عبدالرحمن الهيلوم
10-Aug-2009, 11:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
أقدم لكم هذا الموضوع لعله يجد له صدى في قلوبكم .
حيث ذكر الله تعالى الناس وقسمهم إلى ثلاث فئات: أصحاب قلوب سليمة صحيحة وهم أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- وأصحاب قلوب ميتة وهم أهل الكفر، وأصحاب قلوب مريضة وهم أهل النفاق. فذكر الله أصحاب القلوب الصحيحة بأربع آيات، وذكر الله أصحاب القلوب الميتة بآيتين، وذكر أصحاب القلوب المريضة بثلاث عشرة آية حتى يكشفهم ويعريهم
فقال في أول سورة البقرة: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] يعني: أهل القلوب الصحيحة يكون القرآن سبباً في هدايتهم. فما صفاتهم؟ قال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] أي: لا يعيشون في سجن المادة المنظورة بالعين، بل يؤمنون بعالم الغيب والشهادة، فما غيب عنا فإنه أعظم بملايين المرات مما ظهر لنا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة:4] أي: القرآن وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:4-5] الله أكبر ما أعظم هذا التذييل المناسب (أولئك) اسم إشارة للبعيد، لعلو منزلتهم ولعلو درجتهم عند الله عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:5] يعني ليس هناك ضلال وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5] جعلنا الله وإياكم منهم.
والقلب السليم وهو الذي تمكَّن فيه الإيمان ، وأصبح عامراً بحب الله ورسوله ، وهو الذي سَلِمَ من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره ، وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به ، كما قال تعالى : { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم }
ثم ذكر الله أصحاب القلوب الميتة التي لا حياة فيها، فقال سبحانه فيهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] لأن الله علم عدم انتفاعهم بالإنذار، ولماذا? قال تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7].
والقلب الميت وهو قلب مظلم موحش خالي من الإيمان كالبيت الخرف تسكنه الشياطين و قد امتلأ بالفسوق والكفر والعصيان وهو قلب الكافر ، فلا حياة فيه ، وصاحبه لا يعرف ربَّه ، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه ، بل هو واقف مع شهواته ولذاته ، منقاد لها ، أعمى يتخبط في طريق الضلالة ، إن أحب أو أبغض فلهواه ، وإن أعطى أو منع فلهواه ، فهواه مقدِّم عنده على رضا مولاه.
ثم انتقل إلى أصحاب القلوب المريضة الذين أظهروا للناس شيئاً وأبطنوا غيره، فأظهروا للناس الإيمان وأبطنوا الكفر والنفاق، فهؤلاء أمرهم مشكل، ووضعهم غريب، فلا بد من توضيح حالهم وكشف احتيالهم، فكشفهم الله تعالى فقال: وَمِنْ النَّاسِ [البقرة:8] أي ليس مؤمناً من الأولين وليس كافراً من الآخرين، ولكن يلبس لبوس الإيمان، ويخفي الكفر قال: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10].
وشفاء هذا المرض وعلاجه بأدوية:
أعظمها القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى قال: وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57].
ثانياً: السنة المطهرة، هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة عيشه، كيف يعبد الله؟ هديه في كل شيء.
ثالثاً: حب المساجد؛ لأنها مشافي القلوب، والملازمة لها والمداومة عليها؛ لأن من ألف المسجد ألفه الله، ومن أحب المسجد أحبه الله، ومن مشى إلى المساجد في ظلمة الليل لقي الله بنور تام يوم القيامة، فحبك للمسجد مما يقوي إيمانك ويسلم قلبك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) فحب المساجد مهم جداً.
رابعاً: حب العلماء؛ لأنهم أطباء القلوب، فإذا أحببتهم ولازمتهم وجلست معهم سلم قلبك.
خامساً: حب الأخوة في الله، عليك أن تتعرف على مجموعة من الصالحين وتربط بهم علاقة الإيمان وتجالسهم، إن كسلت نشطوك وإن غفلت نبهوك، وإن نسيت ذكروك، وإن أخطأت رجعوك، المهم معك في الطريق يعينونك على طاعة الله.
سادساً: بغض أهل الفسق والمعاصي والحذر من مجالستهم، فإنهم مرضى، ولا بد من الحظر الصحي عليهم، فمن جالس المرضى مرض، أليس كذلك؟! فواحد عنده سل، وثان عنده إيدز، وثالث عنده سرطان، تجلس معهم وتأكل وتشرب، لا والله! ولو كانوا إخوانك لا تأكل وتشرب معهم، تقول: والله! ما أقعد معكم. فاعلم أن هذا عنده سل في دينه، وإيدز في أخلاقه، وسرطان في عقيدته، ما رأيك بهذا تجلس معه؟ خطأ، إذا جلست معه أوردك النار، فاحذر منه وبهذه الأسباب الستة إن شاء الله يسلم قلبك بإذن الله.
أما أصحاب القلوب المريضة وهو قلب مريض متقلب بين الإيمان والنفاق يصحو تارة ويغفو تارة وتعصف به رياح الأهواء والفتن وللشياطين عليه إقبال وإدبار وهو ضعيف الإيمان حيث غزته الشبهات والشهوات حتى شغلته عن حب الله ورسوله ، فأصبح معتلاً فاسداً ، وهو قلب له حياة وبه مرض ، وهو لما غلب منهما ، إن غلب عليه مرضه التحق بالقلب الميت ، وإن غلبت عليه صحته التحق بالقلب السليم
والشفاء الحقيقي بل كل الشفاء منه وإليه كما قال إبراهيم عليه السلام: { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ }.
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء )).
وفي المسند من حديث ابن مسعود يرفعه : ((إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله )) .
وهذه الأمراض لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }
وقال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }
أنـــــــــــــــواع القلـــــــــــوب التي ذُكِرت في القرآن الكريم ذكر الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم أنواعاً كثيرة من القلوب منها :
القلب السليم :
وهو مخلص لله وخالٍ من من الكفر والنفاق والرذيلة .
قال تعالى : { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
القلب المنيب :
وهو دائم الرجوع والتوبة إلى الله مقبل على طاعته .
قال تعالى : { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ }
القلب المخبت :
الخاضع المطمئن الساكن .
َ قال تعالى : { فتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ }
القلب الوجل :
وهو الذي يخاف الله عز وجل ألا يقبل منه العمل ، وألا ينجى من عذاب ربه .
قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }
القلب التقي :
وهو الذي يعظّم شعائر الله.
قال تعالى : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }
القلب المهدي :
الراضي بقضاء الله والتسليم بأمره
قال تعالى : { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }
القلب المطمئن :
يسكن بتوحيد الله وذكره .
َ قال تعالى : { وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّه }
القلب الحي :
قَلْب يَعْقِل مَا قَدْ سَمِعَ مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي ضَرَبَ اللَّه بِهَا مَنْ عَصَاهُ مِنْ الْأُمَم .
قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ }
القلب المريض :
وهو الذي أصابه مرض مثل الشك أو النفاق وفيه فجور ومرض في الشهوة الحرام .
قال تعالى : { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }
القلب الأعمى :
وهو الذي لا يبصر ولا يدرك الحق والاعتبار .
قال تعالى : { وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }
القلب اللاهي :
غافل عن القرآن الكريم, مشغول بأباطيل الدنيا وشهواتها, لا يعقل ما فيه .
قال تعالى : { لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ }
القلب الآثم :
وهو الذي يكتم شهادة الحق .
قال تعالى : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }
القلب المتكبر :
مستكبر عن توحيد الله وطاعته, جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
َ قال تعالى : { قلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }
القلب الغليظ :
وهو الذي نُزعت منه الرأفة والرحمة .
قال تعالى : { وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }
القلب المختوم :
فلم يسمع الهدى ولم يعقله .
قال تعالى : { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ }
القلب القاسي :
لا يلين للإيمان, ولا يؤثِّرُ فيه زجر وأعرض عن ذكر الله .
قال تعالى : { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً }
القلب الغافل :
غافلا عن ذكرنا، وآثَرَ هواه على طاعة مولاه .
قال تعالى : { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا }
الَقلب الأغلف :
قلب مغطى, لا يَنْفُذ إليها قول الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ }
القلب الزائغ :
مائل عن الحق .
َ قال تعالى : { فأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ }
القلب المريب:
شاكٍ متحير .
قال تعالى : { وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ }
العلامات والأعراض الدالة على مرض القلب:
1- فقدان الشهية: فإن القلب له غذاء كما أن للجسد غذاء، فغذاء القلب ذكر الله من قراءة للقرآن وتسبيح وتهليل وتحميد وتكبير وسائر أنواع العبادات فإذا مرض القلب لم يجد مساغًا للقرآن والذكر ومتى ما صح تلذذ بها، بل ولا يكاد يشبع منهما البتة.
2- الضعف والهزال: فكما أن الجسد إذا مرض خارت قواه وضعف. فكذلك القلب المريض لا يقوى على الطاعات فتكون عليه من أشق الأعمال.
كما قال تعالى في الصلاة: { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } والخاشعون هم أصحاب القلوب السليمة الصحيحة وأمّا أصحاب القلوب المريضة فإنهما تكون عليهم كبيرة أي شاقة لضعف وهزال قلوبهم عياذّا بالله.
3- الاشمئزاز عند ذكر الله والفرح والاستبشار عند اللهو والباطل:
كما قال تعالى: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
فصاحب القلب الذي فيه مرض يأنس ويطرب للمجالس التي تكون بالساعات الطوال وتدار بغير ذكر الله ، ويهيم أصحابها في أودية الدنيا. فإذا حضر محاضرة أو موعظة يذكر فيها الله تضايق وقال بلسان حاله:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل *** بصبح وما الإصباح منك بأمثل
4- الأنس بأصحاب الذنوب والمعاصي ومحبتهم والوحشة من الصالحين وبغضهم عياذًا بالله.
5- البهجة والسرور والراحة عند دخول الأسواق ومنتديات اللهو والملاعب، والضيق والحرج والتململ عند دخول المساجد والمنتديات الإيمانية.
6- عدم الشعور بجراحات الذنوب والمعاصي فيكذب ويترك الصلاة ويزني وهكذا ثم لا يجد وخز الضمير فإذا كان في القلب حياة وجد لذلك أثرًا بحسب ما فيه من الحياة.
ثانيًا: جوالب وأسباب مرض القلب:
1- إهمال وترك تغذيته بالأغذية النافعة، واستبدالها بالأغذية الضارة فيترك الطاعات من فرائض وواجبات، ومستحبات ومندوبات، ويفتح على قلبه من الذنوب والمعاصي كثيرًا من القنوات، ويجعل له فيها صولات وجولات.
كما قال الشاعر:
رئيتُ الذنوب تميت القلوب *** وقد يــورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخـــير لنفســك عصيانها
2- الفتن سواء كانت فتن شهوات أو شبهات:
كما في حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأتي قلب اشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مرباد كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض )).
3. فضول الكلام:
والمقصود بفضول الكلام أي ما ليس له حاجة، فإن الإكثار منه سم من سموم القلوب قال ابن القيم رحمه الله تعالى: سموم القلوب أربعة: فضول الكلام وفضول النظر، وفضول الطعام، وفضول المخالطة.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطورة كثرة الكلام فيما لا ينفع فقال: كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت )).
وفي حديث معاذ قال صلى الله عليه وسلم : ((... أملك عليك هذا، قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذ ون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم )).
4- فضول النظر:
كما في الحديث: ((والنظر سهم مسمون من سهام إبليس، فمن غض بصره لله أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه )).
وقال تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ }
((وإطلاق البصر يلبس القلب ظلمة، كما أن غض البصر لله عز وجل يلبسه نــورًا، وقد ذكـــر الله عز وجل آية النور : { الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } بعد قوله { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية، كما أنه إذا أظلم أقبلت إليه سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان )).
فمن غض بصره عن الحرام نور الله بصيرته، ومن أطلق نظره في الحرام أعمى الله بصيرته وأمرض قلبه عياذًا بالله.
5- فضول الطعام:
فكثرة الطعام تميت القلب وهي رأس كل داء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما ملاء ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبة، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه )).
وقال إبراهيم ابن أدهم: ((من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان )).
6- فضول المخالطة:
والناس في هذا الباب أربعة أقسام:
القسم الأول: من مخالطته كالغذاء لا يستغني عنه في اليوم والليلة وهم العلماء والصالحون.
القسم الثاني: من مخالطته كالدواء لا يأخذه الإنسان إلاّ عند الحاجة فقط وبقدر محدود وهذا الصنف من الناس هم ما لابد لك من مخالطته كزملاء العمل ومن تتعامل معهم في بيع وشراء ونحو ذلك. فإذا قضيت حاجتك التي لابد منها معهم فعجل بتركهم اللهم إن كانوا من الصنف الأول.
القسم الثالث: من مـخالطته كالداء.
وهم من يجاهرون بمعاصيهم ويتبجحون بذنوبهم فهذا الصنف لا تخالطه مهما كلفك الفرار منهم فإن مخالطتهم تقسي القلب نسأل الله السلامة والعافية.
القسم الرابع: من مخالطته الهلاك الذي لا نجاة بعده:
وهؤلاء هم الكفار وأهل البدع، كان الإمام أحمد إذا رأى الكافر يغمض عيناه فلما سئل عن ذلك قال النظر إليهم يميت القلب.
ثالثًا: سبل الوقاية والعلاج:
1- ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن.
2- الاستغفار والتوبة النصوح.
3- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى.
4- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
5- قيام الليل وكثرة مناجاة الله تعالى.
6- تجنب مواطن الفتن ومحاضن الفساد.
وختامًا نسأل الله تعالى أن يمن علينا بشفاء قلوبنا وصحة أبداننا وذهاب أسقامنا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وبغض إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم، ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ...
عندما تعمى القلوب
تنتكس الفطرة فتتبدل الحقائق ويطيش ميزان العقل فيضل الإنسان ويشقى وإن كان يلبس أجمل الحلل ويسكن أفضل الفلل ويعتلي أبهى المراكب
يتبدل الإحساس وتجمد المشاعر ويموت الضمير ويصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا
قال تعالى { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا }
يموت الإنسان وإن كان حيا يرزق ويندثر ذكره وإن كان في الخضم
ويصغر عند الله وإن كان في أعين الخلق كبيرا وإن انتفخت أوداجه وعلا سلطانه إلا أن الذلة لا تفارق محياه والصَغار لا يفارق عيناه
قال تعالى { ومن يهن الله فما له من مكرم }
تضيع الأمة في بيداء الخذلان ولا تخرج منها إلا إلى قبرها تتخطفها الأيادي
وتموت تلك القلوب ولا تحرك ساكنا وتصبح جلمودا من الصخر وقطعة من الحديد بل قل أشد من الحديد وأقسى من الحجر
وصدق الله حين قال{ ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}
وهكذا هي القلوب عندما تعمى بصائرها وتخنس ضمائرها وتطفأ أنوارها
{ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
يتبدل الإحساس وتجمد المشاعر ويموت الضمير ويصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا
قال تعالى { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا }
رأيت الذنوب تميت القلوب * * * وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب * * * وخير لنفسك عصيانها
ولكن عندما تبصر القلوب :
عندما تبصر القلوب ينجلي ظلامها ويوقد سراجها وتقبل إلى بارئها وتخنس شياطينها
فتشرق وتضيء وتتوهج ويسري نورها إلى حيث شاء الله
{ أوَ من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس }
وتلين تلك القلوب بعد قسوة وتذوب بعد جمود وبعد أن كانت لا تعرف إلا العصيان أصبحت منبع الإيمان والعطف والحنان وفي هذا الوقت بالذات أصبحت تلك القلوب التي يحبها الله ويجلها الناس وتستحق ذلك الشرف العالي { إلا من أتى الله بقلب سليم }
اللهم اجعلنا من أصحاب القلوب السليمة .
سبحان الله ما أحلمه .. المعصيةُ في حقه ثم ينادي علينا :
قال تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }
فنسألك اللهم توبة تمحوا بها ما سلف وما كان .
م ن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
أقدم لكم هذا الموضوع لعله يجد له صدى في قلوبكم .
حيث ذكر الله تعالى الناس وقسمهم إلى ثلاث فئات: أصحاب قلوب سليمة صحيحة وهم أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- وأصحاب قلوب ميتة وهم أهل الكفر، وأصحاب قلوب مريضة وهم أهل النفاق. فذكر الله أصحاب القلوب الصحيحة بأربع آيات، وذكر الله أصحاب القلوب الميتة بآيتين، وذكر أصحاب القلوب المريضة بثلاث عشرة آية حتى يكشفهم ويعريهم
فقال في أول سورة البقرة: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] يعني: أهل القلوب الصحيحة يكون القرآن سبباً في هدايتهم. فما صفاتهم؟ قال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] أي: لا يعيشون في سجن المادة المنظورة بالعين، بل يؤمنون بعالم الغيب والشهادة، فما غيب عنا فإنه أعظم بملايين المرات مما ظهر لنا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة:4] أي: القرآن وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:4-5] الله أكبر ما أعظم هذا التذييل المناسب (أولئك) اسم إشارة للبعيد، لعلو منزلتهم ولعلو درجتهم عند الله عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:5] يعني ليس هناك ضلال وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:5] جعلنا الله وإياكم منهم.
والقلب السليم وهو الذي تمكَّن فيه الإيمان ، وأصبح عامراً بحب الله ورسوله ، وهو الذي سَلِمَ من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره ، وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به ، كما قال تعالى : { يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم }
ثم ذكر الله أصحاب القلوب الميتة التي لا حياة فيها، فقال سبحانه فيهم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6] لأن الله علم عدم انتفاعهم بالإنذار، ولماذا? قال تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7].
والقلب الميت وهو قلب مظلم موحش خالي من الإيمان كالبيت الخرف تسكنه الشياطين و قد امتلأ بالفسوق والكفر والعصيان وهو قلب الكافر ، فلا حياة فيه ، وصاحبه لا يعرف ربَّه ، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه ، بل هو واقف مع شهواته ولذاته ، منقاد لها ، أعمى يتخبط في طريق الضلالة ، إن أحب أو أبغض فلهواه ، وإن أعطى أو منع فلهواه ، فهواه مقدِّم عنده على رضا مولاه.
ثم انتقل إلى أصحاب القلوب المريضة الذين أظهروا للناس شيئاً وأبطنوا غيره، فأظهروا للناس الإيمان وأبطنوا الكفر والنفاق، فهؤلاء أمرهم مشكل، ووضعهم غريب، فلا بد من توضيح حالهم وكشف احتيالهم، فكشفهم الله تعالى فقال: وَمِنْ النَّاسِ [البقرة:8] أي ليس مؤمناً من الأولين وليس كافراً من الآخرين، ولكن يلبس لبوس الإيمان، ويخفي الكفر قال: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10].
وشفاء هذا المرض وعلاجه بأدوية:
أعظمها القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى قال: وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ [يونس:57].
ثانياً: السنة المطهرة، هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة عيشه، كيف يعبد الله؟ هديه في كل شيء.
ثالثاً: حب المساجد؛ لأنها مشافي القلوب، والملازمة لها والمداومة عليها؛ لأن من ألف المسجد ألفه الله، ومن أحب المسجد أحبه الله، ومن مشى إلى المساجد في ظلمة الليل لقي الله بنور تام يوم القيامة، فحبك للمسجد مما يقوي إيمانك ويسلم قلبك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) فحب المساجد مهم جداً.
رابعاً: حب العلماء؛ لأنهم أطباء القلوب، فإذا أحببتهم ولازمتهم وجلست معهم سلم قلبك.
خامساً: حب الأخوة في الله، عليك أن تتعرف على مجموعة من الصالحين وتربط بهم علاقة الإيمان وتجالسهم، إن كسلت نشطوك وإن غفلت نبهوك، وإن نسيت ذكروك، وإن أخطأت رجعوك، المهم معك في الطريق يعينونك على طاعة الله.
سادساً: بغض أهل الفسق والمعاصي والحذر من مجالستهم، فإنهم مرضى، ولا بد من الحظر الصحي عليهم، فمن جالس المرضى مرض، أليس كذلك؟! فواحد عنده سل، وثان عنده إيدز، وثالث عنده سرطان، تجلس معهم وتأكل وتشرب، لا والله! ولو كانوا إخوانك لا تأكل وتشرب معهم، تقول: والله! ما أقعد معكم. فاعلم أن هذا عنده سل في دينه، وإيدز في أخلاقه، وسرطان في عقيدته، ما رأيك بهذا تجلس معه؟ خطأ، إذا جلست معه أوردك النار، فاحذر منه وبهذه الأسباب الستة إن شاء الله يسلم قلبك بإذن الله.
أما أصحاب القلوب المريضة وهو قلب مريض متقلب بين الإيمان والنفاق يصحو تارة ويغفو تارة وتعصف به رياح الأهواء والفتن وللشياطين عليه إقبال وإدبار وهو ضعيف الإيمان حيث غزته الشبهات والشهوات حتى شغلته عن حب الله ورسوله ، فأصبح معتلاً فاسداً ، وهو قلب له حياة وبه مرض ، وهو لما غلب منهما ، إن غلب عليه مرضه التحق بالقلب الميت ، وإن غلبت عليه صحته التحق بالقلب السليم
والشفاء الحقيقي بل كل الشفاء منه وإليه كما قال إبراهيم عليه السلام: { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ }.
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء )).
وفي المسند من حديث ابن مسعود يرفعه : ((إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله )) .
وهذه الأمراض لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }
وقال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }
أنـــــــــــــــواع القلـــــــــــوب التي ذُكِرت في القرآن الكريم ذكر الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم أنواعاً كثيرة من القلوب منها :
القلب السليم :
وهو مخلص لله وخالٍ من من الكفر والنفاق والرذيلة .
قال تعالى : { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
القلب المنيب :
وهو دائم الرجوع والتوبة إلى الله مقبل على طاعته .
قال تعالى : { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ }
القلب المخبت :
الخاضع المطمئن الساكن .
َ قال تعالى : { فتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ }
القلب الوجل :
وهو الذي يخاف الله عز وجل ألا يقبل منه العمل ، وألا ينجى من عذاب ربه .
قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }
القلب التقي :
وهو الذي يعظّم شعائر الله.
قال تعالى : { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }
القلب المهدي :
الراضي بقضاء الله والتسليم بأمره
قال تعالى : { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }
القلب المطمئن :
يسكن بتوحيد الله وذكره .
َ قال تعالى : { وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّه }
القلب الحي :
قَلْب يَعْقِل مَا قَدْ سَمِعَ مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي ضَرَبَ اللَّه بِهَا مَنْ عَصَاهُ مِنْ الْأُمَم .
قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ }
القلب المريض :
وهو الذي أصابه مرض مثل الشك أو النفاق وفيه فجور ومرض في الشهوة الحرام .
قال تعالى : { فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }
القلب الأعمى :
وهو الذي لا يبصر ولا يدرك الحق والاعتبار .
قال تعالى : { وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }
القلب اللاهي :
غافل عن القرآن الكريم, مشغول بأباطيل الدنيا وشهواتها, لا يعقل ما فيه .
قال تعالى : { لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ }
القلب الآثم :
وهو الذي يكتم شهادة الحق .
قال تعالى : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }
القلب المتكبر :
مستكبر عن توحيد الله وطاعته, جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
َ قال تعالى : { قلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }
القلب الغليظ :
وهو الذي نُزعت منه الرأفة والرحمة .
قال تعالى : { وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ }
القلب المختوم :
فلم يسمع الهدى ولم يعقله .
قال تعالى : { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ }
القلب القاسي :
لا يلين للإيمان, ولا يؤثِّرُ فيه زجر وأعرض عن ذكر الله .
قال تعالى : { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً }
القلب الغافل :
غافلا عن ذكرنا، وآثَرَ هواه على طاعة مولاه .
قال تعالى : { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا }
الَقلب الأغلف :
قلب مغطى, لا يَنْفُذ إليها قول الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ }
القلب الزائغ :
مائل عن الحق .
َ قال تعالى : { فأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ }
القلب المريب:
شاكٍ متحير .
قال تعالى : { وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ }
العلامات والأعراض الدالة على مرض القلب:
1- فقدان الشهية: فإن القلب له غذاء كما أن للجسد غذاء، فغذاء القلب ذكر الله من قراءة للقرآن وتسبيح وتهليل وتحميد وتكبير وسائر أنواع العبادات فإذا مرض القلب لم يجد مساغًا للقرآن والذكر ومتى ما صح تلذذ بها، بل ولا يكاد يشبع منهما البتة.
2- الضعف والهزال: فكما أن الجسد إذا مرض خارت قواه وضعف. فكذلك القلب المريض لا يقوى على الطاعات فتكون عليه من أشق الأعمال.
كما قال تعالى في الصلاة: { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } والخاشعون هم أصحاب القلوب السليمة الصحيحة وأمّا أصحاب القلوب المريضة فإنهما تكون عليهم كبيرة أي شاقة لضعف وهزال قلوبهم عياذّا بالله.
3- الاشمئزاز عند ذكر الله والفرح والاستبشار عند اللهو والباطل:
كما قال تعالى: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
فصاحب القلب الذي فيه مرض يأنس ويطرب للمجالس التي تكون بالساعات الطوال وتدار بغير ذكر الله ، ويهيم أصحابها في أودية الدنيا. فإذا حضر محاضرة أو موعظة يذكر فيها الله تضايق وقال بلسان حاله:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل *** بصبح وما الإصباح منك بأمثل
4- الأنس بأصحاب الذنوب والمعاصي ومحبتهم والوحشة من الصالحين وبغضهم عياذًا بالله.
5- البهجة والسرور والراحة عند دخول الأسواق ومنتديات اللهو والملاعب، والضيق والحرج والتململ عند دخول المساجد والمنتديات الإيمانية.
6- عدم الشعور بجراحات الذنوب والمعاصي فيكذب ويترك الصلاة ويزني وهكذا ثم لا يجد وخز الضمير فإذا كان في القلب حياة وجد لذلك أثرًا بحسب ما فيه من الحياة.
ثانيًا: جوالب وأسباب مرض القلب:
1- إهمال وترك تغذيته بالأغذية النافعة، واستبدالها بالأغذية الضارة فيترك الطاعات من فرائض وواجبات، ومستحبات ومندوبات، ويفتح على قلبه من الذنوب والمعاصي كثيرًا من القنوات، ويجعل له فيها صولات وجولات.
كما قال الشاعر:
رئيتُ الذنوب تميت القلوب *** وقد يــورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخـــير لنفســك عصيانها
2- الفتن سواء كانت فتن شهوات أو شبهات:
كما في حديث حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأتي قلب اشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مرباد كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض )).
3. فضول الكلام:
والمقصود بفضول الكلام أي ما ليس له حاجة، فإن الإكثار منه سم من سموم القلوب قال ابن القيم رحمه الله تعالى: سموم القلوب أربعة: فضول الكلام وفضول النظر، وفضول الطعام، وفضول المخالطة.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطورة كثرة الكلام فيما لا ينفع فقال: كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت )).
وفي حديث معاذ قال صلى الله عليه وسلم : ((... أملك عليك هذا، قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذ ون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم )).
4- فضول النظر:
كما في الحديث: ((والنظر سهم مسمون من سهام إبليس، فمن غض بصره لله أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه )).
وقال تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ }
((وإطلاق البصر يلبس القلب ظلمة، كما أن غض البصر لله عز وجل يلبسه نــورًا، وقد ذكـــر الله عز وجل آية النور : { الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } بعد قوله { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية، كما أنه إذا أظلم أقبلت إليه سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان )).
فمن غض بصره عن الحرام نور الله بصيرته، ومن أطلق نظره في الحرام أعمى الله بصيرته وأمرض قلبه عياذًا بالله.
5- فضول الطعام:
فكثرة الطعام تميت القلب وهي رأس كل داء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما ملاء ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبة، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه )).
وقال إبراهيم ابن أدهم: ((من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان )).
6- فضول المخالطة:
والناس في هذا الباب أربعة أقسام:
القسم الأول: من مخالطته كالغذاء لا يستغني عنه في اليوم والليلة وهم العلماء والصالحون.
القسم الثاني: من مخالطته كالدواء لا يأخذه الإنسان إلاّ عند الحاجة فقط وبقدر محدود وهذا الصنف من الناس هم ما لابد لك من مخالطته كزملاء العمل ومن تتعامل معهم في بيع وشراء ونحو ذلك. فإذا قضيت حاجتك التي لابد منها معهم فعجل بتركهم اللهم إن كانوا من الصنف الأول.
القسم الثالث: من مـخالطته كالداء.
وهم من يجاهرون بمعاصيهم ويتبجحون بذنوبهم فهذا الصنف لا تخالطه مهما كلفك الفرار منهم فإن مخالطتهم تقسي القلب نسأل الله السلامة والعافية.
القسم الرابع: من مخالطته الهلاك الذي لا نجاة بعده:
وهؤلاء هم الكفار وأهل البدع، كان الإمام أحمد إذا رأى الكافر يغمض عيناه فلما سئل عن ذلك قال النظر إليهم يميت القلب.
ثالثًا: سبل الوقاية والعلاج:
1- ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن.
2- الاستغفار والتوبة النصوح.
3- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى.
4- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
5- قيام الليل وكثرة مناجاة الله تعالى.
6- تجنب مواطن الفتن ومحاضن الفساد.
وختامًا نسأل الله تعالى أن يمن علينا بشفاء قلوبنا وصحة أبداننا وذهاب أسقامنا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وبغض إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم، ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ...
عندما تعمى القلوب
تنتكس الفطرة فتتبدل الحقائق ويطيش ميزان العقل فيضل الإنسان ويشقى وإن كان يلبس أجمل الحلل ويسكن أفضل الفلل ويعتلي أبهى المراكب
يتبدل الإحساس وتجمد المشاعر ويموت الضمير ويصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا
قال تعالى { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا }
يموت الإنسان وإن كان حيا يرزق ويندثر ذكره وإن كان في الخضم
ويصغر عند الله وإن كان في أعين الخلق كبيرا وإن انتفخت أوداجه وعلا سلطانه إلا أن الذلة لا تفارق محياه والصَغار لا يفارق عيناه
قال تعالى { ومن يهن الله فما له من مكرم }
تضيع الأمة في بيداء الخذلان ولا تخرج منها إلا إلى قبرها تتخطفها الأيادي
وتموت تلك القلوب ولا تحرك ساكنا وتصبح جلمودا من الصخر وقطعة من الحديد بل قل أشد من الحديد وأقسى من الحجر
وصدق الله حين قال{ ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}
وهكذا هي القلوب عندما تعمى بصائرها وتخنس ضمائرها وتطفأ أنوارها
{ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
يتبدل الإحساس وتجمد المشاعر ويموت الضمير ويصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا
قال تعالى { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا }
رأيت الذنوب تميت القلوب * * * وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب * * * وخير لنفسك عصيانها
ولكن عندما تبصر القلوب :
عندما تبصر القلوب ينجلي ظلامها ويوقد سراجها وتقبل إلى بارئها وتخنس شياطينها
فتشرق وتضيء وتتوهج ويسري نورها إلى حيث شاء الله
{ أوَ من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس }
وتلين تلك القلوب بعد قسوة وتذوب بعد جمود وبعد أن كانت لا تعرف إلا العصيان أصبحت منبع الإيمان والعطف والحنان وفي هذا الوقت بالذات أصبحت تلك القلوب التي يحبها الله ويجلها الناس وتستحق ذلك الشرف العالي { إلا من أتى الله بقلب سليم }
اللهم اجعلنا من أصحاب القلوب السليمة .
سبحان الله ما أحلمه .. المعصيةُ في حقه ثم ينادي علينا :
قال تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون }
فنسألك اللهم توبة تمحوا بها ما سلف وما كان .
م ن