ابن مشيب
02-Jul-2004, 04:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال زياد بن عثمان الغطفاني: كنا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا من طول الثواء، فإذا اعرابي يقول: يا معشر العرب، اما منكم رجل يأتيني اعلله اذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر وعنى!
فجئت اليه فقلت: من أنت! فقال: أنا الرماح بن ابرد. قلت: فأخبرني ببدء أمركما، قال: كانت أم جحدر من عشيرتي فأعجبتني، وكانت بيني وبينها خلة، ثم اني عتبت عليها في شىء بلغني عنها، فأتيتها فقلتك يا أم جحدر، ان الوصل عليك مردود، فقالت: ما قضى الله فهو خير. فلبثت على تلك الحال سنة.
وذهبت بهم نجعة فتباعدوا. واشتقت اليها شوقاً شديداً، فقلت لامرأة اخ لي: والله لئن دنت دارنا من أم جحدر لآتيتها، ولأطلبن اليها ان ترد الوصل بيني وبينها، ولئن ردته لا نقضته ابداً.
ولم يكن يومان حتى رجعوا، فلما اصبحت غدوت عليهم، فإذا انا ببيتين نازلين الى سند ابرق طويل، واذا امرأتان جالستان في كساء واحد بين البيتين، فجئت فسلمت، فردت احداهما ولم ترد الاخرى، وقالت: ما جاء بك يا رماح الينا؟ ما كنا حسبنا إلا انه قد انقطع ما بيننا وبينك. فقلت: اني جعلت علي نذراً لئن دنت بأم جحدر دار لآتينها، ولأطلبن منها ان ترد الوصل بيني وبينها، ولئن هي فعلت لا نقضته ابداً - واذا التي تكلمني امرأة اخيها، واذا الساكتة أم جحدر.
فقالت امرأة اخيها: فادخل مقدم البيت، فدخلت، وجاءت من مؤخرة فدنت قليلاً، ثم اذا هي قد برزت، فساعة برزت جاء غراب فنعب على رأس الابرق، فنظرت اليه، وشهقت وتغير وجهها، فقلت: ما شأنك؟ قالت: لا شيء، قلت: بالله إلا اخبرتني، قالت: ارى هذا الغراب يخبرني انا لا نجتمع بعد هذا اليوم إلا ببلد غير هذا البلد، فتقبضت نفسي، ثم قلت: جارية والله ما هي في بيت عيافة ولا قيافة.
ثم تروحت اهلي، فمكثت عندهم يومين، ثم اصبحت غادياً اليها، فقالت لي امرأة اخيها: ويحك يا رماح! أين تذهب؟ فقلت: اليكم، فقالت: وما تريد؟ قد والله زوجت ام جحدر البارحة، فقلت: بمن ؟ ويحك! قالت: برجل من اهل الشام من اهل بيتها، جاءهم من الشام فخطبها فزوجها، وقد حملت اليه!
فمضيت اليهم فإذا هو قد ضرب سرادقات، فجلست اليه فأنشدته، وحدثته وعدت اليه اياماً، ثم انه احتملها، فذهب بها، فقلت:
أجارتنا ان الخطوب تنوب=علينا، وبعض الآمنين تصيب
اجارتنا لست الغداة ببارح =ولكن مقيم ما اقام عسيب
فإن تسأليني هل صبرت فإنني=صبور على ريب الزمان صليب
جرى بانبتات الحبل من ام جحد=رظبا وطير بالفراق نعوب
نظرت فلم اعتف وعافت فبينت=لها الطير قبلي، واللبيب لبيب
فقالت: حرام ان نرى بعد هذه=جميعين إلا ان يلم غريب
اجارتنا صبراً، فيارب هالك =تقطع من وجد عليه قلوب
ثم انحدرت في طلبها، وطمعت في كلمتها: "إلا ان نجتمع في بلد غير هذا البلد".
فجئت فدرت الشأم زمانا، فتلقاني زوجها، فقال: مالك لا تغسل ثيابك هذه! ارسل بها الى الدار تغسل، فأرسلت بها.
ثم اني وقفت انتظر خروج الجارية بالثياب، فقالت أم جحدر لجاريتها: اذا جاء فأعلميني، فلما جئت اذا ام جحدر وراء الباب، فقالت: ويحك يا رماح! قد كنت احسب ان لك عقلاً! اما ترى امراً قد حيل دونه، وطابت أنفسنا عنه؟ انصرف الى عشيرتك فإني استحي لك من هذا المقام. فانصرفت وانا اقول:
عسى ان حججنا ان نرى ام جحدر=ويجمعنا من نخلتين طريق
وتصطك اعضاد المطي وبيننا =حديث مسر دون كل رفيق
قال زياد بن عثمان الغطفاني: كنا بباب بعض ولاة المدينة فغرضنا من طول الثواء، فإذا اعرابي يقول: يا معشر العرب، اما منكم رجل يأتيني اعلله اذ غرضنا من هذا المكان فأخبره عن أم جحدر وعنى!
فجئت اليه فقلت: من أنت! فقال: أنا الرماح بن ابرد. قلت: فأخبرني ببدء أمركما، قال: كانت أم جحدر من عشيرتي فأعجبتني، وكانت بيني وبينها خلة، ثم اني عتبت عليها في شىء بلغني عنها، فأتيتها فقلتك يا أم جحدر، ان الوصل عليك مردود، فقالت: ما قضى الله فهو خير. فلبثت على تلك الحال سنة.
وذهبت بهم نجعة فتباعدوا. واشتقت اليها شوقاً شديداً، فقلت لامرأة اخ لي: والله لئن دنت دارنا من أم جحدر لآتيتها، ولأطلبن اليها ان ترد الوصل بيني وبينها، ولئن ردته لا نقضته ابداً.
ولم يكن يومان حتى رجعوا، فلما اصبحت غدوت عليهم، فإذا انا ببيتين نازلين الى سند ابرق طويل، واذا امرأتان جالستان في كساء واحد بين البيتين، فجئت فسلمت، فردت احداهما ولم ترد الاخرى، وقالت: ما جاء بك يا رماح الينا؟ ما كنا حسبنا إلا انه قد انقطع ما بيننا وبينك. فقلت: اني جعلت علي نذراً لئن دنت بأم جحدر دار لآتينها، ولأطلبن منها ان ترد الوصل بيني وبينها، ولئن هي فعلت لا نقضته ابداً - واذا التي تكلمني امرأة اخيها، واذا الساكتة أم جحدر.
فقالت امرأة اخيها: فادخل مقدم البيت، فدخلت، وجاءت من مؤخرة فدنت قليلاً، ثم اذا هي قد برزت، فساعة برزت جاء غراب فنعب على رأس الابرق، فنظرت اليه، وشهقت وتغير وجهها، فقلت: ما شأنك؟ قالت: لا شيء، قلت: بالله إلا اخبرتني، قالت: ارى هذا الغراب يخبرني انا لا نجتمع بعد هذا اليوم إلا ببلد غير هذا البلد، فتقبضت نفسي، ثم قلت: جارية والله ما هي في بيت عيافة ولا قيافة.
ثم تروحت اهلي، فمكثت عندهم يومين، ثم اصبحت غادياً اليها، فقالت لي امرأة اخيها: ويحك يا رماح! أين تذهب؟ فقلت: اليكم، فقالت: وما تريد؟ قد والله زوجت ام جحدر البارحة، فقلت: بمن ؟ ويحك! قالت: برجل من اهل الشام من اهل بيتها، جاءهم من الشام فخطبها فزوجها، وقد حملت اليه!
فمضيت اليهم فإذا هو قد ضرب سرادقات، فجلست اليه فأنشدته، وحدثته وعدت اليه اياماً، ثم انه احتملها، فذهب بها، فقلت:
أجارتنا ان الخطوب تنوب=علينا، وبعض الآمنين تصيب
اجارتنا لست الغداة ببارح =ولكن مقيم ما اقام عسيب
فإن تسأليني هل صبرت فإنني=صبور على ريب الزمان صليب
جرى بانبتات الحبل من ام جحد=رظبا وطير بالفراق نعوب
نظرت فلم اعتف وعافت فبينت=لها الطير قبلي، واللبيب لبيب
فقالت: حرام ان نرى بعد هذه=جميعين إلا ان يلم غريب
اجارتنا صبراً، فيارب هالك =تقطع من وجد عليه قلوب
ثم انحدرت في طلبها، وطمعت في كلمتها: "إلا ان نجتمع في بلد غير هذا البلد".
فجئت فدرت الشأم زمانا، فتلقاني زوجها، فقال: مالك لا تغسل ثيابك هذه! ارسل بها الى الدار تغسل، فأرسلت بها.
ثم اني وقفت انتظر خروج الجارية بالثياب، فقالت أم جحدر لجاريتها: اذا جاء فأعلميني، فلما جئت اذا ام جحدر وراء الباب، فقالت: ويحك يا رماح! قد كنت احسب ان لك عقلاً! اما ترى امراً قد حيل دونه، وطابت أنفسنا عنه؟ انصرف الى عشيرتك فإني استحي لك من هذا المقام. فانصرفت وانا اقول:
عسى ان حججنا ان نرى ام جحدر=ويجمعنا من نخلتين طريق
وتصطك اعضاد المطي وبيننا =حديث مسر دون كل رفيق