وقعت (العربية) في مطبٍّ قيمي وحضاري شديد، تحتاج معه أن تراجع سياستها الإعلامية التي ادعتها سنين، وتبنيها مبدأ الحياد في مواقفها تجاه الأمور الخلافية، حين رضيت لنفسها أن تجعل من ثلاثية استطلاع الرأي على موقعها الإلكتروني حول الهيئة كلها ضد وجود الهيئة الحالي. قسم المصمم استطلاع الرأي حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استطلاعه ثلاثة أقسام؛ الأول: تجاهلها؛ لأنها مغرضة. والثاني: إعادة النظر في وضع الهيئة الحالي، والثالث: إلغاء الهيئة والبحث عن بديل.

فلا أدري أين يصوت من يؤيد وجود الهيئة على حالها؟ أليس ذلك خيارا منطقيا؟
من الواضح جدا الموقف المبيت الذي تنطوي عليه الخيارات الثلاثة هو رفض وجود الهيئة كما هي الآن. وإنما الخيارات تصمها بأنها مغرضة، أو تلغيها، أو تطلب تغييرها.
وكان من المتوقع من مثل العربية أن تكون أكثر حيادية، واحتراما لآراء ومواقف ملايين الناس الذين يرون أن الهيئة حارسة للفضيلة، وحامية للأعراض، وأنها كيان حكومي أمني راسخ، لا يلغى لحادثة وقعت؛ لها ملابساتها الخاصة، مهما بلغت.
ولا عجب أن يوجد من يتضايقون من وجودها، لأنها تمثل لهم قلقا في حياتهم التي لا تؤمن بالحرية المقننة، التي تحترم حريات الآخرين.
اندلعت معركة ضروس منذ أن نشرت الصحف المحلية في يوم السبت 16/5/1428هـ خبر وفاة مواطن قبض عليه من قبل مركز هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شمال المملكة، تضاربت الأخبار واختلفت نقولها، واستغل الخبر أصحاب السوابق في الإساءة إلى هذا الجهاز الأمني المصابر، فزادوا في الأمر ونفخوا، وعللوا وحكموا واتهموا، مع أن القضية لا تزال رهن التبين والتثبت والتحقق.
ولقد ساء كثيراً من العلماء والدعاة وأهل الخير في هذا البلد الكريم أن يموت مسلم في مثل هذا الموقف، بل ساءهم ما قامت به بعض الصحف المحلية من إساءة للميت والتشهير به، ونشر بعض تفاصيل الحادثة المسيئة له, بينما الهيئة قامت بما تمليه لوائحها التنفيذية النظامية, فتم إحضاره إلى المركز لإكمال اللازم, وفي أثناء انتظاره أصيب بحالة إغماء فسقط على وجهه وتم على الفور طلب إسعاف الهلال الأحمر السعودي فحضر سريعاً, وحمله إلى المستشفى, ثم جاء نبأ وفاته رحمه الله تعالى ـ، والتقرير الأولي للحالة يشير إلى أن الوفاة طبيعية بسبب توقف القلب.
ولا ندري ماذا ستكون نتيجة التحقيق، ولكن ألم يحدث أن زار أحد أحدا فمات عنده؟ ألم يمت كثيرون في بيوت الله، ألا يحدث أن يضطرب الإنسان نفسيا عندما يفتضح أمره في أمر ممنوع شرعا أو نظاما، وقد يكون مريضا فيغمى عليه ويموت. ألم يمت آخرون في وسائل مواصلات، وفي الشوارع، بل في دوائر حكومية أخرى؟
فلماذا إذن ينفخ هؤلاء في النار حينما تتولد شرارة لها علاقة بهيئة تقوم على أمر عظيم من هذا الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن رجال الحسبة مثل غيرهم يصيبون ويخطئون، وعليهم أن يتحروا الصواب، وأن يتدربوا على حسن التعامل مع المخطئ، مثلهم مثل جميع الموظفين في جميع الدوائر الأمنية الأخرى، وحين يحاسبون.. يحاسبون أفرادا كما يحاسب أولئك على أخطائهم، ولا تحاسب الهيئة بوصفها دائرة حكومية متكاملة، وهي المتعلقة نظاما برئيس مجلس الوزراء.
بدأت الهيئة أعمالها في الرياض منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، ومنذ ذلك العهد والدولة تدرك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب تمارسه بكل مؤسساتها وأجهزتها يكل ما تتمتع به من قوة وهيبة، بل جعلته ركناً أساساً من أركان قيامها واستقرارها، ونص نظامها الأساس للحكم على ذلك فجاء فيه: (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق الشريعة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).
وكثيرا ما تحدث صاحب السمو الملكي وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز عن موقف الدولة الثابت والمستمر من الهيئة، وقال: ?سنقف مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسنعمل من أجلها وسنحافظ على كرامتها?. موجهاً إلى ضرورة التقيد بالمنهج النبوي الشريف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأكد أن ?إلغاء هيئة الأمر بالمعروف مرفوض اليوم وغدا? أعلنها وهو يعني بالتأكيد هذه الكلمة، ويعي جيداً دور رجال هذه الهيئة المجتمعي، في حفظ الأخلاق والأعراض، والحدّ من سلوكيات نشاز غريبة عن أصالة هذا المجتمع. بل قال في موقف آخر: ((بأن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي هيئات حكومية، جزء من الدولة، والدولة دولة الإسلام، وستظل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة ما دام الإسلام قائما في هذه الأرض)).
إن هذا الموقف النبيل يحمل رجالات الهيئات مسؤولية كبرى في القيام بدورهم على أكمل وجه، وأن يحفظوا لهذا الكيان جماله وهيبته، فإن أي خطأ يقع فيه فرد سوف يحسبه الحاقدون على الجهاز بأكمله.
همسة في أذن الهيئة: لماذا لا تدافعون عن أنفسكم بالطرق النظامية؟ فإن أحدا لن يستطيع أن يتسلق ظهرك إلا إذا انحنيت له.



هنا كانـــــــ مروريـــــــــــ

معـــ كلــــــ الودــــــ