق، في الحقوق الواجبة والمستحبة؛ فإن هذا من أعظم البرهان على الإيمان، ومن أعظم أنواع الإحسان‏.‏

ومن كان عنده علم وحكمة علمه الله إياها، فوفق لبذلها في التعليم والحكم بين الناس‏.‏ فهذان النوعان من الإحسان لا يعادلهما شيء‏.‏

الأول‏:‏ ينفع الخلق بماله، ويدفع حاجاتهم، وينفق في المشاريع الخيرية، فتقوم ويتسلسل نفعها، ويعظم وقعها‏.‏

والثاني‏:‏ ينفع الناس بعلمه، وينشر بينهم الدين والعلم الذي يهتدي به العباد في جميع أمورهم‏:‏ من عبادات ومعاملات وغيرها‏.‏

ثم بعد هذين الاثنين‏:‏ تكون الغبطة على الخير، بحسب حاله ودرجاته عند الله‏.‏ ولهذا أمر الله تعالى بالفرح والاستبشار بحصول هذا الخير، وإنه لا يوفق لذلك إلا أهل الحظوظ العظيمة العالية‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ‏}‏ ‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏}‏ ‏.‏

وقد يكون من تمنى شيئاً من هذه الخيرات، له مثل أجر الفاعل إذا صدقت نيته، وصمم عن عزيمته أن لو قدر على ذلك العمل، لَعَمِلَ مثله، كما ثبت بذلك الحديث‏.‏ وخصوصاً إذا شرع وسعى بعض السعي‏.‏

وأما الغبطة التي هي غير محمودة، فهي تمني حصول مطالب الدنيا لأجل اللذات، وتناول الشهوات، كما قال الله تعالى حكاية عن قوم قارون‏:‏ ‏{‏يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏}‏ فإن تمني مثل حالة من يعمل السيئات فهو بنيته، ووزرهما سواء‏.‏

فهذا التفصيل يتضح الحسد المذموم في كل حال‏.‏ والحسد الذي هو الغبطة، الذي يحمد في حال، ويذم في حال‏.‏ والله أعلم‏.‏