عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 30-Jul-2009, 08:52 AM رقم المشاركة : 92
معلومات العضو
متعب العصيمي
مشرف سابق
إحصائية العضو






التوقيت


متعب العصيمي غير متواجد حالياً

افتراضي

الحديث الرابع والسبعون

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال‏:‏ يا رسول الله، عِظْني وأوجز‏.‏ فقال‏:‏ إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودِّع، ولا تَكَلم بكلام تعذر منه غداً، واجمع اليأس مما في أيدي الناس‏)‏ رواه أحمد‏.‏

هذه الوصايا الثلاث يا لها من وصايا، إذا أخذ بها العبد‏:‏ تمت أموره وأفلح‏.‏

فالوصية الأولى‏:‏ تتضمن تكميل الصلاة، والاجتهاد في إيقاعها على أحسن الأحوال‏.‏ وذلك بأن يحاسب نفسه على كل صلاة يصليها، وأنه سيتم جميع ما فيها‏:‏ من واجب، وفروض، وسنة، وأن يتحقق بمقام الإحسان الذي هو أعلى المقامات‏.‏ وذلك بأن يقوم إليها مستحضراً وقوفه بين يدي ربه، وأنه يناجيه بما يقوله، من قراءة وذكر ودعاء ويخضع له في قيامه وركوعه، وسجوده وخفضه ورفعه‏.‏

ويعينه على هذا المقصد الجليل‏:‏ توطين نفسه على ذلك من غير تردد ولا كسل قلبي، ويستحضر في كل صلاة أنها صلاة مودِّع، كأنه لا يصلي غيرها‏.‏

ومعلوم أن المودع، يجتهد اجتهاداً يبذل فيه كل وسعه‏.‏ ولا يزال مستصحباً لهذه المعاني النافعة، والأسباب القوية، حتى يسهل عليه الأمر، ويتعود ذلك‏.‏

والصلاة على هذا الوجه‏:‏ تنهى صاحبها عن كل خلق رذيل، وتحثه على كل خلق جميل؛ لما تؤثره في نفسه من زيادة الإيمان، ونور القلب وسروره، ورغبته التامة في الخير‏.‏

وأما الوصية الثانية‏:‏ فهي حفظ اللسان ومراقبته؛ فإن حفظ اللسان عليه المدار، وهو مِلاك أمر العبد‏.‏ فمتى ملك العبد لسانه ملك جميع أعضائه‏.‏ ومتى ملكه لسانه فلم يصنه عن الكلام الضار، فإن أمره يختل في دينه ودنياه‏.‏ فلا يتكلم بكلام، إلا قد عرف نفعه في دينه أو دنياه‏.‏ وكل كلام يحتمل أن يكون فيه انتقاد أو اعتذار فليدعه، فإنه إذا تكلم به ملكه الكلام، وصار أسيراً له‏.‏ وربما أحدث عليه ضرراً لا يتمكن من تلافيه‏.‏

وأما الوصية الثالثة‏:‏ فهي توطين النفس على التعلق بالله وحده، في أمور معاشه ومعاده، فلا يسأل إلا الله، ولا يطمع إلا في فضله‏.‏ ويوطن نفسه على اليأس مما في أيدي الناس؛ فإن اليأس عصمة‏.‏ ومن أيس من شيء استغنى عنه‏.‏ فكما أنه لا يسأل بلسانه إلا الله، فلا يعلق قلبه إلا بالله‏.‏ فيبقى عبداً لله حقيقة، سالماً من عبودية الخلق‏.‏ قد تحرر من رقِّهم، واكتسب بذلك العز والشرف؛ فإن المتعلق بالخلق يكتسب الذل والسقوط بحسب تعلقه بهم‏.‏ والله أعلم‏.‏