بدائل ما بعد فشل الحل النهائي للقضية الفلسطينية
د. هاني العقاد
مع اقتراب نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش ورحيله عن البيت الأبيض وإفراغ حقيبته وعقلة من التفكير في قضايا المنطقة العربية وعدم الإيفاء بوعده بإقامة دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل وعدم رغبته في استخدام قدرة أمريكا السياسية واستثمار دورها المسيطر بالمنطقة لحل المشكلة الفلسطينية بما يضمن انتهاء الصراع بشكل حقيقي تعاد من خلاله كافة الحقوق المغتصبة والتي أقرتها قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، هنا بات واضحا أن الحلول المطروحة لن تعطي الفلسطينيين دولة حتى نهاية العام 2008 تنهي كافة أنواع الصراع الداخلي والخارجي، عندها سيأتي رئيس جديد للولايات المتحدة أمريكية وعندها سيحتاج إلى وقت لتقرير آلية التعامل مع قضايا العالم بما فيها القضية الفلسطينية. برغم تواصل المفاوضات بين السلطة الوطنية وإسرائيل حول قضايا الحل النهائي منذ انابولس وحتى الآن، إلا أن تقدما ما لم يذكر على هذا الصعيد حتى الآن وهذا ما دعا بعض شخصيات سياسية فلسطينية من كافة الفصائل للتباحث حول بدائل عملية في حال فشل المفاوضات وعدم الوصول إلى حلول حقيقية لكافة القضايا النهائية بما يتيح إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. من هذه البدائل كان إطلاق انتفاضة سلمية إضراب شامل للمطالبة بالحرية والاستقلال على أن يطلق على هذه الانتفاضة اسم انتفاضة الاستقلال كتوقع من هذه الشخصيات وأن هذه الانتفاضة ستحاصر إسرائيل بدلا من محاصرة إسرائيل للشعب الفلسطيني.
أما الأخطر في البدائل التي تم طرحها هو الدولة الواحدة في فلسطين على أن تكون للشعبين ويعاد تشكيل السلطة بما لا يخدم إسرائيل حسب وجهة نظرهم وطالب الفريق المتبني للفكرة السلطة والقيادة الفلسطينية بتبني خيار الدولتين في حال فشل المفاوضات الحالية.
ما جاء بالتقرير الختامي للفريق الفلسطيني أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قطعت زمنا طويلا، أي ما يقارب العشرون عاما دون نتائج ودون خطوات حقيقية نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهذا من خلاله يتبين أن إسرائيل دولة غير جادة بالفعل في صنع السلام وترغب في أن يكون حل الدولتين قائما على مدار التاريخ دون التعامل معه بجدية ولا إمكانية للتعايش بين الشعبين في ظل دولتين متجاورتين على ارض فلسطين ولا إمكانية القبول بجسد موحد للدولة الفلسطينية ولا حدودها الدائمة ولا معابرها وموانيها وكل أشكال الشرعية التي تتمتع بها، فكيف يمكن القبول بتعايش لشعبين في إطار دولة واحدة؟؟.
إن الخطر الذي يداهمنا كفلسطينيين من اعتماد خيار حل الدولة الواحدة هو تغير خطير في الفكر السياسي الفلسطيني الذي يعتبر أن فلسطين للفلسطينيين وكيف أن فلسطين سيصبح اسمها فلإسرائيل أو اسراطين أو فلسطريل أو أي مزج للاسم إسرائيل وفلسطين لتكون في قالب سياسي واحد وتكون ضمن حدود واحدة وتكون ضمن سلطة واحدة. نعم قد يتحقق هذا في الخيال ولكن على الأرض يستحيل لعدة أسباب منها النزعة القومية بين الطرفين والنزعة الدينية التي تحتم علينا كعرب فلسطينيين مسلمين تحرير أرضنا العربية من المحتلين و الغاصبين، كما و أن حل الدولة الواحدة سيعرض عاداتنا وتقاليدنا وتاريخ تراثنا وكل ما نملك من منجزات تاريخية للمشاركة وهذا غير متصور. ولعل الاختلاف العقائدي والاجتماعي والتاريخي يعتبر من الكوابح الهامة لعدم واقعية حل الدولة الواحدة وإمكانية تحقيقه بشكل يضمن حقوق كاملة للشعب الفلسطيني.
لم تنتهي كافة بدائل الشعب الفلسطيني برغم حالة الانقسام الحادثة الآن وبرغم تباعد أبناء الوطن الواحد في الفكر السياسي والفكر المقاوم واستيلاء أطراف على أجزاء من الوطن والمهادنة العلنية والغير علنية. إن البديل الوحيد في حال فشل المفاوضات هو المقاومة والذي يحتم علينا كفلسطينيين الإعداد لهذا البديل بشكل جيد يتيح لنا استثمار كافة طاقاتنا لتشكيل قوة مقاومة تنغص على الإسرائيليين حياتهم اليومية العادية في كل مكان في إسرائيل لتكون قادرة على إحداث تغير في الموقف السياسي الفلسطيني وتغير في فكر القادة الصهاينة تجاه الوضع الفلسطيني وجدية التعامل مع حقوقه المغتصبة. ولكي يكون هذا البديل عمليا يتحتم على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عدم استبعاد العودة إلى خيار الكفاح المسلح كإستراتيجية تعمل على إعادة توازن القوي من جديد وتعمل على ترتيب أوراق المنطقة من جديد خاصة أن الواقع الفلسطيني على الأرض الآن مشتت ويكون تحقيق هذه الإستراتيجية بشكل قد يكون أكثر تأثيرا من العقود السابقة ويكشف نوايا إسرائيل و نوايا القوي الأخرى بشكل يستطيع معه الفلسطينيين الحصول على الدعم المطلوب من بعض القوي الحرة بالعالم. ولعل هذا البديل يستطيع لملمة شمل الفلسطينيين تحت فكر فلسطيني مقاوم واحد بالإضافة إلى أن هذا البديل يجبر قادة إسرائيل على التفكير بشكل جدي في إعطاء فرصة أفضل لصنع السلام بين الشعبين. وهذا البديل من شانه أن يشكل ورقة ضغط على الشارع الإسرائيلي للضغط على قادته للمضي قدما نحو إنهاء واقع الصراع بما يكفل نمو حقيقي لكافة شعوب المنطقة بما فيها الشعب الفلسطيني.