الشاعر الكبير قيس رحمه الله
قيس شاعر من أشهر شعراء قبيلة عتيبة في عصره ورمزاً من رموز قبيلة العوازم وسمٌي قيس لتمّيز شعره بالحكمة وبلاغة المعاني وجزالة الألفاظ, أمّا أسمه الحقيقي فهو :
سفـــر بن جـــلاّل العـازمي العتيــــــبي
وأكثر ما يميّز قيسا عن شعراء عصره المحاورات الشعرية التي كانت تقام في كثير من المناسبات والأعياد والتي يتبيّن من خلالها قوّة شاعريته وسرعة بديهته وعدم تكلّفه وسهولة عبارته فتأتي كلماته سهلة وأبياته عذبة قريبة من النفس يحفظها الرواة ويتناقلها الناس.
لكن الرّواة اقتصر حفظهم على أبيات قيس دون أبيات مقابليه ولم يحفظوا لهم إلاّ القليل ومن هذه المحاورات :
محاورة جرت بين قيس وبين شعراء ذوي زرّاق عارف وعايز حيث كان عند ذوي زرّاق مناسبة وقد دعوا لهذه المناسبة عدداً من شعراء قبيلة سليم فجاء قيس صدفة ولم يكن موجودا قبل المناسبة وعندما رأوه شعراء سليم علموا أنهم لو حاوروا ذوي زراق سيناصرهم قيس فطلبوا منه أن يقابل شعراء ذوي زراق نيابة عنهم فقال قيس :
ياســـــلام اللـّه عليــــكم يالجماعــة واحددانا................ردّةٍ تضـــفي علــيكم ياحــددانا والجماعــــة
وانت يا عارف وعايز ترى الاجناب دخلانا................اسمـع القرعـان منّـا يــا رياجيـل الشجاعـــة
وانت ياراع القناعــــة شِـد وانـزل في ذرانا................محتمينك بام خمس وما يثور من السراعـــة
ثــمّ والله يا لــلا الله ثـــمّ يــا عـايـز لـلانـــــا................مـا تغرسون الودايا في رهاط وفي رباعـــه
ثــم والله مـا عينتـك يــوم ضـدّات احــــددانا................مـا تجـي لين الحريب نحط قيده في كراعـه
الـدير هـاذي ديرنا والسـمـا هــذا سمـــــانــا................وانت ديرتك النّويب وحدك الزالع وقاعــــه
ولم نحفظ لشعراء بني زرّاق إلا هذا البيت
كيــف تاخــذها نهابــة والنــواير فـي يـــدانا................وانت جدك من سبيع أهـل اليمن جايٍ نزاعه
الذي قاله نافع الدخان وقيل أنّه لم يكن حاظرا تلك الليلة وإنما قاله بعد ذلك عندما أخبر بالمحاورة فيما بعد .
وبعد انتهت محاورة قيس مع ذوي زرّاق قال السلمي موجهاً خطابه لقيس ويقصد بذلك رجلِ من سليم كان راعياً مع أحد مطير واختفى واتهم فيه بعض العوازم :
والله انّــي لن عصبت الـرّاس بالكوفيـه................لاكـل اللّقمـة وادارجهــا علـى لحيانــي
قال قيس :
والله انّــك ماتـــذوق القـــرش والرّبيّــه................ماتحمّــــلنا صبــيّ مطيــــر يازنّانــــي
المطبــري منســدح وانتــه تلفــت فيّــه................وانت خابرٍ الصبي دربه على العمّانـي
وهذه المحاورة بين قيس وبين حويكم الذيابي حيث أن حويكم كان يسمع بقيس ويرى بعض الشعراء يتهرّبون من مقابلته فكأنه تمنّى مقابلة قيس وعلم قيس بذلك وعندما قابله في احدى المناسبات وقال قيس :
والله انا ما نبى سد الشفى قلـتوا وقلنـــــــا................اسـمـع المعـذار ثـم انـتم علينـا بالقفـــــــارة
تمتـنينا ياحويكم دين والليلـه حصلنــــــــا................مد حبلك واحتطب لن كان في راسك نعارة
كل راعي خوصة دقما طرقها بالمســـنى................مادرى اني ذيب وهوه مايصـيد الا الوبـارة
ومن المحاورات المشهورة لقيس المحاورة التالية حيث كانوا مطير وعتيبة مجتمعين في أحد الاعياد على عد يسمى البدنة لمطير ولم يكن قيس معهم ورسلوا له بعد ليلتين عندما تغلبوا عليهم شعراء مطير فجاءهم قيس الليلة الثالثة فقال :
توحّوا في ســلام العود يـامن لمّـه الملمــوم................اعـم به الجميـع وكل مخلــوقٍ علـى لونـــه
سلام موقفه في الماقفـة واللّـي يسوم يســوم................أنــا مغليــه والســــوّام ينظـر فيـه بعيونـــه
منوّل في القدايـم يوم حنّـى قوم وانـتم قــوم................ليــا ادرجنــا فــــوق حـــبٍ زان مطحونـــه
نقوّم بالهنـادي قلـب خبلٍ غاطسٍ في النّــوم................نحط الها النّحر مظراب ولا الرّاس وعيونه
وعندما لاحظ شعراء مطير سرعة ردوده وجزالة معانيه قالوا هذه الابيات قد أعددتها قبل مجيئك فقال قيس ابدأوا وأنا أتبعكم على القافية فبدأ المطيري بهذه الابيات :
ليا جونـا عتيبـة فـي القـدايم يطلبـون قصور................ليــا جونـا عطينـاهم جنـوب مـن الرّويليـة
فرد قيس قائلاُ :
توقع يالمطيري لاتكذب والرجال حضــور................ترى انّ الجابـة اللّـي مالهـا ضـمّان مقـفيـة
ليا جوكم عتيبـة في سـناة البـارق المنشـور................يجـي مفعولهم فـي كـل عينٍ نـارهـا حيـــّة
أخذنا من ديركم كل عفراً ديسـها مصـرور................يحـوّل دونهـا ربـعٍ علـى الجملـى شفاويــة
ومن غب النكيفة قسموها في عبل مجـرور................مبــدّلـةٍ ديـــار مطيـــر بديـــار العتيبيــــة
وفي نفس المحاورة كسر القاف قيس قال :
والله انّـي مستريـــــح فــي طويـــل الفيـّــة................لـين صـيّاح علـى وسـق المطيـــة جانــــي
قـال جونـا قـوم واخـذونا ضـحى ضحيـــة................قلت كيف اخذوك وانته جـار بن صحراني
والله انّــي مـــاعرفكم قبــل هـــذا النّــيــــة................يــالعـــلّ ديــاركـــم لمــــروّح الرّبـــانــــي
لـين يســقي مـن فجـيج ليـا فـــم الــقـبّيــــة................ميــر اثرهــا لـو تمـــطر مالهــا غدرانـــي
إلي أن قال :
ثـم أنــا بنشـدك نشـــــدة يـاخلـــف بريّــــة................ماعــينت ابـن ربيّــع جارنــــا شامــــــاني
يـوم عهـدي بـه سنيني والزهّـو جـا فيّـــــه................شـبت وهـوه لحيتـه سـودا ليــا ذا الـوانــي
ومع أن قيساً رحمه الله كان شاعرٌ عصرهِ بلا منازع إلا أنه قد قابل بعض الشعراء الذين لم يكونوا معروفين في ذلك الوقت إلا أنّهم فاجؤوه بردودٍ قوية أعجب بها قيس وامتدحهم . ومنهم الشاعر ميشع بن قنطان الجديعي وهو في ذلك الوقت شابٍ في مقتبل العمر لكنه فيما بعد أصبح شاعرا معروفا , وعندما أراد أن يحاور قيس قال له قيس:
والله انّـــك يالغـــليّم مــا تـشرَه فيّـــــه................وانّ حدَك في الحزام ولا تنوش امتاني
فرد عليه ميشع قائلاً :
حَدّ ما الحق منك كلته سلة الشّبريّة................لين تقعد جمجمة راس بلا كرعاني
وله محاورة أخرى مع العبد حيث يقول قيس :
يــا العبــد لاتقــرب لهيــب النّــار................النّــــار تأكـــل مــــن يواليهــــــا
فرد عليه العبد قائلاً :
أنـــا ســـوات منـــزّل الأمطـــــار................اللّـي ليـــا جـــا النّـــار يطفيهـــا
فرد عليه قيس :
أنــا الجمـــل وانتــه سـوات الفــار................وانتــه ضروســي مــا توقيهــــا
فرد عليه العبد قائلاً :
أنـت الجمــل والعبــد لــك جـــزّار................أنــا جنــاب الهــرش اوطّيهــــا
ومن قصايده في الكرم والحكمة القصيدة التالية
واونّتـــي يــــاعوض ونّـــة ربــيط القــــــــاد................اللّــي مـا يـدري متـى يطلــق والايّــام غيـــب
ولاّ كمـــا يـاعوض ونّـة جضــيع الوســــــاد................اللّــي هلـــه طبّبـــوه وحــــار فيــه الطبيـــــب
مــن هجـــرةٍ بيّــدتني قبــــل وقــت البيــــــاد................مـن همّهـا شـاب راسـي قبـل وقـت المشيـــب
ناحيتهـــــا يـــاعوض بالجــــــد والاجتهـــــاد................ابـى الشّــكالة واثــر علــم الشــكالة صعيـــب
لــو المــراد الفنــى تفنـــى الثيـــاب الجـــــداد................والنبـت عقـب الزهـور يـروح ليـفٍ حطيـــب
بـلاي مـن حسّـــةـٍ فــي داخلـــــي الفــــــــواد................الظفــر يفطــن لهـــا والخبــل عنهـا يغيـــــب
وثــلاث مـن ســبع عنـــدي نطحهنّه عمــــــاد................والرّابعـــة نلتحقهـــا كــــان قــــام النّصــــب
الأولــــه لايــــذ المتنـــــين علـــــــمٍ وكــــــاد................اروح اصم عمـى دونه مـا اشوف ولااجيــب
وابشّره بالنّجـــــــاة ان كـــان شـــاء الله واراد................ومــن لا ينجّـــى دخيلـه مــا لبنتــه خطيــــب
والثانيـة حجّتـــــي يــوم اللّغـــــى والكيـــــــاد................اليــا علـى ركبـة القاضـي لزمنــي مصيــــب
ليـا راح ضـرب الدعاوي مثل ضرب الحــداد................مــاني ببـــرمٍ ليـــا منّــي نصـــيت الطليــــب
والثالثـــــة ســـــدتي والمــــــال زاد النفــــــاد................ليـــا نوّخــوا وقــت ليـــلٍ للسّـــويدا لسيـــــب
افــــرح بهــم وان لفوا لـو الليــالي شــــــــداد................وآمــر لهــم بالـــدفى والحايـــل أم العصيـــب
والرابعـــة بالحشــــادة للـــــرجال الحشــــــاد................ترى الّردى اسمّه ردى والطيب يجزى بطيب
هذه نبذة قليلة عن قصائد قيس ومحاوراته رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته .
آخر تعديل مخلد بن ماشع يوم 29-Aug-2010 في 01:07 AM.